# الفصل الحادي والثلاثون:

بعد المواجهة المربكة مع الكائن الغريب الذي أطلق على نفسه اسم "الرسول"، عدنا أنا وسيلينا إلى الأكاديمية، وعقولنا تعج بالأسئلة أكثر من الإجابات. كان الشعور بالخطر المباشر قد تلاشى، لكنه ترك وراءه إحساسًا عميقًا بالقلق وعدم اليقين. من كان ذلك الكائن؟ ومن الذي أرسله ليختبرنا؟ وماذا كان يقصد بـ "استحقاقنا"؟

كانت القلادة التي سقطت منه تثقل جيبي، ليس فقط بوزنها المادي الغريب، بل بوزن الأسرار التي بدت وكأنها تحملها. اتفقنا على أن نبحث عن الأستاذ إيليا فورًا، فهو الوحيد الذي قد يمتلك بعض الإجابات أو على الأقل يقدم لنا بعض الإرشاد.

وجدنا الأستاذ إيليا في مكتبه، وهو منهمك كالعادة بين كتبه ومخطوطاته القديمة. عندما رآنا، ارتسم على وجهه تعبير من القلق الخفيف. "لقد شعرت بالاضطراب في الظلال. هل كل شيء على ما يرام؟"

أخبرناه بكل ما حدث – ظهور الكائن الغريب، المواجهة، كلماته عن الاختبار والاستحقاق، وأخيراً، القلادة. أخرجت القلادة من جيبي ووضعتها على مكتبه. كانت قطعة معدنية سوداء باهتة، ذات شكل غير مألوف، ونقش عليها الرمز الغريب: دائرة بداخلها مثلث، وبداخل المثلث عين واحدة تحدق بثبات.

انحنى الأستاذ إيليا فوق القلادة، وعيناه تتفحصانها بدقة. لم يلمسها في البداية، بل اكتفى بالنظر إليها من زوايا مختلفة. ثم، بحذر شديد، مد يده ولمس سطحها البارد بأطراف أصابعه.

في اللحظة التي لامس فيها القلادة، رأيت وميضًا خافتًا من الضوء الأسود ينبعث منها، وشعرت بموجة من البرودة تجتاح الغرفة. تراجع الأستاذ إيليا قليلاً، وتعبير من الدهشة والصدمة يرتسم على وجهه.

"هذا... هذا مستحيل"، تمتم بصوت منخفض، وعيناه لا تزالان مثبتتين على القلادة. "لم أرَ مثل هذا الشيء منذ زمن طويل جداً".

"ما هي، أستاذ؟" سألت سيلينا، وصوتها يعكس قلقنا المتزايد.

"إنها قطعة أثرية قديمة جداً"، قال الأستاذ إيليا، وصوته لا يزال يحمل نبرة من عدم التصديق. "تنتمي إلى عصر سبق حتى الحارس الأول. إنها... قطعة من الظل المتجمد، إذا جاز التعبير. تحمل في طياتها قوة هائلة، وذكريات منسية".

"ذكريات؟" كررت، وشعرت بفضول غريب ينمو بداخلي.

"نعم"، قال الأستاذ إيليا. "هذه القلائد، إذا كانت هذه واحدة منها حقًا، كانت تستخدم في الماضي لتخزين المعرفة والقوة، وأحيانًا... لتخزين أجزاء من الروح نفسها. إنها خطيرة للغاية، أليكس. لا يجب العبث بها".

كان تحذيره جادًا، لكن شيئًا ما في القلادة كان يجذبني. ربما كان الرمز الغريب، أو الإحساس بالقوة المنبعثة منها. أو ربما كان مجرد فضول لمعرفة المزيد عن هذا الشيء الذي تسبب في كل هذا الاضطراب.

"هل يمكنك معرفة المزيد عنها؟" سألت.

"سأحاول"، قال الأستاذ إيليا. "لكن هذا سيتطلب وقتًا وبحثًا. في هذه الأثناء، يجب أن تبقيا حذرين للغاية. حقيقة أن مثل هذه القطعة الأثرية قد ظهرت، وأن هناك من يسعى لاختباركما... هذا يعني أن هناك قوى كبيرة تتحرك في الخفاء".

قضينا بعض الوقت الإضافي مع الأستاذ إيليا، نناقش ما حدث ونحاول فهم تداعياته. لكن في النهاية، لم يكن هناك الكثير مما يمكننا فعله سوى الانتظار واليقظة. تركنا القلادة مع الأستاذ إيليا، على أمل أن يتمكن من كشف أسرارها.

في الأيام القليلة التالية، حاولت أن أعود إلى روتيني المعتاد، لكن كان من الصعب تجاهل ما حدث. كان الشعور بالمراقبة لا يزال يطاردني، وكنت أجد نفسي أنظر فوق كتفي باستمرار. كانت سيلينا تشعر بنفس الشيء، وأصبحنا أكثر اعتمادًا على بعضنا البعض للحماية والدعم.

في إحدى الليالي، بعد عدة أيام من المواجهة، كنت في غرفتي أحاول التركيز على دراسة بعض النصوص التي أعطاها لنا الأستاذ إيليا. كانت تتعلق بتاريخ السحر القديم والفصائل المختلفة التي سعت للسيطرة على قوة الظل عبر العصور. كان الأمر مثيرًا للاهتمام، لكن عقلي كان لا يزال مشغولاً بالقلادة الغامضة.

فجأة، شعرت بدافع غريب للعودة إلى مكتب الأستاذ إيليا. لم أكن أعرف لماذا، لكن كان هناك شيء ما يجذبني إلى هناك. ربما كان مجرد قلق، أو ربما كان شيئًا أعمق.

تسللت من غرفتي وتوجهت نحو مكتب الأستاذ. كانت الأكاديمية هادئة في هذه الساعة المتأخرة، والممرات مظلمة وفارغة. عندما وصلت إلى مكتبه، وجدت الباب مغلقًا، لكن لم يكن مقفلاً.

ترددت للحظة. هل يجب أن أدخل؟ لم يكن من المفترض أن أكون هنا. لكن الدافع كان قويًا جدًا.

فتحت الباب ببطء ودخلت. كان المكتب مظلمًا، مضاءً فقط بضوء القمر المتسرب عبر النافذة. لم يكن الأستاذ إيليا هناك. نظرت حولي، وشعرت بخيبة أمل طفيفة. ثم، لفت انتباهي شيء ما على مكتبه.

كانت القلادة. كانت لا تزال هناك، موضوعة على قطعة من القماش المخملي الأسود. بدا وكأنها تنبض بضوء أسود خافت في ظلام الغرفة.

اقتربت منها بحذر. كان هناك شيء مغرٍ فيها، شيء يناديني. مددت يدي ببطء، وترددت للحظة قبل أن ألمس سطحها البارد.

في اللحظة التي لامست فيها القلادة، شعرت بصدمة قوية تجتاح جسدي. لم تكن صدمة كهربائية، بل كانت أشبه بموجة من الطاقة الباردة والمظلمة تتدفق عبر عروقي. سقطت على ركبتي، وأنا ألهث من الألم والمفاجأة.

ثم، بدأت الصور تتدفق إلى ذهني. لم تكن صوري الخاصة، بل كانت ذكريات غريبة ومؤلمة. رأيت وجوهًا لم أرها من قبل، أماكن لم أزرها قط. سمعت أصواتًا تتحدث بلغات قديمة، وشعرت بمشاعر لم تكن مشاعري – خوف، غضب، يأس، وخيانة مريرة.

كان الأمر مربكًا ومؤلمًا للغاية. شعرت وكأن عقلي يتمزق، وكأن شخصية أخرى تحاول الاستيلاء على جسدي. حاولت المقاومة، حاولت دفع الذكريات بعيدًا، لكنها كانت قوية جدًا.

رأيت نفسي في حياة أخرى، في عالم آخر. كنت شخصًا مختلفًا، لكنني كنت لا أزال أنا بطريقة ما. كنت محاربًا، قائدًا، شخصًا يثق به الآخرون. لكنني تعرضت للخيانة. خيانة من أقرب الناس إليّ. رأيت أصدقائي يتحولون إلى أعداء، ورأيت أحبائي يطعنونني في ظهري.

كان الألم شديدًا، ليس فقط الألم الجسدي للطعنات والجروح، ولكن الألم العاطفي للخيانة والخذلان. شعرت بقلبي يتحطم إلى ألف قطعة، وشعرت برغبة عارمة في الانتقام، وفي تدمير كل من آذاني.

استمر تدفق الذكريات المؤلمة، كل واحدة أسوأ من سابقتها. رأيت نفسي وحيدًا، منبوذًا، مطاردًا. رأيت نفسي أفقد كل شيء وكل شخص أهتم به. وشعرت بالمرارة والبرودة تتسللان إلى روحي، وتجمدان كل المشاعر الدافئة التي كانت لديّ ذات يوم.

لا أعرف كم من الوقت استمر هذا. بدا وكأنه دهر. عندما توقف تدفق الذكريات أخيرًا، كنت ملقى على أرضية المكتب، أرتجف وأتعرق. كان جسدي يؤلمني، وعقلي يشعر بالخدر والارتباك.

نهضت ببطء، وشعرت بأنني شخص مختلف. لم أعد أليكس إيستر، الطالب الساذج الذي وصل إلى هذه الأكاديمية قبل بضعة أشهر. كنت شيئًا آخر الآن. شيئًا أقدم، وأكثر قتامة، وأكثر برودة.

نظرت إلى القلادة التي كانت لا تزال في يدي. لم تعد تبدو مجرد قطعة أثرية غريبة. كانت جزءًا مني الآن. كانت تحمل ذكرياتي، آلامي، وغضبي.

سمعت صوتًا خافتًا من ورائي. "أليكس؟ ماذا تفعل هنا؟"

استدرت ورأيت سيلينا واقفة عند الباب، تنظر إليّ بقلق. يجب أنها شعرت بشيء ما، أو ربما كانت تبحث عني.

نظرت إليها، ولأول مرة، لم أشعر بأي شيء تجاهها. لا دفء، لا صداقة، لا حتى حذر. كان هناك فقط فراغ بارد.

"لا شيء"، قلت، وصوتي بدا غريبًا ومختلفًا، حتى لأذني. كان أعمق، وأكثر برودة، وخاليًا من أي عاطفة. "كنت فقط... ألقي نظرة".

"هل أنت بخير؟" سألت سيلينا، وخطت خطوة نحوي. "تبدو... مختلفًا".

"أنا بخير تمامًا"، قلت، وابتسامة باردة وبالكاد ملحوظة ترتسم على شفتي. "في الواقع، لم أشعر بأنني أفضل من هذا من قبل".

كان هذا كذبًا. شعرت وكأنني أموت من الداخل. لكن جزءًا مني، جزء جديد ومظلم، كان يستمتع بهذا الشعور بالقوة والبرود. كان يشعر بالسيطرة.

"القلادة..." قالت سيلينا، وهي تنظر إلى يدي. "هل فعلت لك شيئًا؟"

"لقد أرتني الحقيقة"، قلت، وصوتي لا يزال باردًا ومسطحًا. "الحقيقة عن هذا العالم، وعن الناس فيه. الحقيقة عن الخيانة والألم".

"أليكس، أنا لا أفهم"، قالت سيلينا، وبدا عليها الارتباك والقلق. "ما الذي تتحدث عنه؟"

"ستفهمين قريبًا"، قلت. "أو ربما لن تفهمي. هذا لا يهم حقًا".

خطوت نحوها، ورأيت الخوف يظهر في عينيها للحظة. كان هذا جيدًا. الخوف كان شعورًا مفيدًا. كان يبقي الناس على مسافة.

"ابتعدي عني، سيلينا"، قلت، وصوتي الآن يحمل نبرة من التهديد الخفي. "لا تقتربي مني. لا تثقي بي. أنا لست الشخص الذي تعتقدين أنني هو".

كانت كلماتي قاسية وباردة، حتى بالنسبة لي. لكنني لم أستطع إيقافها. كان الأمر كما لو أن شخصًا آخر كان يتحدث من خلالي. شخص مليء بالمرارة والغضب.

رأيت الألم يظهر في عيني سيلينا، لكنها لم تتراجع. "أليكس، ما الذي يحدث لك؟" سألت، وصوتها يرتجف قليلاً. "أرجوك، تحدث معي".

"ليس هناك ما أتحدث عنه"، قلت ببرود. "لقد تغيرت الأمور. لقد تغيرت أنا. وهذا كل ما تحتاجين إلى معرفته".

مررت بجانبها وخرجت من المكتب، تاركًا إياها واقفة هناك، مصدومة ومرتبكة. لم أنظر خلفي.

عدت إلى غرفتي، وشعرت بمزيج غريب من المشاعر. كان هناك جزء مني يشعر بالرعب مما حدث، مما أصبحت عليه. لكن كان هناك جزء آخر، جزء أكبر وأقوى، يشعر بالرضا. بالتحرر.

نظرت إلى انعكاسي في المرآة. كانت عيناي تبدوان أغمق، وأكثر برودة. كان هناك شيء قاسٍ في تعابير وجهي لم يكن موجودًا من قبل. شيء نرجسي، ربما. شيء لا يرحم.

القلادة كانت لا تزال في يدي. رفعتها ونظرت إليها عن كثب. كانت تنبض بضعف، كما لو كانت راضية. كانت قد فعلت ما جاءت لتفعله. لقد أيقظت شيئًا بداخلي. شيئًا كان نائمًا لفترة طويلة.

لم أعد أليكس القديم. كنت شيئًا جديدًا. شيئًا خطيرًا. وشعرت بأن هذا هو مجرد البداية.

العالم كان مكانًا قاسيًا ومليئًا بالخيانة. وقد تعلمت هذا الدرس بالطريقة الصعبة، مرتين. لكن هذه المرة، لن أكون الضحية. هذه المرة، سأكون أنا من يسيطر. سأكون أنا من يقرر. ولن أسمح لأحد بأن يؤذيني مرة أخرى.

ابتسمت ابتسامة باردة لانعكاسي في المرآة. "مرحبًا بك في عالمي الجديد"، همست. "سيكون الأمر... مثيرًا للاهتمام".

وضعت القلادة حول رقبتي. شعرت ببرودتها على بشرتي، وشعرت بقوتها تتدفق عبري. كانت جزءًا مني الآن. وكنا معًا، سنغير كل شيء.

2025/05/08 · 36 مشاهدة · 1479 كلمة
Uzuki
نادي الروايات - 2025