الفصل التاسع والثلاثون: "مأزق"
لماذا… لا تنتهي هذه الوحوش؟
صرخ نيفاليس داخليًا وهو يراقب المذبحة المستمرة أمامه.
"من أين يأتون؟ كم بقي منهم؟"
حتى الآن، غرايف وفليكس وسيليست قد قتلوا مئات الوحوش.
كان جيدًا أن وحوش الرتبة الرابعة لا تظهر بكثرة، لكن وجودها وحده يكفي لقلب المعركة في أي لحظة.
في الجهة الشرقية، كان غرايف لا يزال يقاتل كالمجنون، مدرّعه يلمع تحت الثلوج، والخوازيق الأرضية تخرج من تحت أقدام الوحوش وتخترقها بلا رحمة.
لكن نيفاليس لاحظ... شيئًا.
سرعته لم تعد كما كانت.
حدة ضرباته، عدد الخوازيق الارضية… قلت.
لم يكن ذلك مفاجئًا، فقد قاتل غرايف بالفعل أربعة وحوش من الرتبة الرابعة، ناهيك عن العشرات من الرتب الدنيا.
الإنهاك بدأ يظهر، وإن لم يعلنه.
في الجهة الغربية، زوبعة لهب تبتلع الوحوش.
وسطها، ظهر وحش من الرتبة الرابعة وهو يزأر، محاولًا الفرار من الجحيم الناري...
لكن بلا جدوى.
شُوي حيًا داخل العاصفة.
كان فليكس يزفر، جسده يتصبب عرقًا، واللهب لا يتوقف من بين يديه.
ثالث وحش من الرتبة الرابعة يتعامل معه.
كان واضحًا عليه التعب، ومدى اتساع نيرانه بدأ ينخفض.
أما في الخلف، فكانت سيليست تُقاتل بهدوء قاتل.
لكنها قد نفدت سهامها، واضطرت لاستخدام سهام الرياح بدلًا منها.
حتى الرياح بدت أقل حدة، كأنها تتنفس بثقل.
نيفاليس شعر بالعبء أيضًا... مانته تتآكل مع كل لحظة.
"عليّ أن أوفر ما تبقى…"
كان قد سحب سيفه بالفعل، وغلفه بالنار.
لم يعد هناك مجال للهجمات البعيدة، لا طاقة تُهدَر بعد الآن.
يجب أن يقترب... يجب أن يقتل عن قرب.
هو وميرا كانا الأقل مانا بين المجموعة، وكل تعويذة صارت ثمينة كأنها سلاح أخير.
"تبًا..." تمتم نيفاليس، "إذا استمر القتال أكثر من هذا، فسننهار."
وفجأة—
بوووووم.
زلزالٌ عنيف هز الأرض من تحتهم.
التفت نيفاليس بسرعة نحو مصدر الاهتزاز، وعيناه اتسعتا.
في وسط السهل الجليدي، كانت تقف... لينا.
بكل ثقة، تقف فوق جثة وحش عملاق من الرتبة الخامسة.
جمجمته مشقوقة، ودمه الأسود يغمر الجليد أسفلها.
"لقد فازت..."
قبض نيفاليس يده بحماسة، تنفسه اهتز.
كان قلقًا بشأن تلك المواجهة، فوحش من الرتبة الخامسة ليس خصمًا يمكن التهاون معه.
التفتت لينا نحوهم، وأطلقت هالتها الكاملة.
الهواء ارتجف.
هالة رتبة خامسة اجتاحت الساحة بأكملها، فرضت السيادة المطلقة.
الوحوش تجمّدت... ثم بدأت بالتراجع.
بعد أن قُتل قائدهم، ومع الهالة الطاغية التي جعلت أرواحهم تنكمش، بدأوا بالانسحاب.
تنفس الجميع براحة.
أخيرًا... انتهت.
لكن في لحظة الفرح تلك—
يولد اليأس.
جسد لينا انحنى فجأة، بلا إنذار.
كراااااك.
صوت اختراق حاد.
تقطير... تقطير...
جميع الأعين اتسعت.
مجس أسود طويل، مليء بالأشواك، اخترق كتف لينا من الخلف.
"القائــــدة!!"
صرخ أعضاء الفرقة، فزعين.
وفي تلك اللحظة، انطلقت هالة أخرى…
لا تقل عن هالة الوحش السابق.
طاغية، قاتمة، مشؤومة.
وحشٌ آخر… من الرتبة الخامسة.
"لماذا؟!"
"لماذا يوجد وحش آخر؟!"
"من أين جاء؟!"
"بحق الجحييييم!"
صرخ نيفاليس وهو ينظر إلى لينا الراكعة… والمجس يخترقها.
عاد صراخ الوحوش…
وعادت الوجوه الكريهة تخرج من كل مكان.
انفجارات!
غرايف، فليكس، وسيليست أطلقوا مهاراتهم بغضب جامح.
لكن نيفاليس…
نظر إلى لينا، فوجدها…
تبتسم..؟
وقفت ببطء، وسحبت المجس من كتفها.
ثم أمسكت به بقوة.
أراد المجس الهروب منها، لكن بلا جدوى.
قالت بصوت هادئ:
"تختبئ مثل الجرذان؟ أرِني نفسك."
شَدّت المجس بقوة، قوة تكفي لسحب تلة من الأرض.
شيء أسود اندفع نحوها بسرعة خارقة—
ها!
قبضت لينا على المجس الآخر،
هالة حمراء قاتمة غلّفت يديها— ثم
بوووم!
لكمة ساحقة…
أصابت المخلوق مباشرة،
طارت به عبر عشرات الأشجار، محطمة الأرض من تحته.
"هاه…"
تنهد نيفاليس براحة،
لا بد أن تلك اللكمة قضت عليه.
لكن من وسط الحفرة الجليدية—
وقف الكائن.
"وقف الكائن هناك في صمتٍ ثقيل، لا طويلًا كهيبة العمالقة، ولا قصيرًا كضحاياه—جسده متوسط الطول، لكن لا شيء فيه عادي. جلده بلون السخام، مشدود فوق عظام بارزة، ينبض تحتها شيء لا يُشبه الحياة. من ظهره، ومن تحت لوحَي كتفيه، خرجت ثلاث مجسّات طويلة... سوداء كالفحم، تلتف كالأفاعي في الهواء، وكل واحدة منها مزروعة بأشواك حادة، كأنها خُلِقت لا لتلتف، بل لتُمزق."
"وفي منتصف وجهه، فم ضخمٌ لا يُغلق، مصفوف داخله عشرات الأسنان المدببة، طويلة وملتوية"
لقد كان منظرًا مرعبًا حقًا.
ك.. كيف؟
كيف وقف بعد تلك اللكمة؟
كان من المفترض أن تُسحق عظامه، أن يُردم جسده تحت الثلج، أن يختفي.
لكن...
هناك وقف.
وإن بدا واقفًا، لم يكن كما كان.
الجزء الأيمن من وجهه... كان مشوهًا بالكامل.
جلده السخامي قد تمزق كأن شيئًا جرفه إلى الداخل، وعينه اليمنى اختفت، تاركة وراءها حفرة سوداء، ينبعث منها دخان باهت.
أما المجسّ الذي سحبته لينا...
فقد كان يتدلّى بجانبه، شبه ممزق.
قالت لينا بصوت ثابت، وهي تحدّق في المخلوق المشوّه:
"وحش من منتصف الرتبة الخامسة، إذن..."
قهقهت بخفة، كأنها لا ترى في ذلك تهديدًا، بل تحدّيًا تستقبله برحابة صدر.
"أنت صلب… حسنًا…"
قبضت على يديها بقوة، وضربتهما ببعض.
فرقعة الهالة دوّت في الأرجاء.
ثم ابتسمت.
"لنرَ ما لديك."
ستبدأ معركة أخرى… من الرتبة الخامسة.
...
هذا سئ… لا، بل الأسوأ.
التفت نيفاليس حوله.
غرايف، فليكس، وسيليست…
يبدون متماسكين،
لكنّه كان يعلم الحقيقة.
كان يراها.
الوحوش تزيد.
المانا تنفذ.
والخناق يضيق.
وفوق كل ذلك،
ظهر وحش آخر… أقوى من سابقه،
وحش من منتصف الرتبة الخامسة.
كان هذا… الأسوأ.
"إذا استمرّ الوضع هكذا… سنُهزَم."