# الفصل التاسع والأربعون:
كان الاختبار الذي فرضته عليّ حارسة معبد النور الأول هو الأقسى على الإطلاق. لم يكن قتالًا ضد وحش أو عدو خارجي، بل كان صراعًا مريرًا ضد أعمق مخاوفي، ضد ظلال الماضي التي هددت بابتلاعي بالكامل. وجدت نفسي في فراغ مظلم، مواجهًا نسخة من نفسي تجسد كل الألم والخيانة والمرارة التي شكلتني. كان هذا "الأنا" الآخر يصرخ بالاتهامات، يذكرني بكل فشل، بكل خيبة أمل، بكل مرة اخترت فيها البرود والانعزال كدرع واقٍ.
"أنت ضعيف!" كانت نسختي المظلمة تصرخ، وصوتها يتردد في الفراغ. "لقد سمحت لهم بتحطيمك! لقد تركتهم يحولونك إلى هذا الوحش البارد الذي لا قلب له! أنت لا تستحق القوة التي تحملها! أنت لا تستحق شيئًا سوى النسيان!".
كل كلمة كانت كالسهم تخترق دفاعاتي. شعرت باليأس يغمرني، بالرغبة في الاستسلام لهذا الظلام المريح، لهذا النسيان الذي وعدت به نفسي كثيرًا. القلادة على صدري، "قلب الظلال والصدى"، بدأت تنبض بقوة، وكأنها تتغذى على يأسي، على ألمي. شعرت ببرودها ينتشر في جسدي، يجمد مشاعري، يحولني إلى تمثال من الجليد.
"ابتعدن عني..." همست، والكلمات تخرج مني كعادة قديمة، كتعويذة تحميني من الألم، ولكنها أيضًا تعزلني عن أي أمل.
لكن في تلك اللحظة، وسط اليأس والظلام، حدث شيء غير متوقع. سمعت أصواتًا أخرى، أصواتًا مألوفة، أصواتًا كانت تحمل دفئًا لم أشعر به منذ زمن طويل.
"أليكس! لا تستسلم!" كان صوت لونا، واضحًا وقويًا، يخترق حجاب الظلام. "أنت لست وحدك! نحن معك!".
"تذكر من أنت، أليكس!" كان صوت ليليث، حادًا كعادتها، ولكنه يحمل نبرة من القلق الحقيقي. "أنت لست مجرد ظل! أنت أكثر من ذلك!".
"قاتل، يا سيد الصدى!" كان صوت نايرا، مليئًا بالتحدي والإيمان. "أرنا القوة الحقيقية التي تكمن في داخلك!".
كلماتهن كانت كالنور الذي يبدد الظلام. بدأت أتذكر. أتذكر ليس فقط الألم والخيانة، بل أيضًا اللحظات النادرة من الصداقة، من الثقة، من الأمل. أتذكر كيف وقفت لونا بجانبي، حتى عندما كنت أدفعها بعيدًا. أتذكر كيف تحدتني ليليث، ولكنها أيضًا اعترفت بقوتي. أتذكر كيف ابتسمت نايرا، ابتسامة كانت تحمل فهمًا عميقًا لظلامي.
وفجأة، أدركت شيئًا. الظلام الذي في داخلي، البرود الذي أظهره، النرجسية التي أصبحت جزءًا مني... لم تكن هذه هي حقيقتي الكاملة. كانت مجرد درع، مجرد قناع. قناع كنت أرتديه لحماية نفسي من المزيد من الألم. لكنه أيضًا كان يمنعني من الشعور بأي شيء آخر.
"أنا... أنا لست مجرد ظل"، همست، وصوتي يحمل ترددًا جديدًا، ترددًا لم يكن خوفًا، بل كان بداية فهم. "أنا... أنا أكثر من ذلك".
نظرت إلى نسختي المظلمة، التي كانت لا تزال تحدق بي بغضب وكراهية. لكنني لم أعد أراها كعدو. بل رأيتها كجزء مني، جزء يحتاج إلى الشفاء، جزء يحتاج إلى القبول.
"أنتِ على حق"، قلت لنسختي المظلمة. "لقد عانيت. لقد تألمت. لكن هذا لا يعني أنني يجب أن أستسلم للظلام. هذا لا يعني أنني يجب أن أدمر نفسي وكل من حولي".
مددت يدي نحوها. "أنتِ جزء مني. وأنا أقبلكِ. لكنني لن أسمح لكِ بالسيطرة عليّ بعد الآن".
نسختي المظلمة نظرت إلى يدي الممدودة، وفي عينيها بريق من الارتباك، من الشك. ثم، ببطء، بدأت تتلاشى. لم تختفِ تمامًا، بل اندمجت معي، أصبحت جزءًا من كلي، جزءًا من الماضي الذي لا يمكنني تغييره، ولكنه أيضًا لا يحدد مستقبلي.
شعرت بقوة جديدة تتدفق في داخلي. لم تكن قوة الظلام الباردة، بل كانت قوة مختلفة، قوة أكثر توازنًا، قوة أكثر دفئًا. القلادة على صدري بدأت تنبض بإيقاع مختلف، إيقاع أكثر هدوءًا، أكثر تناغمًا.
الفراغ المظلم من حولي بدأ يتلاشى، وحل محله ضوء دافئ ومريح. وجدت نفسي مرة أخرى في المعبد القديم، أمام حارسة النور، التي كانت تنظر إليّ بابتسامة راضية.
"لقد نجحت، يا سيد الصدى"، قالت. "لقد واجهت ظلامك، وخرجت منه أقوى. أنت الآن مستعد لمواجهة التحدي الحقيقي".
في تلك الأثناء، في قلب المعبد، كانت المعركة على أشدها. سيلينا، مدفوعة بهوسها وقوة شظية النسيان، كانت تقاتل بشراسة ضد عضوي "جمعية الظل"، كايل وإلارا. لم أكن أعرف لماذا كانا هنا، أو ما هي دوافعهما، لكنهما كانا يقاتلان بمهارة وقوة، وكانا يمنعان سيلينا من الوصول إلى "قلب النور الأول".
"ابتعدا عن طريقي!" كانت سيلينا تصرخ، وهي تطلق موجات من الطاقة المظلمة. "هو ملكي! وقوته ستكون ملكي!".
"أنتِ لا تفهمين ما الذي تتعاملين معه، يا فتاة"، قال كايل، وهو يتفادى هجومًا بصعوبة. "هذه القوة ستدمركِ، وستدمر كل شيء آخر معها".
"لا يهمني!" ردت سيلينا. "طالما أنني أستطيع أن أكون مع أليكس، فلا شيء آخر يهم!".
كان هوسها قد أعمى بصيرتها تمامًا. لم تعد ترى الواقع، لم تعد ترى الخطر الذي كانت تمثله على نفسها وعلى الآخرين.
وصلنا أنا وليليث ولونا ونايرا إلى مكان المعركة في الوقت المناسب. رأينا سيلينا تستعد لإطلاق هجوم قوي على كايل وإلارا، هجوم قد يكون قاتلًا.
"سيلينا! توقفي!" صرخت لونا، وهي تطلق شعاعًا من الضوء نحوها، مما أجبرها على التراجع.
سيلينا استدارت، ورأتنا. وفي عينيها، كان هناك مزيج من الغضب والخيانة والهوس. "أنتم! لقد جئتم لتأخذوه مني! لن أسمح لكم بذلك!".
"سيلينا، أرجوكِ، استمعي إلينا!" حاولت لونا مرة أخرى. "أنتِ لستِ نفسكِ! هذه الشظية... إنها تسمم عقلكِ!".
"أنا أرى الحقيقة بوضوح أكثر من أي وقت مضى!" ردت سيلينا. "وأنتم... أنتم تقفون في طريقي! إذا لم تنضموا إليّ، فسأضطر إلى تدميركم!".
لم يكن هناك مجال للتفاوض. سيلينا كانت قد تجاوزت نقطة اللاعودة. كان علينا أن نوقفها، حتى لو كان ذلك يعني أننا سنضطر إلى إيذائها.
بدأت المعركة مرة أخرى. كنا نقاتل ضد سيلينا، التي كانت تستخدم قوة شظية النسيان بطرق مرعبة. كانت تستدعي وحوشًا من الظل، وتطلق موجات من الطاقة المظلمة، وتحاول السيطرة على عقولنا.
ليليث ونايرا كانتا تقاتلان بشجاعة، مستخدمتين كل مهاراتهما وقواهما لصد هجمات سيلينا. لونا كانت تحاول حمايتنا بسحرها الضوئي، وكانت تحاول أيضًا الوصول إلى سيلينا، إلى الجزء الصغير المتبقي منها الذي قد يكون لا يزال يستمع إلى العقل.
أنا كنت أقاتل سيلينا مباشرة. كنت أستخدم قوتي الجديدة، القوة التي اكتشفتها بعد مواجهة ظلامي. لم أعد أعتمد فقط على البرود والصدى، بل كنت أستخدم أيضًا جزءًا من النور الذي كان ينمو في داخلي. كانت معركة صعبة، معركة مؤلمة. كنت أرى في عيني سيلينا ليس فقط الهوس والجنون، بل أيضًا الألم والخوف. كانت ضحية، تمامًا كما كنت أنا ضحية في الماضي.
"ابتعدي عن هذا الطريق، سيلينا!" قلت، وصوتي يحمل قوة لم أكن أعرف أنني أملكها. "هذا ليس هو الحل! هذا لن يجعلكِ سعيدة! هذا لن يعيد إليكِ ما فقدتِه!".
"أنت لا تفهم!" صرخت سيلينا، والدموع تنهمر من عينيها. "أنا أفعل هذا من أجلك! أنا أحبك، أليكس! ألا ترى ذلك؟".
"الحب ليس هوسًا، سيلينا"، قلت بهدوء. "الحب ليس سيطرة. الحب ليس تدميرًا. ما تشعرين به ليس حبًا. إنه شيء آخر، شيء مظلم، شيء يلتهمكِ من الداخل".
كلماتي بدت وكأنها قد وصلت إليها. للحظة، رأيت وميضًا من الشك في عينيها، وميضًا من الألم الحقيقي. لكنه اختفى بسرعة، وحل محله تصميم بارد.
"إذا لم أستطع الحصول عليكِ بالحب، فسأحصل عليكِ بالقوة!" قالت، ورفعت الشظية، وبدأت تتمتم بتعويذة قوية، تعويذة بدت وكأنها تستدعي كل الظلام في الكون.
"علينا إيقافها!" صرخ كايل، الذي كان قد انضم إلينا في القتال. "إذا أكملت هذه التعويذة، فستفتح بوابة إلى عالم النسيان! وستغرق كل شيء في الظلام!".
لم يكن لدينا وقت. كان علينا أن نتصرف بسرعة. نظرت إلى ليليث ولونا ونايرا، ورأيت في عيونهن نفس التصميم الذي كنت أشعر به. كنا نعرف ما يجب علينا فعله.
"معًا!" قلت، واندفعنا نحو سيلينا، مستخدمين كل قوانا، كل ما لدينا، في محاولة يائسة لإيقافها قبل فوات الأوان.
لكن في تلك اللحظة، حدث شيء لم يتوقعه أحد. "قلب النور الأول"، الذي كان ينبض بهدوء في وسط المعبد، بدأ يتوهج بقوة. ضوء ساطع انبعث منه، ضوء كان يحمل قوة هائلة، قوة قديمة، قوة نقية.
الضوء غمر المعبد بأكمله، وأعمى أبصارنا للحظة. وعندما تمكنا من الرؤية مرة أخرى، رأينا شيئًا مذهلاً. سيلينا كانت تقف متجمدة في مكانها، والشظية في يدها بدأت تتصدع، والظلام الذي كان يحيط بها بدأ يتلاشى.
"ماذا... ماذا يحدث؟" همست سيلينا، وصوتها يحمل خوفًا وارتباكًا.
ثم، تحدث صوت. صوت حارسة النور، التي كانت تقف بجانب "قلب النور الأول".
"لقد اختار القلب"، قالت. "لقد اختار النور على الظلام. ولقد اختار... بطلًا جديدًا".
الضوء من "قلب النور الأول" بدأ يتركز، وبدأ يتجه نحونا. لكنه لم يتجه نحوي، كما توقعت. بل اتجه نحو شخص آخر. شخص لم أكن أتوقعه أبدًا.
اتجه نحو... لونا.
لونا، التي كانت دائمًا هادئة ولطيفة، لونا التي كانت دائمًا تحمل النور في قلبها، حتى في أحلك الظروف. لونا، التي لم تكن تسعى إلى القوة، بل كانت تسعى فقط إلى حماية من تحبهم.
الضوء غمر لونا، وشعرت بقوة هائلة تنبعث منها. شعرها بدأ يتوهج باللون الذهبي، وعيناها أصبحتا كالشمس. لم تعد لونا التي نعرفها. بل أصبحت شيئًا آخر، شيئًا أكثر قوة، شيئًا أكثر... إلهية.
"لا..." همست سيلينا، وعيناها مليئتان باليأس والهزيمة. "لا يمكن أن يكون...".
لكن الأوان كان قد فات. لونا، بقوتها الجديدة، رفعت يدها نحو سيلينا. لم يكن هناك غضب أو كراهية في عينيها. بل كان هناك حزن، وتعاطف.
"ارتاحي الآن، سيلينا"، قالت لونا بهدوء. "لقد عانيتِ بما فيه الكفاية".
شعاع من النور انطلق من يد لونا، وأصاب الشظية في يد سيلينا. الشظية تحطمت إلى آلاف القطع، والظلام الذي كان يسيطر على سيلينا اختفى تمامًا. سقطت سيلينا على الأرض، فاقدة للوعي، ولكنها بدت وكأنها قد وجدت السلام أخيرًا.
لم تكن هذه نهاية القصة. بل كانت بداية فصل جديد. فصل سيكون فيه لونا بطلة النور، فصل سأضطر فيه إلى التعامل مع دوري الجديد كـ"سيد الصدى"، فصل سنضطر فيه جميعًا إلى مواجهة التهديد الأكبر، تهديد "سيد النسيان"، الذي كان لا يزال يتربص في الظلام، ينتظر اللحظة المناسبة للهجوم.
لكن الآن، كان لدينا أمل. كان لدينا قوة جديدة. وكان لدينا... بعضنا البعض. وهذا قد يكون كافيًا. على الأقل، في الوقت الحالي.
نظرت إلى كايل وإلارا، عضوي "جمعية الظل". كانا ينظران إليّ بابتسامة غامضة. "يبدو أن الأمور أصبحت أكثر إثارة للاهتمام"، قال كايل. "قد نضطر إلى إعادة تقييم تحالفاتنا".
لم أكن أعرف ما إذا كان بإمكاني الوثوق بهما. لكنني كنت أعرف أننا سنحتاج إلى كل مساعدة يمكننا الحصول عليها. المعركة القادمة ستكون الأ
صعب على الإطلاق. وستتطلب منا جميعًا أن نتجاوز خلافاتنا، وأن نقاتل معًا من أجل مستقبل عالمنا.