الفصل الأربعون: المخرج
"إذا استمرّ الوضع هكذا… سنُهزَم."
صرخ نيفاليس داخليًا، بينما كان ينظر جهة المعركة بين لينا والوحش ذي المجسّات.
كان ذلك الكائن مرعبًا بحق… سريع، صلب، لا يُعطي مجالًا للخطأ.
المجسّات الثلاث كانت تنقضّ كصوت ماحق، وكل ضربة منها كانت كافية لتمزيق الأرض تحتها.
ضربة واحدة فقط من إحداها كفيلة بتهشيم وحش الرتبة الخامسة السابق.
ومع ذلك، كانت لينا تتفاداها بانسيابية مذهلة… لكن حتى مهارتها لم تسمح لها بالاقتراب كثيرًا.
صرّ نيفاليس على أسنانه.
"يجب أن نصمد… حتى تنتهي القائدة من ذاك الوحش."
لا… بل حتى لو صمدوا،
هل هذا يكفي؟
هل يضمنون أن الوحوش الأخرى ستتوقف عن الظهور؟
هل هناك ما يمنع ظهور وحش آخر… من نفس الرتبة؟
لا.
ما يحتاجونه الآن ليس انتصارًا… بل الهروب من هذا الجحيم.
جمع نيفاليس ما تبقى من مانته، مركّزًا عينيه على شيء لاحظه وسط هذا الفوضى.
كان على يقين… هؤلاء الوحوش لا يظهرون من العدم. لا يُمكن.
بل… يُنقلون إلى هنا.
وشيء ما… مسؤول عن نقلهم.
تذكّر نيفاليس ما قاله له إدوارد ذات يوم، وهو يدرّسه مبادئ النقل السحري:
"لا يُمكن نقل كائن حي من بُعد إلى آخر دون وسيط. إما أن تكون مهارة خاصة، أو مصفوفة مُعقدة محفورة على الأرض. لا ثالث لهما."
وكان نيفاليس قد استبعد بالفعل فكرة المهارة الخاصة.
"مستحيل... لا يوجد وحش بهذه الرتبة يملك مهارة من هذا النوع."
إذن…
لا بد أن هناك مصفوفة سحرية هنا…
مخبّأة… متخفّية… ولكنها موجودة.
وإذا كانت هناك مصفوفة… فلا بد أن يجدها.
ضخّ نيفاليس مانته إلى عينيه بجنون. تصرّف غير عقلاني لأي ساحر، لكنه لم يعد يملك رفاهية الحذر.
لكن لا شيء ظهر…
لا أثر…
"بحق الجحيم… أين أنتِ؟ أين هي تلك المصفوفة اللعينة؟!"
نظر حوله بجنون…
عروقه تنبض، عينيه تحترقان.
كان ذلك خطرًا…
لكن لم يهتم.
عليه أن يجدها.
عليه أن يُخرجهم من هنا.
"لو سقط أحدهم… سأكره نفسي للأبد. لماذا لا أزال الأضعف؟
لماذا لا أزال أحمل هذا القدر الضئيل من المانا؟
عبقري التحليل السحري؟ … محض هراء."
ظل يُدير رأسه يمنة ويسرة، يبحث بجنون عن أي خيطٍ يقوده إلى مصدر المصفوفة...
أي علامة، أي نقش، أي تشوّه في الطاقة. أي شيء كأن الجنون قد تسلّل إلى عقله.
لكن شيئًا آخر بدأ يلفت انتباهه.
لاحظ…
الحلقة قد ضاقت.
ميرا، الواقف بجانبها، كانت بالكاد واقفة…
تغطيها قطرات العرق، ما زالت تستخدم سحرها، لكن الأمر كان واضحًا…
لقد بلغت حدودها، بل ربما تخطّتها بالفعل.
غرايف، فليكس، سيليست… كانوا يتراجعون. ليس تراجعًا ملحوظًا، لكن… التراجع بدأ.
ولينا…
ما زالت تحاول الاقتراب من ذلك الوحش الجحيمي.
المنطقة حولهما لم تعد إلا حطامًا… مجسات، انفجارات، صدى ضجيج لا يتوقف.
كل ذلك زاد توتر نيفاليس.
"هوووو…"
أطلق زفيرًا بطيئًا.
"يجب أن أعثر عليها… لا، بل سأعثر عليها."
أغمض عينيه.
"فيكتور! ماذا تفعل؟!"
صاح فليكس حين شعر أن تعزيز نيفاليس قد اختفى.
لكن لم تصدر أي إجابة.
لم يُكرر سؤاله، لأنه يعرف نيفاليس.
إنه لا يفعل شيئًا عبثًا.
وقف نيفاليس هناك وسط الفوضى…
بدأ يُوسّع إحساسه السحري… لم يعتمد على عينيه، بل على إدراكه.
شعر بعناصر الأرض… النار… الرياح… الماء.
ثم…
ما هذا…؟
طاقة بدائية… لا يُمكن تصنيفها… ليست من أي عنصر معروف.
لكن لا يهم…
هو فقط يحتاج إلى طرف الخيط.
فتح عينيه ببطء… توهجتا بلون أزرق مشع.
ورآها.
نقش عملاق أسفل قدميه… دائرة سحرية متداخلة.
"أغغغ…"
وضع يده على عينيه فورًا.
النظر إلى تلك الدائرة… كلفه ربع مانته المتبقية.
لم يتبقَ له سوى أقل من 10%.
ومع ذلك…
ابتسم.
"لقد وجدت المخرج."
---
"لقد وجدته!"
صرخ نيفاليس بأعلى صوتٍ استطاع جمعه:
"القائدة! المخرج في الشمااااال!"
تلقّت لينا النداء، وصاحت فورًا دون تردد:
"الجميع! إلى الشمال!"
لم يمنحهم الوحش فرصة.
لوّح بمجسّاته السوداء من جديد، أسرع وأقوى من قبل.
لكن لينا لم تتجنب هذه المرّة.
بل أمسكت المجسّ!
بوووم!
الأرض تحتها تشقّقت بشكلٍ مرعب.
قوة الصدمة ارتجّت في الجو.
"هذا... مؤلم أيها الوغد."
قالتها، والدم ينزف من يديها وفمها، لكنها لم تهتز.
بصرخة غاضبة، سحبت المجسّ كأنها تقتلع جذع شجرة جهنمية،
ثم دوّرته بقوة، وصفعت به وجه الوحش.
دووووم!!
ارتطم الوحش بكل ما في طريقه، طار عشرات الأمتار محطّمًا الصخور والجدران والنبتات الميتة.
"طر بعيدًا، أيها القذر."
قالتها بصوتٍ بارد، واستدارت.
"غرايف! ابتعد عن الطريق!"
صرخ فليكس، وقد جمع قدرًا هائلًا من المانا في يديه.
"بحر النيران!!"
انفجرت موجات اللهب كأنها شلال من الجحيم،
الشرق احترق.
الوحوش التي تملأ تلك الجهة، ذابت في لهيب لا يرحم.
"هيا!"
قاد غرايف وفليكس الهجوم، تبعتهم سيليست، ثم ميرا ونيفاليس،
وفي الخلف، قفزت لينا، تمزق كل وحشٍ حاول ملاحقتهم.
"جيد..."
همس نيفاليس، وهو يركض.
"ما علينا سوى الصمود… فقط الصمود حتى النهاية."
---
---
استمر ماراثون الجحيم لربع ساعة أخرى.
دماء، أنفاس محمومة، ومانا تحترق على أطراف أعصابهم.
حتى شعر به نيفاليس...
المخرج.
استمروا في القتال والركض والقتل... حتى رأوه.
نهاية الغابة.
ها هي!
صاح نيفاليس بصوتٍ مليء بالفرح المكبوت:
"ها هي! النهاية!"
اندفعوا جميعًا بثقة، بأملٍ كاد يقتلع قلوبهم.
الخروج أخيرًا... من هذا الكابوس.
بمجرد أن خرجوا من ظلال الغابة،
رأوها.
سهل جليدي واسع... لا نهائي تقريبًا، يمتد حتى يلتهم الأفق.
لكن ما جذب أنظارهم ليس اتساعه،
بل ما ارتسم في قلبه:
دائرة سحرية عظيمة.
منقوشة بدقة مذهلة على سطح الجليد،
تتوهج بنور باهت غريب، كأنها تنبض بالحياة ذاتها.
"تلك هي!"
صرخ نيفاليس، وقلبه يكاد ينفجر.
لم يفهم كنهها. لم يستطع حتى إطالة النظر إليها.
لكن وسط هذا البياض القاتل...
كانت الأمل الوحيد.
اندفعوا نحوها، كأنهم يركضون نحو النجاة من لهيب جحيم.
الوحوش ما تزال تأتي من كل الجهات،
لكنهم أبيدوها بجنون، بنفاد صبر، بآخر ما تبقى في عروقهم من قوة.
وأخيرًا...
وصلوا.
وقفوا داخل الدائرة.
"ماذا الآن؟!"
صرخ فليكس، وهو ينظر حوله بجنون.
وكأنها استجابت لندائه.
بوم!
ضوءٌ ساطع انفجر من الدائرة، اجتاح أجسادهم،
غمرهم كغسقٍ أزرق سماوي.
نيفاليس تنفّس.
لأول مرة منذ بدء هذا الكابوس... شعر بشيء من الراحة.
"أخيرًا..."
همس لنفسه، مغمض العينين.
لكن... شيء ما لفت نظره.
من طرف عينية لمحة، على حدود الغابة المظلمة...
كان يقف.
وحش الرتبة الخامسة
وكان..
يبتسم..؟؟