# الفصل الرابع والعشرون:
مر يومان آخران في جو من التوتر الصامت. التزمت بقراري بإبقاء مسافة بيني وبين سيلينا، وتجنبت غرفة التدريب الخاصة رقم سبعة. حضرت فصولي الدراسية، وتناولت وجباتي في القاعة الكبرى، وقضيت وقت فراغي في المكتبة أو في غرفتي، محاولاً التركيز على دراسة الكتاب القديم بمفردي وممارسة تمارين التطهير.
كانت سيلينا تتجاهلني ببرود جليدي. إذا تقاطعت طرقنا في الممرات، كانت تنظر من خلالي كما لو كنت غير موجود. لم تعد هناك نظرات طويلة أو ابتسامات نادرة. بدلاً من ذلك، كان هناك قناع من اللامبالاة الباردة، لكنني استطعت أن أرى الغضب المكبوت يكمن تحته. رأيتها عدة مرات تتدرب بمفردها في ساحة التدريب، تدفع نفسها إلى أقصى حدودها بقوة عنيفة، كما لو كانت تحاول استنفاد الإحباط الذي تشعر به.
كان هذا الوضع غير مريح للغاية. شعرت بقليل من ذنب تجاه الطريقة التي تعاملت بها معها، لكنني كنت مقتنعًا بأنني بحاجة إلى هذه المسافة لوضع الأمور في نصابها الصحيح. كان "ظل الهوس" حقيقيًا، وكان عليّ حماية كلانا منه. لكن في الوقت نفسه، شعرت بالوحدة قليلاً. كانت سيلينا، رغم تعقيداتها، الشخص الوحيد الذي شاركني سري وهم طبيعية قوتي. والآن،لقد دفعتها بعيدًا.
لاحظ الطلاب الآخرون التغيير بوضوح. توقفت الهمسات حول "الثنائي الغامض"، وبدأت همسات جديدة حول "الخلاف الكبير". رأيت نظرات فضولية وشفقة موجهة نحوي، خاصة من إيلارا، التي كانت تلقي عليّ نظرات قلقة من وقت لآخر، لكنها لم تحاول التحدث معي مرة أخرى حول هذا الموضوع، ربما احترمت رغبتي في الخصوصية.
أما بالنسبة لداميان كروفت وأبناء الغسق، فقد اختفوا عن الأنظار. لم أرهم في أي مكان، ولم أسمع أي شيء عنهم. كان هذا الصمت مقلقًا أكثر من المواجهة المفتوحة. هل كانوا يخططون لشيء ما في الخفاء؟ هل كانوا ينتظرون اللحظة المناسبة للتحرك؟ لم أكن أعرف، لكن الشعور بالمراقبة لم يختف تمامًا.
في إحدى الليالي، بينما كنت أدرس الكتاب القديم في غرفتي، عثرت على قسم آخر مثير للاهتمام. كان يتحدث عن "التواصل عبر الظلال".
"أولئك الذين يمتلكون ألفة قوية مع الظلال يمكنهم، مع التدريب والممارسة، تعلم كيفية التواصل مع الآخرين عبر الظلال نفسها. هذا ليس مثل التخاطر العقلي المباشر، بل هو شكل أكثر دقة من التواصل، يعتمد على نقل المشاعر والصور والأفكار المجردة من خلال النسيج المظلم الذي يربط كل شيء.
لإرسال رسالة عبر الظلال، يجب على المرسل التركيز على المتلقي المقصود، وتشكيل الرسالة (سواء كانت شعورًا أو صورة أو فكرة بسيطة) داخل وعيه، ثم "دفعها" بلطف إلى الظلال المحيطة به، موجهًا إياها نحو المتلقي.
لاستقبال رسالة عبر الظلال، يجب على المتلقي أن يكون في حالة من الهدوء والتقبل، وأن "يستمع" إلى الهمسات الخافتة في الظلال المحيطة به. قد تظهر الرسائل كحدس مفاجئ، أو صورة وامضة في العقل، أو شعور غريب لا يمكن تفسيره.
هذه القدرة تتطلب حساسية عالية للظلال واتصالًا عميقًا بها. كما أنها تعمل بشكل أفضل بين الأفراد الذين لديهم بالفعل رابطة قوية، سواء كانت طبيعية أو ناتجة عن ممارسة سحر الظل معًا."
قرأت هذا القسم باهتمام متزايد. التواصل عبر الظلال... هل كان هذا ممكنًا؟ هل يمكنني استخدامه للتواصل مع سيلينا، لمحاولة شرح موقفي دون الحاجة إلى مواجهة أخرى متوترة؟
كانت الفكرة مغرية. ربما إذا تمكنت من تواصل بين أشخاص- فقد تكون هذه قدرة مفيده جداً فإنه إلي حد ما يشبه التخاطر،.
قررت أن أجرب. جلست على الأرض، وأغمضت عيني، ومارست تمارين التطهير والتأريض لبضع دقائق حتى شعرت بالهدوء والتركيز. ثم، بدأت أركز على سيلينا. تخيلت وجهها، وشعرها الفضي، وعينيها الجليديتين اللتين تخفيان الكثير من المشاعر المعقدة.
بعد ذلك، حاولت تشكيل رسالتي. لم تكن كلمات، بل كانت مشاعر وأفكار مجردة: "أنا قلق. لست غاضبًا. أريد أن نكون حلفاء. أحتاج إلى مساعدة. كن حذرة".
جمعت هذه المشاعر في كرة صغيرة من الطاقة في ذهني، ثم، متبعًا تعليمات الكتاب، حاولت "دفعها" بلطف إلى الظلال المحيطة بي، موجهًا إياها نحو سيلينا، أينما كانت في الأكاديمية.
لم أشعر بأي شيء مادي يحدث. لم يكن هناك وميض من الضوء أو صوت. كان الأمر أشبه بإلقاء حصاة في بحيرة مظلمة وهادئة، وأمل أن تصل التموجات إلى الشاطئ الآخر.
انتظرت للحظة، "أستمع" إلى الظلال كما اقترح الكتاب، على أمل الحصول على أي رد. لكن لم يكن هناك سوى الصمت والظلام المعتاد.
هل نجح الأمر؟ هل وصلت رسالتي؟ لم أكن أعرف. شعرت بالإحباط قليلاً، لكنني ذكرت نفسي بأن هذه قدرة متقدمة تتطلب تدريبًا وممارسة.
قررت أن أترك الأمر عند هذا الحد في الوقت الحالي. ربما كانت مجرد محاولة يائسة. ربما كان عليّ فقط أن أتحلى بالشجاعة وأتحدث معها وجهًا لوجه غدًا.
كنت على وشك النهوض عندما شعرت بشيء غريب. همسة خافتة في حافة وعيي، شعور بالبرودة المألوفة، وصورة وامضة لزهرة جليدية تتشكل وتذوب.
تجمدت في مكاني. هل كان هذا... ردًا؟ هل كانت سيلينا تحاول التواصل معي أيضًا؟
ركزت مرة أخرى، محاولاً "الاستماع" بشكل أعمق. جاء الشعور مرة أخرى، أقوى قليلاً هذه المرة - برودة، وحدة، ولمسة من الألم. ثم صورة أخرى، هذه المرة لظل وحيد يقف تحت قمر محطم.
لم تكن كلمات، لكنني فهمت الرسالة. كانت تشعر بالوحدة والأذى. وكانت ترى نفسها، أو ربما كلانا، كظلال وحيدة تحت سماء مكسورة.
شعرت بموجة من التعاطف.فكرت في رسالة لعدة ثواني.وجلست ولم افعل اي ردة فعل. لقد جرحتها حقًا.والبرود يعلو علي وجهي. هل اتجاهل رسالة ام اتركها.
حاولت إرسال رسالة أخرى، هذه المرة أبسط وأكثر مباشرة: "آسف. لنتحدث غدًا". ركزت على محاولة الشعور بالندم والرغبة في المصالحة،ولكن تعابير وجهي لا توحي ذلك.ودفعتها إلى الظلال
انتظرت،. مرت لحظات طويلة من الصمت. ثم، شعرت به مرة أخرى - همسة خافتة، شعور بالتردد، ثم صورة سريعة لوجهي، تليها وميض من الدفء الخافت الذي تلاشى بسرعة.
هل كان هذا قبولًا؟ هل كانت مستعدة للتحدث؟ لم أكن متأكدًا، قلت بينما افكر في شيء ما.
كان التواصل عبر الظلال حقيقيًا. وكان يعمل بيننا، ربما بسبب الرابطة التي تشكلت من خلال تدريبنا المشترك، أو ربما بسبب شيء أعمق لم أفهمه بعد.
كان هذا الاكتشاف مثيرًا ومقلقًا في نفس الوقت. لقد فتح قناة جديدة للتواصل بيننا، قناة قد تكون مفيدة في المستقبل. لكنه أكد أيضًا مدى عمق الرابطة التي تشكلت بيننا، ومدى سهولة تأثرنا ببعضنا البعض من خلال الظلال.
كان عليّ أن أكون أكثر حذرًا. لكن في الوقت الحالي، شعرت ببعض الارتياح. ربما لم يكن كل شيء قد ضاع. ربما لا يزال بإمكاننا إصلاح تحالفنا، ومواجهة التهديدات القادمة معًا.
نهضت أخيرًا، وشعرت بأنني أقل إرهاقًا وأكثر تفاؤلاً
قليلاً. كان الغد يومًا جديدًا، وفرصة جديدة للمحاولة مرة أخرى.
(ملاحظة يبدو أن رواية تضيع مني سوف احاول تصليح مسار الاصلي للرواية سوف أزيد عدد كلمات أيضاً)