الفصل الخمسون: "رسالة"

لم أتوقع أن يكون أول ما أراه حين التفت... رأس طائر في الهواء.

عرفت ذلك الرأس على الفور.

كان جيمس، أحد أعضاء اتحاد المرتزقة، ومن أولئك الذين خرجوا لرؤيتنا.

لكن الأمر لم يتوقف عنده.

تبعته ثلاثة رؤوس أخرى، جميعها لأشخاص أعرفهم...

ولم يحظَ أيٌّ منهم بفرصة للمقاومة، بل لم يكن هناك حتى وقت للصرخة.

كان يقف خلف ذلك المشهد مخلوق ضخم.

لكن قبل أن أتمكن من تمييز ملامحه، اختفى بسرعة مرعبة، مستهدفًا رأسًا آخر.

بالقرب مني، انطلق شيء كالصاروخ ناحية ذلك الكابوس الذي نثر الرؤوس.

بسرعة خاطفة، أنقذ العجوز أرسيان أحد الأعضاء من مصير مشابه.

حينها فقط... لمحته.

ذلك الشيء الذي جعل الرؤوس تطير لم يكن سيفًا ولا رمحًا، بل بدا كصوتٍ أحمر... صوت حاد يخترق الهواء ويُمزق الجسد دون سابق إنذار.

أراد أرسيان أن يمسك به، لكن صوتًا آخر اندفع نحوه، اضطره للتراجع، وفي اللحظة التالية انشقت الأرض خلفه كأنها تمزقت بفعل البرق.

ثبت المخلوق مكانه لثانية واحدة.

ثانية كانت كافية لأراه.

كان يقف شامخًا، مرعبًا، بلون أحمر دموي.

طوله تجاوز الأربعة أمتار، وجسده بدا كأنه نُحت من الدماء المتجمدة.

جلد أسود داكن تتخلله تشققات حمراء كأن النار تتنفس تحته.

ومن منتصف وجهه المشوَّه... انبثقت عين واحدة.

عين حمراء، كبيرة، تشغل أغلب ملامحه، وكأن لا شيء في وجهه سواها.

تحدق بنا بثبات، نظرة باردة خالية من الحياة...

فوق رأسه، انتصبا قرنان منحنيان للخلف، يضيفان لمظهره طابعًا شيطانيًا لا يُنسى.

ومن ظهره خرجت أطراف ملتوية كأنها سائل متجمد ينبض بالهلاك، تتحرك دون منطق، كأن لها إرادة مستقلة.

وكلما تحرك، تناثرت قطرات الدم من حوله، وكأن الهواء نفسه ينزف لمجرد وجوده.

هذا لم يكن مخلوقًا.

كان تجسيدًا للكارثة... كابوسًا خرج من أعماق الجحيم.

"فلتتراجعوا فورًا!"

صرخ العجوز أرسيان، كانت نبرته مختلفة... مليئة بالخطر الحقيقي.

أستدرت سريعًا للتراجع، لم أكن في حالة تؤهلني للوقوف أمام ذلك المخلوق المرعب.

التفت البقية أيضًا للهروب، فلم تكن حالتهم أفضل، وجودهم هنا كان سيجعلهم عبئًا لا أكثر.

بوووم.

فجأة، وجدت نفسي مرميًا جانبًا على الأرض.

اللعنة... رأسي ارتطم بالأرض بقوة.

حاولت الوقوف بسرعة، تمايلت قليلًا، لكني تماسكت.

وما إن فتحت عيني... حتى رأيت شيئًا آخر يطير في السماء.

لم تكن رأسًا هذه المرة... بل ذراع.

ذراع عرفتها جيدًا.

لقد كانت...

ذراع غرايف.

"كان ذلك آخر مشهد رأيته...قبل أن يُغمى علي."

ليس ببعيد وقف هناك يشاهد كان يرتدي قبعةً عريضة الحواف، متآكلة الأطراف، تغطي نصف وجهه وتلقي بظلالٍ قاتمة على ملامحه.

عيناه حمراوان تتوهجان كجمرتين في قلب الظلام، وجهه شاحب كجثةٍ منسيّة، خالٍ من التعابير، لا يدل على حياة ولا موت.

على صدره قلادة يتوهج في وسطها حجرٌ أحمر نابض، كما لو كان قلبه خارج جسده.

رداؤه الأسود طويل وممزق في الحواف، يرفرف بصمتٍ مع الريح،

واقفًا على أسوار مدينة هيراس، كانت الرياح تعبث بمعطفه الطويل، لم يبدُ عليه أي انفعال، لا تعجب ولا غضب ولا حتى شفقة. عيناه الحمراوان كانتا تتابعان المعركة المشتعلة أسفل أسوار مدينة هيراس.

لم يكن على سور المدينة أحد سواه... أو بالأصح، كان هناك والآن، قد قُتلوا جميعًا.

التفت الرجل بهدوء، دون استعجال، ثم اتجه إلى الجهة الأخرى من السور وقفز بخفة لا تليق ببنيان جسده.

أمامه، على الأرض، كان هناك عدد من الجنود المدرعين مصطفين كجدار من الفولاذ، أمامهم وقف رجل في منتصف العمر، يحمل هالةً واضحة... كان نائب دوق لانكروس، أحد السحرة في بداية الرتبة الخامسة.

تقدم الرجل الغامض نحوهم بخطى بطيئة وعينية الحمراوتان تفحصهم كأنة يعدهم. ثم قال بصوت خافت:

"حسنًا...لابأس بكم كرسالة"

...

بعيدًا عن ساحات القتال...

في قلب المملكة، حيث لا يُسمع سوى صخب الحياة الهادئة، تمتد المدينة الإمبراطورية ثالورين كجوهرة مضيئة وسط أراضٍ مضطربة. كانت الشوارع ممهدة بدقة، مرصوفة بأحجار بيضاء ناعمة تعكس ضوء الشمس كأنها مرايا صغيرة. المباني شاهقة بأقواسها المزخرفة، والنوافذ تعج بالزهور المتدلية، فيما تصدح ضحكات الأطفال بين الأسواق الممتلئة بالتجار والمسافرين. الهواء عليل تفوح منه رائحة الزهور والعطور الشرقية. كان السكان هناك... بشوشين، بسطاء في مظهرهم، لكن أعينهم تخفي اعتدادًا بانتمائهم لعاصمة المملكة.

في وسط المدينة، يتربع القصر الإمبراطوري، عظيم البنيان، تلتف حوله الحدائق الملكية وتخترقه شلالات صغيرة تعبر الجدران في انسياب خادع للواقع.

داخل القصر، وفي غرفة ضخمة مبهرة بالزخارف الذهبية والستائر المخملية، وُجدت ثلاثة كراسي مزخرفة، جلس عليها ثلاثة من أقوى الأشخاص في القارة.

الأول:

رجل ذو جسد هائل وأكتاف عريضة، تعلو وجهه ملامح الصرامة، وبجانب كرسيه انتصب رمح عظيم ذو نصل قاتم يشع هالة قاتلة.

كان هذا ملك المرتزقة الحالي: آدم راينهارت

《قمة الرتبة الخامسة》

الثاني:

رجل عريض العضلات، جسده أشبه بجدار حجري، يحمل في عينيه نظرة حادة، يضع سيفًا ضخمًا على ظهره، يرتدي عباءة سوداء بخيوط فضية.

كان هذا دوق عائلة لانكروس، سيد مدينة هيراس، القلعة المنيعة للغرب

《منتصف الرتبة الخامسة》

الثالث:

رجل مسن ذو لحية مشذبة بعناية، تجاعيد وجهه تنطق بالحكمة، لا يبدو عليه القوة، لكن هالته السحرية الخفية توحي بخطورة لا تُرى.

كان هذا دوق عائلة مالفريد، سادة السحر الأقوى في المملكة

《منتصف الرتبة الخامسة》

لقد كانوا من أقوى أقوياء القارة... ومع ذلك، لم يجرؤ أحدهم على البدء بالكلام، فقد كان هناك شخص آخر جالسًا على عرش ذهبي في صدر الغرفة.

كان جالسًا على العرش كما لو أنه خُلق من أجله.

رجل مهيب، ذو شعر أشقر طويل يتدلى على كتفيه في جدائل ثقيلة، تلمع بخيوط الشمس كأنها خيوط من الذهب الخالص. عيناه رماديتان تلمعان بنظرة ثابتة، تحمل يقين الملك وسيادة المحارب. لحية مشذبة بدقة تزيّن وجهه الحاد كحد السيف، تضيف إليه وقارًا لا يُقاوم.

كان هذا هو الإمبراطور إيراث ثالورين، الحاكم الأعلى لأعظم للمملكة... 《قمة الرتبة الخامسة》

وخلفه، كتمثال من الصلب الأسود، وقف فارس طويل القامة، يرتدي درعًا حالك السواد، محفورًا عليه شعار الإمبراطورية بلون الدم القاني. وعلى خاصرته، تدلى سيف أبيض نقي يلمع بهدوء.

كان هذا هو "إيردين"، أقوى فرسان الإمبراطورية، ظلّ الإمبراطور وسيفه القاطع.

صمتٌ مهيب خيّم على القاعة، لم يقطعه سوى صوت الإمبراطور، عميقًا، هادئًا، لكنه يحمل ما يكفي لإسكات العواصف:

"لقد استدعيتكم اليوم... لنتحدث عن الحرب القادمة."

2025/05/05 · 10 مشاهدة · 918 كلمة
Xx_Adam_xx
نادي الروايات - 2025