الفصل السابع والأربعون: "ملك 2"
"أيقظت شيئًا عظيمًا؟"
"أجل... وسيترتب على ذلك العديد من الأمور. أهمها أن مهمة ستقع على عاتقك. لكن لا تقلق، سأشرحها لاحقًا."
مدّ يده السوداء النجمية نحو عينيّ، وقال بصوت خافت يشبه همس المجرات:
"لقد أيقظت واحدة من أقوى العيون في هذا العالم، وربما الأقوى على الإطلاق... عيون أونكيس."
"أونكيس مرة أخرى؟ من هو أونكيس بالضبط؟ يبدو أن لهذه العيون وزنًا هائلًا من حديثك."
تغيرت نبرة صوته فجأة، وتكلم بصرامة:
"تكلّم بأدب، أيها الطفل. أنت لا تشير هنا إلى مجرد شخص... بل إلى أحد الملوك."
"ملك آخر؟ هل كنتم ملوك قارات في الماضي أم ماذا؟"
قهقه ضاحكًا، ضحكة مشوبة بالسخرية:
"ملوك قارات؟ بالطبع لا. ربما اتخذ بعضنا من مناطق معينة مجالات خاصة بهم، بدافع الفضول، أو التجربة، أو اختبار نظرية ما... أو حتى لتنمية أبناء للمجال. لا أكثر. أما حكم القارات؟ لا نُحط من أنفسنا إلى ذلك الحد."
ثم اقترب قليلًا، وصوته غلّفه وقار مهيب:
"افهم هذا جيدًا، أيها الفتى... لقب الملك لم يكن يُمنح اعتباطًا. بل يُنتزع عندما يُجبر وجودك العالم نفسه على الاعتراف بك. الملك... هو من بلغ المرتبة التاسعة. هو من جعل قوانين العالم تنحني لإرادته."
"المرتبة التاسعة؟ هل فعلاً هناك من وصل إلى تلك المرحلة؟"
"بالتأكيد."
"أن تصل إلى رتبة ملك يعني أنك بلغت قمة هذا العالم... عدد من وصلوا إلى هذا المستوى قليلون، بل نادرون جدًا. حتى في عصري، الحقبة التي سُمّيت بـ حقبة الملوك لوجود ثلاثة ملوك خلالها، كان عددنا استثناء."
"على مدار تاريخ عالم أسغار، لم يكن هناك سوى حوالي ستين ملكًا."
"حوالي ستين؟ ألم تقل منذ قليل أنك من أقوى عشرة؟ كيف يوجد ستين ملكًا؟ هل تقاتلتم لتحديد ترتيبكم؟"
"لا تكن سخيفًا يا فتى. كيف سيتواجد كل هؤلاء الملوك في حقبة واحدة ليقاتلوا؟ قلتُ لك، هذا على مدى التاريخ."
"إذاً كيف حُدّد أقوى عشرة؟"
"ببساطة؟ لم يُحدَّد. ولم يكن أحد منا مهتمًا أصلاً بمثل هذه التفاهات. لكن هناك من يهوَسون بالمقارنة. الترتيب تم بناءً على المجالات والإنجازات."
"مجالات وإنجازات؟ هذا غير منطقي! من المستحيل أنه من بين الستين ملكًا لا يوجد اثنان يتشاركان نفس المجال!" لم يكن هذا منطقيًا.
"بلى، يوجد. لكن الترتيب لم يمتد لهؤلاء. ببساطة... لأنهم غير مؤهّلين للمقارنة معنا. الترتيب الحقيقي شمل فقط سبعة عشر ملكًا. أما البقية؟ فهم مجرد ملوك… لا أكثر."
"غير مؤهّلين؟! لماذا؟ إنهم ملوك مثلكم… ما الفرق؟"
"ملوك مثلنا؟ اسمع جيدًا يافتي، فهذا قد يفيدك في المستقبل، بل ويفيد حقبتك الحالية."
"ليست كل المجالات متساوية، حتى لو كانت من نفس المستوى. وليست كل الأسحار متساوية، حتى لو كانت من نفس الرتبة."
"تقول إنهم مثلنا؟ بالطبع لا. الفارق شاسع. هل تعلم؟ لا يوجد أي مجال من مجالات أقوى عشرة ملوك من نوع السحر العنصري."
"مـاذااا؟!" صحتُ من مكاني: "ولا واحد يستخدم السحر العنصري؟! كيف؟! أليس أغلب السحرة سحرهم عنصري؟"
"بالطبع يوجد. لكن إن أردت التفوّق... فعليك أن تتميّز. ببساطة، أولئك عاديون. نعم، ملوك، لكن لا يُقارنون بنا."
صمتٌ قليلًا هذا كان كلامًا منطقيا ولاكن إذا لم تكن مجالاتهم عنصرية إذا ما هي؟
"وماذا عن أبناء المجالات؟"
"هم إحدى نتائج تأثير مجالاتنا. المجال من الرتبة التاسعة لا يغيّر المكان فحسب، بل يؤثر على البشر داخله أيضًا... في عقولهم، في أجسادهم، في أرواحهم. خذ مثلاً مجال اللهب... أولئك الذين يعيشون فيه ينجذبون تلقائيًا إلى سحر النار، ويصبح التدريب عليه أسهل بكثير.
أما مجالي، فهو مجال السحر الأعظم. داخله، تتيسر سُبل تعلّم شتى أنواع السحر، ويمكنني دعم من فيه دعمًا عقليًا وروحيًا كذلك."
"دعم عقلي وروحي؟ لماذا؟"
"لأن الساحر يحتاج إلى ثلاثة أركان ليقوى: عقل، وروح، وجسد.
فالعقل هو الموجّه، وبدونه لا يمكن فهم البُنى المعقدة للتعاويذ، أو تنظيم الإرادة. والإرادة تمنح السحر استقراره. الذهن المتعب قد يتسبب بكارثة.
أما الروح، فهي القناة التي تربط الساحر بالعالم. دونها، لا يمكن احتواء الضغط الهائل الناتج عن التلاعب بالقوانين.
وأخيرًا الجسد... هو الوعاء الذي يتحمل نتائج كل ذلك. جسدك يجب أن يكون قادرًا على احتمال الضغط الناتج عن استخدام السحر، وإلا انهار كل شيء."
"باختصار: العقل يوجّه، الروح تمد، الجسد ينفّذ.
إذا أردت أن تصل إلى القمة، فلا تهمل أيًّا من هذه الأركان الثلاثة."
ثم أشار إليّ وقال:
"وأنت... أصبحت الأن تمتلك الثلاثة.
عقلك؟ جيد. لديك فهم ممتاز للسحر الروني، وهذا سيسهّل عليك فهم عيون أونكيس.
روحك؟ لم تكن مميزة في البداية، كانت عادية، باستثناء تلك النقطة الحمراء... لكنها تغيّرت بعد نجاتك من الحلقة، بمساعدة تلك الروح الغريبة. الآن، روحك في قمة المستوى الخامس، رغم أنك ما زلت في المستوى الثالث كساحر. وهذا وحده سيسهّل عليك الطريق كثيرًا. في الواقع، لم يتبقَّ لك سوى امتصاص المانا لترتقي. كل شيء آخر جاهز... فقط الوقت يفصلك."
ثم صمت لحظة قبل أن يُتابع:
"أما جسدك... جيد بما يكفي. ربما لا تمتلك بنية متوافقة تمامًا مع عناصر مثل النار أو الرياح، لكن لا بأس... أنت تشبه أونكيس في هذه النقطة."
تجهمت وقلت:
"ما الذي تقصده؟ لدي سحر النار والرياح بالفعل! ما فائدة البنية إذًا؟"
ابتسم ابتسامة باهتة، وقال:
"ستفهم ذلك عندما تترقى للمستوي الخامس."
"وما قصة عيون أونكيس تلك؟ وما علاقتها بالسحر؟"
"ستفهم أكثر عنها عندما ترتقي في المستوى. أما الآن، فكل ما تحتاج معرفته هو أنها مرتبطة بالسحر الروني، وبفهم السحر بشكل عام. هي شيء يجمع بين الإرادة والمعرفة، بين الفهم العميق للسحر والقدرة على توجيهه."
"أنت تُلقب الآن بعبقري السحر الروني، وهذا جيد... على الأقل تملك المؤهلات. لكن اعلم جيدًا، إن اعتمدت على هذا اللقب وحده، فلن تبلغ أبدًا الرتبة السادسة من عيون أونكيس."
"يجب أن تسعى للمعرفة، للدراسة، للتحليل... وتحتاج أيضًا إلى مواجهات حقيقية، وقتالات عملية، وإرادة لا تنكسر."
"أساس عيون أونكيس هو الفهم والتحليل. إذا فهمت نفسك... وفهمت خصمك جيدًا، فلن تخسر أي معركة تخوضها. هذا ما كان يردّده أونكيس دائمًا."
"المفترض أن تقوم العين بتحليل قدراتك الكامنة، ثم تُظهرها لك على شكل معلومات دقيقة... لكن هذا لا يحدث إلا عند وصولك إلى الرتبة الرابعة منها."
"والآن... لنُنْهِ هذه الجزئية. لا فائدة من الحديث عنها أكثر. ستفهم كل شيء في الوقت المناسب."
خطر سؤال مفاجئ في بالي
"هل يوجد في عصرنا الحالي شخص برتبة ملك؟"
"ههه... يؤسفني قول هذا، لكن حقبتكم فاشلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لا يوجد فيها حتى مستخدم سحر حقيقي في الرتبة الثامنة. لذا... الترقي للرتبة التاسعة مستحيل ببساطة."
"أنا لا أشعر سوى بوجود اثنين، ومن الجيد أنهما لم يصلا بعد إلى الرتبة الثامنة، وإلا فسيكون وضعهم صعبًا."
"ماذا؟ ما هو السحر الحقيقي ذالك؟ هل تعني أن الناس خارج الحدود لا يعرفون استخدام سحر العناصر حتى؟"
"بالطبع لا يا فتى، هم يعرفون، ولكن حتى إن كنتَ تستخدم نفس السحر، فليس بالضرورة أن يكون سحرًا حقيقيًا."
"ما هذا الآن؟ نفس السحر ولكنه مختلف؟ كيف هذا؟"
"السحر الحقيقي يختلف في مكنوناته عن السحر العادي بكثير، فمثلًا، لو كان هناك شخص يستخدم سحر النار الحقيقي، وعشرة آخرون يستخدمون سحر النار العادي، إذا وضعناهم في مقارنة، فسنجد أن ساحر النار الحقيقي سيُطلق لهبًا يساوي في القوة ما يُطلقه العشرة العاديون مجتمعين. هذا هو الفرق.
السحر الحقيقي يعتمد على الفهم... والإرادة."
"إذاً... من لا يستخدم السحر الحقيقي لا يمكنه الوصول لرتبة ملك؟"
"أجل."
"هذا... صادم فعلاً. فقط شخصان خارج الحدود يستخدمان السحر الحقيقي؟"
"أجل، في هذه الحقبة."
"وبالحديث عن الخارج... كم قارة توجد هناك؟"
"لديكم في هذا العصر مفهوم القارات؟ حسنًا، استنادًا إلى الحواجز التي وضعها أونكيس، يُفترض وجود تسع مناطق غير الموجودين فيها."
"ولم يكن لديكم مفهوم القارات؟"
"لا... على الأقل نحن الملوك لم نكن نهتم بهذا التقسيم."
"حسنًا... كفى حديثًا، لقد أضعنا الكثير من الوقت. وأنت بالفعل لم تعد تتحمّل."
فعلاً... كنت جالسًا على الأرض، وقدماي لم تعودا تقويان على حملي. كان جسدي... وروحي، على حافة الانهيار.
"الآن... لنذهب إلى مهمتك التي عليك تنفيذها."