# الفصل الثاني والثلاثون:
مرت ليلة طويلة ومضطربة بعد حادثة القلادة. لم أغمض لي جفنًا. الذكريات المؤلمة التي اجتاحتني لم تكن مجرد صور عابرة، بل كانت محفورة في روحي، تغذي برودة جديدة استقرت في قلبي. القلادة، التي أصبحت الآن جزءًا لا يتجزأ مني، معلقة حول عنقي، كانت تنبض ببرود خافت، همس مستمر يذكرني بالخيانة والألم، ويؤجج نيران الغضب والانتقام المكتوم.
في الصباح، عندما خرجت من غرفتي، شعرت بأن العالم يبدو مختلفًا. الألوان باهتة، الأصوات مكتومة، والناس... الناس مجرد ظلال متحركة، دوافعهم خفية ونواياهم مشبوهة. لم أعد أرى البراءة أو الطيبة في وجوههم، بل مجرد أقنعة تخفي الأنانية والخبث المحتمل. كانت النرجسية الجديدة التي بدأت تتشكل بداخلي تجد متعة مريرة في هذا التصور الساخر للعالم.
كان أول لقاء لي مع هذا الواقع الجديد هو مع سيلينا. وجدتها تنتظرني أمام باب غرفتي، والقلق واضح في عينيها. الليلة الماضية، بعد أن تركتها في مكتب الأستاذ إيليا، يجب أنها قضت وقتًا عصيبًا. لكنني لم أشعر بأي تعاطف. مشاعرها لم تعد تعنيني.
"أليكس"، بدأت بصوت متردد، "هل أنت... هل أنت بخير هذا الصباح؟ لقد كنت قلقة عليك".
نظرت إليها ببرود، وتلك الابتسامة الخافتة والساخرة التي أصبحت جزءًا من تعابيري الجديدة ارتسمت على شفتي. "قلقة؟ لماذا قد تقلقين عليّ، سيلينا؟ أنا بخير تمامًا. في الواقع، أنا أفضل من أي وقت مضى".
تراجعت قليلاً من حدة صوتي ونظرتي الباردة. "لكنك... لقد كنت مختلفًا الليلة الماضية. القلادة..."
"القلادة أرتني الحقيقة"، قاطعتها بحدة، ولم أعد أحتمل دور الضحية أو الشخص الذي يحتاج إلى الشفقة. "الحقيقة التي كنتم جميعًا، بطريقة أو بأخرى، تحاولون إخفاءها عني. لكن لا يهم الآن. لقد استيقظت".
"أليكس، أنا لا أفهم ما الذي تتحدث عنه!" صاحت، واليأس بدأ يتسلل إلى صوتها. "أي حقيقة؟ من نحن الذين نحاول إخفاء شيء عنك؟ نحن حلفاء!"
"حلفاء؟" ضحكت ببرود، ضحكة خالية من أي مرح. "هل هذا ما كنا عليه حقًا، سيلينا؟ أم أنني كنت مجرد أداة بالنسبة لكِ؟ وسيلة لتحقيق أهدافكِ الخاصة؟"
كانت كلماتي قاسية، وموجهة لإيذاءها. جزء مني، الجزء القديم الذي لا يزال يختبئ في مكان ما في أعماقي، شعر بوخز من الذنب. لكن الجزء الجديد، الجزء المسيطر الآن، كان يستمتع بهذا. كان يستمتع برؤية الألم في عينيها. كان هذا تأكيدًا على قوته الجديدة، على قدرته على التحكم والتلاعب.
"كيف يمكنك قول ذلك؟" قالت سيلينا، وعيناها تمتلئان بالدموع. "لقد تدربنا معًا، قاتلنا معًا! لقد وثقت بك!"
"الثقة كلمة كبيرة، سيلينا"، قلت، وأنا أقترب منها خطوة، وأجبرها على التراجع. "والثقة هي أول ما يتم خيانته. لقد تعلمت هذا الدرس جيدًا".
كانت القلادة حول عنقي تنبض بقوة أكبر الآن، كما لو كانت تتغذى على التوتر والمشاعر السلبية في الغرفة. شعرت بقوتها تتدفق عبري، تعزز برودتي وتصميمي. لم تكن مجرد قطعة معدنية؛ كانت كيانًا، شريكًا في تحولي الجديد.
"أليكس، أرجوك"، توسلت سيلينا، ومدت يدها نحوي. "دعني أساعدك. مهما كان ما رأيته، مهما كان ما تشعر به، يمكننا التغلب عليه معًا".
نظرت إلى يدها الممدودة باشمئزاز. لمسة؟ تعاطف؟ لم أعد بحاجة إلى هذه الأشياء. كانت ضعفًا. "مساعدة؟" كررت بسخرية. "أنا لست بحاجة إلى مساعدتك، سيلينا. أنا لست بحاجة إلى مساعدة أي شخص. لقد كنت أعتمد على الآخرين لفترة طويلة جدًا، وانظري إلى أين أوصلني ذلك".
دفعت يدها بعيدًا بحدة. "ابتعدي عني، سيلينا. هذا هو طلبي الوحيد، وتحذيري الأخير. لا تتبعي خطواتي، لا تتدخلي في شؤوني. طريقي الآن هو طريقي وحدي".
كانت الصدمة والألم واضحين على وجهها. رأت الدموع تنهمر على خديها، لكنني لم أشعر بشيء. كان قلبي جليديًا، محصنًا ضد أي محاولة للوصول إليه.
"لكن... لكننا فريق"، همست، وصوتها مكسور. "ماذا عن الأستاذ إيليا؟ ماذا عن التهديدات التي نواجهها؟"
"الأستاذ إيليا يمكنه الاعتناء بنفسه. أما بالنسبة للتهديدات، فسأواجهها بطريقتي الخاصة"، قلت ببرود. "لم أعد بحاجة إلى حماية أو توجيه. القوة التي أمتلكها الآن... هي أكثر مما تتخيلين".
وهذا لم يكن مجرد تباهي فارغ. شعرت بتأثير القلادة على قواي السحرية. لم تكن مجرد ذكريات مؤلمة التي منحتني إياها؛ لقد فتحت أيضًا قنوات جديدة للقوة بداخلي. كانت الظلال تستجيب لي بطرق لم تختبرها من قبل، أكثر طواعية، أكثر قوة. شعرت بأنني أستطيع تشكيلها، التحكم فيها، وحتى استدعاء أنواع جديدة من الظلال لم أكن أعرف بوجودها من قبل. كانت القلادة مفتاحًا، ليس فقط لماضيّ، ولكن لمستقبل مرعب وقوي.
"أليكس... لا تفعل هذا"، قالت سيلينا، ونبرة من اليأس المطلق في صوتها. "لا تدفعني بعيدًا. أنا... أنا لا أستطيع...".
توقفت، وكأنها لا تستطيع التعبير عن الكلمات. لكنني رأيت شيئًا جديدًا في عينيها، شيئًا تجاوز الألم والحزن. كان هناك وميض من الهوس، من التملك. نظرة مرعبة جعلت حتى الجزء البارد مني يشعر بقشعريرة خفيفة.
كان رفضي البارد، كلماتي القاسية، تدفعها نحو حافة الهاوية. لم تكن مجرد حزن على فقدان حليف؛ كان شيئًا أعمق، وأكثر خطورة. كان هوسًا يتشكل، يتغذى على اليأس والرفض.
"لا تستطيعين ماذا، سيلينا؟" سألت ببرود، وأنا أستمتع بهذا التحول الجديد في ديناميكية القوة بيننا. "لا تستطيعين العيش بدوني؟ هل هذا ما كنتِ ستقولينه؟ هذا مثير للشفقة".
كانت كلماتي سكينًا آخر في قلبها. رأيتها ترتجف، وقبضت يديها بقوة حتى ابيضت مفاصلها. النظرة في عينيها أصبحت أكثر حدة، أكثر تركيزًا. لم يعد هناك توسل، بل تصميم مخيف.
"سأثبت لك أنك مخطئ، أليكس"، قالت بصوت منخفض ومتحشرج، يختلف تمامًا عن صوتها المعتاد. "سأثبت لك أنك بحاجة إليّ. سأجعلك تراني. سأجعلك تعترف بي. حتى لو كان هذا آخر شيء أفعله".
كان هذا هو أول ظهور واضح لهوسها المرعب. لم تكن مجرد كلمات فارغة؛ شعرت بالقوة والإصرار وراءها. كانت مستعدة لفعل أي شيء، أي شيء على الإطلاق، لإبقائي في حياتها، حتى لو كان ذلك يعني تدمير كلانا.
ابتسمت ببرود. "أتطلع إلى ذلك، سيلينا. لكن لا تتوقعي مني أن أكون متساهلاً".
استدرت وتركتها واقفة هناك، ترتجف من مزيج من الغضب واليأس والهوس المتنامي. لم أنظر خلفي. لم أكن بحاجة إلى ذلك. كنت أعرف أنها ستتبعني. كنت أعرف أن هذا هو مجرد بداية لعبة جديدة وخطيرة بيننا.
بينما كنت أسير في ممرات الأكاديمية، شعرت بالقلادة تنبض بقوة أكبر. كانت تستمتع بهذا الصراع، بهذا الألم. وكانت تمنحني القوة لمواصلة السير في هذا الطريق المظلم. شعرت بأنني أصبحت أكثر انسجامًا معها، مع الظلال، مع طبيعتي الجديدة الباردة والنرجسية.
لم أعد أهتم بما يعتقده الآخرون. لم أعد أهتم بمشاعرهم. كان همي الوحيد هو قوتي الخاصة، وأهدافي الخاصة. وإذا كان على أي شخص أن يقف في طريقي، فسوف يسحق.
كان الصدع الأول قد حدث. وكانت الكلمات الباردة قد قيلت. والعواقب... العواقب بدأت للتو في الظهور. عالمي الجديد كان يتشكل، وكان عالمًا وحيدًا وقاسيًا. لكنه كان عالمي. وأنا من سيسيطر عليه.
مررت بإيلارا في أحد الممرات. نظرت إليّ بقلق، ولاحظت التغيير في مظهري وسلوكي. "أليكس؟ هل كل شيء على ما يرام؟ تبدو شاحبًا".
نظرت إليها ببرود، تلك النظرة التي أصبحت توقيعي الجديد. "أنا بخير، إيلارا. لا تقلقي بشأني". لم أتوقف، ولم أمنحها فرصة لطرح المزيد من الأسئلة. لم يكن لدي وقت للتعامل مع طيبتها الساذجة.
كانت هناك أمور أهم يجب أن أركز عليها. قوتي الجديدة. أسرار القلادة. والأعداء الذين ينتظرون في الظلال. لم يعد هناك مجال للضعف أو التردد. فقط القوة والسيطرة.
وصلت إلى ساحة التدريب، المكان الذي كنت أتدرب فيه مع سيلينا في السابق. كان فارغًا الآن. شعرت بوخز خافت من شيء يشبه الحنين، لكنني سحقته بسرعة. لم يكن هناك مكان لهذه المشاعر السخيفة بعد الآن.
بدأت أتدرب بمفردي، أختبر حدود قوتي الجديدة. كانت الظلال تستجيب لي بشكل لم يسبق له مثيل. شعرت بأنني أستطيع فعل أي شيء بها. شكلتها إلى أسلحة، إلى دروع، إلى وحوش مؤقتة. كانت القوة مذهلة، ومسببة للإدمان.
القلادة كانت تهمس لي، تشجعني، تدفعني إلى المزيد. كانت تعدني بقوة أكبر، بمعرفة أعمق. وكل ما كان عليّ فعله هو الاستسلام لها، احتضان الظلام الذي بداخلي.
وفعلت ذلك. بكل سرور.
كان هذا هو الفصل الجديد في حياتي. فصل من البرود، والقوة، والهوس. ولم أكن
أعرف إلى أين سيقودني، لكنني كنت مستعدًا لمواجهة أي شيء. طالما كنت أنا من يسيطر.