الفصل: السابع والثلاثون "مشاهد غريبة"
بعد ساعاتٍ أخرى، وصلوا أخيرًا إلى وجهتهم، ليفاجأوا بما رأوه.
كانت المنطقة تبدو مشوهة، كما لو أن أحدهم رسم لوحة فنية ثم مزج الألوان بشكل فوضوي، لتظهر كل التفاصيل وكأنها مرتبكة وغير مترابطة. المشهد كان غريبًا، والأشياء حولها بدت مشوهة كما لو أن الواقع نفسه قد تشوه.
قطع الصمت الذي خيم على المكان صوت لينا، وهي تقول بحزم: "لنَتقدّم."
استفاق الفريق من دهشتهم وتقدموا خلف لينا.
وبمجرد أن خطوا داخل تلك الفوضى، اختفوا... واختفى التشوه بعدها.
...
فتح نيفاليس عينيه ببطء، واعتصره إحساسٌ بالبرودة. هذا غريب حقًا... أجواء المملكة مشمسة طوال العام، فما الذي يحدث هنا؟
تسمر مكانه، وعينيه اتسعتا من الصدمة. أمامه، امتد في الأفق سهلٌ جليدي أبيض لا نهاية له، مغطى بأشجار جليدية شاهقة، جذورها مصنوعة من بلور شفاف، وأوراقها كالزجاج.
تمتم نيفاليس في صدمة:
"غابة الصقيع...؟"
توجهت عيناه إلى أعضاء الفريق، فوجدهم جميعًا في نفس حالة الدهشة.
"كيف...؟"
كان هذا السؤال يتردد في عقولهم جميعًا. الطقس البارد، السهل الجليدي الأبيض، وتلك الأشجار البيضاء الشاهقة... هذه الأشياء لم تكن موجودة في المملكة. لقد كانوا في غرب المملكة منذ لحظات، فكيف أصبحوا الآن في شمال القارة؟
لقد كان جو القارة مشمس معتدل طوال العام ماعدا الشمال كان يغطية سهل أبيض علي من الجليد
لا أحد منهم ذهب الي شمال القارة من قبل ولاكن وصف الشمال كان مذكور في الكتب.
لا أحد يعرف السبب وراء جليده الدائم، بعضهم قيل أنة أحد السحرة القدامى هو من سبب ذلك.
لكن، ما مقدار القوة والرتبة التي يمكن أن يمتلكها شخص ليحول أكثر من ربع القارة إلى صقيع؟
"ه...هذه... غابة الصقيع في الشمال؟"
تمتمت سيليست بصوت مرتجف، غير مصدقة لما تراه.
"ما الذي يحدث هنا بحق الجحيم؟!"
قال فليكس وهو ينكمش من البرد، واضح الانزعاج على وجهه. لم يكن غريبًا، فهو ساحر نار... وهذا المكان يبدو وكأنه الجحيم المعاكس له.
قالت لينا وهي تنظر حولها بتوجس:
"هذا يشبه الإحساس الذي شعرت به عند استخدامي لإحدى بوابات النقل في المدن الرئيسية."
"نفس الشعور انتابني أيضًا."
أضافت سيليست، وقد بدأت ملامح التوتر تتسلل إلى وجهها.
بصفتهم أحد الفرق الثلاثة الكبرى في اتحاد المرتزقة، فقد استخدموا بوابات النقل أكثر من مرة... لكن هذا؟ كان شيئًا مختلفًا تمامًا.
ضيق نيفاليس عينيه وهمس بنبرة جادة:
"تشوّه في الفضاء."
تبادل أعضاء الفرقة النظرات باستغراب، قبل أن ينطق فليكس مترددًا:
"تشوّه... ماذا؟"
كان قد أوقد شعلة صغيرة بين أصابعه ليتخلص من البرد، بينما كانت عيونه مركزة على نيفاليس ينتظر تفسيرًا.
قال نيفاليس وهو يسير ببطء:
"تشوّه الفضاء... مصطلح ذكر في الكتب القديمة. يحمل العديد من التعريفات الأصغر تحتة:
مثل أضطراب الفضاء و فجوة الفضاء و نبض الفضاء وغيرها من المصطلحات.
لكن أهم ما يعنينا الآن هو ما يُعرف بـ 'انبعاج الفضاء' أو 'طيّه'."
"ببساطة هو ربط بين نقتطين وطي الفضاء بينهما"
كانت النظرات الغامضة لا تزال تعلو وجوه الفريق. كان من الواضح أن المفهوم غير واضحٍ بالنسبة لهم.
لتسهيل الأمر سأخبركم بمثال بسيط رفع نيفاليس إصبعين من كل يد، مبعدًا بين يديه قليلًا:
"لنفترض أني أريد أن أجعل إصبع اليد اليمنى يقترب من إصبع اليد اليسرى... ماذا سأفعل؟"
رفع فليكس حاجبه وقال بنبرة ساخرة:
"ببساطة، تحرّك يديك ليقتربا من بعضهما."
ابتسم نيفاليس قليلاً وأجاب:
"بالضبط... لكن في مفهوم انبعاج الفضاء، لا حاجة لتحريك شيء. ما يحدث هو أن الفضاء نفسه يُطوى بين النقطتين... وكأن المسافة أُزيلت، أو أُلغيت."
"آه... هكذا إذًا تعمل بوابات الفضاء."
تمتمت سيليست وهي تومئ برأسها، وقد بدأت ملامح الفهم تتشكل على وجهها.
لكن فليكس عبس قليلًا وسأل:
"إذا كانوا يعرفون كيفية عملها، فلماذا لا توجد سوى ثلاث بوابات نقل فقط في المملكة؟"
أجاب نيفاليس بهدوء، لكن نبرته كانت حادة كأنها تحمل حكمة قديمة:
"فهم الكيفية لا يعني امتلاك القدرة."
"تمامًا كما أن معرفة نوتات الموسيقى لا تجعل منك عازفًا ماهرًا... أو أن قراءة وصفة طعام معقدة لا تعني أنك قادر على طهيها."
صمت لبرهة قبل أن يتابع:
"هم يعرفون المفهوم... لكنهم يجهلون المكنون، والسر كله يكمن في نقوش الفضاء... أو بشكل أوسع: في سحر الفضاء ذاته."
شهق الجميع، وقد اتسعت أعينهم في دهشة.
"سحر الفضاء؟"
همست سيليست، وكأنها تنطق بكلمة من الأساطير.
كان سحر الفضاء مجرد شيء يُذكر في الكتب القديمة، أسطورة لا أكثر... فكرة أن أحدًا يستطيع استخدامه فعليًا؟
ضحك فليكس وهو يرفع حاجبيه بدهشة:
"فعليًا هذا مذهل... كيف تعرف كل تلك المعلومات؟! هكذا ستجبرني على احترامك.
"هههه. أنا فقط أحب القراءة."
....
قال غرايف وهو يحدق في عمق الغابة:
"والآن، هل ننفصل؟ أم نتابع معًا؟"
أجابه نيفاليس بعد لحظة من التفكير:
"سنبحث قليلًا أولًا، ثم ننفصل إن لزم الأمر. بحسب الكتب... غابة الصقيع لا تحتوي على تهديدات مباشرة، سوى الصقيع نفسه. يُقال إنك إن لم تتعمق كثيرًا، فأنت في أمان."
قالت سيليست:
"آه، لقد قرأت عن هذا... يُقال إن من هم دون الرتبة الرابعة سيتجمدون ويموتون إذا تجاوزوا الربع الثاني من الغابة. لم يصل أحد إلى نهايتها قط. التعمق فيها... خطير."
"هذا جاء على لسان مطران الشمال نفسه. شخص في قمة الرتبة الخامسة. قمة الشمال... حتى هو لم يتجرأ على التوغل أكثر من منتصف الغابة."
"كان تجمد الشمال... والغابة ذاتها... لغزًا لم يُحل بعد."
....
"لننطلق"، قالت لينا.
بدأوا التحرك.
كان من الصعب حقًا التقدم وسط الثلج، خاصة مع تذمر فليكس المستمر من الجو البارد.
استمروا في السير لنصف ساعة تقريبًا، وخلالها شعر نيفاليس بشعور غريب… ضيق… وخوف لا يعرف سببه.
ثم…
رعشة حادة اجتاحت جسده.
لم تكن بفعل البرد…
بل شيء أعمق. أشبه بتحذير بدائي محفور في الروح.
....
مرت رعشة مرعبة عبر جسده.
كأن كيانه كله يصرخ فيه أن يهرب... أن يفرّ دون أن ينظر خلفه.
لاحظ فليكس ما حلّ بنيفاليس.
"ما الأمر، نيفا—"
لكن قبل أن يكمل جملته...
حلّ الليل على الغابة.
ثم جاءت النظرات.
كأن الليل نفسه فتح عينيه.
عيون تتوهج وسط الظلام، تراقب، تنتظر.
"ما هذا…؟"
تمتم فليكس.
"استعدوا للمعركة!"
صاحت لينا.
ومن بين الأشجار خرج أولهم.
وحش طويل القامة، جلده أسود متشقق،
كأن الظلام ذاته قد جف وتكسر فوق عظامه.
لم تكن له عيون… فقط فتحة فم واسعة، مخيفة.
عرفه نيفاليس على الفور.
وحش من الرتبة الرابعة.
لكن...
هذه ليست المشكلة.
المشكلة الحقيقية:
ما الذي يفعله أحد وحوش جبال "نيهاريف" هنا؟
غابة الصقيع لم تكن يومًا موطنًا للوحوش.
لا…
حتى إن وجدت فيها وحوش،
فما من سبب لوجود وحوش نيهاريف في هذا المكان.
ذاك عالم… وهذا آخر تمامًا.
ومن خلف الوحش ظهرت عيون أخرى.
ثم تبعه آخر… وآخر…
حتى تحوّل المشهد إلى كابوس يتكاثر أمامهم.
جحافل من الوحوش.
هذا هو الوصف الوحيد لما رأوه.
مئات الوحوش.
بعضها بأجنحة، وبعضها بأذرع عديدة.
منها الطويل، ومنها القصير. منها ما لا شكل له.
لكن…
الأسوأ من ذلك لم يكن أشكالهم.
بل رتبهم.
حتى الآن، رأى نيفاليس ثلاثة وحوش من الرتبة الرابعة.
ولم تكن هذه هي النهاية.
فهم ما زالوا يظهرون.