# الفصل الحادي والخمسون:

هدأت عاصفة "ليلة الأرواح الضائعة"، تاركة وراءها أكاديمية جريحة وطلابًا مصدومين. "صدى النسيان" قد تم احتواؤه، أو هكذا بدا الأمر، لكن ندوبه كانت أعمق من مجرد دمار مادي. لقد تركت المعركة فراغًا في نفوس الكثيرين، وشكوكًا حول قوة الأكاديمية وقدرتها على حماية طلابها. أما أنا، أليكس إيستر، فقد خرجت من تلك المواجهة شخصًا مختلفًا، وإن لم أكن متأكدًا تمامًا من طبيعة هذا الاختلاف.

القلادة على صدري، التي كانت يومًا مصدرًا للبرود المطلق والقوة النرجسية، أصبحت الآن تحمل همسات أكثر تعقيدًا. لم تعد مجرد أداة للسيطرة، بل أصبحت شريكًا في الذاكرة، صدى لماضيّ المجهول ومستقبلي الغامض. القوة التي منحتني إياها لهزيمة "صدى النسيان" لم تكن قوة ظلام خالص، بل كانت مزيجًا من الظلال والذكريات، من الألم والأمل. وهذا المزيج كان يربكني ويثير قلقي.

في الأيام التي تلت المعركة، حاولت أن أجد بعض الهدوء، أن أفهم ما حدث لي وللعالم من حولي. لكن الهدوء كان سلعة نادرة في حياتي. البطلات اللواتي كنّ يدورن في فلكي لم يهدأن. بل على العكس، بدا وكأن المعركة قد أججت نيران هوسهن، وجعلتهن أكثر تصميمًا على امتلاكي، كل بطريقتها الخاصة.

سيلينا، التي كان تدخلها في اللحظة الأخيرة قد أنقذ الموقف بشكل غير متوقع، وإن كان بطريقة وحشية، أصبحت الآن أكثر جرأة في تملكها. لم تعد تكتفي بالمطاردة أو الإغواء؛ لقد بدأت تعاملني وكأنني ملكية خاصة بها. كانت تظهر في كل مكان أذهب إليه، وتتدخل في كل محادثة أخوضها، وتنظر إلى أي فتاة أخرى تقترب مني بنظرات قاتلة. "لقد أنقذتك، أليكس"، كانت تقول لي باستمرار، وصوتها يحمل نبرة من التهديد والرضا الذاتي. "أنت مدين لي بحياتك. أنت ملكي الآن".

كنت أحاول دفعها بعيدًا، لكنها كانت كالعلقة، تلتصق بي بقوة يائسة. "ابتعدي عني، سيلينا"، كنت أقول لها ببرود متزايد. "أنا لست ملكًا لأحد. وتصرفاتكِ هذه مثيرة للاشمئزاز". لكن كلماتي لم تعد تؤثر فيها. هوسها كان قد تجاوز مرحلة العقلانية.

إيلارا، من ناحية أخرى، كانت تتعامل مع الأمر بطريقة مختلفة. بعد أن شهدت قوتي في المعركة، وبعد أن شفيتها من جروحها، بدا وكأن هوسها بي قد تحول إلى نوع من العبادة الخائفة. لم تعد تحاول "إنقاذي" أو تغييري، بل أصبحت تنظر إليّ ككائن خارق، كإله مظلم يجب إرضاؤه. كانت تترك لي هدايا غريبة أمام باب غرفتي – زهور نادرة، قطع أثرية صغيرة، وحتى قطرات من دمها في قوارير صغيرة. كان هذا مقلقًا ومثيرًا للقشعريرة.

"إيلارا، توقفي عن هذا"، قلت لها في إحدى المرات القليلة التي تمكنت من التحدث معها بمفردها. "أنا لست إلهًا. وأنا لا أريد تضحياتكِ". لكنها كانت تنظر إليّ بعيون واسعة مليئة بالخوف والولاء، وتهز رأسها بصمت. كانت قد فقدت نفسها تمامًا في هوسها.

ليليث، كعادتها، كانت تلعب لعبة أكثر تعقيدًا. لم تكن مهتمة بالهوس العاطفي، بل كانت مهتمة بقوتي، وبإرث "أسياد الصدى". بعد المعركة، أصبحت أكثر إصرارًا على تدريبي، على كشف المزيد من أسرار القلادة، وعلى إعدادي لما كانت تسميه "الحرب القادمة". "لقد أثبتَّ أنك تستحق إرثك، أليكس"، قالت لي بابتسامتها الغامضة. "لكن هذه مجرد البداية. هناك قوى أكبر بكثير تتحرك في الظل. وعلينا أن نكون مستعدين".

كنت أثق بليليث أكثر من الأخريات، لكنني أيضًا كنت أعرف أنها تستخدمني لتحقيق أهدافها الخاصة. تحالفنا كان مبنيًا على المصلحة المتبادلة، وكان يمكن أن ينهار في أي لحظة.

كلارا، رئيسة مجلس الطلاب الطموحة، كانت تحاول استغلال الوضع لتعزيز سلطتها في الأكاديمية. بعد الفوضى التي أحدثتها "ليلة الأرواح الضائعة"، كان هناك فراغ في السلطة، وكانت كلارا مصممة على ملئه. رأت فيّ أداة قوية، أو ربما تهديدًا يجب السيطرة عليه. "نحن بحاجة إلى نظام جديد، أليكس"، قالت لي في إحدى اجتماعاتنا السرية. "نظام يمكننا نحن أن نشكله. وأنت... أنت ستكون جزءًا مهمًا من هذا النظام. سواء أردت ذلك أم لا".

كانت كلارا خطيرة، لأنها كانت ذكية ومنطقية. لم تكن مدفوعة بالعاطفة، بل بالحسابات الباردة. وهذا جعلها خصمًا أو حليفًا لا يمكن الاستهانة به.

لونا، بوجودها الهادئ، كانت لا تزال مرساتي في هذه العاصفة من الهوس والطموح. كانت الشخص الوحيد الذي يمكنني التحدث معه بصراحة، الشخص الوحيد الذي بدا وكأنه يفهمني دون أن يحاول السيطرة عليّ أو استخدامي. "لا تدعهم يستهلكونك، أليكس"، قالت لي ذات مرة، وعيناها الرماديتان تحملان قلقًا عميقًا. "لا تزل هناك بقايا منك تستحق الحماية".

نايرا، المحاربة الغامضة ذات الشعر الأسود، كانت تظهر وتختفي بشكل متقطع. لم تكن مهتمة بالسياسة أو الهوس، بل كانت مهتمة بالقتال، بالتحدي. كانت تراقبني من بعيد، وكأنها تنتظر شيئًا ما. "أنت قوي، أليكس إيستر"، قالت لي في إحدى المرات القليلة التي تحدثنا فيها. "لكنك أيضًا خطير. وأنا أحب الأشياء الخطيرة". لم أكن أعرف ما إذا كانت صديقة أم عدوة، لكن وجودها أضاف طبقة أخرى من التعقيد إلى حياتي.

في خضم كل هذا، بدأت أشعر بوجود شيء جديد، شيء غريب. كان الأمر وكأن هناك عيونًا أخرى تراقبني، عيونًا لم أكن أعرفها. في البداية، اعتقدت أنها مجرد بقايا من "عبدة النسيان" أو شظايا من "سيد النسيان". لكن هذا الشعور كان مختلفًا. كان أكثر تركيزًا، أكثر تحديدًا.

ثم، بدأت تظهر علامات. رسائل غامضة تترك في غرفتي، رموز غريبة مرسومة على الجدران، همسات خافتة أسمعها عندما أكون وحدي. لم تكن هذه من فعل أي من البطلات الحاليات؛ كان أسلوبهن مختلفًا. كان هذا شيئًا جديدًا، شيئًا مجهولاً.

في إحدى الليالي، بينما كنت أسير في أحد الممرات المظلمة والمهجورة في الأكاديمية، شعرت بذلك الوجود مرة أخرى. كان قويًا وقريبًا. توقفت، وقوتي في الظلال تتجمع حولي. "من هناك؟" سألت ببرود.

لم يكن هناك رد. لكنني شعرت بحركة في الظلال أمامي. ثم، خطت شخصية من الظلام إلى الضوء الخافت للقمر الذي كان يتسلل من النافذة.

كانت فتاة. فتاة لم أرها من قبل. كانت طويلة ونحيلة، ذات شعر فضي طويل ينسدل على كتفيها كشلال من ضوء القمر. كانت عيناها بلون الياقوت الأزرق، وكانتا تلمعان بذكاء وقوة غريبة. كانت ترتدي ملابس داكنة وبسيطة، لكنها كانت تحمل نفسها بهالة من الثقة والغموض.

"أليكس إيستر"، قالت الفتاة بصوت هادئ ورخيم، صوت كان يحمل لحنًا غريبًا. "لقد كنت أبحث عنك".

"من أنتِ؟" كررت سؤالي، ولم أخفف من حدة قوتي.

ابتسمت الفتاة ابتسامة باهتة. "اسمي سيرينا. ولا داعي للقلق. أنا لست هنا لأؤذيك. على الأقل، ليس بعد".

"سيرينا". الاسم لم يكن مألوفًا. لم تكن من طلاب الأكاديمية، ولم تكن من أي من الفصائل التي كنت أعرفها.

"ماذا تريدين مني؟" سألت، وأنا أحاول قراءة تعابير وجهها، لكنها كانت كالكتاب المغلق.

"أريد أن أتحدث معك"، قالت سيرينا. "لدي بعض المعلومات التي قد تهمك. معلومات عن القلادة التي تحملها. معلومات عن مصيرك".

القلادة. مصيري. كانت هذه كلمات خطيرة، كلمات جذبت انتباهي على الفور. القلادة على صدري نبضت بقوة، وكأنها تتعرف على شيء ما في هذه الفتاة الغريبة.

"وكيف تعرفين عن القلادة؟ وعن مصيري؟" سألت، والشك يملأ صوتي.

"دعنا نقول فقط إنني مهتمة بالأشياء القديمة والقوية"، قالت سيرينا، وعيناها تلمعان. "وأنت، أليكس إيستر، تحمل شيئًا قديمًا وقويًا للغاية. شيئًا يمكن أن يغير العالم. أو يدمره".

لم أكن أعرف ما إذا كان بإمكاني الوثوق بها. لكن فضولي كان قد أثير. كانت هذه الفتاة تعرف شيئًا، شيئًا مهمًا. وكنت بحاجة إلى معرفة ما هو.

"تحدثي"، قلت، وأنا أخفض قوتي قليلاً، لكنني ظللت مستعدًا لأي حركة مفاجئة.

سيرينا ابتسمت مرة أخرى. "ليس هنا. وليس الآن. هذا مكان خطير للغاية، والآذان كثيرة. لكنني سأجدك مرة أخرى، أليكس إيستر. وسنتحدث. سواء أردت ذلك أم لا".

ثم، وبنفس السرعة التي ظهرت بها، اختفت في الظلال. تركتني وحدي في الممر المظلم، وقلبي ينبض بقوة، وعقلي مليء بالأسئلة.

من كانت سيرينا؟ وماذا كانت تعرف عن القلادة وعن مصيري؟ هل كانت حليفة أم عدوة؟ وهل كان ظهورها مجرد صدفة، أم أنه كان جزءًا من لعبة أكبر، لعبة لم أكن أدرك أبعادها بعد؟

لم يكن لدي إجابات. لكنني كنت أعرف شيئًا واحدًا: حياتي أصبحت أكثر تعقيدًا، وأكثر خطورة. والصراع من أجل روحي، من أجل مصيري، لم يكن قد انتهى بعد. بل كان قد بدأ للتو.

رماد المعركة السابقة لم يبرد تمامًا، وبذور الهوس الجديدة كانت قد بدأت بالفعل في

إنبات. والموسم الثاني من هذه المسرحية المظلمة كان على وشك أن يبدأ.

2025/05/16 · 8 مشاهدة · 1232 كلمة
Uzuki
نادي الروايات - 2025