# الفصل الخامس والأربعون:
مرت عدة أيام على المواجهة في "قلب النسيان". الأكاديمية كانت لا تزال تتعافى من الفوضى التي أحدثتها "ليلة الأرواح الضائعة" وظهور "صدى النسيان". تم إصلاح الأضرار المادية بسرعة بفضل جهود الطلاب والأساتذة، لكن الأضرار النفسية كانت أعمق وأكثر صعوبة في الشفاء. الخوف والشك كانا لا يزالان يسيطران على الكثيرين، والشائعات حول ما حدث بالفعل كانت تنتشر كالنار في الهشيم.
أنا، من ناحيتي، كنت أحاول أن أجد بعض السلام، بعض الوضوح، بعد العاصفة. النصر الذي حققناه كان هشًا، وكنت أعرف أن "سيد النسيان" لم يهزم بالكامل. كان مجرد صدى، جزء صغير من قوته، هو ما واجهناه. والخطر الحقيقي كان لا يزال قائمًا، يتربص في مكان ما في الظلام.
القلادة على صدري كانت هادئة، وكأنها تستريح بعد الجهد الهائل الذي بذلته. لكنني شعرت بأنها تتغير، بأنها تتطور. لم تعد مجرد وعاء للقوة المظلمة، بل أصبحت شيئًا أكثر تعقيدًا، شيئًا مرتبطًا بي، بذكرياتي، بمصيري. لم أعد أخشاها كما كنت من قبل، لكنني أيضًا لم أثق بها تمامًا. كانت علاقتنا لا تزال غامضة ومحفوفة بالمخاطر.
بدأت أقضي المزيد من الوقت مع لونا. وجودها الهادئ والمريح كان يساعدني على التعامل مع الفراغ الذي خلفته المعركة، مع الأسئلة التي كانت تدور في رأسي. لم تكن تحاول أن تعطيني إجابات، بل كانت تستمع، وتفهم، وتقدم لي نوعًا من الدعم الصامت الذي كنت في أمس الحاجة إليه.
"لقد تغيرت، أليكس"، قالت لي ذات مرة، ونحن نجلس في حديقة الأكاديمية الهادئة. "لم تعد الشخص البارد والمنعزل الذي كنت عليه. هناك... هناك شيء آخر فيك الآن. شيء أكثر إنسانية".
لم أكن متأكدًا مما إذا كان هذا صحيحًا. جزء مني كان لا يزال يشعر بالبرود، بالانفصال. لكن جزءًا آخر كان يشعر بشيء مختلف، بشيء يشبه... الأمل؟
"ربما"، رددت، وأنا أنظر إلى السماء الزرقاء الصافية. "أو ربما أنا فقط متعب من القتال".
لونا ابتسمت ابتسامتها الهادئة. "التعب ليس ضعفًا، أليكس. إنه يعني أنك قاتلت بجد. وأنك تهتم".
كانت كلماتها بسيطة، لكنها لمست شيئًا عميقًا في داخلي. ربما كانت على حق. ربما كنت أهتم. ربما كنت أهتم بالأكاديمية، برفاقي، وحتى بنفسي، أكثر مما كنت أعترف به.
لكن هذا الهدوء لم يدم طويلاً. سرعان ما بدأت تداعيات ما حدث في "ليلة الأرواح الضائعة" تظهر. أولاً، كان هناك اختفاء البروفيسور أرمسترونغ. جثته، التي تركت في الساحة الرئيسية، اختفت في ظروف غامضة. لم يكن هناك أي أثر له، وكأن الأرض قد ابتلعته. هذا أثار قلقًا كبيرًا بين الأساتذة والطلاب، وزاد من الشائعات حول عودة "سيد النسيان".
ثم، بدأت تحدث أشياء غريبة في الأكاديمية. أشياء صغيرة في البداية – أشياء تختفي وتظهر في أماكن أخرى، همسات غريبة تسمع في الممرات المظلمة، ظلال تتحرك في زوايا العيون. لكن هذه الأشياء بدأت تزداد سوءًا، وبدأ الخوف ينتشر مرة أخرى.
كلارا كانت غاضبة ومحبطة. "هذا لا يمكن أن يحدث!" صرخت في وجهي في إحدى اجتماعاتنا. "لقد هزمنا هذا الشيء! لماذا لا يزال يؤثر علينا؟".
"لم نهزمه بالكامل، كلارا"، رددت بهدوء. "لقد هزمنا صدى منه. لكن جوهره لا يزال موجودًا. وهو يحاول العودة".
"إذن ماذا نفعل؟" سألت كلارا، وصوتها مليء باليأس.
"علينا أن نجد مصدر هذه الاضطرابات"، قلت. "علينا أن نجد طريقة لختم هذا الشيء بشكل دائم".
ليليث، التي كانت تستمع بصمت، تحدثت أخيرًا. "أعتقد أنني أعرف ما يحدث. عندما تم قطع طقوس أرمسترونغ، لم يتم إطلاق العنان لـ"سيد النسيان" بالكامل، لكن جزءًا من وعيه، جزءًا من جوهره، قد انقسم إلى شظايا. هذه الشظايا الآن تتجول في الأكاديمية، تسبب الفوضى، وتحاول أن تجد طريقة للعودة إلى مصدرها".
"شظايا؟" كررت، وشعرت ببرودة تجتاحني. "هل تقصدين أن هناك أجزاء صغيرة من "سيد النسيان" تتجول بحرية؟".
ليليث أومأت برأسها. "نعم. وهي خطيرة للغاية. كل شظية تحمل جزءًا من قوته، جزءًا من وعيه. وإذا تمكنت من التجمع، فقد تتمكن من إعادة تشكيل نفسها، أو حتى من فتح بوابة لـ"سيد النسيان" الحقيقي".
كان هذا أسوأ مما كنت أتخيل. لم نكن نواجه عدوًا واحدًا، بل كنا نواجه جيشًا من الأشباح، من الشظايا المظلمة التي كانت تهدد بابتلاع كل شيء.
"علينا أن نجد هذه الشظايا وندمرها"، قلت، وصوتي يحمل تصميمًا جديدًا.
"لن يكون الأمر سهلاً"، قالت ليليث. "هذه الشظايا ليست مادية. إنها مصنوعة من النسيان، من الفراغ. لا يمكن تدميرها بالطرق التقليدية".
"إذن كيف ندمرها؟" سألت نايرا، التي انضمت إلينا، وعيناها الأرجوانيتان تلمعان بالفضول.
"علينا أن نملأها بالذاكرة"، قالت لونا بهدوء. "علينا أن نواجهها بما تخافه أكثر. علينا أن نواجهها بالصدى".
كانت هذه هي نفس الاستراتيجية التي استخدمناها لهزيمة "صدى النسيان" في "قلب النسيان". لكن هذه المرة، كنا نواجه عدوًا أكثر مراوغة، أكثر انتشارًا.
بدأنا في مطاردة هذه الأشباح، هذه الشظايا من النسيان. كانت مهمة صعبة وخطيرة. كانت الشظايا تظهر في أماكن غير متوقعة، وتتخذ أشكالًا مختلفة. أحيانًا كانت تبدو كظلال مظلمة، وأحيانًا أخرى كانت تتخذ شكل أشخاص نعرفهم، تستغل ذكرياتنا ومخاوفنا ضدنا.
في إحدى المرات، واجهت شظية اتخذت شكل لونا. كانت تتحدث بصوتها، وتنظر إليّ بعينيها، وتحاول إقناعي بأن كل شيء كان وهمًا، وأنني يجب أن أستسلم للنسيان. كان الأمر مرعبًا ومربكًا، ولولا تدخل لونا الحقيقية، لربما كنت قد صدقتها.
"إنها تستغل أعمق مخاوفك، أليكس"، قالت لي لونا بعد أن تمكنا من تبديد تلك الشظية. "عليك أن تكون قويًا. عليك أن تثق بنفسك، وبذكرياتك".
كنت أحاول. لكن الأمر لم يكن سهلاً. كل مواجهة مع هذه الشظايا كانت تتركني مرهقًا ومضطربًا، وكانت تجعلني أشك في كل شيء، حتى في نفسي.
في هذه الأثناء، كانت البطلات الأخريات يتعاملن مع هذه الأزمة بطرقهن الخاصة. كلارا كانت تستخدم نفوذها لتنظيم دوريات حراسة ولحماية الطلاب. إيلارا كانت تستخدم سحرها الضوئي لإنشاء مناطق آمنة، أماكن يمكن للطلاب اللجوء إليها عندما يشعرون بالخوف أو بالتهديد.
أما سيلينا، فكانت لا تزال مهووسة بي. لكن هوسها بدأ يتخذ منحى جديدًا. لم تعد تحاول إغوائي أو السيطرة عليّ بشكل مباشر. بل بدأت تحاول "حمايتي" من هذه الشظايا، بطريقتها الخاصة. كانت تظهر فجأة عندما أكون في خطر، وتهاجم الشظايا بوحشية لا تصدق، وكأنها تحاول أن تثبت لي أنها قوية، وأنها تستحق أن تكون بجانبي.
"ابتعدي عني، سيلينا"، كنت أقول لها مرارًا وتكرارًا. "أنا لا أحتاج إلى حمايتك. وأنا لا أريدكِ بالقرب مني".
لكنها لم تستمع. كانت مقتنعة بأنها تفعل الشيء الصحيح، وأنني في النهاية سأدرك كم هي مهمة بالنسبة لي.
كانت هذه المطاردة للأشباح مرهقة وخطيرة، وبدا وكأنها لا نهاية لها. كلما دمرنا شظية، كانت تظهر أخرى، وكأن "سيد النسيان" كان يلعب معنا لعبة قط وفأر مميتة.
"لا يمكننا الاستمرار هكذا!" قالت ليليث في إحدى الليالي، ونحن نجلس في غرفة عملياتنا المؤقتة، محاطين بالخرائط والتقارير. "نحن نستنزف أنفسنا، ولا نحقق أي تقدم حقيقي. علينا أن نجد طريقة لضرب المصدر".
"لكننا لا نعرف أين هو المصدر"، قلت، وأنا أشعر بالإحباط يتسلل إليّ.
"ربما... ربما يكون المصدر هو الشيء الذي لم يتم تدميره بالكامل"، قالت لونا بهدوء. "ربما يكون المصدر هو "قلب النسيان" نفسه. ربما لم نتمكن من تدميره بالكامل. ربما لا يزال هناك جزء منه ينبض في مكان ما، يولد هذه الشظايا".
كانت هذه فكرة مخيفة، لكنها كانت منطقية. إذا كان "قلب النسيان" لا يزال موجودًا، فهذا يعني أننا لم ننهِ المعركة بعد. وهذا يعني أننا يجب أن نعود إلى ذلك المكان المظلم، إلى قلب مملكة "سيد النسيان".
"علينا أن نتأكد"، قلت، وصوتي يحمل تصميمًا جديدًا. "علينا أن نعود إلى المكتبة. علينا أن نواجه هذا الشيء مرة أخرى".
لم يكن أحد متحمسًا لهذه الفكرة. لكننا كنا نعرف أنها ضرورية. لم نكن نستطيع أن نعيش في خوف دائم، في مطاردة لا نهاية لها للأشباح. كان علينا أن ننهي هذا الأمر، مرة واحدة وإلى الأبد.
استعددنا للعودة إلى "قلب النسيان". هذه المرة، كنا نعرف ما الذي نواجهه. وكنا نعرف أن الأمر لن يكون سهلاً. لكننا كنا أيضًا نعرف أننا لسنا وحدنا. وأن لدينا القوة، القوة الذاكرة، قوة الصدى، لمواجهة أي ظلام، أي فراغ.
كانت هذه بداية فصل جديد في معركتنا ضد "سيد النسيان". فصل قد يكون أكثر خطورة، أكثر صعوبة. لكننا كنا مستعدين. لأننا كنا نعرف أن مستقبل الأكاديمية، وربما مستقبل العالم، يعتمد علينا.
وكنت أعرف أنني، أليكس إيستر، "سيد الصدى"، لن أستسلم. لن أسمح للنسيان بأن ينتصر.
مهما كان الثمن.