# الفصل الثالث والخمسون:
الهمسات التي اخترقت سكون ليلتي لم تكن مجرد هلوسة عابرة. لقد تركت وراءها شعورًا بالبرد القارس في عظامي، ويقينًا بأن هناك شيئًا ما، أو شخصًا ما، يتربص بي في ظلال الأكاديمية. "نحن نراقبك. ونحن ننتظرك." هذه الكلمات كانت تتردد في ذهني كصدى مشؤوم، تزيد من حدة التوتر الذي كان يخيم على كل زاوية وركن.
قررت أنني لا أستطيع تجاهل هذا التهديد الجديد. الأكاديمية كانت بالفعل على حافة الهاوية، والحوادث الغريبة التي كانت تتوالى – اختفاء الطلاب، الرموز الغامضة، الشعور العام بالرهبة – كانت تشير إلى أن هناك قوة منظمة تعمل في الخفاء. هل كانت هذه القوة هي نفسها التي همست لي؟ وهل كانت سيرينا، الفتاة ذات الشعر الفضي، جزءًا منها؟
بدأت تحقيقاتي الخاصة، بحذر شديد. لم أثق بأحد بشكل كامل، حتى ليليث وكلارا، اللتين كانتا تسعيان لتحقيق أهدافهما الخاصة. كنت أتجول في الممرات المظلمة في ساعات متأخرة من الليل، وأتفحص الرموز الغريبة التي كانت تظهر على الجدران، وأحاول أن أجد أي نمط أو دليل.
الرموز كانت معقدة وغير مألوفة. لم تكن تشبه أي شيء رأيته من قبل، لا في نصوص "عبدة النسيان" ولا في المخطوطات القديمة التي أطلعتني عليها ليليث. كانت تبدو وكأنها لغة خاصة، لغة تحمل معنى خفيًا ومقلقًا. القلادة على صدري كانت تنبض بقوة كلما اقتربت من هذه الرموز، وكأنها تحاول أن تتواصل معها، أو ربما تحذرني منها.
في إحدى هذه الجولات الليلية، بينما كنت أتفحص رمزًا جديدًا ظهر في أحد الأقبية المهجورة تحت المكتبة، شعرت بذلك الوجود مرة أخرى. كان أقوى هذه المرة، وأكثر جرأة. لم يكن مجرد همس، بل كان شعورًا واضحًا بأن هناك عيونًا تراقبني من الظلام.
"أعلم أنك هناك"، قلت ببرود، وقوتي في الظلال تتجمع حولي، مستعدًا لأي هجوم. "اظهر نفسك".
ساد صمت للحظة، ثم سمعت صوت خطوات خافتة تقترب. من الظلال، ظهرت شخصيتان. لم تكونا سيرينا. كانتا ترتديان أردية داكنة تغطي معظم ملامحهما، لكنني استطعت أن أرى أن أعينهما كانتا تلمعان بضوء غير طبيعي، ضوء بارد وفارغ.
"أليكس إيستر"، قال أحدهما بصوت أجش ومعدني، صوت بدا وكأنه قد تم تعديله بشكل مصطنع. "لقد تجاوزت حدودك. هذه الأسرار ليست لك لتبحث فيها".
"ومن أنتم لتقرروا ما هي حدودي؟" سألت، وأنا أحافظ على هدوئي الظاهري، رغم أن قلبي كان ينبض بقوة. "هل أنتم من يترك هذه الرموز؟ هل أنتم من يهمس في الظلام؟"
لم يردا على أسئلتي. بدلاً من ذلك، تحركا نحوي بسرعة مذهلة. لم يكونا مقاتلين عاديين؛ حركاتهما كانت دقيقة وقاتلة، وكأنهما قد تم تدريبهما على القتل. أطلقا نحوي شعاعًا من الطاقة المظلمة، طاقة كانت تشبه تلك التي استخدمها "عبدة النسيان"، لكنها كانت أكثر تركيزًا وقوة.
تمكنت من تفادي الهجوم بصعوبة، ورددت بهجوم مضاد، مستخدمًا قوة القلادة لإنشاء درع من الظلال وسيف من الفراغ. بدأت معركة شرسة في ذلك القبو المظلم، معركة بيني وبين هذين الكائنين الغامضين.
كانا قويين ومنسقين بشكل جيد. كانا يهاجمان معًا، ويغطيان نقاط ضعف بعضهما البعض، ويستخدمان تكتيكات لم أرها من قبل. شعرت بأنني أقاتل آلات، لا بشر. لم يكن هناك أي عاطفة في هجماتهما، مجرد تصميم بارد على القضاء عليّ.
القلادة كانت تمدني بقوة هائلة، لكنني أيضًا شعرت بأنها تستنزفني بسرعة. كل هجوم، كل دفاع، كان يأخذ جزءًا من طاقتي، ومن وعيي. بدأت أشعر بذلك البرود المألوف يتسلل إليّ، برود القلادة الذي كان يهدد بابتلاعي.
"من أرسلكما؟" صرخت، وأنا أتفادى ضربة أخرى. "هل تعملان لصالح سيرينا؟ أم أن هناك سيدًا آخر تخدمانه؟"
لم يكن هناك رد. مجرد هجمات متواصلة، لا هوادة فيها.
في خضم المعركة، لاحظت شيئًا غريبًا. الرموز التي كانت على الجدران بدأت تتوهج بضوء خافت، وكأنها تستجيب للمعركة، أو ربما تستمد منها القوة. شعرت بأن القبو نفسه كان جزءًا من المؤامرة، بأنه فخ قد تم إعداده لي.
أدركت أنني لا أستطيع الاستمرار في هذه المعركة لفترة طويلة. كنت أستنزف، والعدو كان لا يرحم. كان عليّ أن أجد طريقة للهروب، أو لتغيير مجرى المعركة.
في تلك اللحظة، سمعت صوتًا آخر، صوتًا مألوفًا هذه المرة.
"أليكس!" كان صوت نايرا. ظهرت فجأة عند مدخل القبو، وسوطها يلتف في الهواء، جاهزًا للقتال. "يبدو أنك تستمتع بوقتك بدوني".
لم أكن أعرف كيف وجدتي نايرا، أو لماذا قررت التدخل. لكنني كنت ممتنًا لوجودها. انضمت إليّ في المعركة، وحركاتها الرشيقة والقوية أضافت عنصرًا جديدًا من الفوضى إلى القتال. كانت ترقص بين الخصمين، وسوطها يلتف حولهما، ويشتت انتباههما، ويفتح لي فرصًا للهجوم.
"من هؤلاء الأصدقاء الجدد، أليكس؟" سألت نايرا بابتسامة شرسة، وهي تتفادى شعاعًا من الطاقة المظلمة. "لا يبدو أنهم يحبونك كثيرًا".
"ليس لدي أي فكرة"، رددت، وأنا أستغل الفرصة لتوجيه ضربة قوية إلى أحد الخصمين، مما جعله يترنح إلى الوراء.
بفضل مساعدة نايرا، بدأنا نكتسب اليد العليا في المعركة. الخصمان، اللذان كانا يعتمدان على التنسيق والسرعة، وجدا صعوبة في التعامل مع أسلوب نايرا غير المتوقع وقوتي المتزايدة. الرموز على الجدران بدأت تخفت، وكأن الفخ الذي نصبوه لي بدأ ينهار.
أخيرًا، بعد معركة طويلة ومرهقة، تمكنا من هزيمة الخصمين. سقطا على الأرض، وأرديتهما تتمزق، وتكشف عن أجساد معدنية تحتها. لم يكونا بشرًا على الإطلاق، بل كانا نوعًا من الآلات أو الدمى السحرية.
"ما هذا بحق الجحيم؟" همست نايرا، وهي تنظر إلى الجثتين المعدنيتين بدهشة. "لم أرَ شيئًا كهذا من قبل".
كنت أنا أيضًا مصدومًا. من صنع هذه الأشياء؟ ولماذا أرسلت لمهاجمتي؟
قبل أن نتمكن من فحص الجثتين بشكل أكبر، بدأتا تتوهجان بضوء أحمر، ثم انفجرتا، ولم تتركا وراءهما سوى قطع صغيرة من المعدن المحترق ورائحة الأوزون.
"لقد دمرتا نفسيهما"، قلت، وأنا أشعر بالإحباط. "لم نتمكن من الحصول على أي معلومات منهما".
نايرا هزت كتفيها. "على الأقل، لم يتمكنا من قتلك. وهذا يعتبر نصرًا في كتابي". ثم نظرت إليّ بعينيها الأرجوانيتين الثاقبتين. "لكن السؤال يبقى، أليكس. من الذي يطاردك؟ ولماذا؟".
لم يكن لدي إجابات. لكن هذه المواجهة أكدت لي أنني لست مجرد طالب في أكاديمية سحرية. كنت هدفًا، كنت جزءًا من لعبة أكبر وأكثر خطورة مما كنت أتخيل. واللاعبون الآخرون في هذه اللعبة كانوا مستعدين لفعل أي شيء لتحقيق أهدافهم.
شكرت نايرا على مساعدتها، رغم أنني لم أكن متأكدًا من دوافعها. "لماذا ساعدتني؟" سألتها.
ابتسمت نايرا ابتسامتها الغامضة. "دعنا نقول فقط إنني لا أحب أن أرى الآخرين يستمتعون بكل المرح. وإلى جانب ذلك، أنت مدين لي الآن، أليكس إيستر. وتذكر، أنا دائمًا أجمع ديوني".
ثم اختفت في الظلال، وتركتني وحدي مرة أخرى، مع المزيد من الأسئلة والمزيد من المخاوف.
عدت إلى غرفتي، مرهقًا ومضطربًا. المعركة مع تلك الآلات السحرية، وتدخل نايرا الغامض، كل هذا كان يثقل كاهلي. لكن أكثر ما كان يقلقني هو الرموز، والهمسات، والشعور بأن هناك مؤامرة أكبر تحاك في الخفاء.
في صباح اليوم التالي، قررت أن أبحث عن ليليث. كانت هي الشخص الوحيد الذي قد يكون لديه بعض المعرفة عن هذه الأشياء. وجدتها في مكتبتها الخاصة، محاطة بالكتب والمخطوطات القديمة.
"ليليث، أريد أن أسألكِ عن شيء"، قلت، وأنا أعرض عليها رسمًا لأحد الرموز التي وجدتها في القبو.
نظرت ليليث إلى الرمز، وعيناها تضيقان بالتركيز. ثم رفعت رأسها، وكان هناك تعبير غريب على وجهها، مزيج من الدهشة والقلق. "أين وجدت هذا، أليكس؟" سألت بصوت خافت.
"في أحد الأقبية تحت المكتبة"، رددت. "ماذا يعني هذا الرمز؟ هل تعرفينه؟"
ليليث ترددت للحظة، ثم قالت: "هذا الرمز... إنه ينتمي إلى طائفة قديمة جدًا، طائفة كانت تعتقد أنها تستطيع التحكم في القدر نفسه. كانوا يسمون أنفسهم 'نساجو المصير'. وقد اختفوا منذ قرون".
"نساجو المصير؟" كررت، وشعرت ببرودة تجتاحني. "هل تعتقدين أنهم عادوا؟ هل هم من يطاردني؟"
"لا أعرف، أليكس"، قالت ليليث، وصوتها يحمل نبرة من القلق لم أسمعها من قبل. "لكن إذا كانوا هم، فهذا يعني أننا نواجه تهديدًا أكبر بكثير مما كنا نتخيل. تهديدًا قد يغير كل شيء".
خيوط المؤامرة كانت تتشابك، وظلال الحقيقة كانت تزداد قتامة. ولم أكن أعرف ما إذا كنت سأتمكن من كشف هذه الأسرار، أو ما إذا كنت سأنجو من هذه اللعبة المميتة.
لكنني كنت أعرف أنني لن أستسلم. سأقاتل، سأبحث، سأفعل كل ما بوسعي لحماية
نفسي، وحماية أولئك الذين أهتم بهم. حتى لو كان ذلك يعني مواجهة "نساجي المصير" أنفسهم.