الفصل السادس: "إبادة"

كانت الغرفة تغرق في صمت ثقيل بعد الكلمات التي نطقها الطفل.

الرجل، الذي قضى سنوات في تعذيب الآخرين دون أن تهتز له شعرة، شعر لأول مرة بشيء لم يعرفه من قبل: الخوف.

تراجع خطوة إلى الوراء، الكماشة التي كانت في يده سقطت على الأرض، وأصدر صوتًا معدنيًا حادًا.

كان قلبه ينبض بجنون، لكنه حاول التماسك، محاولًا أن يعيد السيطرة على الموقف.

"ما الذي تقوله أيها الصغير؟ لا تلعب دور البطل أمامي!"

حاول الرجل أن يبدو متماسكًا، لكن صوته خانه، وكان يرتجف.

ابتسم الطفل، لكن ابتسامته لم تكن بشرية.

كانت باردة، كأنها تعبير عن شيء قديم ومظلم استيقظ بداخله.

ثم نظر إلى يده، وحدق فيها، قبل أن يضيق عينيه بشكٍّ عميق.

"روحي...؟"

رفع رأسه ببطء، وارتسمت على وجهه ابتسامة شيطانية، أعقبها ضحكة عميقة كأنها قادمة من أعماق الجحيم، تهز الجدران وتُقشعر لها الأبدان.

"يبدو أني سأنسى كل شيء..."

ثم نظر إلى الرجل الذي يرتجف أمامه، ومال برأسه قليلًا.

"فلمَ لا أترك بصمة... قبل أن أختفي من هذا العالم؟"

قبل أن يتمكن الرجل من الرد، شعر بألم حاد ينتشر في جسده. بدا وكأن الهواء نفسه قد تحول إلى سكين يقطع جسده من الداخل. سقط على ركبتيه وهو يصرخ، لكن صرخته لم تصل إلى الخارج، كأن المكان كله أصبح منعزلًا عن العالم.

وقف الطفل أمامه، عينيه تشتعلان بتوهج أزرق غامض. قال بهدوء: "كنت أظن أن هذا العالم هو سجني... لكن الآن أدركت أنه مجرد بداية."

مع كل كلمة، اشتدت الهالة المحيطة بالطفل، وكأنها تتغذى من الألم واليأس الذي ساد المكان. بدأت الجدران تتصدع، والهواء يشتعل بالطاقة المظلمة. الرجل، الذي كان يصرخ قبل لحظات، أصبح الآن ممددًا على الأرض، جسده لا يتحرك، وملامحه تحمل تعبير الرعب المطلق.

لكن الطفل لم ينظر إليه. بل رفع رأسه إلى السماء، وكأن نظره اخترق السقف ورأى ما وراءه. تمتم

لنفسه: "هذا العالم مليء بالألم، لكنه ليس كافيًا. هناك عالم آخر... عالم أكبر... عالم يستحق أن أُريه معنى الألم الحقيقي."

...

خارج المنزل، وقف بعض من سكان الزقاق، أولئك الذين تجاهلوا صرخات الفتى في السابق، وتظاهروا بعدم السمع. كانوا يراقبون البيت بصمت، شعور غريب يسري في عروقهم، مزيج من التوتر والخوف، دون أن يعرفوا السبب.

ثم...

انفتح باب المنزل ببطء، وكأن أبواب الجحيم قد فتحت على مصراعيها. خرج من هناك، خطواته ثقيلة وقوية، كأنها تدق الأرض بنبضات مدمرة. كانت الظلال تتراقص حوله، وعيناه تلمعان بتوهج غامض، وكأن هناك شيئًا قد خرج معه من هذا المكان الملعون.

تجمد الجميع في أماكنهم.

همس أحدهم بصوت مرتجف: "هذا... هذا ليس بشرًا..."

لكن الفتى لم يلتفت لأحد. سار بثبات، والأرض تحت قدميه بدت وكأنها تنحني لإرادته. وقف على أطلال زقاقه القديم، رفع رأسه نحو السماء الملبدة بالغيوم الكئيبة، وأطلق ضحكة شيطانية تهز الأرواح، قبل أن يقول بصوت سمعه كل من في الحي:

"عددٌ جيد... إذًا... موتوا."

انتشرت كلماته في الهواء، وكانت تحمل معها قسوة غير مرئية، تشع من كل زاوية في المنطقة.

...

في مكان آخر، بعيد عن الخراب

في قصر ضخم يطل على مدينة مضاءة، جلس رجل في منتصف العمر خلف مكتب كبير. كان يرتدي عباءة فاخرة، وعلى رأسه تاج صغير يرمز إلى سلطته. أمامه، وقف فارس ذو درع لامع، يحمل رسالة في يده.

قال الفارس بصوت قلق: "سيدي، لدينا تقارير عن هزة غريبة قادمة من المنطقة المحظورة. لا نعرف مصدرها، لكن الطاقة التي شعرنا بها... ليست طبيعية."

نظر الرجل إلى الرسالة بتمعن، ثم قال بصوت منخفض: "المنطقة المحظورة؟ ألم نتركها لتصبح مأوى للخارجين عن القانون؟"

"نعم، لكن... هذا ليس مجرد اضطراب. السحرة الذين حاولوا قراءة الطاقة هناك فقدوا وعيهم. يبدو أن شيئًا قد استيقظ."

صمت الرجل للحظة، ثم وقف وقال بحزم: "اجمعوا النخبة. لا يمكننا تجاهل هذا. إذا كان هناك تهديد جديد، فعلينا القضاء عليه قبل أن يخرج عن السيطرة."

...

على أطراف الأحياء الفقيرة...

في زقاق جانبي مهجور، وقفت امرأة نحيلة قليلًا، ملامحها شاحبة ويوحي جسدها بالمرض، لكن ذلك لم ينجح في إخفاء جمالها المذهل، جمال من النوع الملكي الذي لا يزول مهما شوهه التعب. بجانبها، كانت تقف فتاة صغيرة لا يتجاوز عمرها السبع سنوات، نسخة مصغرة من المرأة: شعر ذهبي ناعم كأشعة الشمس في الشتاء، وعينان ذهبيتان تتلألأان ببراءة لم تفسدها القسوة بعد.

وراءهما، كان يقف رجل فارع الطول، يرتدي درعًا أسود مرصعًا بالفضة والعقيق، تصميمه يدمج بين الرهبة والفخامة. على صدره شعار الإمبراطورية، محفور بدقة مذهلة، وسيف عظيم الحجم معلّق على ظهره، ينبض بطاقة هائلة. وجهه مخفي خلف خوذة من طراز راقٍ، لا يظهر منها سوى عينيه اللتين تشعان حدة ويقظة. كان هذا هو "إيردين"، أقوى فرسان الإمبراطورية.

فجأة، استدار إيردين بسرعة نحو الشرق، عينيه تضيئان باهتمام خطير.

سألته المرأة، بنبرة ملكية ناعمة: "ما الأمر، إيردين؟"

لم يُجب على الفور. حدّق إلى الأفق قليلًا، ثم قال بصوت عميق: "لا شيء مهم، جلالتك... لكني شعرت لتوّي بهالة خطيرة قادمة من منطقة المنفى."

رفعت المرأة حاجبها باهتمام: "هالة خطيرة؟"

تنهد إيردين: "ربما ثار أحد العصابات هناك... أو شيء من هذا القبيل."

هزّ رأسه قليلًا وأضاف بنبرة جدية: "لكن... لا. تلك الهالة... لا يمكن أن تصدر عن شخص عادي. لا يوجد في تلك المنطقة سوى المنفيين والمجرمين. لكن ما شعرت به... شيء آخر."

نظرت إليه المرأة بصمت للحظة، ثم قالت بحزم: "دعنا نذهب ونلقي نظرة."

تراجع إيردين خطوة: "ماذا؟ بالتأكيد لا، جلالتك! تلك المنطقة خطرة. نزولك إلى الأحياء الفقيرة أصلًا كان مجازفة. ونحن معنا الأميرة الصغيرة أيضًا."

ضحكت المرأة ضحكة قصيرة، وقالت: "خطيرة؟ إيردين، لا تبالغ... ما الذي قد يُشكل خطرًا علينا وأنت هنا؟ لا يوجد في هذه المملكة من يجرؤ حتى على الاقتراب، طالما أنك واقف بجانبي."

لم يُجب، لكنه شد على قبضة سيفه بحذر، وعيناه لا تزالان معلّقتين بالشرق.

...

تحت شمس شاحبة في الساحة الواسعة أمام القصر، تجمع صف من الفرسان المدرعين. كل منهم كان يرتدي درعًا ثقيلًا، مطليًا بالفضة ومرصعًا بنقوش دقيقة تمثل شعلة مشتعلة، رمز النبل والسلطة. خوذاتهم، التي تعلوها شرائط أرجوانية طويلة، كانت تخفي ملامحهم بالكامل، ولم يظهر سوى أعينهم الحادة التي تراقب الأفق بترقب.

على دروعهم، وُضعت شارات ذهبية تحمل صورة تنين ملتف حول شعلة، دلالة على قوتهم وانتمائهم إلى الحرس الملكي الخاص، المعروفين باسم "لهب التنين". كل فارس كان يحمل سيفًا طويلًا، مقبضه مزين بالجواهر، ودرعًا صغيرًا مستديرًا محفورًا عليه شعار المملكة.

في المقدمة، كان يقف الرجل ذو العباءة الملكية الذي شوهد في القصر سابقًا. كان يرتدي درعًا مميزًا باللون الأسود، مزينًا بخيوط ذهبية تتقاطع في تصميم يشبه شجرة عملاقة. خوذته كشف نصف وجهه، وكان يحمل مطرقة ثقيلة على ظهره، تُعرف باسم "مطرقة الحاكم"، سلاح اشتهر بقوته المهولة.

تحدث بصوت قوي وحازم: "أيها الفرسان، المنطقة المحظورة ليست مجرد مأوى للخارجين عن القانون. ما حدث هناك يهدد أمن المملكة. أنتم النخبة، وأنا أعتمد عليكم. وجهتنا واضحة، ولن نعود حتى نكشف حقيقة هذا الاضطراب. استعدوا!"

ردد الفرسان بصوت واحد: "لأجل المملكة! لأجل الشعلة!"

بعد ساعات من السفر عبر طرق وعرة ومشاهد الخراب التي تعم المناطق المحيطة، وصل الفرسان إلى حدود المنطقة المحظورة. الهواء هنا كان مختلفًا، مشبعًا برائحة العفن والموت. كل شيء بدا وكأنه يحتضر، حتى الأشجار كانت جافة ومتشققة، وأوراقها السوداء تتساقط كأنها رماد.

توقف الرجل القائد، ورفع يده لإيقاف الفرسان. "ابقوا متيقظين. شيء ما هنا ليس طبيعيًا."

تقدموا بحذر، أصوات خيولهم كانت تتردد في صمت مخيف. فجأة، تغير المشهد أمامهم. بدت الأرض مغطاة بلون غريب، خليط بين الأحمر الداكن والبني. عندما اقتربوا أكثر، أدركوا أن ما يرونه ليس مجرد تربة ملوثة، بل... جثث.

امتدت الجثث على طول الطريق، مكدسة فوق بعضها البعض كأنها كومة من القش. وجوه الموتى كانت ملتوية بالرعب، عيونهم مفتوحة على اتساعها، كأنهم رأوا شيئًا لم يُخلق لهذا العالم... شيئًا أنساهم حتى كيف يصرخون.

البعض كان مبتور الأطراف، والدماء الجافة تغطي المكان كأنها لوحة كابوسية. آخرون بدت عليهم علامات التعذيب، كأنما أرواحهم سُحبت ببطء من أجسادهم. كان هناك من لم يتبقَ منهم سوى عظام متفحمة، وكأنهم احترقوا أحياء تحت حرارة لا تُحتمل.

الفرسان بدأوا يفقدون تماسكهم، وأحدهم تمتم بصوت مرتجف: "ما هذا...؟ من يستطيع فعل هذا؟"

اقترب القائد، وعيناه تحدقان ببرود في الجثث. ركل أحدها برفق ليرى إن كانت هناك دلائل على الحياة، لكن الجثة كانت باردة، هامدة.

صمت القائد طويلًا، وعيناه تتفحصان الكارثة.

"ما هذا بحق السماء...؟"

لم يكن هناك شيء يتحرك.

ولا حتى أثر لذلك الذي فعل كل هذا.

2025/04/19 · 12 مشاهدة · 1274 كلمة
Xx_Adam_xx
نادي الروايات - 2025