# الفصل الثامن والخمسون:

الغرفة المستديرة، المضاءة بلهيب الشموع المتراقص، تحولت إلى ساحة معركة لم تكن مرئية للعين المجردة، بل كانت حربًا تدور رحاها في أعماق الروح والإرادة. "نساجو المصير"، بأرديتهم الداكنة التي تخفي ملامحهم وتضفي عليهم هالة من الغموض والرعب، كانوا يمارسون ضغطًا هائلاً عليّ. لم تكن قوة جسدية، بل كانت قوة ذهنية، قوة تحاول أن تتسلل إلى عقلي، أن تكسر دفاعاتي، وأن تجعلني أستسلم لإرادتهم.

"مصيرك مرتبط بنا، أليكس إيستر. وسواء شئت أم أبيت، ستلعب دورك في خطتنا الكبرى". كلماتهم الباردة كانت تتردد في أذني، ممزوجة بهمسات غريبة بدأت تتصاعد من الرموز المتوهجة على الجدران. شعرت وكأن آلاف الأصوات تحاول أن تخترق عقلي، أن تقنعني، أن تغريني، أن تهددني. أصوات تتحدث عن عالم مثالي خالٍ من المعاناة، عن قوة لا حدود لها، عن مصير مجيد ينتظرني إذا استسلمت لهم.

لكن في خضم هذه الفوضى، كان هناك صوت آخر، صوت أقوى، صوت يرفض الاستسلام. صوتي أنا.

"أنا لن أكون بيدقًا في لعبة أحد!" صرخت، وقوتي في الظلال تتفجر حولي، مكونة درعًا أسودًا يحميني من الضغط الذهني الهائل. القلادة على صدري كانت تنبض بعنف، وتطلق موجات من الطاقة الباردة التي كانت تتصدى لهجوم "نساجي المصير". شعرت بأن القلادة ليست مجرد أداة، بل هي جزء مني، جزء من إرادتي، جزء من رفضي المطلق للسيطرة.

"مقاومتك لا طائل من ورائها، أليكس"، قال أحد "نساجي المصير"، وصوته يحمل نبرة من السخرية. "لقد رأينا مستقبلك. لقد رأينا الاحتمالات المختلفة. وفي كل منها، أنت تنتهي معنا. أنت "مرساة القدر"، والمراسي لا تملك حرية الاختيار".

"أنا أصنع قدري بنفسي!" رددت، وأنا أركز كل طاقتي على صد هجومهم. بدأت الرموز التي على الجدران تتوهج بشكل أكثر حدة، والضغط الذهني يزداد قوة. شعرت بألم حاد في رأسي، وكأن عقلي على وشك الانفجار. لكنني لم أتراجع. لم أستطع التراجع.

في زاوية الغرفة، كانت آريا لا تزال تراقبني بصمت. لم يكن هناك أي تعبير على وجهها، ولم أستطع أن أقرأ ما يدور في ذهنها. هل كانت تنتظر مني أن أستسلم؟ أم أنها كانت تنتظر اللحظة المناسبة للتدخل؟ لم أكن أعرف. ولم يكن لدي الوقت للتفكير في ذلك.

"نساجو المصير" بدأوا يغيرون تكتيكاتهم. لم يعودوا يكتفون بالضغط الذهني، بل بدأوا يهاجمونني بصور ورؤى مرعبة. صور لأصدقائي وهم يعانون، صور للأكاديمية وهي تنهار، صور للعالم وهو يحترق. كانوا يحاولون أن يكسروا إرادتي من خلال الخوف واليأس.

"انظر، أليكس!" صرخ أحدهم. "انظر إلى ما سيحدث إذا رفضت مساعدتنا! انظر إلى المعاناة التي ستتسبب بها! هل يمكنك أن تتحمل كل هذه الدماء على يديك؟".

الصور كانت مروعة، وكانت تؤلمني بشدة. لكنني أيضًا شعرت بأنها ليست حقيقية، بأنها مجرد أوهام، مجرد أدوات يستخدمونها لكسر مقاومتي. "هذه ليست الحقيقة!" صرخت. "هذه مجرد أكاذيب!".

"الأكاذيب والحقائق هي مجرد وجهات نظر، أليكس"، قال آخر. "ونحن نقدم لك وجهة نظر أفضل، وجهة نظر عالم منظم، عالم مثالي. كل ما عليك فعله هو أن تقبل. أن تستسلم".

"لن أستسلم أبدًا!" رددت، وأنا أطلق العنان لكل قوتي. الظلال حولي تكثفت، وتحولت إلى وحوش هائجة تهاجم "نساجي المصير". القلادة على صدري أطلقت شعاعًا من الطاقة المظلمة، شعاعًا كان يحمل كل غضبي وكل رفضي.

تفاجأ "نساجو المصير" بقوة هجومي. تراجعوا قليلاً، والضغط الذهني الذي كانوا يمارسونه عليّ خف للحظة. استغليت هذه الفرصة لأستجمع أنفاسي، ولأبحث عن أي نقطة ضعف في دفاعاتهم.

لكنهم سرعان ما استعادوا توازنهم. "قوتك مثيرة للإعجاب، أليكس"، قال أحدهم. "لكنك لا تزال وحدك. ونحن كثر. وفي النهاية، ستنهك. وستستسلم".

كانوا على حق. كنت أشعر بأن طاقتي تتضاءل بسرعة. المعركة الذهنية كانت تستنزفني أكثر من أي معركة جسدية خضتها من قبل. بدأت أشعر باليأس يتسلل إلى قلبي. هل كان هذا هو مصيري حقًا؟ هل كنت سأصبح مجرد أداة في يد هؤلاء المجانين؟

في تلك اللحظة، عندما كنت على وشك أن أفقد الأمل، حدث شيء غير متوقع.

آريا، التي كانت تراقب بصمت طوال الوقت، تحركت فجأة. لم تهاجمني، ولم تهاجم "نساجي المصير". بدلاً من ذلك، رفعت يدها، وبدأت ترسم رموزًا معقدة في الهواء. رموز لم أرها من قبل، رموز كانت تشع بقوة غريبة، قوة لم تكن مظلمة ولا نورانية، بل كانت شيئًا آخر، شيئًا محايدًا وقويًا.

"ماذا تفعلين؟" صرخ أحد "نساجي المصير"، وصوته يحمل نبرة من المفاجأة والغضب.

لم ترد آريا. واصلت رسم الرموز، وعيناها مركزتان على ما تفعله. شعرت بأن قوة الرموز التي كانت ترسمها تتداخل مع قوة الرموز التي كانت على جدران الغرفة، وتسبب نوعًا من التشويش، نوعًا من الفوضى في تدفق الطاقة.

الضغط الذهني الذي كان يمارسه "نساجو المصير" عليّ بدأ يضعف. الصور المرعبة بدأت تتلاشى. الهمسات بدأت تخفت. شعرت بأنني أستعيد السيطرة على عقلي، على إرادتي.

"أوقفوها!" صرخ زعيم "نساجي المصير". "إنها تحاول أن تفسد الطقس!".

تحرك اثنان من "نساجي المصير" نحو آريا، محاولين إيقافها. لكن آريا كانت مستعدة. بحركة سريعة ورشيقة، تفادت هجومهما، وردت بهجوم مضاد، مستخدمة نوعًا من السحر لم أره من قبل. كان سحرًا يعتمد على التلاعب بالواقع نفسه، على تغيير قوانين الفيزياء، على خلق مفارقات مستحيلة.

أحد "نساجي المصير" وجد نفسه فجأة يسير على السقف، والآخر وجد أن ذراعيه قد تحولتا إلى أغصان شجرة. كان مشهدًا سرياليًا ومخيفًا في نفس الوقت.

"ما هذا بحق الجحيم؟" همست لنفسي، وأنا أنظر إلى آريا بدهشة وإعجاب. من كانت هذه الفتاة حقًا؟ وما هي هذه القوة التي تمتلكها؟

استغلت آريا الفوضى التي أحدثتها، ونظرت إليّ بسرعة. "الآن، أليكس!" صرخت. "اهرب! ليس لديك الكثير من الوقت!".

لم أكن بحاجة إلى أن تقول لي ذلك مرتين. استجمعت ما تبقى من طاقتي، وركزتها في هجوم واحد قوي، هجوم كان يهدف إلى فتح ثغرة في دفاعات "نساجي المصير"، ثغرة تسمح لي بالهروب.

الظلال حولي تحولت إلى رمح أسود ضخم، رمح كان يحمل كل تصميمي على الحرية. أطلقت الرمح نحو الباب الذي دخلت منه، والذي كان الآن مغلقًا بإحكام.

اصطدم الرمح بالباب بقوة هائلة، محدثًا انفجارًا مدويًا. تحطم الباب إلى آلاف القطع، وظهر الممر المظلم أمامي مرة أخرى.

"لن تهرب!" صرخ زعيم "نساجي المصير"، وهو يحاول أن يستعيد السيطرة على الموقف. "أمسكوا به!".

لكن آريا كانت لا تزال تعيقهم، بسحرها الغريب وقدراتها المذهلة. كانت ترقص بينهم كالشبح، وتتلاعب بالواقع من حولهم، وتجعلهم يبدون وكأنهم أطفال مرتبكون.

"اذهب، أليكس!" صرخت آريا مرة أخرى. "ولا تنظر إلى الوراء!".

لم أتردد هذه المرة. ركضت نحو الممر المظلم، وقلبي ينبض بعنف في صدري. كنت أسمع أصوات المعركة خلفي، أصوات الانفجارات والصراخ والهمسات الغاضبة. لكنني لم أنظر إلى الوراء.

واصلت الركض، وأنا لا أعرف إلى أين أتجه، ولا أعرف ما إذا كنت سأتمكن من الخروج من هذا المكان حيًا. كل ما كنت أعرفه هو أنني يجب أن أهرب، يجب أن أنجو، يجب أن أجد طريقة لهزيمة "نساجي المصير".

لأن هذه اللعبة، لعبة الأقدار، لم تكن قد انتهت بعد. بل كانت قد بدأت للتو.

وعليّ أن أكون مستعدًا للجولة التالية.

2025/06/04 · 9 مشاهدة · 1041 كلمة
Uzuki
نادي الروايات - 2025