# الفصل الرابع والخمسون:
كلمات ليليث عن "نساجي المصير" ألقت بظلال كثيفة على ذهني. طائفة قديمة يُعتقد أنها تستطيع التحكم في القدر نفسه، وقد اختفت منذ قرون، والآن تظهر رموزها في الأكاديمية، وتُرسل آلات قتل لمهاجمتي. لم يعد الأمر مجرد صراعات داخلية أو تهديدات من بقايا "عبدة النسيان"؛ لقد دخلتُ الآن في مواجهة مع عدو أكثر غموضًا وقوة، عدو يمتلك أجندة خفية قد تتجاوز فهمي الحالي.
"هل أنتِ متأكدة، ليليث؟" سألتها، وأنا أحاول استيعاب خطورة الموقف. "نساجو المصير؟ هل يمكن أن يكونوا هم حقًا من يقف وراء كل هذا؟"
ليليث، التي كانت لا تزال تحدق في رسم الرمز، هزت رأسها ببطء. "الرمز لا لبس فيه، أليكس. إنه ختمهم المميز. أما إذا كانوا هم أنفسهم قد عادوا، أو أن هناك من يستخدم إرثهم لأغراضه الخاصة، فهذا ما يجب أن نكتشفه. لكن في كلتا الحالتين، نحن نتحدث عن معرفة وقوة تتجاوز بكثير ما واجهناه حتى الآن". كان هناك قلق حقيقي في صوتها، وهو أمر نادر بالنسبة لليليث التي كانت دائمًا تبدو واثقة من نفسها ومسيطرة على الأمور.
"وماذا يريدون مني؟" تساءلت، والقلادة على صدري تنبض ببرود، وكأنها تستشعر الخطر القادم. "هل الأمر يتعلق بالقلادة؟ أم أن هناك شيئًا آخر؟"
"كل شيء محتمل، أليكس"، قالت ليليث. "نساجو المصير كانوا مهووسين بالتحكم في خيوط القدر، وكانوا يبحثون دائمًا عن الأدوات أو الأشخاص الذين يمكن أن يساعدوهم في تحقيق ذلك. القلادة التي تحملها، إرث "أسياد الصدى"، هي بالتأكيد شيء قد يثير اهتمامهم. وأنت، بقدراتك الفريدة، قد تكون هدفًا أو أداة قيمة في نظرهم".
شعرت بالعبء يزداد ثقلاً على كتفي. لم أطلب أن أكون "سيد الصدى"، ولم أطلب أن أكون هدفًا لطوائف قديمة أو قوى غامضة. كل ما أردته هو أن أُترك وشأني، أن أجد بعض السلام في هذا العالم المجنون. لكن يبدو أن القدر كان له رأي آخر.
"علينا أن نعرف المزيد عنهم، ليليث"، قلت بتصميم. "علينا أن نعرف ما هي خططهم، وما هي نقاط ضعفهم. لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي وننتظر هجومهم التالي".
"أتفق معك"، قالت ليليث. "سأبدأ في البحث في أرشيفاتي الخاصة. قد أجد بعض المعلومات التي يمكن أن تساعدنا. لكن عليك أن تكون حذرًا للغاية، أليكس. إذا كان "نساجو المصير" يراقبونك حقًا، فإن أي خطوة خاطئة قد تكون قاتلة".
في الأيام التالية، ساد جو من التوتر المشحون في الأكاديمية. الحوادث الغريبة لم تتوقف، بل ازدادت وتيرتها. طلاب يبلغون عن رؤية أشباح أو سماع همسات غريبة. أشياء ثمينة تستمر في الاختفاء. والرموز الغامضة لـ"نساجي المصير" بدأت تظهر في أماكن أكثر وضوحًا، وكأنهم يتعمدون إعلان وجودهم.
كلارا، رئيسة مجلس الطلاب، كانت في حالة من الهيجان. هذه الحوادث كانت تقوض سلطتها وتهدد خططها للسيطرة على الأكاديمية. "يجب أن نضع حدًا لهذا العبث، أليكس!" صرخت في وجهي في إحدى المرات. "الأكاديمية تتحول إلى سيرك من الرعب، والطلاب خائفون. إذا لم نتمكن من استعادة النظام، فإن كل شيء سينهار".
كانت كلارا تحاول تجنيدي بشكل أكثر صراحة الآن، مستغلة الخطر الجديد كذريعة لتوحيد قوانا. "أنت تمتلك القوة، أليكس، وأنا أمتلك النفوذ. معًا، يمكننا أن نحمي الأكاديمية، وأن نبني نظامًا جديدًا أقوى من أي وقت مضى".
لم أكن أثق بدوافع كلارا، لكنني أيضًا لم أستطع تجاهل حقيقة أننا نواجه تهديدًا مشتركًا. "سأساعد في حماية الأكاديمية، كلارا"، قلت لها. "لكنني لن أكون بيدقًا في لعبتك السياسية".
نظرت إليّ كلارا ببرود، ثم ابتسمت ابتسامة باهتة. "الوقت سيحدد ذلك، أليكس. الوقت سيحدد ذلك".
أما البطلات الأخريات، فكان رد فعلهن على التهديد الجديد متباينًا، ولكنه كان دائمًا يتمحور حولي بطريقة أو بأخرى.
سيلينا، التي كان هوسها بي قد وصل إلى مستويات مرضية، رأت في "نساجي المصير" مجرد منافسين جدد على اهتمامي. "لا تقلق، يا حبيبي أليكس"، همست لي ذات ليلة، وهي تحاول التسلل إلى غرفتي مرة أخرى. "سأحميك منهم. سأقتل أي شخص يحاول أن يأخذك مني". كانت عيناها تلمعان بجنون مخيف، وكنت أخشى أنها قد تفعل أي شيء، حتى لو كان ذلك يعني إيذاء نفسها أو الآخرين.
إيلارا، من ناحية أخرى، كانت تزداد خوفًا وانعزالاً. التهديد الجديد كان أكبر من قدرتها على التحمل، وبدأت تنهار تحت الضغط. كانت تقضي معظم وقتها في غرفتها، تبكي وتصلي، وتترك لي المزيد من الهدايا الغريبة أمام بابي. "أرجوك، يا سيدي أليكس، كن حذرًا"، كتبت لي في إحدى رسائلها الملطخة بالدموع. "أنا لا أستطيع أن أتحمل فكرة أن يحدث لك أي مكروه". كان هوسها يتحول إلى يأس، وكنت أخشى أنها قد تؤذي نفسها.
لونا، بوجودها الهادئ، كانت تحاول أن تكون صخرتي في هذه العاصفة. كانت تستمع إلى مخاوفي، وتقدم لي الدعم والتشجيع. "أنت لست وحدك في هذا، أليكس"، قالت لي، وعيناها الرماديتان تحملان دفئًا نادرًا. "مهما حدث، سأكون بجانبك". كانت كلماتها تعني لي الكثير، لكنني أيضًا كنت أخشى أن يتسبب قربي منها في إيذائها. "نساجو المصير" كانوا يستهدفونني، وأي شخص قريب مني قد يصبح هدفًا أيضًا.
نايرا، المحاربة الغامضة، كانت تظهر وتختفي كعادتها، لكنني شعرت بأنها تراقبني عن كثب. بعد مساعدتها لي في القبو، كانت هناك رابطة غريبة بيننا، رابطة مبنية على الاحترام المتبادل والحذر. "يبدو أن حياتك أصبحت أكثر إثارة للاهتمام، أليكس إيستر"، قالت لي بابتسامتها الماكرة في إحدى المرات. "لكن تذكر، الإثارة الزائدة قد تكون قاتلة". لم أكن أعرف ما إذا كانت تحاول تحذيري أم أنها كانت تستمتع بالدراما. لكنني كنت أعرف أنها حليف قوي، وإن كان لا يمكن التنبؤ به.
في خضم كل هذا، بدأت ألاحظ شيئًا جديدًا. فتاة أخرى بدأت تظهر في محيطي، فتاة لم أرها من قبل. كانت هادئة ومنعزلة، ذات شعر بني قصير وعيون عسلية حادة. كانت غالبًا ما تجلس وحدها في المكتبة أو في زاوية منعزلة من حديقة الأكاديمية، وتقرأ كتبًا قديمة أو تراقب الناس من بعيد. لم تكن تحاول الاقتراب مني، لكنني شعرت بأنها تلاحظني، بأنها تدرسني.
في إحدى المرات، التقت أعيننا عبر قاعة الطعام المزدحمة. نظرت إليّ بثبات للحظة، ثم أشاحت بوجهها بسرعة، وكأنها قد تم ضبطها وهي تفعل شيئًا ممنوعًا. شعرت بفضول غريب تجاهها. من كانت؟ وماذا كانت تريد؟ هل كانت مجرد طالبة جديدة خجولة، أم أنها كانت جزءًا من اللغز المتزايد الذي كان يحيط بي؟
لم تتح لي الفرصة لمعرفة المزيد عنها في ذلك الوقت، لأن الأحداث بدأت تتسارع. ليليث، بعد أيام من البحث المكثف، استدعتني إلى مكتبتها الخاصة.
"لقد وجدت شيئًا، أليكس"، قالت، وعيناها تلمعان بالإثارة والقلق. "شيئًا قد يساعدنا على فهم ما يفعله "نساجو المصير" هنا".
أشارت إلى مخطوطة قديمة مفتوحة على طاولة أمامها. كانت مليئة بالرموز والرسوم الغريبة، تشبه تلك التي وجدتها في القبو.
"هذه المخطوطة تتحدث عن طقس قديم كان يستخدمه "نساجو المصير""، شرحت ليليث. "طقس يسمح لهم بالتأثير على خيوط القدر، بتغيير مسار الأحداث، وحتى بإعادة كتابة التاريخ. لكن هذا الطقس يتطلب شيئين: مصدر قوة هائل، وشخص يمتلك القدرة على توجيه تلك القوة، شخص يسمونه "مرساة القدر"".
"مرساة القدر؟" كررت، وشعرت ببرودة تجتاحني. "هل تعتقدين أنني...؟"
"لا أعرف، أليكس"، قالت ليليث. "لكن المخطوطة تصف "مرساة القدر" بأنه شخص يمتلك صلة فريدة بالماضي والمستقبل، شخص يمكنه أن يرى الاحتمالات المختلفة، وأن يختار بينها. وهذا الوصف... ينطبق عليك إلى حد ما، أليس كذلك؟".
القلادة على صدري نبضت بقوة، وكأنها تؤكد كلمات ليليث. شعرت بالخوف والغضب يتصاعدان في داخلي. هل كنت مجرد أداة أخرى في يد قوى قديمة؟ هل كان مصيري محددًا سلفًا، بغض النظر عما فعلته؟
"وماذا يحدث إذا تمكنوا من إكمال هذا الطقس؟" سألت، وصوتي أجش.
"لا أعرف بالضبط"، قالت ليليث. "لكن المخطوطة تتحدث عن عواقب وخيمة. عن تمزق في نسيج الواقع، عن فوضى لا يمكن السيطرة عليها، عن نهاية العالم كما نعرفه".
نهاية العالم. الكلمات كانت ثقيلة ومخيفة. لم أعد أواجه مجرد تهديد شخصي، بل تهديدًا يطال كل شيء وكل شخص.
"علينا أن نوقفهم، ليليث"، قلت، وصوتي يحمل تصميمًا جديدًا. "مهما كان الثمن".
"أتفق معك"، قالت ليليث. "لكن كيف؟ نحن لا نعرف أين يخططون لإجراء هذا الطقس، أو متى. ولا نعرف كيف نوقفهم حتى لو وجدناهم".
في تلك اللحظة، شعرت بذلك الوجود مرة أخرى. الوجود الذي كان يراقبني، يهمس لي في الظلام. لكن هذه المرة، كان مختلفًا. لم يكن مجرد شعور، بل كان صوتًا واضحًا في ذهني، صوت سيرينا، الفتاة ذات الشعر الفضي.
"أنت تبحث عن إجابات، أليكس إيستر"، همس صوتها. "وأنا أمتلك بعضها. لكن الإجابات لها ثمن. هل أنت مستعد لدفعه؟".
لم أكن أعرف ما إذا كان بإمكاني الوثوق بها. لكنني أيضًا لم أكن أستطيع تجاهل عرضها. إذا كانت تعرف شيئًا عن "نساجي المصير" وعن خططهم، فقد تكون هي مفتاحنا الوحيد لإيقافهم.
"أين أنتِ؟" سألت في ذهني، وأنا أتمنى أن تتمكن من سماعي.
"أنا قريبة"، همس صوتها. "قريبة جدًا. ابحث عني عندما تكون مستعدًا للمخاطرة بكل شيء".
ثم اختفى صوتها، وتركتني مرة أخرى مع المزيد من الأسئلة والمزيد من الخيارات الصعبة.
أصداء "نساجي المصير" كانت تتردد في كل مكان، وهواجس البطلات كانت تزداد حدة. والعالم
من حولي كان ينزلق نحو المجهول، نحو مصير غامض قد أكون أنا مفتاحه... أو ضحيته.