34 - العالم المتشابك وأسرار الماضي

# الفصل الرابع والثلاثون:

أصبحت القلادة محور وجودي. لم تكن مجرد قطعة حلي أو أداة سحرية، بل كانت نافذة على ماضٍ لم أكن أعرف أنه يخصني، ومفتاحًا لقوة لم أكن أتصورها. همساتها المستمرة، التي كانت في البداية مجرد أصداء للذكريات المؤلمة، بدأت تتخذ شكلاً أكثر تحديدًا، توجيهات خفية، رؤى مجزأة عن تاريخ العالم السحري، وعن مكانتي فيه.

دفعتني هذه الهمسات، وهذا الفضول النرجسي لمعرفة المزيد عن الذات "العظيمة" التي بدأت أؤمن بها، إلى البحث عن أصل القلادة وماضيها. لم أعد أكتفي بالمعلومات السطحية التي قدمها الأستاذ إيليا. أردت أن أعرف كل شيء. أردت أن أفهم القوة الحقيقية التي أحملها حول عنقي، وأن أستغلها إلى أقصى حد.

كانت مكتبة الأكاديمية هي وجهتي الأولى. مكان كنت أتجنبه في الماضي، معتبرًا إياه مملًا ومغبرًا. لكن الآن، رأيت فيه كنزًا من المعرفة المنسية، من الأسرار التي تنتظر من يكشفها. قضيت ساعات طويلة بين رفوف الكتب القديمة، أبحث عن أي ذكر للقلائد المشابهة، للرموز الغريبة، أو للسحر القديم الذي بدا وكأنه ينبعث من قطعتي الأثرية.

كانت عملية بطيئة ومحبطة في البداية. معظم النصوص كانت عامة جدًا، أو تركز على فترات تاريخية أحدث. لكنني لم أيأس. برودتي الجديدة منحتني صبرًا لم أكن أمتلكه من قبل، ونرجسيتي غذت إصراري. كنت مقتنعًا بأن الإجابات موجودة، وأنني الوحيد القادر على العثور عليها.

في هذه الأثناء، كانت ليليث ترافقني في بعض الأحيان في رحلاتي إلى المكتبة. لم تكن تساعدني بشكل مباشر في بحثي، بل كانت تجلس بصمت في مكان قريب، تقرأ كتبها الخاصة عن السحر المظلم، وتراقبني بنظراتها البنفسجية الثاقبة. كان وجودها غريبًا ومريحًا في نفس الوقت. لم تكن تطرح أسئلة كثيرة، لكنني شعرت بأنها تفهم هوسي، وبأنها تنتظر بصبر ما سأكتشفه.

"أنت تبحث عن شيء محدد، أليس كذلك؟" قالت لي في إحدى المرات، وصوتها الهادئ يكسر صمت المكتبة. "شيء يتجاوز مجرد تاريخ القلائد القديمة".

نظرت إليها ببرود. "وماذا لو كنت كذلك؟"

ابتسمت ابتسامتها الغامضة. "لا شيء. أنا فقط أجد فضولك... ملهمًا".

لم أعلق، وعدت إلى كتبي. لكن كلماتها بقيت معي. هل كان فضولي ملهمًا حقًا؟ أم أنه كان مجرد انعكاس آخر لنرجسيتي المتنامية؟ لم أكن متأكدًا، ولم أكن أهتم كثيرًا.

أخيرًا، بعد أيام من البحث المضني، وجدت شيئًا. كان كتابًا قديمًا ومتهالكًا، مخبأً في قسم منسي من المكتبة. كان عنوانه "أصداء الظلال: تاريخ السحر المنسي". لم يكن هناك اسم للمؤلف، والصفحات كانت صفراء وهشة.

بدأت أقلب الصفحات بحذر، وشعرت بالقلادة تنبض بقوة أكبر، كما لو كانت تتعرف على شيء ما في هذا الكتاب. ثم، في منتصف الكتاب تقريبًا، وجدت رسمًا. رسمًا للقلادة التي أحملها. نفس الرمز، نفس الشكل. كان هناك نص مرافق للرسم، مكتوب بلغة قديمة لم أتعرف عليها في البداية.

لكن القلادة... القلادة ساعدتني. عندما ركزت على النص، بدأت الكلمات تتضح في ذهني، كما لو أن القلادة كانت تترجمها لي. كان الأمر مذهلاً ومقلقًا في نفس الوقت. كانت القلادة تتجاوب معي، تتواصل معي بطرق لم أفهمها تمامًا.

النص تحدث عن "قلائد الأرواح"، قطع أثرية قوية صنعت في فجر التاريخ من قبل سحرة قدماء سعوا لتجاوز حدود الموت والحياة. كانت هذه القلائد قادرة على تخزين ليس فقط المعرفة والقوة، بل أجزاء من الروح نفسها. كانت تستخدم للحفاظ على وعي السحرة الأقوياء بعد موتهم، أو لنقل قوتهم إلى خلفائهم المختارين.

لكن النص حذر أيضًا من أن هذه القلائد كانت خطيرة. كانت تحمل إرادة أصحابها الأصليين، ويمكن أن تؤثر على من يرتديها، أو حتى تسيطر عليه. كانت هناك قصص عن سحرة فقدوا أنفسهم بسبب هذه القلائد، وأصبحوا مجرد أصداء لأرواح قديمة وقوية.

شعرت بقشعريرة تسري في جسدي وأنا أقرأ هذه الكلمات. هل هذا ما كان يحدث لي؟ هل كنت أفقد نفسي، وأصبح مجرد وعاء لروح قديمة؟ فكرة مرعبة، لكنها أيضًا... مثيرة بشكل غريب. إذا كانت الروح التي تسكن القلادة قوية جدًا، فربما يمكنني استخدام هذه القوة لتحقيق أهدافي الخاصة.

واصلت القراءة، واكتشفت المزيد عن تاريخ العالم السحري المعقد. تحدث الكتاب عن "الحرب الأولى للظلال"، صراع قديم بين فصائل مختلفة من مستخدمي السحر، صراع كاد أن يدمر العالم. وتحدث عن "الأوصياء الأوائل"، مجموعة من السحرة الأقوياء الذين ضحوا بأنفسهم لختم قوى الظلام الخطيرة ومنع تكرار الحرب.

وبدأت أرى خيوطًا تربط ماضيّ، الذكريات المؤلمة التي رأيتها، بهذا التاريخ القديم. الوجوه التي رأيتها في رؤاي، المعارك التي خضتها، الخيانات التي تعرضت لها... هل كانت جزءًا من هذه الحرب القديمة؟ هل كنت أحد هؤلاء الأوصياء الأوائل؟ أم أنني كنت على الجانب الآخر؟

لم يكن الكتاب يقدم إجابات واضحة. لكنه فتح أمامي عالمًا جديدًا من الأسئلة والإمكانيات. كان ماضيّ أكثر تعقيدًا مما كنت أتصور، وكان مرتبطًا بشكل وثيق بمصير العالم السحري نفسه.

أغلقت الكتاب، وشعرت بمزيج من الإثارة والخوف. القلادة كانت أكثر من مجرد قطعة أثرية؛ كانت مفتاحًا لماضيّ، وربما لمستقبلي. وكان عليّ أن أكون حذرًا للغاية في كيفية استخدام هذه المعرفة وهذه القوة.

عندما غادرت المكتبة في ذلك اليوم، شعرت بأنني تغيرت مرة أخرى. لم أعد مجرد أليكس البارد والنرجسي؛ كنت أيضًا شخصًا يحمل عبء ماضٍ قديم وغامض، وشخصًا لديه دور يلعبه في صراع أكبر بكثير مما كنت أتصور.

في هذه الأثناء، كان هوس سيلينا بي يصل إلى مستويات جديدة ومقلقة. لم تعد تكتفي بمراقبتي من بعيد. بدأت تظهر في الأماكن التي أرتادها، "بمحض الصدفة" كما كانت تدعي. كانت تحاول بدء محادثات معي، تسألني عن بحثي، عن صحتي، عن أي شيء يمكن أن يمنحها بضع دقائق من اهتمامي.

كنت أواجهها ببرودي المعتاد، وأرفض محاولاتها للتواصل. لكنني لاحظت شيئًا جديدًا في سلوكها. كانت تجمع معلومات عني. رأيتها تتحدث مع طلاب آخرين، تسألهم عني، عن عاداتي، عن أصدقائي (القليلين الذين تبقوا). ورأيتها عدة مرات بالقرب من غرفتي في أوقات متأخرة من الليل، كما لو كانت تحاول التجسس عليّ.

كان الأمر مزعجًا، لكنه أيضًا... مثير للسخرية. هل كانت تعتقد حقًا أنها تستطيع كسب اهتمامي بهذه الطريقة؟ هل كانت تعتقد أن هوسها هذا سيجعلني أعود إليها؟ كانت ساذجة بشكل مثير للشفقة.

في إحدى الليالي، كنت عائدًا إلى غرفتي بعد جلسة تدريب طويلة ومكثفة مع الظلال. شعرت بأنني قوي ومنهك في نفس الوقت. القلادة كانت تنبض بقوة، تتغذى على طاقتي، وتمنحني المزيد من القوة في المقابل. كانت علاقة تكافلية غريبة وخطيرة.

عندما اقتربت من باب غرفتي، لاحظت أن الباب موارب قليلاً. توقفت، وشعرت بالشك يتسلل إلى ذهني. كنت متأكدًا من أنني أغلقته بإحكام عندما غادرت.

اقتربت بحذر، ودفعت الباب ببطء. كانت الغرفة مظلمة، لكنني شعرت بوجود شخص آخر فيها. شخص كان يحاول الاختباء.

"من هناك؟" سألت ببرود، وصوتي يحمل نبرة من التهديد. الظلال في الغرفة بدأت تتحرك، تستجيب لغضبي المكتوم.

لم يكن هناك رد. لكنني سمعت صوت تنفس خافت قادمًا من زاوية الغرفة.

مددت يدي، وتشكلت شفرة من الظل في قبضتي. "أكرر، من هناك؟ اخرج قبل أن أجبرك على الخروج".

ببطء، خرج شخص من الظلال. كانت سيلينا. كانت تبدو خائفة ومرتبكة، وعيناها مليئة بالدموع.

"ماذا تفعلين هنا، سيلينا؟" سألت ببرود، ولم أخفف من حدة شفرة الظل في يدي.

"أنا... أنا فقط..." بدأت، وصوتها يرتجف. "كنت قلقة عليك. لم أرك طوال اليوم، وأردت فقط أن أتأكد من أنك بخير".

"قلقة عليّ؟" كررت بسخرية. "أم أنكِ كنتِ تتجسسين عليّ؟ تبحثين في أغراضي؟ تحاولين اكتشاف أسراري؟"

احمر وجهها، ونظرت إلى الأرض. "لا! لم أكن أفعل ذلك! أنا فقط... أردت أن أكون قريبة منك".

"قريبة مني؟" ضحكت ببرود. "هل هذا ما تسمينه هذا، سيلينا؟ اقتحام غرفتي؟ انتهاك خصوصيتي؟ هذا ليس قربًا، هذا هوس. وهذا مثير للاشمئزاز".

كانت كلماتي قاسية، لكنني لم أشعر بأي ندم. كانت تستحق ذلك. كانت تتجاوز حدودها، وكان عليّ أن أضعها في مكانها.

"أنا آسفة"، همست، والدموع تنهمر على خديها. "لم أقصد... لم أقصد أن أزعجك. أنا فقط... أفتقدك، أليكس. أفتقد الشخص الذي كنت عليه".

"الشخص الذي كنت عليه قد مات، سيلينا"، قلت ببرود. "لقد قتلته الخيانة والألم. والشخص الذي تراه أمامك الآن... هو كل ما تبقى. وهو لا يحتاج إليكِ، ولا يريدكِ".

كانت هذه هي الحقيقة، أو على الأقل الحقيقة التي أردت أن أؤمن بها. الحقيقة التي كانت القلادة تهمس بها لي باستمرار.

"ابتعدي عني، سيلينا"، قلت مرة أخرى، وصوتي الآن يحمل نبرة نهائية. "إذا رأيتكِ بالقرب من غرفتي مرة أخرى، أو إذا حاولتِ التدخل في حياتي بأي شكل من الأشكال، فلن أكون لطيفًا كما كنت الآن. هل تفهمين؟"

أومأت برأسها بصمت، والدموع لا تزال تنهمر. بدت محطمة، يائسة. لكنني لم أشعر بأي تعاطف. شعرت فقط بالاشمئزاز من ضعفها، من هوسها.

"اخرجي الآن"، أمرت ببرود.

استدارت وغادرت الغرفة، تاركة ورائها رائحة خافتة من اليأس والدموع. أغلقت الباب خلفها، وشعرت بموجة من الغضب والاشمئزاز تجتاحني. كيف تجرأت على فعل ذلك؟ كيف تجرأت على انتهاك مساحتي الخاصة بهذه الطريقة؟

القلادة كانت تنبض بقوة، تتغذى على غضبي. شعرت بقوتها تتدفق عبري، تهدئني، تذكرني بأنني المسيطر. بأنني الأقوى.

لكن في أعماق روحي، كان هناك شيء آخر. شيء صغير وخافت، بالكاد مسموع. صوت يشبه صوت أليكس القديم، يهمس بأنني كنت قاسيًا جدًا. بأنني كنت أدمر كل شيء جيد في حياتي.

سحقت هذا الصوت بسرعة. لم يكن هناك مكان للضعف أو الشك. كنت على طريق جديد الآن، طريق مظلم وقوي. ولم يكن هناك عودة إلى الوراء.

كان العالم متشابكًا، وماضيّ كان أكثر تعقيدًا مما كنت أتصور. لكنني كنت مستعدًا لمواجهة كل ذلك. كنت مستعدًا لكشف كل الأسرار، والمطالبة بكل القوة التي كانت من حقي. ولن أسمح ل

أي شخص، لا سيلينا ولا أي شخص آخر، بالوقوف في طريقي.

كانت هذه هي الحقيقة الجديدة. حقيقتي أنا.

2025/05/09 · 23 مشاهدة · 1439 كلمة
Uzuki
نادي الروايات - 2025