# الفصل السابع عشر:
الظلام في الممر السري كان كثيفًا وشاملاً، أعمق من أي ظلام واجهته من قبل. لم يكن مجرد غياب للضوء، بل كان له وزن وملمس، وكأنه مادة سائلة قديمة تتدفق حولي. قدرتي على استشعار الظلال كانت معززة بشكل كبير هنا، لكنها كانت أيضًا مربكة. لم تكن الظلال مجرد فراغات سلبية، بل كانت مليئة بأصداء خافتة، همسات من الماضي، وومضات من صور غير واضحة تومض في حافة وعيي.
تقدمت ببطء وحذر، ويدي تتحسس الجدران الحجرية الباردة والرطبة للممر. كان الممر ينحدر بزاوية ثابتة، يلتف أحيانًا يمينًا أو يسارًا، لكنه كان يتجه دائمًا إلى الأسفل، أعمق في باطن الأرض تحت الأكاديمية. لم يكن هناك أي مصدر ضوء، واعتمدت كليًا على رؤيتي المعززة بالظلال، التي كانت تعمل بشكل أفضل هنا من أي وقت مضى، مما سمح لي برؤية الخطوط العريضة للممر والتغيرات الطفيفة في نسيج الحجر.
كلما تعمقت أكثر، أصبحت الأصداء في الظلال أقوى وأكثر وضوحًا. لم تكن أصواتًا حقيقية، بل كانت انطباعات نفسية، ذكريات محفورة في الظلال نفسها. رأيت ومضات من أشخاص يرتدون ملابس غريبة وقديمة يسيرون في هذا الممر، يحملون مشاعل أو أدوات غامضة. سمعت همسات بلغات لم أفهمها، تتحدث عن "الحارس" و "الميراث" و "التوازن". شعرت بمشاعر قوية - خوف، أمل، تصميم، يأس - تتصاعد من الظلال وتغمرني للحظات قبل أن تتلاشى.
كان الأمر مربكًا ومثيرًا للقلق. هل كانت هذه مجرد هلوسات ناتجة عن الظلام والعزلة؟ أم أنني كنت أستشعر حقًا ذكريات أولئك الذين ساروا في هذا الممر قبلي؟ ومن كانوا هؤلاء الأشخاص؟ هل كانوا مرتبطين بالشخص الذي ترك القارورة والملاحظة؟ هل كانوا جزءًا من تاريخ سري للأكاديمية، تاريخ تم نسيانه أو إخفاؤه عمدًا؟
حاولت تصفية ذهني، والتركيز على الحاضر، على مهمتي في استكشاف هذا المكان. لكن الأصداء كانت تلتصق بي، تتسلل إلى أفكاري، وتثير أسئلة لا نهاية لها.
بعد ما بدا وكأنه وقت طويل (ربما نصف ساعة، أو ربما أكثر، فقدت الإحساس بالوقت في هذا الظلام الخالد)، بدأ الممر يستوي تدريجيًا. شعرت بتغير في الهواء، أصبح أقل رطوبة وأكثر... ثباتًا. وبدأت أرى ضوءًا خافتًا جدًا قادمًا من الأمام.
اقتربت بحذر أكبر، وأصغيت بانتباه. لم يكن هناك أي أصوات بشرية، فقط همسات الظلال المستمرة وصوت خافت يشبه تدفق المياه أو الرياح في مكان بعيد.
وصلت إلى نهاية الممر، ووجدت نفسي أقف عند مدخل كهف طبيعي واسع، أوسع بكثير من حلبة الخوف. لم يكن كهفًا عاديًا. كانت الجدران مغطاة ببلورات غريبة تنبعث منها إضاءة زرقاء وخضراء خافتة، تلقي بظلال طويلة وراقصة عبر المكان. في وسط الكهف، كانت هناك بحيرة صغيرة من المياه الصافية والساكنة تمامًا، تعكس الضوء البلوري مثل مرآة سائلة.
لكن الشيء الأكثر لفتًا للنظر كان في الجانب الآخر من البحيرة. كان هناك هيكل حجري قديم، يشبه مذبحًا أو ضريحًا صغيرًا، مبنيًا في جدار الكهف. كان الهيكل مزينًا بنفس النقوش المعقدة التي رأيتها على الحجر الذي فتح الممر، لكنها كانت أكثر وضوحًا وتفصيلاً هنا. وفي وسط الهيكل، على قاعدة حجرية مرتفعة، كان هناك شيء يستريح - كتاب قديم مغلف بالجلد الداكن، وسكين فضي ذو تصميم غريب بجانبه.
تجمدت في مكاني، أحدق في المشهد أمامي بدهشة ورهبة. هل كان هذا هو "الميراث" الذي تحدثت عنه الأصداء؟ هل كان هذا هو مصدر القوة والمعرفة الذي كنت أبحث عنه؟
شعرت بجاذبية قوية نحو الهيكل، نحو الكتاب والسكين. لكنني ترددت. بدا المكان مقدسًا وقديمًا، وشعرت بأنني دخيل، بأنني لا أنتمي إلى هنا. والأصداء في الظلال أصبحت أكثر حدة الآن، مليئة بمشاعر التحذير والترقب.
"من أنت؟" همس صوت خافت في ذهني، صوت بدا وكأنه يأتي من الظلال نفسها، أو ربما من أعماق البحيرة الساكنة. "لماذا أتيت إلى هنا؟ هل أنت مستعد لثمن الميراث؟"
لم يكن صوتًا جسديًا، بل كان تواصلاً مباشرًا مع عقلي، مثلما حدث عندما شعرت بالمراقبين في غرفتي. لكن هذا الصوت كان مختلفًا، أقدم، وأكثر حيادية. لم يكن يهدد، بل كان يسأل، يختبر.
"أنا أليكس فون إيستر"، فكرت في الرد، وشعرت بالغرابة وأنا أتحدث بعقلي. "لقد اتبعت المسار الذي وجدته. أنا أبحث عن القوة، عن المعرفة، عن فهم الظلال التي أشعر بها".
"القوة والمعرفة لهما ثمن دائمًا"، رد الصوت الهادئ. "والظلال تتطلب توازنًا. هل أنت مستعد لدفع الثمن؟ هل أنت مستعد للحفاظ على التوازن؟"
لم أكن أعرف كيف أجيب. ما هو الثمن؟ وما هو التوازن الذي يتحدث عنه؟ هل كان مرتبطًا بالتحذير من "القوة السهلة"؟ هل كان استخدام رحيق القمر قد أخل بهذا التوازن بالفعل؟
"أنا... لا أعرف"، اعترفت بصدق. "لكنني على استعداد للتعلم. وعلى استعداد لمواجهة التحديات".
ساد الصمت للحظة، ولم يتبق سوى همسات الظلال وصوت الماء الخافت. ثم تحدث الصوت مرة أخرى: "الميراث ليس مجرد قوة تُمنح، بل هو مسؤولية تُكتسب. الكتاب يحتوي على المعرفة، والسكين هو المفتاح والأداة. لكن استخدامهما يتطلب فهمًا وانضباطًا. إذا كنت تسعى فقط للقوة من أجل القوة، فسوف تلتهمك الظلال. إذا كنت تسعى للمعرفة من أجل السيطرة، فسوف تضيع في الأكاذيب. فقط أولئك الذين يسعون للتوازن يمكنهم حقًا إتقان الميراث".
توازن... الكلمة تردد صداها في ذهني، وربطتها بالملاحظة التي وجدتها. "توازن الظل والضوء". هل كان هذا هو المفتاح؟ هل كان عليّ أن أجد طريقة لدمج قوتي الظلية مع... شيء آخر؟ مع الضوء؟ مع إنسانيتي؟
"كيف يمكنني تحقيق التوازن؟" سألت.
"يجب أن تكتشف ذلك بنفسك"، قال الصوت. "الكتاب سيرشدك، لكن المسار هو مسارك وحدك. اقترب، أيها الباحث عن الظل. إذا كنت تجرؤ، فخذ الميراث. لكن تذكر تحذيراتي".
شعرت بأن الاختبار قد انتهى، وأن الإذن قد مُنح. ترددت للحظة أخرى، ثم اتخذت قراري. سأمضي قدمًا. سأقبل هذا الميراث، بكل ما يحمله من قوة ومسؤولية ومخاطر.
بدأت في السير ببطء حول حافة البحيرة الساكنة، متوجهًا نحو الهيكل الحجري. كانت البلورات المضيئة تلقي بظلال غريبة على وجهي وجسدي، وشعرت بأن عيونًا غير مرئية تراقبني من أعماق المياه الصافية.
وصلت إلى قاعدة الهيكل، وصعدت الدرجات القليلة المؤدية إلى القاعدة المرتفعة حيث يستريح الكتاب والسكين. كان الهواء هنا أكثر برودة، ومشبعًا بطاقة قديمة وقوية.
وقفت أمام الكتاب والسكين للحظة، وأنظر إليهما عن كثب. كان الكتاب سميكًا، ومغلفًا بجلد أسود ناعم الملمس، بلا أي عنوان أو علامات على الغلاف. بدا قديمًا جدًا، لكنه كان محفوظًا بشكل مثالي. أما السكين، فكان مصنوعًا من معدن فضي لامع، ومقبضه ملفوف بجلد داكن مشابه لغلاف الكتاب. كان النصل قصيرًا ومعقوفًا قليلاً، ومغطى بنقوش دقيقة تشبه تلك الموجودة على الهيكل.
مددت يدي ببطء نحو الكتاب. ترددت للحظة، ثم لمسته. في اللحظة التي لامست فيها أصابعي الجلد البارد، شعرت بموجة هائلة من المعلومات والمعرفة تتدفق إلى ذهني. لم تكن كلمات أو صورًا، بل كانت مفاهيم خالصة، فهمًا عميقًا لطبيعة الظلال، وتاريخها، وقوانينها، وإمكانياتها. شعرت وكأن حجابًا قد رُفع عن عيني، وأنني أرى العالم بطريقة جديدة تمامًا.
كان الأمر مربكًا وساحقًا. تدفقت المعلومات بسرعة كبيرة جدًا، ولم أستطع استيعابها كلها. لكن بعض المفاهيم الأساسية بدأت تتشكل في ذهني:
* الظلال ليست مجرد غياب للضوء، بل هي بُعد متداخل، مستوى من الواقع يتخلل كل شيء، مليء بالطاقة الكامنة والذكريات المنسية.
* التحكم في الظلال لا يعني فرض الإرادة عليها، بل يعني فهم لغتها، والتناغم مع تدفقها، وإقناعها بالتعاون.
* هناك أنواع مختلفة من سحر الظل، بعضها يعتمد على التلاعب بالظلام المحيط، وبعضها يعتمد على استدعاء الظلال من بعدها الخاص، وبعضها يعتمد على الاندماج مع الظلال نفسها.
* كل استخدام لسحر الظل له ثمن، سواء كان استنزافًا للمانا، أو تأثيرًا على العقل والعاطفة، أو جذبًا لانتباه كيانات الظل الأخرى.
* التوازن هو المفتاح. يجب موازنة استخدام سحر الظل مع الضوء الداخلي للشخص (إرادته، وعيه، وروحه) ومع الضوء الخارجي (النظام الطبيعي للعالم). الإفراط في أي من الجانبين يؤدي إلى عدم الاستقرار والفساد.
كانت هذه مجرد لمحة سريعة، قمة جبل الجليد من المعرفة التي يحتويها الكتاب. أدركت أن دراسة هذا الكتاب ستستغرق وقتًا طويلاً وجهدًا كبيرًا.
بعد ذلك، التقطت السكين الفضي. كان باردًا وثقيلاً في يدي. عندما أمسكت بالمقبض الملفوف بالجلد، شعرت باتصال فوري، كما لو أن السكين كان امتدادًا لإرادتي. شعرت بالنقوش على النصل تتوهج بطاقة خافتة، وشعرت بأن السكين يستجيب لوجودي، لقدرتي على التحكم في الظلال.
"هذا هو شفرة الظل"، همس الصوت في ذهني. "إنه ليس مجرد سلاح، بل هو مفتاح ومرآة. يمكنه قطع ليس فقط الجسد، ولكن أيضًا الروابط بين العوالم. يمكنه تركيز طاقتك الظلية، وتضخيم قدراتك. ويمكنه أن يعكس لك حقيقتك، حقيقة الظل الذي بداخلك".
مرآة؟ تذكرت الظل الذي رأيته في المرآة في المكتبة. هل كان هذا السكين مرتبطًا به بطريقة ما؟
نظرت إلى النصل اللامع، ورأيت انعكاسي فيه. لم يكن انعكاسًا عاديًا. بدا وجهي أكثر حدة، وعيناي أغمق، وكانت هناك هالة خافتة من الظلام تحيط بي. لم يكن الظل الشرير الذي رأيته في المرآة، لكنه لم يكن أيضًا أليكس العادي. كان شيئًا بينهما، شيئًا جديدًا يتشكل.
"استخدمه بحكمة، أيها الباحث عن الظل"، قال الصوت للمرة الأخيرة. "الميراث الآن بين يديك. ومصيرك يعتمد على اختياراتك".
ثم تلاشى الصوت، تاركًا إياي وحدي في الكهف المضيء بالبلورات، مع الكتاب القديم وشفرة الظل في يدي. شعرت بثقل المسؤولية الجديدة، وبإثارة الإمكانيات التي لا نهاية لها.
كان لدي الآن الأدوات التي أحتاجها لزيادة قوتي، لفهم الظلال، وربما حتى لتحقيق التوازن. لكن كان عليّ أن أكون حذرًا. كان عليّ أن أدرس الكتاب بعناية، وأن أتدرب على استخدام شفرة الظل بانضباط، وأن أتذكر دائمًا التحذيرات بشأن الثمن والتوازن.
قضيت بعض الوقت في الكهف، أقلب صفحات الكتاب الأولى بعناية. كانت الصفحات مصنوعة من مادة تشبه الرق، ومغطاة بنصوص مكتوبة بخط يد أنيق بلغة قديمة لم أتعرف عليها. لكن الغريب أنني تمكنت من فهم المعنى، كما لو أن الكلمات كانت تتحدث مباشرة إلى عقلي، متجاوزة حاجز اللغة. كانت الصفحات الأولى تتحدث عن المبادئ الأساسية لسحر الظل، وعن أهمية التأمل والتركيز، وعن التمارين الأولى لتطوير التحكم الدقيق.
كما فحصت شفرة الظل عن كثب. شعرت بالطاقة التي تتدفق منها، وحاولت توجيه جزء صغير من طاقتي الظلية إليها. استجاب السكين على الفور، وتوهجت النقوش على النصل بضوء أرجواني خافت، وشعرت بأن قدرتي على استشعار الظلال المحيطة بي تزداد حدة.
أدركت أن هذا المكان، هذا الكهف السري، سيكون مكان تدريبي الجديد. كان مكانًا آمنًا ومنعزلاً، ومشبعًا بطاقة الظل، ومجهزًا بالأدوات التي أحتاجها للتقدم.
لكن لم يكن بإمكاني البقاء هنا إلى الأبد. كان عليّ العودة إلى العالم الخارجي، إلى الأكاديمية، ومواجهة التحديات التي تنتظرني هناك. كان عليّ أن أجد طريقة لسداد الدين، والتعامل مع نادي الأبحاث السحرية، ومراقبة سيلينا، والاستعداد لأي شيء آخر قد يلقيه هذا العالم في طريقي.
قررت أن آخذ الكتاب وشفرة الظل معي. لم أكن أرغب في تركهما هنا، عرضة للاكتشاف من قبل أي شخص آخر قد يعثر على هذا المكان. خبأت شفرة الظل بعناية في حزامي، تحت سترتي. أما الكتاب، فكان أكبر حجمًا، لكنني تمكنت من وضعه في حقيبتي المدرسية الفارغة التي كنت أحملها (كنت قد خططت في الأصل لاستخدام الحديقة للدراسة أيضًا).
ألقيت نظرة أخيرة على الكهف المضيء بالبلورات، وعلى البحيرة الساكنة، وشعرت بمزيج من الامتنان والحذر. لقد وجدت شيئًا ذا قيمة لا تصدق هنا، شيئًا قد يغير حياتي إلى الأبد. لكنني شعرت أيضًا بأنني قد عبرت عتبة لا رجعة فيها، وأنني دخلت عالمًا أعمق وأكثر خطورة.
استدرت، وعدت إلى الممر المظلم الذي جئت منه، متسلقًا ببطء نحو السطح. كانت الأصداء في الظلال لا تزال موجودة، لكنها بدت الآن أقل تهديدًا وأكثر... ترقبًا. كما لو كانوا ينتظرون ليروا ما سأفعله بالميراث الذي حصلت عليه.
عندما وصلت أخيرًا إلى الحجر المنقوش الذي أغلق المدخل، ترددت للحظة. هل يجب أن أتركه مغلقًا؟ أم أفتحه وأغلقه في كل مرة أزور فيها المكان؟ قررت أن أتركه مغلقًا في الوقت الحالي. لم أكن أرغب في المخاطرة باكتشاف أي شخص آخر للممر.
استخدمت نفس الطريقة التي استخدمتها لفتحه، مركزًا طاقتي الظلية على النقوش بالإيقاع الصحيح. انزلق الحجر مفتوحًا مرة أخرى. خرجت إلى الحديقة السرية، وأغلقت الحجر خلفي بسرعة.
كانت الحديقة لا تزال هادئة ومظلمة. لم يكن هناك أي أثر للشخص الذي سمعت خطواته سابقًا. ربما كان مجرد إنذار كاذب.
لكن بينما كنت أستدير لأغادر الحديقة، رأيت شيئًا جعل دمي يتجمد في عروقي. كانت هناك شخصية تقف في الظل تحت شجرة السرو القديمة، تراقبني
بصمت. لم أستطع رؤية وجهها بوضوح في الظلام، لكن شكلها كان مألوفًا بشكل مخيف.
كانت سيلينا آيسلين.