# الفصل الثالث والأربعون:

كان "صدى النسيان" يقف في قلب الساحة، كتلة من الظلام الدامس تمتص الضوء والحياة من حولها. لم يكن له شكل ثابت، بل كان يتلوى ويتغير باستمرار، مجسات من الفراغ تمتد وتتراجع، وعيون لا حصر لها تتوهج ببرود مخيف من أعماقه. لم يكن يصدر صوتًا، لكن وجوده ذاته كان يصرخ بالعدم، بالرغبة في محو كل شيء.

ساد الرعب والذعر بين الطلاب الذين كانوا يشهدون هذا المشهد المروع. بدأوا في التدافع والهرب، وصراخهم يملأ الهواء، لكن "صدى النسيان" لم يبدُ مهتمًا بهم. كان تركيزه، بطريقة ما، عليّ. شعرت به يحدق بي، ليس بعيون جسدية، بل بوعي بارد وفضولي. القلادة على صدري كانت تنبض بقوة، ليس بالخوف، بل بنوع من الترقب، من الاعتراف.

"إنه... إنه أقوى مما توقعت"، همست ليليث، ووجهها الذي كان عادةً ما يكون هادئًا ومليئًا بالثقة، أصبح الآن شاحبًا وقلقًا. "هذا ليس مجرد صدى. إنه جزء حقيقي من جوهره".

"علينا أن نحتويه!" صرخت كلارا، وهي تحاول استعادة رباطة جأشها. "إذا خرج من هذه الساحة، فسوف يدمر الأكاديمية بأكملها!".

لكن كيف يمكن احتواء شيء كهذا؟ شيء يتحدى قوانين الواقع، شيء مصنوع من الفراغ نفسه؟

في هذه اللحظة من الفوضى، ظهرت شخصية جديدة، أو بالأحرى، شخصية كانت موجودة دائمًا في الظل، لكنها الآن خطت إلى الضوء. كانت فتاة ذات شعر أسود قصير وعيون أرجوانية غريبة، ترتدي ملابس جلدية داكنة مزينة برموز فضية لم أتعرف عليها. كانت تحمل في يدها سوطًا طويلًا مصنوعًا من الظل المتصلب، وكان ينبعث منها هالة من القوة الهادئة والخطيرة.

"مرحبًا، أليكس إيستر"، قالت الفتاة بصوت منخفض ورخيم، وتجاهلت تمامًا "صدى النسيان" الذي كان يقف على بعد خطوات قليلة منها. "لقد كنت أراقبك منذ فترة. يبدو أنك تجذب المشاكل أينما ذهبت".

"من أنتِ؟" سألت، وقوتي في الظلال تتجمع حولي، مستعدًا لأي تهديد جديد.

"اسمي نايرا"، ردت الفتاة بابتسامة باهتة. "وأنا هنا للمساعدة. أو على الأقل، لأجعل الأمور أكثر إثارة للاهتمام".

لم أكن أعرف ما إذا كان بإمكاني الوثوق بها. لكن في هذه اللحظة، كنت بحاجة إلى كل مساعدة يمكنني الحصول عليها.

"صدى النسيان" بدأ يتحرك. لم يكن يتحرك بطريقة تقليدية، بل كان يتدفق، ينتشر كالزيت على الماء، ويمحو كل ما يلمسه. الأرض تحته تحولت إلى غبار، والأشجار القريبة ذبلت وماتت في لحظات.

"علينا أن نبعده عن الطلاب!" صرخت إيلارا، التي كانت تحاول توجيه الحشود المذعورة بعيدًا عن الخطر. كان سحرها الضوئي ينبض حولها، درعًا واقيًا ضد الظلام المتزايد.

"لونا، هل يمكنكِ فعل أي شيء لإضعافه؟" سألت، وأنا أبحث عن أي نقطة ضعف في هذا الكائن المروع.

لونا أومأت برأسها، وعيناها الرماديتان تركزان على "صدى النسيان". "إنه مصنوع من الذكريات الممحوة، من الفراغات التي خلفها النسيان. إذا تمكنا من ملء هذه الفراغات، من استعادة بعض هذه الذكريات، فقد نتمكن من إضعافه".

كانت هذه فكرة جريئة، لكنها كانت تستحق المحاولة. "كيف نفعل ذلك؟" سألت.

"نحتاج إلى قوة ذاكرة قوية"، قالت لونا. "نحتاج إلى شيء يربط هذا العالم بالماضي، شيء لا يمكن للنسيان أن يمحوه بسهولة".

في تلك اللحظة، تذكرت شيئًا. تذكرت "قلب الأكاديمية"، القطعة الأثرية القديمة التي كانت تقع في أعمق جزء من المكتبة، والتي قيل إنها تحتوي على ذكريات جميع الذين درسوا وعاشوا في الأكاديمية عبر القرون.

"قلب الأكاديمية!" قلت. "إذا تمكنا من الوصول إليه، قد نتمكن من استخدامه ضد هذا الشيء".

"إنها فكرة جيدة، أليكس"، قالت ليليث. "لكن الوصول إلى هناك لن يكون سهلاً. خاصة مع هذا الشيء الذي يعيق طريقنا".

"علينا أن نحاول"، قلت. "كلارا، هل يمكنكِ أنتِ ورجالكِ إبقاء هذا الشيء مشغولاً؟ ليليث، نايرا، لونا، تعالوا معي. إيلارا، استمري في حماية الطلاب".

كانت هذه خطة يائسة، لكنها كانت الخطة الوحيدة التي لدينا. كلارا، بعد تردد قصير، أومأت برأسها. "سأفعل ما بوسعي. لكن لا تتأخروا".

ثم، انقسمنا. كلارا ورجالها، مدعومين ببعض الأساتذة الشجعان الذين بقوا للقتال، بدأوا في مهاجمة "صدى النسيان"، مستخدمين كل ما لديهم من سحر وقوة. كانت معركة يائسة، معركة ضد كائن بدا وكأنه لا يتأثر بأي شيء.

أنا، وليليث، ونايرا، ولونا، بدأنا في التحرك نحو المكتبة. كان علينا أن نتجاوز الحشود المذعورة، وأن نتجنب الأماكن التي كان فيها "صدى النسيان" قد بدأ في الانتشار. كانت الأكاديمية تتحول إلى ساحة معركة، ساحة معركة بين الذاكرة والنسيان.

في هذه الأثناء، كانت سيلينا تقف جانبًا، تراقب كل شيء بعيون واسعة ومجنونة. لم تكن مهتمة بـ"صدى النسيان" أو بالخطر الذي كان يهدد الأكاديمية. كل ما كانت تراه هو أنا، وكل ما كانت تفكر فيه هو كيف يمكنها أن تجعلني ملكها.

"أليكس..." همست، وبدأت تتبعنا من مسافة، وعيناها تلمعان بهوس مخيف.

كنت أشعر بوجودها، لكن لم يكن لدي وقت للتعامل معها الآن. كان عليّ أن أركز على المهمة التي بين يدي. كان عليّ أن أصل إلى "قلب الأكاديمية"، وأن أجد طريقة لهزيمة هذا الكائن المروع.

القلادة على صدري كانت تنبض بقوة، تملأني بقوة مظلمة وباردة. "استخدم قوتي، أليكس"، همست. "أنا مفتاح هزيمته. أنا النقيض. أنا الذاكرة التي لا يمكن محوها".

لم أكن متأكدًا مما إذا كنت أستطيع الوثوق بها. لكن في هذه اللحظة، لم يكن لدي خيار آخر.

وصلنا إلى مدخل المكتبة. كان المكان مهجورًا ومظلمًا، والغبار يملأ الهواء. شعرت ببرودة غريبة تنبعث من الأعماق، برودة لم تكن طبيعية.

"قلب الأكاديمية يقع في أعمق جزء من هذا المكان"، قالت ليليث. "علينا أن نكون حذرين. قد تكون هناك أفخاخ أو حراس".

نايرا ابتسمت ابتسامة شرسة. "هذا يبدو ممتعًا".

لونا، من ناحية أخرى، كانت تبدو قلقة. "أشعر بوجود شيء آخر هنا، أليكس. شيء قديم ومظلم. شيء مرتبط بـ"سيد النسيان"".

لم يكن هذا مطمئنًا. لكن لم يكن هناك وقت للتراجع.

دخلنا المكتبة، وبدأنا في شق طريقنا عبر الممرات المظلمة والمليئة بالكتب. كان الصمت مخيفًا، ولم يكن هناك سوى صوت خطواتنا وضربات قلوبنا المتسارعة.

فجأة، سمعنا صوتًا. صوت همس بارد ومخيف، صوت بدا وكأنه يأتي من كل مكان ومن لا مكان في نفس الوقت.

"لقد تأخرتم كثيرًا، أيها الصغار"، همس الصوت. "سيد النسيان قد استيقظ. ولا شيء يمكنه إيقافه الآن".

ثم، من الظلال، ظهرت مجموعة من الكائنات. كانت تشبه "عبدة النسيان" الذين واجهناهم من قبل، لكنها كانت أكثر قوة، وأكثر رعبًا. كانت عيونهم تتوهج بضوء أسود، وكانت أجسادهم تبدو وكأنها مصنوعة من الظل المتصلب.

"يبدو أن لدينا بعض الضيوف غير المرغوب فيهم"، قالت نايرا، وهي تستعد سوطها.

"علينا أن نتجاوزهم بسرعة!" قلت. "ليس لدينا وقت نضيعه".

ثم، بدأت المعركة. كانت معركة شرسة ويائسة، معركة في قلب الظلام، معركة من أجل مستقبل الأكاديمية، وربما من أجل مستقبل العالم.

كنت أقاتل بقوة لم أكن أعرف أنني أمتلكها. القلادة كانت تمدني بقوة مظلمة، قوة كانت تسمح لي بالتحكم في الظلال، بإنشاء أسلحة من الفراغ، بامتصاص طاقة أعدائي. لكن هذه القوة كانت تأتي بثمن. شعرت بأنني أفقد نفسي، بأنني أصبح شيئًا آخر، شيئًا باردًا وقاسيًا، شيئًا لا يهتم بأي شيء سوى القوة.

ليليث كانت تقاتل برشاقة وقوة، مستخدمة سحر الظل الخاص بها لإنشاء أوهام مربكة ولتوجيه ضربات قاتلة. نايرا كانت ترقص بين الأعداء، وسوطها يلتف حولهم ويطرحهم أرضًا. لونا، على الرغم من أنها لم تكن مقاتلة، كانت تستخدم سحرها الضوئي لحمايتنا ولإضعاف الأعداء.

لكن الأعداء كانوا كثيرين، وكانوا أقوياء. وبدأنا نشعر بالإرهاق.

"لا يمكننا الاستمرار هكذا!" صرخت ليليث، وهي تتفادى ضربة من أحد الأعداء.

"علينا أن نصل إلى قلب الأكاديمية!" قلت، وأنا أحاول شق طريقي عبر صفوف الأعداء.

في تلك اللحظة، حدث شيء غير متوقع. انفجر جدار قريب، وظهرت سيلينا، وعيناها تشتعلان بالجنون. كانت تحمل في يدها سيفًا أسود كان ينبض بطاقة مظلمة، وبدأت في مهاجمة الأعداء بوحشية لا تصدق.

"ابتعدوا عن أليكس!" صرخت، وصوتها مليء بالهوس والغضب. "إنه لي! لي وحدي!".

لم أكن أعرف ما إذا كان عليّ أن أشكرها أم أن أخاف منها. لكن في هذه اللحظة، كانت مساعدتها غير متوقعة ومفيدة.

بفضل تدخل سيلينا، تمكنا من اختراق دفاعات الأعداء والوصول إلى باب كبير في نهاية الممر. كان هذا هو الباب الذي يؤدي إلى أعمق جزء من المكتبة، إلى المكان الذي يوجد فيه "قلب الأكاديمية".

"هيا!" صرخت، ودفعت الباب وفتحت.

لكن ما وجدناه في الداخل لم يكن ما توقعناه. لم يكن هناك "قلب أكاديمية" متوهج أو قطعة أثرية قديمة. بل كان هناك مذبح آخر، مذبح يشبه ذلك الذي كان في الساحة، وفي وسطه، كان هناك صدع أسود، صدع كان ينبض بطاقة مظلمة، صدع بدا وكأنه يؤدي إلى الفراغ نفسه.

"ما هذا؟" همست لونا، وهي تتراجع بخوف.

"هذا... هذا ليس قلب الأكاديمية"، قالت ليليث، وصوتها مليء بالدهشة وعدم التصديق. "هذا... هذا هو قلب النسيان".

ثم، من الصدع الأسود، خرج صوت. صوت بارد ومخيف، صوت "سيد النسيان" نفسه.

"مرحبًا بكم في مملكتي، أيها الصغار"، قال الصوت. "لقد كنتم أدوات مفيدة. لكن دوركم قد انتهى الآن".

ثم، بدأ الصدع الأسود في الاتساع، وبدأت قوة مظلمة تجتاح الغرفة، قوة كانت تهدد بابتلاعنا

جميعًا.

كانت بداية فصل أكثر رعبًا ويأسًا. فصل قد لا يكون هناك مخرج منه.

2025/05/12 · 19 مشاهدة · 1350 كلمة
Uzuki
نادي الروايات - 2025