الفصل الثاني والأربعون: "حلقة من المعاناة"
ضجيج.
ضجيج مزعج… مألوف بشكل يثير الغثيان، كأنني سمعته من قبل مئات المرات.
أنا… ميت.
أعلم ذلك.
رأيت النهاية.
شعرت بانطفاء كل شيء داخلي،
وانسحاق الزمن من حولي.
لا مجال للشك… كنت هناك، في الموت.
كان يجب أن يسود الصمت.
المفترض أنني… مت.
لكن شيئًا ما لم يكن على ما يرام.
شعرت بثقل لا يُحتمل،
ليس في جسدي،
بل في… روحي.
كأن قوة غريبة تُحاول انتزاعي من قاعٍ
لا أملك له اسمًا…
ولا بداية.
لم يكن ذلك منطقيًا.
فأنا… ميت.
ومع ذلك، حين فتحت عيني،
لم أجد الظلام.
…
كنت واقفًا.
وسط ذاك المشهد…
المشهد الذي لم يُفارق ذاكرتي.
وحوش.
صرخات.
دماء.
رفعت رأسي ببطء.
الأشجار البيضاء،
الضباب البارد،
والهواء المحمّل برائحة الحديد والمانا المحترقة…
غابة الصقيع؟!
نظرت حولي.
ميرا، فليكس، سيليست، غرايف، لينا…
كلهم واقفين في مواقعهم، بنفس الوجوه،
بنفس التوتر…
نفس اللحظة.
...
لحظة... نفس الشيء؟
هل رأيتُ هذه المشاهد من قبل؟
ضائع في خضمّ الحدث، شعرتُ، لسببٍ ما، أن هذا المشهد... مألوف.
كأنني عشته مسبقًا...
فيكتووور! لا وقت للشرود!
صيحة فليكس قطعت دوامة أفكاري، أعادتني للواقع بقسوة.
أسرعتُ بتجميع سحري،
لكن...
تقطير... تقطير
ما هذا؟
لامستُ وجهي.
دموع؟!
هل... أبكي؟
لماذا؟
تجاهلتُ كل شيء.
الوقت لا يسمح.
أطلقتُ سحري.
...
لينا...
هزمت وحش الرتبة الخامسة.
لقد فزنا.
أو... هكذا ظننا.
لكن لم تمرّ سوى لحظات،
حتى ظهر وحش آخر، من نفس الرتبة.
كأن شيئًا يرفض أن يسمح لنا بالهرب.
لاحظتُ شيئًا…
كنا نتراجع، ببطء،
الحلقة تضيق.
حاولتُ التركيز،
استنتجت... هذه مصفوفة سحرية ضخمة.
يجب أن أجد المخرج.
أرهقتُ عينيّ،
ولسبب ما... رأيتُه بسرعة.
شعور داخلي أرشدني.
كنت على وشك إخبار لينا أني وجدت المخرج.
لكن...
صوتي خرج ضعيفًا جدًا.
هل هذا... تردد؟
كان جسدي يرتعش.
خوف؟
لكنه لم يدم.
صرختُ أخيرًا:
"المخرج! شرقًا!"
انطلقنا جميعًا نحو الشرق.
رأيت نهاية الغابة...
وصلنا إلى مرجٍ ثلجي واسع.
واسع لدرجة أني لم أتمكن من رؤية نهايته.
لكن لا يهم.
ما يهمّ... تلك الدائرة السحرية في الأرض.
توجهنا نحوها بسرعة.
وقفنا داخلها.
نور سماوي غمرنا.
أغمضتُ عيني.
أخيرًا... سنخرج.
أخيرًا سنغادر هذا الجحيم.
...
لكن...
ذلك الشعور... لم يغادرني.
شعور مشؤوم، ثقيل.
ثم...
لم يحدث شيء.
لم نُغادر.
الضوء... اختفى.
---
انهرت.
سقطتُ على كلتا ركبتيّ.
أرض الثلج لم تكن باردة كما توقعت…
كانت خالية، كأنها فقدت معناها.
الفريق اندفع نحو الوحوش،
كلٌّ يقاتل بطريقته،
لكن...
كان يجب أن أتحرك.
أن أقاتل معهم.
لكنني لم أستطع.
المانا لم تستجب.
جسدي خذلني.
قلبي كان يصرخ… لكن أطرافي ظلت ساكنة.
ثم حدث ذلك.
ميرا ماتت.
كانت الأقرب إليّ.
كأنني كنت أستطيع لمسها لو فقط مددت يدي.
أردتُ أن أتحرك،
أن أقتل ذلك الوحش،
أن أفرغ عليه كل ما تبقّى في داخلي.
لكني لم أتحرك.
ثم...
سيليست.
ثم...
فليكس.
غرايف.
واحدًا تلو الآخر، سقطوا.
حتى...
لينا.
وقفتُ هناك،
أشاهدهم يموتون أمام عيني.
لم أصرخ،
لم أتحرك،
لم أفعل شيئًا... سوى البكاء.
لكن حتى البكاء خانني.
لم تعد دموعي دموعًا.
صارت دمًا.
كنتُ أبكي دمًا.
ثم…
أسودَّ العالم.
---
مرةً أخرى، وجدتُ نفسي أمام ذلك المشهد.
سحبت سيفي، وغلفته باللهيب…
ثم اندفعت.
"لم أعرف لماذا فعلت ذلك… لكنني فعلته."
تفاجأ أعضاء الفريق، نادوا باسمي، حاولوا إيقافي،
لكنني لم أعد أسمع شيئًا…
سوى صوتٍ واحد
كان يهمس:
"اقتل."
لم أعد أشعر بشيء،
لم أعد أرى شيئًا،
سوى أولئك المسوخ.
رغبة جامحة، بدائية، لا يمكن كبحها.
أن أقتلهم… أن أمحوهم من الوجود.
أول وحشٍ قابلته..
سيفي قطع رأسه في لحظة.
ثم انتقلت إلى التالي…
ثم التالي…
ثم التالي.
"اقتل… اقتل… اقتل..."
كأن العالم كله اختُزل في تلك الكلمة.
لا أعلم كم من الوقت مر…
ولا كم منهم قتلت.
حتى حين انكسر سيفي،
قاتلت بيدي.
لم أتخيل يومًا أنني سأمزّق وحشًا بيديّ العاريتين…
لكنني فعلت.
مزّقتهم... شققت لحومهم...
لم يهمّني الكيفية،
كل ما كان يهمّني هو عدد القتلى.
أكبر عدد ممكن.
...
لكن...
كان لي حدود.
توغلت أكثر،
غصت أعمق في بحر الوحوش.
قتلت الكثير،
لكن بقي أكثر.
ثم...
مت.
---
لا أعرف منذ متى وأنا أكرّر كلمة "الوحوش"...
في كل مرة، كنت أقتل الكثير،
وفي كل مرة، أكثر من سابقتها.
لكن...
لا يهم حقًا.
كان عددهم لا ينتهي.
ومع ذلك،
أصررت على القتل.
في البداية، قتلت العشرات.
ثم، لا أعلم كم مرة تكررت،
لكنني وصلت إلى مئة على الأقل.
أنا متأكد من ذلك.
كنت أموت عند مواجهة أول وحش من الرتبة الرابعة...
لكنني لم أستسلم.
استمريت في القتل، واستمرت المذبحة.
وفي النهاية...
قتلته.
ذلك الوحش من الرتبة الرابعة الذي واجهني—
لقد سقط أخيرًا.
لكن...
كان ذلك بلا فائدة.
بحر الوحوش ذاته... ما زال مستمرًا.
---
في مرحلة ما، لم أعد أعرف متى...
انهرت في مكاني.
لم أتحرك، لم أقتل، لم أفعل أي شيء...
فقط كنت أشاهد.
أشاهد بحر الوحوش الذي لا ينتهي.
أشاهد مقتل أصدقائي... عائلتي.
كل واحد منهم، شاهدته يموت.
لم أعد أبكي.
لم أعد أشعر بالغضب.
لم أعد أشعر برغبة عارمة في القتل.
فقط فراغ مرعب... وروح ممزقة.
ظننت أني سأبلغ النهاية أخيرًا.
---
ولكن العالم لم يكن رحيمًا بحالي. كنت منكسرًا، منطفئًا، منزوع الأمل. ولكن، يبدوا أن ذلك لم يرضِ العالم. كنت أقف هناك، فوق الأرض الثلجية، أمام نفس المشهد.
أخذتُ خطوةً بصعوبة، وأنا أسحب نفسي عبر الجليد الذي لم يعد يشكل حاجزًا. سحبت سيفي مرةً أخرى وتقدمت.
وفي مرحلة ما، بدأتُ أتذكر.
تلك المعانة بالكامل تذكرتها.
"أيضا بدأت أستوعب شيئًا غريبًا... هم لا يتذكرون. لا أحد منهم. الأحداث تتكرر، ولكنهم لا يعلمون. يبدو أنني وحدي من يحمل ذاكرة تلك المرات، وحدي من يعرف أن هذا ليس أول مرة نعيش فيها هذا العذاب."
أدركت ببطأ... ربما لم يكن الهدف هو النجاة. ربما كان الهدف هو أن أعيش هذه المعاناة إلى الأبد.
..
الفصل الثالث والأربعون: اللؤلؤة المحطمة
لقد تذكرت.
مشاهد الدم، مشاهد قتل رفاقي، مشهد ابتسامة الوحش.
كان كل شيء ضبابيًا، لكنني تذكرت.
لم أرغب في رؤية تلك المشاهد، ولكنني رأيتها.
وشكرتُ أني رأيتها.
رجع ذلك الغضب،
رجعت تلك الرغبة العارمة في القتل.
عدتُ أشعر مرة أخرى،
ذلك الإحساس المرعب بالفراغ.
لا مشاعر، لا رغبة، لا شيء.
لقد أرعبني.
استمريتُ بقتل الوحوش، استمر الغضب، استمرت الرغبة في القتل.
ارتفعت مني هالة قتل مشؤومة،
قتلت الوحوش الأضعف بمجرد الاقتراب مني.
واستمريتُ بالمذبحة...
لكن ما أثار غضبي أكثر هو أنا.
لقد كنت أبتسم.
كنت أقطع وأمزق الوحوش وأنا أبتسم.
استحممت في دمائهم وأنا أبتسم.
---
أسود العالم مرة أخرى.
سيتكرر الأمر مجددًا.
"عليّ أن أقتل عددًا أكبر في المرة القادمة... عليّ أن أنقذهم، علينا النجاة!"
ذكرتُ نفسي.
فجأة، ضربت عينيّ ضوءٌ أبيض شديد.
"تبا، ما هذا الضوء؟! لم يكن موجودًا في المرات السابقة!"
فتحتُ عيني ببطء.
الثلج هو نفسه، أبيض لامع.
لكنني لم أسمع شيئًا.
ألتفتُ حولي بجنون،
لكن… لا شيء.
لا وحوش، لا أشجار، لا وجود لأعضاء الفريق.
لا... لا... لا... لا!
صحتُ بجنون.
سقطتُ على ركبتيّ دون إرادة.
الثلج تحت يدي كان باردًا كالموت، لكن ما شعرتُ به داخلي كان أعمق بكثير من البرد.
ارتجفتُ… لا من الصقيع، بل من العجز.
"أنا السبب..."
ضربت الأرض بكفي، فتبعثر الثلج كغضبي.
صرخت، لكن لا أحد سمع.
انحنيت أكثر، وجبيني لامس الثلج.
كنت أرتجف.
كنت أنهار.
ولأول مرة… فكرت أن أستسلم.