38 - جبروت الرتبة الخامسة

الفصل الثامن والثلاثون: جبروت الرتب الخامسة

السماء كانت بيضاء كالرماد، تُمطر ثلجًا خفيفًا يهبط بصمت قاتل، فيما انبعث ضوءٌ خافت من بين السحب الرمادية الثقيلة. الأشجار العارية من الحياة، المغطاة بالجليد، امتدت كأشباح صامتة في الأفق، وكأنها تحرس أسرار المكان منذ قرون.

الأرض تحت الأقدام كانت زلقة، تنبعث منها برودة تخترق العظام، وكل نفس يُطلق في الهواء يتحول إلى ضباب سريع الزوال.

في تلك اللحظة…

قفزت لينا في الهواء، كانت صامتة… لكنها قاتلة.

شهقت قبضتها.

فانفجرت طاقةٌ حمراءٌ نارية، حادة كالشفرة، كثيفة كالجحيم.

ثم—

بوووم!!

ضربت الهواء بقبضتها، لم تلمس شيئًا، ومع ذلك…

الانفجار الذي تلا ذلك كان كارثيًا.

الأرض اهتزت تحت أقدام الجميع، وظهر صدعٌ ضخمٌ في التراب الممتد.

وحوش الرتبة الثانية والثالثة التي غمرت الساحة، اختفت… تبخّرت كما لو أنها لم تكن يومًا.

أما وحوش الرتبة الرابعة؟

تمزقت، تحطمت عظامها، وأُلقيت أجسادها في الهواء كشظايا مكسورة.

من الخلف، وقف نيفاليس، ابتسامة خفيفة في زاوية فمه.

قال بنبرة هادئة ولكن مفعمة بالإعجاب:

«لا يهم عدد هؤلاء الوحوش… أو حتى عدد رُتب الرابعة…»

رمق قائدة الفرقة في الأعلى، تقف في الهواء كما لو كانت سيدة السماء.

«في وجود رتبة خامسة، كل شيء آخر… بلا معنى.»

لا أحد يستطيع التصدي لرتبة خامسة… سوى رتبة خامسة مثلها.

لكن—

في اللحظة التالية…

علت أصوات زئير عميق. الهواء نفسه ارتجف، كما لو كان يُجلد بقوة لا تُرى.

لفح صوت الزئير آذانهم من كل اتجاه.

التفت نيفاليس بسرعة.

السماء… الأرض… كل الجهات.

من أين…؟

كانوا يأتون من العدم، وحوش من مختلف الرتب، ولكن كل جهة—الشمال، الجنوب، الشرق، الغرب—كان يقودها وحش من الرتبة الرابعة.

شعر نيفاليس بقشعريرة تسري في عموده الفقري.

كم عددهم؟

كم من الرتبة الرابعة يمكن أن تتحمّل هذه الأرض؟

في السماء، قبضت لينا يدها مجددًا، وهمّت بالتحرّك—

لكن…

كراااخ!!

هبة خانقة اجتاحت المنطقة.

ضغطٌ رهيب سقط عليهم كجبل، كما لو أن الهواء تحوّل إلى إسمنت.

تجمّد الجميع في أماكنهم، حتى الأنفاس باتت مستحيلة.

لف نيفاليس رأسه بصعوبة، وهو يشعر بعظامه تتشقق، وعيناه تتسعان برعب.

ذلك الشيء…

كان يقف هناك… بعيدًا، لكن حضوره ملأ الأرض كلها.

ضخم.

ضخم لدرجة أن الأشجار بدت كالعشب عند قدميه.

جسده مغطى بصفائح سوداء لامعة، مشققة من أطرافها، ينبعث منها بخارٌ أحمر.

له أربعة أطراف، ولكنها تنتهي بمخالب مدببة، كل واحدة بحجم شخص كامل.

رأسه يشبه رأس ذئبٍ مكسور، لكن عينيه… كانت كجمرتين سوداويتين، تنبعث منهما كراهية لا يمكن وصفها.

هذا ليس وحشًا…

هذا لعنة.

«هـ… هذه؟»

همس نيفاليس، عاجزًا عن تصديق ما يراه.

«هذه هالة… رتبة خامسة…»

كان الضغط كافيًا لتمزيق الإنسان العادي إلى أشلاء.

«ما الذي يفعله مخلوق مثل هذا هنا؟!»

تابع نيفاليس، قلبه يخفق بجنون.

وحوش الرتبة الخامسة… يجب أن تكون في أعماق جبال نيهاريف، حيث لا تصل أقدام البشر أبدًا.

لكن هنا؟

في وسط هذا الخراب؟

وقبل أن يختنق تمامًا، ارتفعت هالةٌ أخرى.

ووشششش!!

هالة لينا انفجرت فجأة، اجتاحت الضغط السابق، مزقته كالعاصفة.

الأرض اهتزت مجددًا، وسقطت الصخور من الجبال القريبة.

تمزق السحاب.

«يا إلهي…»

قال نيفاليس بصوتٍ خافت.

لم يسبق له أن رأى لينا تطلق العنان لقوتها…

سوى مرة واحدة فقط… أمام آدم.

الآن، كان يشهد ما يُسمّى حقًا بـ"جبروت الرتبة الخامسة".

الهالتان، خاصتها وخاصته، تصادمتا… لم يتحرك أحدهما بعد، ولكن مجرد وجودهما في نفس المكان… كان جنونًا.

هالة الوحش كانت قاتلة… كثيفة، خام، كأنها قادمة من عصور ما قبل العقل.

هالة لينا كانت نارية، منضبطة، لكن خلفها شيء وحشي… شيء لا رحمة فيه.

في اللحظة التالية، علت صرخة لينا:

«غرايف! الشمال! فليكس، الجنوب! سيليست، الخلف! ميرا وفيكتور… المنتصف، دعم!»

---

انطلق غرايف أولاً. «قمة الرتبة الرابعة»

تحرك كجدار صلب، سحب درعه الحجري من على ظهره، وغرز حافته في الأرض.

ضرب الأرض بقبضته.

«طغيان الأرض!»

انفجرت من تحت أقدامه أشواك حجرية ضخمة، حادة كالسكاكين، اندفعت بسرعة هائلة على امتداد الممرات الجليدية، ومزّقت الوحوش القادمة من جهة الشمال.

الأشواك لم تكن عشوائية… بل كانت وابلًا منظّمًا من الموت، يخرق الأجساد ويمزّق العظام.

عشرات الوحوش تم خرقها في لحظة.

ثم حمل درعه، وزمجر كأن بداخله بركانًا.

وانطلق… كدبابةٍ حجرية، حطّم كل ما أمامه.

أجساد الوحوش تكسّرت، سُحقت، تحوّلت إلى عجينةٍ سائلة بين الأرض ودرعه.

لم يكن هناك رحمة… فقط صوت التهشيم.

---

فليكس «قمة الرتبة الرابعة…»

ركّز سحره، وفتح يديه للأمام.

لوّح بيده، والنيران بدأت تتجمع في الهواء من حوله، تتراقص بلونٍ أزرق قاتم.

«بحرُ اللهب!»

انطلقت منه موجة نارية عاتية، لم تكن مجرد لهب… بل بحر من اللهب.

غطّى الجنوب بالكامل، تبخرت الثلوج، اختفت الصخور، وكل ما وقف في طريقه—وحشًا كان أو شجرة—تحوّل إلى رماد.

كان فليكس واقفًا في قلب العاصفة… يتحكم بها كملكٍ غاضب، عيناه لا ترمش، وخطواته ثابتة.

كان المشهد ناريًا… ومخيفًا.

---

سيليست «منتصف الرتبة الرابعة…»

وقفت بثبات، بعيون نصف مغلقة، شعرها يتحرك مع الرياح كأنها مخلوقة منها.

رفعت قوسها الطويل، وسحبت وتره بثقة مميتة.

«سهام العاصفة!»

انطلقت السهام واحدة تلو الأخرى كل سهم حادًا، مركزًا، يصيب هدفه كالرصاصة.

رياحٌ مركّزة، تُسمع معها صفارات الموت.

كل سهم يخرج، يليه جسدٌ يسقط.

الوحوش القادمة من الخلف سقطت واحدًا تلو الآخر، برؤوس مكسورة وأجساد مشطورة.

كل تصويبة… كانت مميتة.

لم تكن تقاتل…

كانت تُعدِم.

---

ميرا «منتصف الرتبة الثالثة.»

وقفت وسط العاصفة الجليدية، ثيابها ترتفع بفعل ضغط الماء حولها.

«طلقات الماء!»

أطلقت طلقات مائية مكثفة، كانت كل واحدة منها بقوة سهم من الفولاذ، تخرق جسد الوحش وتترك خلفها حفرة مائية في صدره.

ثم لوت يديها، وأطلقت دوامة من المياه، التفّت حول خمسة وحوش في آنٍ واحد، وسحقت عظامهم من الداخل.

---

نيفاليس «منتصف الرتبة الثالثة.»

تراجع قليلاً، وبدأ بإطلاق دعمه السحري من الخلف.

«قاطع الهواء!»

انطلق نصلٌ هوائي شفاف، قطع أحد الوحوش إلى نصفين.

«كرة نارية!»

دوّى انفجار خلف ميرا، حين أطلق كرة من اللهب على مجموعةٍ من الوحوش التي كانت تقترب منها.

«تعزيز الرياح… السرعة!»

حزمة من الرياح دفعت فليكس للأمام، فاخترق الصفوف كما لو كان شهابًا مشتعلًا.

---

في السماء…

لينا تقف أمام الوحش.

نظراتهما متشابكة.

هالتهما تمزق الهواء بينهما.

ثم—

اندفع الوحش.

قفز من مكانه كالصاروخ، ووصل إلى لينا في لحظة.

ضربته كانت بيد ضخمة مغطاة بالمخالب.

لكن لينا؟

التفّت في الهواء، وتفادت الضربة بانسيابية مذهلة انزلقت تحت ذراعه، ودارت حوله.

ثم—

رفعت قدمها اليمنى، وهالة حمراء نارية تنفجر منها.

ضربت فك الوحش من الجانب، فاهتزّ رأسه، وارتطم جسده بالأرض، فتكسرت التربة تحت جسده الضخم.

لكن الوحش لم يتألم… بل زأر.

قفز مجددًا، وضربها بمخالبه.

هذه المرة… لينا صدّت الهجوم بكفيها العاريتين.

اهتز الهواء، وانفجرت موجة صادمة، أطاحت بالثلوج بعيدًا.

الصوت الناتج… كان كالرعد.

---

كل من في الفريق شعروا بذلك.

لكنهم لم يتوقفوا.

لقد كانت هذه… ثاني أقوى فرقة مرتزقة في المملكة.

عباقرة خارقون…

كل واحدٍ منهم قوة قائمة بذاتها.

وفي قلبهم… تقف امرأةٌ، تُجابه وحشًا، وتبتسم.

2025/04/23 · 2 مشاهدة · 1037 كلمة
Xx_Adam_xx
نادي الروايات - 2025