# الفصل السابع والأربعون:
وقف الحارس أمامنا، لم يعد ذلك الكيان المظلم الذي لا يمكن اختراقه، بل شخصية تحمل حزن العصور وآلام النسيان المستعاد. الظلال التي كانت تغطي وجهه انقشعت تمامًا، كاشفة عن ملامح نبيلة ولكنها مرهقة، وعيون كانت ذات يوم تتوهج بالقوة، أما الآن فتعكس بحرًا من الذكريات المؤلمة والندم العميق. السيف الأسود الذي كان يهددنا به اختفى، وكأنه لم يكن سوى تجسيد لدوره المنسي.
"لقد... لقد كنتُ يومًا مثلكم"، بدأ الحارس يتحدث، وصوته الذي كان باردًا وعميقًا كالفراغ، أصبح الآن يحمل نبرة إنسانية، وإن كانت مكسورة. "كان لي اسم... كان لي هدف... كان لي... حب". كل كلمة كانت تخرج منه بصعوبة، وكأنها تمزق حجابًا سميكًا من النسيان الذي فرض عليه لدهور لا تحصى.
لونا كانت أول من اقترب، وحركتها كانت حذرة ولكنها مليئة بالتعاطف. "ماذا حدث لك؟ كيف أصبحت... هذا؟"
الحارس نظر إليها، وفي عينيه لمحة من الامتنان الخافت. "القوة... القوة المطلقة تفسد بشكل مطلق. لقد كُلفت بحماية التوازن بين العوالم، بين الذاكرة والنسيان. لكن النسيان... النسيان له جاذبية خادعة. إنه وعد بالراحة، بالخلاص من الألم. وببطء، على مر العصور، بدأت أفقد نفسي له. أصبحت مجرد وعاء، مجرد حارس للعدم الذي كنت أخشاه ذات يوم".
"سيد النسيان... هل هو من فعل هذا بك؟" سألتُ، والقلادة على صدري تنبض بهدوء، وكأنها تستمع باهتمام، أو ربما بتوجس.
"إنه تجسيد للنسيان نفسه"، أجاب الحارس. "إنه القوة التي تسعى إلى محو كل شيء، إلى إعادة الكون إلى حالة الفراغ البدائي. لقد استغل ضعفي، استغل رغبتي في نسيان آلامي، وحولني إلى خادمه، إلى حارس لبوابته المظلمة". توقف للحظة، ونظراته تائهة في الماضي. "البوابة التي رأيتموها... ليست مجرد ممر. إنها جرح في نسيج الواقع، جرح فتحه سيد النسيان ليمتص من خلاله طاقة العوالم الأخرى، ليغذي بها فراغه الذي لا يشبع".
ليليث، التي كانت تراقب المشهد بعيون ثاقبة، تدخلت: "وماذا عن الذاكرة؟ قلت إنك حارس الذاكرة أيضًا. أين هي؟"
ابتسامة حزينة ظهرت على وجه الحارس. "الذاكرة... إنها الشرارة التي لا يمكن للنسيان أن يطفئها بالكامل. إنها الصدى الذي يبقى حتى بعد أن يختفي الصوت. لقد حاولتُ أن أحافظ عليها، أن أحميها من المد المظلم. لكنني فشلت. أو هكذا ظننت". نظر إلينا، وفي عينيه بصيص أمل. "لكنكم... لقد أعدتم إليّ جزءًا مما فقدته. لقد أظهرتم لي أن الذاكرة لا تزال قوية، وأن الصدى لا يزال يتردد".
"ماذا يمكننا أن نفعل الآن؟" سألت نايرا، التي كانت قد تخلت عن وضعها القتالي، لكنها لا تزال متأهبة. "هل يمكنك مساعدتنا في إغلاق هذه البوابة؟ في هزيمة سيد النسيان؟"
الحارس هز رأسه ببطء. "لقد استنفدت معظم قوتي في هذه المواجهة. وفي استعادة جزء من ذاتي. لم أعد الحارس الذي كنت عليه. أنا الآن... مجرد صدى لما كنت". تنهد بعمق. "لكن يمكنني أن أرشدكم. يمكنني أن أخبركم بما أعرف. سيد النسيان ليس كائنًا يمكن هزيمته بالقوة وحدها. إنه فكرة، إنه مفهوم. لهزيمته، يجب أن تواجهوا الفراغ بالامتلاء، النسيان بالذاكرة، اليأس بالأمل".
"هذا ما كنا نحاول فعله"، قلت، متذكرًا معركتنا ضد "صدى النسيان".
"نعم"، قال الحارس. "وقد نجحتم في صد جزء منه. لكن المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد. سيد النسيان يستعد لهجوم كبير، هجوم يهدف إلى فتح البوابة بالكامل، وإغراق عالمكم في بحر من الفراغ". أشار إلى المكان الذي كان فيه الصدع الأسود. "البوابة لم تغلق بالكامل. إنها مجرد نائمة، تنتظر اللحظة المناسبة لتستيقظ. وعليكم أن تكونوا مستعدين".
"كيف نستعد لشيء كهذا؟" سألت ليليث، ونبرة من الإحباط في صوتها.
"عليكم أن تجدوا "قلوب العوالم الأخرى""، قال الحارس. "هناك قطع أثرية قديمة، متناثرة عبر الأبعاد، تحمل في طياتها جوهر الذاكرة، جوهر الحياة. إذا تمكنتم من جمعها، ومن استخدام قوتها معًا، فقد تتمكنون من إنشاء درع يحمي عالمكم، أو حتى من إغلاق البوابة بشكل دائم".
"قلوب العوالم الأخرى؟" كررت لونا، وعيناها تتسعان بالدهشة. "لم أسمع بها من قبل".
"إنها أساطير قديمة"، قال الحارس. "أساطير نسيتها معظم العوالم. لكنها حقيقية. وكل واحدة منها تحمل مفتاحًا لجزء من اللغز". ثم نظر إليّ مباشرة. "وأنت، يا سيد الصدى... القلادة التي تحملها... إنها واحدة من هذه القلوب. أو على الأقل، جزء منها. إنها "قلب الظلال والصدى"، قطعة أثرية قادرة على تضخيم قوة الذكريات، وعلى تحويلها إلى سلاح".
شعرت بالصدمة. القلادة التي كانت مصدر قوتي وعذابي، كانت في الواقع شيئًا أكثر أهمية، شيئًا مرتبطًا بمصير عوالم أخرى. هذا يفسر الكثير عن قوتها، وعن تأثيرها المعقد عليّ.
"هذا يعني..." بدأت أقول، لكن الحارس قاطعني.
"هذا يعني أن لديك دورًا كبيرًا تلعبه في هذه المعركة. لكنك لن تستطيع أن تفعل ذلك وحدك. ستحتاج إلى مساعدة الآخرين. ستحتاج إلى الثقة بهم، حتى لو كان ذلك صعبًا عليك". كانت كلماته موجهة إليّ بشكل واضح، وكأنه يرى الصراع الداخلي الذي كنت أعانيه.
نظرت إلى ليليث ولونا ونايرا. كنّ ينظرن إليّ، وفي عيونهن مزيج من الترقب والشك والأمل. هل يمكنني حقًا أن أثق بهن؟ هل يمكنني أن أتخلى عن قناعي البارد، عن نرجسيتي التي أصبحت جزءًا مني؟
"ابتعدن عني"، كادت الكلمات أن تخرج من فمي، كالعادة. لكنني توقفت. شيء ما في كلمات الحارس، شيء ما في نظرات رفاقي، جعلني أتردد.
"الوقت يضيق"، قال الحارس، وصوته بدأ يضعف. "سيد النسيان يشعر بأنني قد استعدت جزءًا من وعيي. سيحاول إيقافكم قبل أن تبدأوا. عليكم أن تتحركوا بسرعة". بدأ جسده يتلاشى، وكأنه يتحول إلى غبار. "ابحثوا عن "قلب النور الأول"... إنه المفتاح التالي. إنه موجود في مكان... حيث يلتقي الماضي بالحاضر... حيث تنام الأساطير".
"انتظر!" صرخت لونا. "أين هو هذا المكان؟ كيف نجده؟"
لكن الحارس كان قد اختفى تقريبًا. لم يبق منه سوى همس خافت. "الصدى... سيقودكم... ثقوا بالذاكرة...".
ثم، اختفى تمامًا. تركنا وحدنا في الغرفة المظلمة، مع عبء مهمة جديدة، مهمة تبدو مستحيلة.
ساد صمت طويل. كنا جميعًا نحاول استيعاب ما حدث، ما قيل. "قلوب العوالم الأخرى"... "قلب النور الأول"... "سيد الصدى"... كانت هذه مفاهيم جديدة ومرعبة، وكانت تضع مسؤولية هائلة على عاتقنا.
ليليث كانت أول من كسر الصمت. "حسنًا... هذا لم يكن ما توقعته". كان هناك بريق غريب في عينيها، بريق طموح وفضول. "قلوب العوالم الأخرى... هذا يبدو مثيرًا للاهتمام. قوة لا يمكن تصورها... إمكانات لا حدود لها".
"ليليث!" قالت لونا بتحذير. "هذا ليس وقت الطموح الشخصي. مصير عالمنا على المحك".
"أعرف ذلك، عزيزتي لونا"، ردت ليليث بابتسامة ماكرة. "لكن لا يمكنكِ أن تنكري أن هذا يفتح آفاقًا جديدة. أليس كذلك، أليكس؟".
كنت لا أزال أحاول معالجة كل شيء. القلادة التي أرتديها... "قلب الظلال والصدى". هذا يعني أن قوتي، برودي، نرجسيتي، كلها مرتبطة بشيء أعمق، بشيء يتجاوزني. هل هذا يبرر ما أصبحت عليه؟ أم أنه يجعلني أكثر مسؤولية؟
نايرا كانت تنظر إليّ باهتمام. "سيد الصدى... هذا لقب مثير للإعجاب. هل سترتقي إليه؟".
لم أجب. كنت أشعر بالضغط يتزايد عليّ. كنت أشعر بأنني محاصر بين ماضيّ المظلم ومستقبل مجهول. وكنت أشعر بأنني أفقد السيطرة.
"علينا أن نضع خطة"، قلت أخيرًا، محاولًا استعادة بعض السيطرة على الموقف، وعلى نفسي. "علينا أن نجد "قلب النور الأول". لكن كيف؟ الحارس قال إن الصدى سيقودنا. ماذا يعني ذلك؟".
"ربما يعني أننا يجب أن نستخدم قوتك، أليكس"، قالت لونا بهدوء. "قوة القلادة. قوة الصدى. ربما يمكنها أن ترشدنا إلى المكان الذي نحتاج إلى الذهاب إليه".
كانت هذه فكرة منطقية، لكنها كانت أيضًا مخيفة. استخدام قوة القلادة كان دائمًا يأتي بثمن. كان يجعلني أكثر برودة، أكثر انفصالًا. هل أنا مستعد لدفع هذا الثمن مرة أخرى؟
"سأحاول"، قلت، وصوتي يحمل ترددًا لم أستطع إخفاءه.
أغلقت عيني، وركزت على القلادة. حاولت أن أشعر بقوتها، أن أتواصل معها، أن أطلب منها الإرشاد. في البداية، لم يحدث شيء. ثم، شعرت بوخز خفيف، ثم بدفء ينتشر في صدري. وبدأت أرى صورًا في ذهني. صورًا ضبابية ومشوشة، صورًا لأماكن لم أرها من قبل، صورًا لرموز غريبة، صورًا لوجوه مألوفة وغريبة في نفس الوقت.
كان الأمر مربكًا ومرهقًا. لكنني واصلت التركيز، واصلت البحث عن أي شيء يمكن أن يكون دليلًا.
وفجأة، رأيت صورة واضحة. صورة لمكان قديم، مكان مصنوع من الحجر الأبيض، مكان يبدو وكأنه معبد أو ضريح. وفي وسط المكان، كان هناك ضوء ساطع، ضوء دافئ ومريح، ضوء بدا وكأنه ينادي عليّ.
"وجدته..." همست، وأنا أفتح عيني. "أعتقد أنني أعرف أين هو "قلب النور الأول"".
لكن قبل أن أتمكن من قول المزيد، سمعنا صوتًا من خلفنا. صوتًا مألوفًا ومخيفًا.
"ليس بهذه السرعة، يا "سيد الصدى"".
استدرنا جميعًا، ورأينا سيلينا تقف عند مدخل الغرفة. كانت عيناها تلمعان بهوس مخيف، وعلى وجهها ابتسامة شريرة. وفي يدها، كانت تحمل شيئًا. شيئًا كان ينبض بطاقة مظلمة، شيئًا بدا وكأنه... شظية من "قلب النسيان".
"يبدو أن اللعبة لم تنته بعد"، قالت سيلينا، وضحكت ضحكة مجنونة.
لم تكن هذه نهاية المعركة. بل كانت بداية فصل جديد، فصل أكثر خطورة، أكثر تعقيدًا. فصل قد يضطرني فيه إلى مواجهة ليس فقط أعدائي الخارجيين، بل أيضًا أشباحي الداخلية، وهوس من حولي.
والسؤال الذي كان يطاردني هو: هل سأتمكن من الحفاظ على نفسي، على إنسانيتي، في مواجهة كل هذا الظلام؟ أم أنني سأستسلم أخيرًا للبرود، للنرجسية، للصدى الذي يهدد بابتلاعي؟
لم أكن أعرف الإجابة. لكنني كنت أعرف أنني لن أتوقف عن القتال. حتى لو كان ذلك يعني أنني سأضطر إلى تدمير كل شيء، بما في ذلك نفسي.