# الفصل الرابع والأربعون:
كان "قلب النسيان" ينبض أمامنا، صدع أسود يمتد ويتسع، يهدد بابتلاع كل شيء في الغرفة، وربما الأكاديمية بأكملها. صوت "سيد النسيان" كان يتردد في آذاننا، باردًا ومنتصرًا، معلنًا نهاية دورنا في هذه المسرحية المروعة. لم يكن هناك مخرج واضح، ولم يكن هناك أمل ظاهر. كنا محاصرين في قلب مملكته، في مواجهة قوة تتجاوز فهمنا.
"لا... لا يمكن أن ينتهي الأمر هكذا!" صرخت ليليث، وعيناها اللتان كانتا دائمًا تلمعان بالثقة والخبث، أصبحتا الآن مليئتين باليأس والغضب. حاولت إطلاق العنان لقوتها في الظلال، لكنها بدت وكأنها تتبدد قبل أن تصل إلى الصدع، تمتصها قوة الفراغ المتزايدة.
ايلينا التي لم تظهر في قصه غير مره واحد رأت مشهد،، وقفت صامتة للحظة، وسوطها يتدلى من يدها. كان هناك تعبير غريب على وجهها، مزيج من الدهشة والتقدير المرعب. "إنه... إنه جميل بطريقة مروعة"، همست، وكأنها تتحدث إلى نفسها أكثر من أي شخص آخر.
لونا كانت ترتجف، وسحرها الضوئي ينبض بشكل ضعيف حولها. "إنه يمتص كل شيء... كل الذكريات، كل المشاعر، كل الأمل".
حتى سيلينا، التي كانت تقف عند المدخل، بدت وكأنها أدركت أخيرًا حجم الخطر الذي كنا نواجهه. هوسها بي تلاشى للحظة، وحل محله خوف بدائي. "أليكس... ماذا نفعل؟".
لم أكن أعرف. شعرت باليأس يغمرني، بالرغبة في الاستسلام، في السماح للفراغ بابتلاعي. القلادة على صدري كانت صامتة، وكأنها هي الأخرى قد أدركت أن هذه المعركة قد تكون أكبر من قوتها.
لكن بعد ذلك، تذكرت شيئًا. تذكرت كلمات لونا. "الأقنعة يمكن أن تحمينا، لكنها أيضًا يمكن أن تخفينا عن أنفسنا. وأحيانًا، تكون الشجاعة الحقيقية هي أن نجرؤ على النظر إلى ما تحت القناع، حتى لو كان ما نراه مخيفًا".
كنت أرتدي قناعًا من البرود والنرجسية لفترة طويلة، قناعًا فرضته عليّ القلادة، قناعًا اعتقدت أنه يحميني. لكن الآن، أدركت أن هذا القناع كان أيضًا يسجنني، يمنعني من رؤية الحقيقة، من مواجهة نفسي.
"سيد النسيان" كان يتغذى على الفراغ، على النسيان. لكن ماذا لو كان هناك شيء لا يمكن نسيانه؟ ماذا لو كان هناك شيء أقوى من الفراغ؟
نظرت إلى رفاقي. ليليث، بكل تعقيدها وطموحها، كانت لا تزال تقاتل، لا تزال ترفض الاستسلام. نايرا، بكل غموضها وقوتها، كانت لا تزال تبحث عن معنى في هذه الفوضى. لونا، بكل لطفها وحساسيتها، كانت لا تزال تحاول حمايتنا. وحتى سيلينا، بكل هوسها وجنونها، كانت لا تزال هنا، لم تهرب.
كانوا جميعًا جزءًا مني، بطريقة أو بأخرى. كانوا جزءًا من قصتي، من ذكرياتي. ولم أكن مستعدًا لنسيانهم.
"القلادة..." همست، وأنا ألمس الحجر البارد على صدري. "لقد قلتِ إنكِ الذاكرة التي لا يمكن محوها. هل هذا صحيح؟".
القلادة لم ترد. لكنني شعرت بتغير طفيف في طاقتها، وكأنها تستمع، وكأنها تنتظر.
"إذا كنتِ حقًا الذاكرة، فساعديني على تذكر"، قلت، وأنا أغلق عيني. "ساعديني على تذكر من أنا، من نحن. ساعديني على تذكر لماذا نقاتل".
ثم، بدأت أركز. ليس على القوة، ليس على الظلام، بل على الذكريات. ذكريات طفولتي، ذكريات أصدقائي، ذكريات الأكاديمية، ذكريات كل الأشياء الجيدة والسيئة التي شكلتني.
كان الأمر مؤلمًا. كان الأمر وكأنني أفتح جروحًا قديمة، وكأنني أواجه أشباح الماضي. لكنني لم أتوقف. واصلت البحث، واصلت التذكر.
وفجأة، شعرت بشيء. شعرت بقوة جديدة تنبعث من القلادة، قوة لم تكن مظلمة أو باردة، بل كانت دافئة ومشرقة. قوة الذاكرة، قوة الصدى.
فتحت عيني. الصدع الأسود كان لا يزال هناك، لكنه لم يعد يبدو مرعبًا كما كان من قبل. بدا وكأنه... فارغ. وكأنه ينتظر أن يمتلئ بشيء ما.
"سيد النسيان"، قلت، وصوتي يحمل قوة جديدة، قوة لم تكن قوتي وحدي، بل قوة كل الذكريات التي كنت أحملها. "أنت تتغذى على الفراغ. لكن ماذا يحدث عندما لا يكون هناك فراغ؟ ماذا يحدث عندما يكون كل شيء مليئًا بالمعنى، بالذاكرة، بالحب؟".
ثم، بدأت أفعل شيئًا لم أكن أعرف أنني أستطيع فعله. بدأت أرسل ذكرياتي، مشاعري، نحو الصدع. ليس لمهاجمته، بل لملئه. لملء الفراغ الذي كان يتغذى عليه.
كان الأمر وكأنني أصب الماء في حفرة لا نهاية لها. لكنني لم أتوقف. واصلت إرسال المزيد والمزيد، مستمدًا القوة من القلادة، ومن رفاقي، ومن نفسي.
وشيئًا فشيئًا، بدأ الصدع يتغير. لم يعد أسودًا تمامًا. بدأت تظهر فيه ألوان، أشكال، صور. صور من الماضي، صور من الحاضر، صور من المستقبل المحتمل.
"ماذا... ماذا تفعل؟" همس صوت "سيد النسيان"، وهذه المرة، كان هناك شيء من الارتباك، من الخوف، في صوته.
"أنا أتذكر"، قلت. "أنا أتذكر كل شيء. وأنا لن أسمح لك بمحوه".
ثم، انضم إليّ الآخرون. لونا بدأت ترسل سحرها الضوئي، ليس لمهاجمة الصدع، بل لشفائه، لملئه بالنور والأمل. ليليث، بعد تردد قصير، بدأت تستخدم سحر الظل الخاص بها، ليس لخلق أوهام، بل لنسج خيوط من الذكريات، من القصص، من الأساطير.
نايرا، بابتسامة غريبة على وجهها، بدأت ترقص، وسوطها يتحرك في الهواء، يرسم رموزًا قديمة، رموزًا كانت تتحدث عن الاستمرارية، عن الدورة الأبدية للحياة والموت والذاكرة.
حتى سيلينا، بطريقتها الخاصة، انضمت إلينا. بدأت تغني، أغنية حزينة وجميلة، أغنية عن الحب المفقود، عن الشوق، عن الألم. كانت أغنية مليئة بالعاطفة، أغنية لا يمكن نسيانها.
كنا جميعًا نقاتل، ليس بالأسلحة، ليس بالسحر، بل بالذكريات، بالمشاعر، بالقصص. كنا نقاتل الفراغ بالامتلاء، النسيان بالذاكرة.
وبدأ "قلب النسيان" يتراجع. بدأ الصدع الأسود يتقلص، والألوان والأشكال التي كانت تظهر فيه أصبحت أكثر وضوحًا، أكثر جمالًا. لم يعد مكانًا للفراغ، بل أصبح مكانًا للذاكرة، مكانًا للقصص التي لا نهاية لها.
"لا!" صرخ صوت "سيد النسيان"، وهذه المرة، كان صوته مليئًا باليأس والغضب. "لا يمكنكم فعل هذا! أنا الفراغ! أنا النسيان! أنا الحقيقة النهائية!".
"أنت لست الحقيقة النهائية"، قلت، وصوتي هادئ وثابت. "أنت مجرد ظل. ظل يمكن تبديده بالنور. ظل يمكن ملؤه بالذاكرة".
ثم، مع دفعة أخيرة من القوة، أرسلنا جميعًا كل ما لدينا نحو الصدع. وفي لحظة من الضوء الساطع، اختفى الصدع. اختفى "قلب النسيان". واختفى صوت "سيد النسيان".
ساد صمت في الغرفة. صمت لم يكن فارغًا، بل كان مليئًا بالصدى، بالذاكرة، بالأمل.
كنا قد فعلناها. كنا قد هزمنا "سيد النسيان". أو على الأقل، كنا قد هزمنا هذا الجزء منه، هذا الصدى الذي تسرب إلى عالمنا.
لكن النصر لم يكن بدون ثمن. كنا جميعًا مرهقين، مستنزفين. القلادة على صدري كانت باردة وهادئة، وكأنها قد استنفدت كل طاقتها. وشعرت بفراغ غريب في داخلي، فراغ لم يكن سببه النسيان، بل سببه الجهد الهائل الذي بذلته.
"هل... هل انتهى الأمر؟" همست لونا، وهي تتكئ على الحائط، ووجهها شاحب.
"لا أعرف"، رددت بصدق. "لكننا أوقفناه. على الأقل في الوقت الحالي".
ليليث كانت تنظر إلى المكان الذي كان فيه الصدع، وعيناها تلمعان بتعبير لا يمكن قراءته. "لقد كان هذا... مثيرًا للإعجاب، أليكس. لم أكن أعتقد أن لديك هذا النوع من القوة".
نايرا ابتسمت. "يبدو أنني اخترت الجانب الصحيح بعد كل شيء".
سيلينا كانت تنظر إليّ، وعيناها مليئتان بمزيج من الإعجاب والخوف والهوس. "أليكس... أنت...".
"ابتعدي عني، سيلينا"، قلت، وهذه المرة، لم يكن هناك برود في صوتي، بل كان هناك تعب، وحزن. "أنا لست ما تعتقدينه. وأنا لا أستطيع أن أكون ما تريدينه".
ثم، استدرت وغادرت الغرفة. كنت بحاجة إلى أن أكون وحدي. كنت بحاجة إلى أن أفكر. كنت بحاجة إلى أن أجد طريقة للتعامل مع ما حدث، مع ما أصبحت عليه.
لم تكن هذه نهاية القصة. بل كانت بداية فصل جديد، فصل مليء بالأسئلة، بالشكوك، بالتحديات. فصل قد يكون أكثر صعوبة من أي شيء واجهته من قبل.
لكنني لم أعد خائفًا. لأنني كنت أعرف أنني لست وحدي. وأن الذاكرة، الصدى، يمك
ن أن تكون أقوى من أي ظلام، من أي فراغ.
وكنت مستعدًا لمواجهة ما يخبئه المستقبل. مهما كان.