# الفصل الثالث والثلاثون:
الأيام التي تلت مواجهتي الباردة مع سيلينا كانت مشحونة بالتوتر الصامت. تجنبتها قدر الإمكان، وتجنبت بدورها محاولة الاقتراب مني، لكنني كنت أشعر بنظراتها الثاقبة تلاحقني في كل مكان. لم تعد نظرات قلق أو حزن، بل كانت نظرات مراقبة، تقييم، وشيء من التملك المخيف الذي جعل القلادة حول عنقي تنبض بارتياح بارد. كانت كلماتها الأخيرة – "سأجعلك تراني. سأجعلك تعترف بي" – ترن في أذني كتهديد صامت، وعد بهوس لا هوادة فيه.
إيلارا وبقية " حاولوا في البداية اختراق جدار البرود الذي بنيته حولي. كانوا يسألون عن حالي، يعرضون المساعدة، يحاولون فهم التغيير المفاجئ الذي طرأ عليّ. لكنني كنت أواجههم بنظرات فارغة، وإجابات مقتضبة، وسخرية لاذعة بالكاد تخفي الازدراء الذي أصبحت أشعر به تجاه طيبتهم الساذجة. سرعان ما تعلموا أن يتركوا مسافة، وأن يتهامسوا بشأني من بعيد، نظراتهم مليئة بالحيرة والخوف الطفيف.
لم أكن أهتم. وحدتي الجديدة كانت مصدر قوة. لم أعد مقيدًا بتوقعات الآخرين أو بمشاعرهم الهشة. كنت أركز فقط على استكشاف حدود قوتي الجديدة، التي بدت وكأنها تنمو كل يوم تحت تأثير القلادة. الظلال أصبحت امتدادًا لإرادتي، تتشكل وتتحرك بدقة مرعبة. بدأت أكتشف قدرات لم أكن أحلم بها من قبل – القدرة على التلاعب بظلال الآخرين، على خلق أوهام من الظل، وحتى على استخلاص معلومات من الظلال المحيطة بالأشياء والأشخاص.
كانت القلادة هي مرشدي ومعلمي في هذا الطريق المظلم. كانت تهمس لي بالأسرار، تفتح لي آفاقًا جديدة من القوة، وتؤجج نرجسيتي المتنامية. شعرت بأنني أتجاوز حدود الإنسانية، أصبح شيئًا آخر، شيئًا أقوى وأكثر خطورة. وكان هذا الشعور... مبهجًا بشكل مرعب.
في خضم هذا التحول، وفي الوقت الذي بدا فيه أن الجميع إما يخافني أو يراقبني بهوس، ظهرت هي.
كان ذلك خلال إحدى محاضرات الأستاذ فاليريوس عن تاريخ السحر المظلم – وهو موضوع أصبحت أجد فيه اهتمامًا خاصًا مؤخرًا. كنت جالسًا في الصف الخلفي كالعادة، معزولاً عن بقية الطلاب، أمتص المعلومات بنهم بارد، بينما القلادة تنبض بهدوء تحت قميصي.
فجأة، فتح باب القاعة ودخلت طالبة جديدة. لم أرها في الأكاديمية من قبل. كانت طويلة ونحيلة، ذات شعر أسود حالك ينسدل على كتفيها كشلال من الظلام، وبشرة شاحبة كالقمر. عيناها كانتا بلون البنفسج العميق، نظرة غامضة وثاقبة تجول في القاعة، كما لو كانت تبحث عن شيء ما... أو شخص ما.
كان هناك هالة من الغموض والقوة تحيط بها. لم تكن جمالًا تقليديًا، بل كان جمالًا غريبًا، ساحرًا، ومقلقًا بعض الشيء. ارتدت ملابس داكنة وأنيقة، تختلف عن الزي الأكاديمي المعتاد، مما زاد من إحساس الغرابة الذي أحاط بها.
اعتذرت الأستاذ فاليريوس بصوت هادئ ورخيم عن تأخرها، وقدمها لنا باسم ليليث. لم تقدم أي تفسير لتأخرها أو لظهورها المفاجئ في منتصف الفصل الدراسي. اكتفت بإيماءة رأس خفيفة وجلست في المقعد الفارغ الوحيد المتبقي – والذي كان، للمصادفة أو ربما للقدر، بجواري مباشرة.
شعرت بنظرات الطلاب الآخرين تتجه نحونا، مزيج من الفضول والدهشة. تجاهلتهم، لكنني كنت على دراية تامة بوجود ليليث بجانبي. كان هناك شيء ما فيها... شيء يجذبني ويقلقني في نفس الوقت. شعرت بالقلادة تنبض بشكل مختلف قليلاً، كما لو كانت تتعرف على شيء ما في هذه الوافدة الجديدة.
لم تتحدث ليليث طوال المحاضرة. جلست بهدوء، تستمع بانتباه إلى الأستاذ فاليريوس، وتدوّن ملاحظات من حين لآخر في دفتر أسود صغير. لكنني شعرت بنظراتها الخاطفة تتجه نحوي بين الحين والآخر. لم تكن نظرات فضول عادية، بل كانت نظرات تقييم، اهتمام، وشيء آخر لم أستطع تحديده – ربما إعجاب، أو ربما... فهم.
عندما انتهت المحاضرة، وبينما كان الطلاب الآخرون يغادرون القاعة، استدارت ليليث نحوي. ابتسامة خافتة وغامضة ارتسمت على شفتيها. "أليكس إيستر، أليس كذلك؟" قالت بصوت هادئ وموسيقي، يحمل نبرة من الثقة بالنفس.
نظرت إليها ببرودي المعتاد. "نعم. ومن أنتِ حقًا، ليليث؟ وما الذي أتى بكِ إلى هنا؟"
ابتسمت بشكل أوسع قليلاً. "أنا مجرد طالبة جديدة، تبحث عن المعرفة... وعن الأشياء المثيرة للاهتمام". نظرت إلى القلادة التي كانت تبرز قليلاً من تحت قميصي. "وأنت تبدو... مثيرًا للاهتمام للغاية، أليكس".
كانت جرأتها مفاجئة. لم يحاول أحد الاقتراب مني بهذه الطريقة منذ تحولي. لكن لم أشعر بالانزعاج، بل بالفضول. كان هناك شيء مختلف في ليليث. لم تكن تخافني. بل بدت وكأنها... منجذبة إليّ.
"المثير للاهتمام يمكن أن يكون خطيرًا أيضًا"، قلت ببرود، أختبر رد فعلها.
"الخطر هو مجرد وجه آخر للإثارة"، ردت بهدوء، وعيناها البنفسجيتان تحدقان في عيني. "وأنا لا أخشى الخطر، أليكس. في الواقع، أنا أبحث عنه".
كان هناك تحدٍ في صوتها، ودعوة. شعرت بالقلادة تنبض بقوة، كما لو كانت توافق على كلماتها. هذه الفتاة... لم تكن عادية.
"ما الذي تريدينه مني، ليليث؟" سألت مباشرة.
"في الوقت الحالي؟ لا شيء سوى محادثة ممتعة"، قالت، ونهضت من مقعدها. "ربما يمكننا التحدث أكثر لاحقًا. لدي شعور بأن لدينا الكثير لنتشاركه".
أومأت برأسي ببطء. "ربما".
ابتسمت مرة أخرى، ثم استدارت وغادرت القاعة، تاركة ورائها أثرًا خفيفًا من عطر غريب ومسكر، ورائحة خافتة من الظلال.
راقبتها وهي تغادر، وشعرت بمزيج من المشاعر المتضاربة. الفضول، الحذر، وشيء من الانجذاب الذي لم أشعر به منذ وقت طويل. كانت ليليث لغزًا، لغزًا خطيرًا وساحرًا. وكان جزء مني، الجزء المظلم الذي استيقظ بداخلي، يرغب في كشف هذا اللغز.
لم يمر وقت طويل حتى لاحظت البطلات الأخريات – سيلينا، إيلارا، وحتى بعض الفتيات الأخريات اللواتي كنّ يظهرن اهتمامًا خفيًا بي في الماضي – اهتمام ليليث بي. كنّ يراقبننا من بعيد، ونظراتهن مليئة بالشك والغيرة المتزايدة.
سيلينا، على وجه الخصوص، بدت وكأنها على وشك الانفجار. كلما رأتني أتحدث مع ليليث، أو حتى أنظر في اتجاهها، كانت عيناها تضيقان، وقبضتها تشتد. كان هوسها بي يزداد سوءًا، وكان وجود ليليث يصب الزيت على النار. شعرت بأنها تعتبر ليليث منافسة، تهديدًا لـ "ملكيتها" المزعومة لي.
إيلارا، بطيبتها المعتادة، حاولت تحذيري من ليليث. "أليكس، كن حذرًا منها"، قالت لي في إحدى المرات، وصوتها مليء بالقلق. "هناك شيء غريب فيها. لا أثق بها".
نظرت إليها ببرود. "ثقتكِ لا تهمني، إيلارا. أنا أقرر من أثق به ومن لا أثق به".
كان رفضي المستمر للجميع، برودتي ونرجسيتي المتزايدة، يزيد من غموضي وجاذبيتي في نظر البطلات. كلما دفعتهم بعيدًا، كلما أصبحوا أكثر هوسًا بي. كانت حلقة مفرغة، لعبة خطيرة كنت أستمتع بلعبها. كنت أرى اليأس والغيرة والهوس في عيونهن، وكنت أتغذى على ذلك. كان يؤكد لي قوتي، سيطرتي.
ليليث، من ناحية أخرى، بدت وكأنها لا تتأثر بهذه الدراما. كانت هادئة، واثقة، ومركزة عليّ فقط. كنا نلتقي أحيانًا بعد المحاضرات، نتحدث عن السحر المظلم، عن القوة، عن طبيعة الظلال. كانت لديها معرفة واسعة وعميقة، وأفكار جريئة ومثيرة للقلق. شعرت بأنها تفهمني، تفهم الجزء المظلم مني الذي كان ينمو ويتوسع.
"أنت مختلف عنهم، أليكس"، قالت لي في إحدى محادثاتنا، وهي تنظر إلى القلادة حول عنقي. "أنت ترى العالم كما هو حقًا. مكان مظلم ومليء بالإمكانيات. وهم... هم يخافون من الظلام. يحاولون إنكاره، قمعه. لكنك تحتضنه. وهذا ما يجعلك قويًا".
كانت كلماتها كالموسيقى لأذني. كانت أول شخص يفهمني حقًا، أو على الأقل يبدو كذلك. لم تحاول تغييري، لم تحاول "إنقاذي". بل بدت وكأنها تحتفل بظلامي.
"وماذا عنكِ، ليليث؟" سألت. "هل تحتضنين الظلام أيضًا؟"
ابتسمت ابتسامتها الغامضة. "أنا ولدت في الظلام، أليكس. إنه بيتي".
كانت هذه بداية علاقة جديدة ومعقدة. علاقة مبنية على الفهم المتبادل للظلام، وعلى الانجذاب المتبادل للقوة. لم أكن أعرف إلى أين ستقودنا هذه العلاقة، لكنني كنت مستعدًا لاكتشاف ذلك.
في هذه الأثناء، كان هوس البطلات الأخريات بي يزداد سوءًا. كنّ يتنافسن على اهتمامي، يحاولن إثارة إعجابي، أو على الأقل إثارة غيرتي. كانت سيلينا هي الأكثر عدوانية، تراقب كل تحركاتي، وتحاول باستمرار التدخل في أي تفاعل بيني وبين ليليث. كانت نظراتها مليئة بالتهديد الصامت، ووعد بالانتقام إذا تجاهلتها أو فضلت ليليث عليها.
كانت الأكاديمية تتحول إلى ساحة معركة صامتة، معركة من أجل اهتمامي، من أجل قلبي البارد والجليدي. وكنت أنا في المركز، أستمتع بكل لحظة من هذه اللعبة الخطيرة. كنت الملك النرجسي، والبطلات كنّ مجرد بيادق في لعبتي.
"ابتعدن عني"، كنت أقول لهن ببرود، كلما حاولن الاقتراب أكثر من اللازم. "أنا لست بحاجة إليكن. أنا لست مهتمًا بكن".
لكن كلماتي كانت تأتي بنتائج عكسية. كلما رفضتهن، كلما أصبحن أكثر تصميمًا. كلما أظهرت لهن البرود، كلما اشتعلت نيران الهوس في قلوبهن.
كانت ليليث تراقب كل هذا بابتسامة خافتة على شفتيها. بدت وكأنها تستمتع بالدراما، وكأنها تعرف شيئًا لا يعرفه الآخرون.
"إنهن مثيرات للشفقة، أليس كذلك؟" قالت لي في إحدى المرات، ونحن نراقب سيلينا وهي تحدق فينا بغضب من بعيد. "يتشبثن بك كما لو كنت شريان حياتهن. لا يدركن أنك قد تجاوزتهن بالفعل".
"وما الذي يجعلكِ مختلفة، ليليث؟" سألت، وأنا أنظر إليها بتحدٍ.
"أنا لا أتشبث بك، أليكس"، قالت بهدوء، وعيناها البنفسجيتان تلتقيان بعيني. "أنا أسير بجانبك. وأنا مستعدة لمتابعتك إلى أي مكان يقودك إليه ظلامك".
كانت كلماتها مغرية وخطيرة. وكانت القلادة حول عنقي تنبض بموافقة صامتة. ربما... ربما وجدت أخيرًا شخصًا يستحق اهتمامي. شخصًا يفهم طبيعتي الحقيقية.
لكن حتى مع ليليث، كنت حذرًا. لم أعد أثق بأحد بسهولة. الجميع لديهم دوافعهم الخاصة، وأجنداتهم الخفية. وليليث، بكل غموضها وقوتها، لم تكن استثناءً.
كانت اللعبة مستمرة. وكنت أنا من يضع القواعد. والعالم... العالم كان ينتظر ليرى من سيفوز في النهاية.