# الفصل الحادي والأربعون:
كانت المواجهة مع "عبدة النسيان" قد بدأت تأخذ منحى أكثر خطورة. لم يعودوا مجرد تهديد خفي أو مصدر للشائعات المزعجة؛ لقد أصبحوا قوة منظمة تسعى بنشاط لتدمير نسيج الواقع كما أعرفه. استهدافهم لـ"مواقع الذاكرة" في الأكاديمية لم يكن مجرد تخريب عشوائي، بل كان جزءًا من طقوس معقدة تهدف إلى إضعاف الأختام التي كانت تكبح "سيد النسيان". كل موقع يتم تدنيسه، كل ذكرى يتم محوها، كانت تقربهم خطوة من هدفهم المروع.
تحالفي غير المستقر مع كلارا أثبت أنه مفيد في هذه المرحلة. بفضل شبكتها الواسعة من المخبرين، تمكنا من تحديد العديد من هذه المواقع المستهدفة قبل أن يصل إليها "عبدة النسيان". كانت هذه المواقع غالبًا أماكن منسية أو مهملة داخل الأكاديمية – مكتبات قديمة مليئة بالمخطوطات المتربة، حدائق مخفية حيث كانت تجرى طقوس سحرية قديمة، أو حتى غرف مهجورة تردد فيها صدى أحداث تاريخية مهمة.
"إنهم يعملون بسرعة، أليكس"، قالت كلارا في إحدى اجتماعاتنا المتوترة، وعيناها الخضراوان تلمعان بالقلق. "علينا أن نوقفهم قبل أن يتمكنوا من إكمال طقوسهم. إذا تم إطلاق العنان لـ'سيد النسيان'، فلن تكون هناك أكاديمية لنسيطر عليها".
"أنا أعرف ذلك، كلارا"، رددت ببرود، على الرغم من أنني شعرت ببرودة القلادة تنبض بقوة أكبر عند ذكر "سيد النسيان". "لكن لا يمكننا أن نكون في كل مكان في نفس الوقت. نحتاج إلى خطة".
كانت الخطة التي وضعناها تتضمن استخدام قوتي في الظلال وقدرتي المتنامية على استشعار "أصداء الزمن" لتحديد المواقع الأكثر عرضة للخطر، بينما تقوم كلارا بتعبئة "قواتها" – مجموعة من الطلاب الموالين لها وأعضاء مجلس الطلاب – لحماية هذه المواقع أو على الأقل لتأخير "عبدة النسيان" حتى أتمكن من التدخل.
كانت هذه رقصة خطيرة من الأقنعة والخداع. كنت أعمل مع كلارا، لكنني لم أثق بها تمامًا. كنت أعرف أنها ستتخلى عني في اللحظة التي لا أعود فيها مفيدًا لها. وهي، بدورها، كانت تعرف أنني لست مجرد أداة يمكن التحكم فيها بسهولة. كنا حليفين ، متحدين فقط بسبب التهديد المشترك.
ليليث، من ناحية أخرى، كانت تلعب لعبتها الخاصة. لم تكن مهتمة بحماية الأكاديمية بقدر اهتمامها بمراقبة تطوري كـ"سيد للصدى". كانت تزودني بمعلومات غامضة ومقلقة حول "سيد النسيان"، وحول الحرب القديمة التي دارت بين أسلافي وهذا الكائن المظلم. "إنه ليس مجرد وحش، أليكس"، قالت لي. "إنه مفهوم. إنه الفراغ الذي يهدد بابتلاع كل شيء. وأنت... أنت النقيض. أنت الذاكرة، الصدى، الاستمرارية".
كانت كلماتها تحمل وزنًا ثقيلاً، وزنًا لم أكن متأكدًا من أنني أريد حمله. لكن القلادة كانت تتوق إلى هذه المواجهة. كانت تشعر بأن هذا هو مصيرها، مصيري.
في خضم هذه الصراعات الكبرى، كانت الدراما الشخصية للبطلات المهووسات بي تستمر في التصاعد. سيلينا، في يأسها المتزايد، بدأت تتخذ خطوات أكثر خطورة. لم تعد محاولاتها لإغوائي أو إثارة شفقتي كافية. بدأت تحاول السيطرة عليّ بطرق أخرى، طرق سحرية. اكتشفت أنها كانت تحاول سرًا وضع تعويذات خفية عليّ، تعويذات تهدف إلى ربط إرادتي بإرادتها، إلى جعلي "ملكها" بشكل دائم.
كان هذا تجاوزًا خطيرًا للحدود. عندما واجهتها بذلك، لم تنكر. بل نظرت إليّ بتحدٍ مجنون. "أنت لي، أليكس"، قالت بصوت أجش. "سأفعل أي شيء لأبقيك معي. أي شيء".
"أنتِ تلعبين بالنار، سيلينا"، قلت ببرود جليدي، وقوتي في الظلال تتجمع حولي كعاصفة وشيكة. "إذا حاولتِ فعل ذلك مرة أخرى، فلن أتردد في تدميركِ".
لكن تهديدي لم يعد يخيفها. هوسها كان قد أعمى بصيرتها تمامًا. أصبحت وحشًا بطريقتها الخاصة، وحشًا مدفوعًا بالحب المريض والغيرة المدمرة.
إيلارا، التي كانت قد بدأت تجد بعض السلام في مساعدة الآخرين، وجدت نفسها في موقف صعب. "عبدة النسيان"، في سعيهم لمحو الذكريات، بدأوا يستهدفون ليس فقط الأماكن، بل أيضًا الأشخاص الذين يحملون ذكريات قوية أو معرفة تاريخية. وكانت إيلارا، بفضل دراستها المكثفة للتاريخ القديم وسحر الضوء، هدفًا محتملاً.
في إحدى الليالي، تعرضت لهجوم في مكتبة الأكاديمية. تمكنت من الدفاع عن نفسها بفضل سحرها الضوئي المتنامي، لكنها أصيبت بجروح خطيرة. عندما وجدتها، كانت ترقد بين رفوف الكتب المتناثرة، ووجهها شاحب، والدماء تتسرب من جرح في كتفها.
لأول مرة منذ وقت طويل، شعرت بشيء يشبه... الغضب. ليس الغضب البارد والمحسوب الذي كنت أستخدمه كأداة، بل غضب حقيقي، غضب وقائي. كانت إيلارا، بكل ضعفها ويأسها، قد أظهرت نوعًا من الشجاعة، نوعًا من النقاء الذي كان نادرًا في هذا العالم المظلم. ولم أستطع تحمل رؤيتها تتأذى بهذه الطريقة.
شفيتها باستخدام قوتي في الظلال، وهي قدرة لم أكن أعرف حتى أنني أمتلكها. كانت عملية مؤلمة ومستنزفة، لكنني تمكنت من إغلاق جروحها وتهدئة ألمها. عندما فتحت عينيها ورأتني، كان هناك مزيج من الخوف والدهشة والامتنان في نظرتها.
"لماذا... لماذا فعلت ذلك؟" همست بصوت ضعيف.
"لا أعرف"، رددت بصدق نادر. "ربما لأنني سئمت من رؤية الأبرياء يتأذون".
كان هذا اعترافًا خطيرًا، اعترافًا بالضعف، أو على الأقل بشيء يشبه الإنسانية. القلادة كانت صامتة، لكنني شعرت بامتعاضها. لونا، لو كانت هنا، لربما ابتسمت ابتسامتها الهادئة.
هذا الحادث مع إيلارا جعلني أدرك أنني لا أستطيع الاستمرار في لعب دور المتفرج البارد. "عبدة النسيان" كانوا يهددون ليس فقط الأكاديمية، بل أيضًا الأشخاص الذين، بطريقة أو بأخرى، أصبحوا جزءًا من حياتي المعقدة. حتى لو كنت أقول لنفسي إنهم مجرد أدوات أو بيادق، فإن الحقيقة كانت أكثر تعقيدًا.
بدأت أعمل بشكل أوثق مع ليليث، ليس فقط لتعلم المزيد عن إرثي، ولكن أيضًا لجمع معلومات استخباراتية حول "عبدة النسيان". كانت "محكمة الظلال" لديها مصادرها الخاصة، وكانت ليليث مستعدة لمشاركة بعض هذه المعلومات معي – مقابل ثمن بالطبع. كان الثمن دائمًا ولائي، أو على الأقل تعاوني في المستقبل.
"إنهم يخططون لشيء كبير، أليكس"، قالت ليليث في إحدى محادثاتنا السرية. "شيء يتعلق بـ 'ليلة الأرواح الضائعة'، مهرجان قديم سيقام قريبًا. يعتقدون أن الحجاب بين العوالم سيكون أرق في تلك الليلة، وأنهم سيتمكنون من استخدام طاقة المهرجان لإكمال طقوسهم وإطلاق العنان لـ'سيد النسيان'".
"ليلة الأرواح الضائعة". كان الاسم مألوفًا. تذكرت أنني قرأت عنه في بعض النصوص القديمة. كان مهرجانًا يُحتفل به في الأكاديمية منذ قرون، مهرجانًا مليئًا بالأقنعة والأزياء والاحتفالات الغامضة. كان من المفترض أن يكون وقتًا للمرح والاحتفال، لكنه الآن كان يكتسب معنى أكثر شؤمًا.
"علينا أن نوقفهم"، قلت، وصوتي يحمل تصميمًا جديدًا.
"بالطبع علينا أن نوقفهم"، ردت ليليث بابتسامة ساخرة. "السؤال هو كيف. وما هو الثمن الذي أنت مستعد لدفعه؟"
لم أكن أعرف الإجابة على هذا السؤال. لكنني كنت أعرف أنني لا أستطيع السماح لـ"عبدة النسيان" بالنجاح. ليس فقط من أجل الأكاديمية، أو من أجل إرثي، ولكن أيضًا من أجل تلك الشظايا الصغيرة من الحقيقة، من الإنسانية، التي بدأت أراها في نفسي وفي الآخرين.
كانت رقصة الأقنعة مستمرة. لكن تحت الأقنعة، بدأت شظايا الحقيقة تتألق، شظايا مؤلمة ومربكة، لكنها أيضًا تحمل وعدًا بشيء آخر غير الظلام والوحدة.
لونا، بوجودها الهادئ، كانت تذكرني دائمًا بهذه الشظايا. "الأقنعة يمكن أن تحمينا، أليكس"، قالت لي ذات مرة. "لكنها أيضًا يمكن أن تخفينا عن أنفسنا. وأحيانًا، تكون الشجاعة الحقيقية هي أن نجرؤ على النظر إلى ما تحت القناع، حتى لو كان ما نراه مخيفًا".
كنت أبدأ في فهم ما تعنيه. وكنت أخشى ما قد أجده إذا نظرت بعمق كافٍ. لكنني أيضًا كنت أعرف أنني لا أستطيع الاستمرار في الاختباء خلف قناع البرود والنرجسية إلى الأبد.
"ليلة الأرواح الضائعة" كانت تقترب. وكانت المواجهة النهائية مع "عبدة النسيان" تلوح في الأفق. ولم أكن أعرف ما إذا كنت مستعدًا لها. لكنني كنت سأواجهها. لأن هذا ما يفعله
"أسياد الصدى". هذا ما يفعله أليكس إيستر.
أو هكذا كنت آمل.