# الفصل الثامن والأربعون:
كان ظهور سيلينا المفاجئ، وهي تحمل شظية من "قلب النسيان"، بمثابة صدمة لنا جميعًا. لم تكن مجرد تهديد، بل كانت تذكيرًا بأن الماضي لا يزال يطاردنا، وأن هوسها بي قد اتخذ منعطفًا أكثر خطورة. الابتسامة الشريرة على وجهها، والبريق المجنون في عينيها، كانا يشيران إلى أنها لم تعد سيلينا التي عرفتها، بل أصبحت أداة في يد قوى مظلمة، أو ربما... أصبحت هي نفسها قوة مظلمة.
"سيلينا! ماذا تفعلين هنا؟" صرخت لونا، وسحرها الضوئي يتوهج بغضب وقلق. "تلك الشظية... إنها خطيرة! تخلصي منها!".
سيلينا ضحكت، ضحكة عالية ورنانة، لكنها خالية من أي مرح. "أتخلص منها؟ يا عزيزتي لونا، هذه الشظية هي مصدر قوتي الجديدة. إنها ما سيجعل أليكس ملكي أخيرًا". نظرت إليّ، وعيناها تلمعان بهوس مرعب. "أليكس، حبيبي، لقد جئت لآخذك معي. سنكون معًا إلى الأبد، في عالمنا الخاص، عالم لا يمكن لأحد أن يفرقنا فيه".
"ابتعدي عني، سيلينا"، قلت ببرود، والقلادة على صدري تنبض بقوة، وكأنها تستعد للمعركة. "لقد قلت لكِ من قبل، أنا لست ملكًا لأحد. ولن أذهب معكِ إلى أي مكان". كلماتي كانت حادة وقاطعة، لكنني شعرت بأنها لم تعد تؤثر فيها كما كانت من قبل. هوسها قد تجاوز مرحلة يمكن فيها للكلمات أن تردعها.
"أوه، أليكس، لا تكن هكذا"، قالت سيلينا بنبرة متألمة بشكل مصطنع. "أنا أفعل هذا من أجلك. من أجلنا. قريبًا، ستفهم". ثم، رفعت الشظية، وبدأت تتمتم بكلمات غريبة، كلمات لم أفهمها، لكنها كانت مليئة بطاقة مظلمة وشريرة.
"علينا إيقافها!" صرخت ليليث، وهي تستدعي سحر الظل الخاص بها. "إنها تحاول استخدام قوة الشظية! إذا نجحت، قد لا نتمكن من إيقافها!".
اندفعنا نحو سيلينا، لكنها كانت مستعدة. لوحت بالشظية، وانطلقت موجة من الطاقة المظلمة نحونا، موجة كانت قوية لدرجة أنها دفعتنا جميعًا إلى الوراء.
"أنتم لا تفهمون!" صرخت سيلينا، وعيناها تتوهجان باللون الأحمر. "أنا أفعل هذا لحمايته! لحمايتنا جميعًا! هناك قوى أكبر، قوى أقدم، قوى تريد تدمير كل شيء! وأنا... أنا الوحيدة التي تستطيع إيقافها!".
"عن أي قوى تتحدثين، سيلينا؟" سألت نايرا، وهي تحاول استعادة توازنها. "هل جننتِ تمامًا؟".
"أنا لست مجنونة!" ردت سيلينا بغضب. "أنا أرى الحقيقة! الحقيقة التي لا ترونها أنتم! الحقيقة التي يخفيها أليكس عنكم!". نظرت إليّ مرة أخرى، وفي عينيها مزيج من الغضب والألم والهوس. "أليكس، أخبرهم! أخبرهم عن القلادة! أخبرهم عن "قلب الظلال والصدى"! أخبرهم عن مصيرك المظلم!".
صُدمت. كيف عرفت سيلينا عن القلادة؟ كيف عرفت عن اسمها الحقيقي؟ هل كانت تتجسس عليّ؟ أم أن هناك شيئًا آخر، شيئًا أكثر تعقيدًا؟
"لا أعرف ما الذي تتحدثين عنه"، قلت ببرود، محاولًا إخفاء صدمتي. لكنني أعتقد أنها رأت الحقيقة في عيني.
"لا تكذب عليّ، أليكس!" صرخت سيلينا. "أنا أعرف كل شيء! أعرف عن ماضيك! أعرف عن معاناتك! أعرف عن الظلام الذي ينمو في داخلك! وأنا هنا لإنقاذك منه!".
ثم، فعلت شيئًا لم نتوقعه. بدلاً من مهاجمتنا، استدارت وركضت نحو المخرج. "إذا لم تأتِ معي، أليكس، فسأذهب إلى "قلب النور الأول" بنفسي! وسأستخدم قوته لأجعلك ملكي! إلى الأبد!".
"علينا إيقافها!" قلت، وأنا أركض خلفها. "إذا وصلت إلى "قلب النور الأول" واستخدمت قوته مع قوة الشظية، فقد يحدث شيء كارثي!".
تبعني الآخرون. خرجنا من المكتبة المظلمة، ورأينا سيلينا تركض في الشوارع، متجهة نحو المكان الذي رأيته في رؤيتي، المكان الذي كان فيه "قلب النور الأول".
بدأت المطاردة. كنا نركض عبر المدينة، نحاول اللحاق بسيلينا، لكنها كانت سريعة، وقوة الشظية كانت تمدها بسرعة وقوة غير طبيعيتين. كانت تقفز فوق المباني، وتتفادى العقبات بسهولة، وكأنها قد تدربت على هذا لسنوات.
"إنها تتجه نحو المعبد القديم!" صرخت لونا، وهي تشير إلى مبنى حجري أبيض كان يقع على تلة تطل على المدينة. "هذا هو المكان الذي رأيته في رؤيتك، أليس كذلك، أليكس؟".
"نعم!" رددت. "علينا أن نصل إليها قبل أن تدخل المعبد!".
لكننا كنا متأخرين جدًا. عندما وصلنا إلى سفح التلة، رأينا سيلينا تدخل المعبد. اختفت في الظلام، وتركتنا نواجه المجهول.
"ماذا نفعل الآن؟" سألت ليليث، وهي تنظر إلى المعبد بقلق. "هل ندخل خلفها؟ قد يكون هذا فخًا".
"ليس لدينا خيار آخر"، قلت. "علينا أن نوقفها. مهما كان الثمن".
دخلنا المعبد. كان المكان قديمًا ومتهالكًا، لكنه كان لا يزال يحمل بقايا من مجده السابق. كانت هناك نقوش غريبة على الجدران، نقوش تحكي قصصًا عن حضارة قديمة، حضارة كانت تعبد النور، حضارة كانت تحمي "قلب النور الأول".
كان المعبد مظلمًا وصامتًا. لم يكن هناك أي أثر لسيلينا. كنا نسير بحذر، نتوقع هجومًا في أي لحظة.
"أشعر بوجودها"، همست لونا، وسحرها الضوئي ينبض بشكل ضعيف. "إنها قريبة. لكن هناك شيء آخر هنا أيضًا. شيء... قديم وقوي".
وفجأة، سمعنا صوتًا. صوتًا أنثويًا، هادئًا وقويًا، صوتًا بدا وكأنه يأتي من الجدران نفسها.
"من أنتم؟ ولماذا تدخلون هذا المكان المقدس؟".
تجمدنا في أماكننا. نظرنا حولنا، لكننا لم نرَ أحدًا.
"نحن نبحث عن شخص"، قلت، محاولًا أن أبدو واثقًا. "شخص يحاول سرقة شيء من هذا المعبد".
"تقصدون "قلب النور الأول""، قال الصوت. "إنه ليس شيئًا يمكن سرقته. إنه شيء يجب كسبه".
ثم، ظهرت أمامنا شخصية. كانت امرأة طويلة ونحيلة، ترتدي رداءً أبيض، وشعرها فضي طويل. كانت عيناها ذهبيتين، وكانتا تشعان بحكمة وقوة قديمتين. كانت تبدو وكأنها جزء من المعبد نفسه، وكأنها قد ولدت هنا، وعاشت هنا لقرون.
"من أنتِ؟" سألت ليليث، وعيناها تضيقان.
"أنا حارسة هذا المعبد"، قالت المرأة. "أنا آخر سلالة من أولئك الذين كرسوا حياتهم لحماية "قلب النور الأول"".
"إذن، أنتِ تعرفين عن سيلينا؟" سألت لونا. "هل رأيتها؟".
المرأة أومأت برأسها. "لقد دخلت هذا المعبد. إنها تحاول الوصول إلى "قلب النور الأول". لكنها لن تنجح. قلب النور لا يستجيب إلا لأولئك الذين يحملون النور في قلوبهم".
"لكنها تحمل شظية من "قلب النسيان"!" قلت. "قد تستخدم قوتها لإجبار القلب على الاستجابة لها!".
المرأة نظرت إليّ، وفي عينيها بريق غريب. "أنت... أنت تحمل "قلب الظلال والصدى". أليس كذلك؟".
صُدمت مرة أخرى. كيف عرفت هذه المرأة عن قلادتي؟ هل كان الجميع يعرفون سري إلا أنا؟
"نعم"، قلت بتردد.
المرأة ابتسمت ابتسامة غامضة. "إذن، أنت لست غريبًا عن هذا المكان. أنت جزء من النبوءة".
"النبوءة؟" كررت، وشعرت بالارتباك يتزايد.
"نبوءة تقول إن "سيد الصدى" سيأتي إلى هذا المعبد، وسيوحد قوة الظل وقوة النور، وسيهزم الظلام الذي يهدد بابتلاع كل شيء".
لم أكن أعرف ماذا أقول. هل كنت حقًا جزءًا من نبوءة قديمة؟ هل كان هذا هو مصيري؟
"لكن النبوءة تقول أيضًا إن "سيد الصدى" سيواجه اختبارًا"، قالت المرأة. "اختبارًا سيحدد ما إذا كان يستحق القوة التي يحملها. اختبارًا سيحدد ما إذا كان سيختار النور أم الظلام".
"وما هو هذا الاختبار؟" سألت، وشعرت بالخوف يتسلل إلى قلبي.
"الاختبار هو... أن تواجه نفسك"، قالت المرأة. "أن تواجه الظلام الذي في داخلك. أن تواجه الصدى الذي يهدد بابتلاعك".
ثم، لوحت بيدها، وتغير المشهد من حولنا. لم نعد في المعبد القديم. بل كنا في مكان آخر، مكان مظلم وفارغ، مكان بدا وكأنه... داخل عقلي.
ورأيت أمامي... نفسي. لكن ليس أنا الحالي. بل أنا الذي كنت عليه في الماضي. أنا الذي عانى، أنا الذي تعرض للخيانة، أنا الذي امتلأ قلبه بالمرارة والكراهية.
"هذا هو اختبارك، يا "سيد الصدى""، قال صوت المرأة، الذي بدا وكأنه يأتي من كل مكان ومن لا مكان. "هل يمكنك أن تتصالح مع ماضيك؟ هل يمكنك أن تغفر لنفسك وللآخرين؟ هل يمكنك أن تختار النور، حتى عندما يكون الظلام هو كل ما تعرفه؟".
لم أكن أعرف الإجابة. لكنني كنت أعرف أنني يجب أن أحاول. من أجل نفسي، من أجل رفاقي، من أجل العالم الذي كنت أحاول حمايته.
بدأت المعركة. معركة ضد نفسي. معركة ضد الظلام الذي كان يهدد بابتلاعي. معركة قد تحدد مصيري، ومصير كل شيء.
وفي مكان آخر، كانت سيلينا تقف أمام "قلب النور الأول". كان ينبض بضوء دافئ ومريح، ضوء كان يتناقض بشكل صارخ مع الظلام الذي كانت تحمله في قلبها، وفي الشظية التي كانت تمسك بها.
"أخيرًا..." همست سيلينا، وعيناها تلمعان بالجشع والهوس. "قريبًا، ستكون كل هذه القوة ملكي. وقريبًا، سيكون أليكس ملكي. إلى الأبد".
لكن قبل أن تتمكن من لمس "قلب النور الأول"، ظهر أمامها شخصان. شخصان لم تكن تتوقع رؤيتهما هنا.
"ليس بهذه السرعة، يا فتاة"، قال أحدهما، وهو يبتسم ابتسامة ماكرة.
"لقد أفسدتِ خططنا بما فيه الكفاية"، قال الآخر، وعيناه تلمعان ببريق خطير.
كانوا... كانوا أعضاء من "جمعية الظل"، الجمعية التي كنت أنتمي إليها ذات يوم، الجمعية التي خانتني، الجمعية التي كنت أكرهها أكثر من أي شيء آخر.
ماذا كانوا يفعلون هنا؟ ولماذا كانوا يحاولون إيقاف سيلينا؟ هل كانوا حلفاء أم أعداء؟
لم أكن أعرف. لكنني كنت أعرف
أن الأمور قد أصبحت أكثر تعقيدًا، أكثر خطورة. وأن المعركة من أجل "قلب النور الأول"، ومن أجل مصير العالم، قد بدأت للتو.