59 - دماء وأزهار متناثرة

في صبيحة يوم جديد إستيقظ ريو على صوت آنا وهي تطرق على رأسه بالعصى التي يحملها تاكاشي أينما مشى وتقول له:"...هااااي إنهض ...إنهض ...لدينا رحلة طويلة اليوم..."

ومن ثم نهض على سرعة من أمره ووجد الجميع قد جهزو أنفسهم للذهاب ماعدى هو مزال بنفس ماكان عليه يوم أمس .. نظرا يمينا ويسارا حتى رأى شيسا على كرسيها المتحرك مجددا لكن هذه المرة ليس هنالك أي ضمادات على جسمها ويبدو أنها ستتماثل للشفاء عما قريب والأمر الرائع في ذلك أنها غيرت ملابس المستشفى تلك وإرتدت ملابس أنثوية جميلة ذات لون أزرق بارد وقبعة أخرى لتحتمي من ضوء الشمس فهذا اليوم كما ذكرت آنا لديهم رحلة طويلة...

بعد ذلك إقترب ريو من شيسا قائلا:"تبدين رائعة المظهر اليوم على عكس العادة ياشيسا..."

أطرقت شيسا خجلا وثم قالت له:"...شكرا لك على الإطراء...لقد إرتديت أفضل ماوجدت..."

نظر تاكاشي وآنا لكليهما ومن ثم نطقت آنا بعفوية قائلة:"...أنظر يا أبي إنه يتغزل بها بالرغم من أنه ليس زوجها ...سيذهب للجحيم مباشرة..."

شعر كل من ريو وشيسا بالخزي وفي نفس الوقت ببعض الإحراج مما قالته آنا ليتبعه ضحكات من كان معهم في الجوار إلى أن إنتهى بهم بعد وقت قليل في الرواق وهم متجهين لخارج القصر في رحلة البحث عن نبتة سانت جون ...

...

...

...

أثناء خروجهم من القصر الملكي ووصولهم للساحة الملكية لم تقابل شيسا والديها أبدا منذ يوم أمس لحد الساعة ويبدو أنها لن تقابلهما الأن ولا حتى مقابلة أختها الصغرى التي لاتعلم عنها شيء...

وبعد خطوات قليلة منهم إذ أقدم تاكاشي وقال لشيسا:"...ولكن أين يقبع هذا المكان الذي سنجد فيه الدواء؟؟.."

فقالت شيسا وهي واصعة يدها على خدها:"...ستعرف حين نصل ...إنه مكان مثل الجنة...إنه مكان عشت طفولتي فيه وكبرت فيه ..."

فقال تاكاشي:"...هكذا إذا...السبب وراء مساعدتك لنا هو حاجتك للذهاب إلى المكان التي عشت فيه طفولتك ليس إلا ..."

فقالت شيسا بنوع من التوتر:"...اهاهاها شيء من هذا القبيل اهاهاها..."

فقال تاكاشي:"...لابأس أهم شيء بالنسبة لي هو الحصول على تلك النبتة والعودة بسرعة ...لأن الوقت ضيق جدا بقي يوما ونصف وربما قد يكون وضعها قد ساء..."

فقالت شيسا:"لاتقلق سنصل خلال نصف ساعة عن طريق القطار... ومازلنا في الصبيحة أيضا لذا لازال مبكرا التفكير في العودة..."

فقال تاكاشي:"...أرجو أن يحصل هذا..."

ومن ثم بعد وقت ليس بالطويل وصل كل منهم إلى المحطة التي سيصل إليها القطار لينقلهم إلى وجهتهم القادمة والتي ستكون محفل كبيرا بالنسبة لهم لأنه ينتظرهم الكثير من المفاجآت هناك ...

...

...

...

وبعد مدة ليست بالطويلة أتى القطار المنتظر وهو نفس القطار الذي رأوه تاكاشي وآنا عند وصولهم لأول مرة خارج رايدن ومائن فتح الباب إلا وتفاجئ كليهما من نزول نفس المرأة التي إلتقو بها عند خروجهم من السفينة في ذلك اليوم ولتجعل آنا تقول:"أبي أنظر إنها نفس المرأة التي وجدناها في ذلك اليوم ..."

فقال تاكاشي منزعجا من فعلها:"...لاتشيري بإصبعك هكذا يا آنا وخصوصا على الناس..."

لتلتفت هي الأخرى وتقول:"...اااه صباح الخير ...اااه هذه أنت ياصغيرتي ..."

فأجابها تاكاشي معتذرا:"...أعذريني ياسيدة على فضاضتي إبنتي..."

فتقول هي الأخرى:"...لاعليك هي مجرد فتاة صغيرة على أي حال..."

فقال تاكاشي:"...شكرا لك على لطفك هذا ياسيدة؟؟..."

فقالت هي الأخرى معرفة بنفسها:"...بيترا ...بيترا أرلنيت..."

فقال تاكاشي:"...تشرفت بمعرتفك ياسدة أرلنيت..."

فأقدمت هي الأخرى ناحيته متجهة ناحية آنا وقد كانت تحمل سلة بها مجموعة من الورود الجميلة من شتى الأنواع وقامت بوضع واحدة على شعر آنا وقالت بإبتسامة:"...ها أنت ذا ...جميلة جدا وهي عليك الأن يا آنا..."

فقالت آنا وهي مبتسمة:"...شكرا لك يا عمة..."

فقالت بيترا:"...كم أنت ظريفة يا آنا...يجب على والدك أن يعتني بك جيدا...أنت أجمل فتاة رأيتها ياصغيرتي..."

ومن ثم مباشرة بعد تلك الكلمات إنصرفت بطريقة غريبة ومودعة لآنا وهي تبتسم كأنها متأكدة بأنها ستلتقي بها مجددا في الأيام القادمة...

ومن ثم حدث نفس الشيء كانت آنا تحدق بها مجددا وتقول لتاكاشي:"...هذه المرأة مريبة جدا يا أبي... إنها متصنعة لكل شيء ..."

ومن ثم صعدو جميعهم في القطار وجلسو قرب بعضهم البعض جميعا ومن ثم قال تاكاشي بعدما أقلع القطار:"ماذا تقصدين بأنها متصنعة يا آنا؟؟...هل هناك خطب ما؟؟"

فقالت وهي مبتهجة بالنظر خارج النافذة:"...لا أعلم يا أبي لكن أنا لم أرتح لها أبدا ..."

فقال تاكاشي:"...حسنا أرجو أن لا نلتقي بها مجددا إذا مادام هكذا شعورك يا آنا ..."

فقالت شيسا لآنا:"...هاااي آنا لاتخرجي رأسك كثيرا يمكن تسقطي..."

فقالت آنا:"لن أسقط لكن المنظر جميل عندما تكون من الفوق...ااااه أنظر يا أبي إنها نفس السفينة التي قفزنا بها..."

تفاجئ تاكاشي من هذا و خصوصا أنها كانت تصرخ وهي تقول هذا ومن ثم رأى ريو يهمس في أذن شيسا ويضحكان على ما فعلته آنا ليقول تاكاشي في نفسه بحيرة:"...يبدو أنهما يظنان أني غريب أطوار.."

تاكاشي في موقف لايحسد عليه فآنا تنظر لأماكن جميلة من خلال جسر عملاق يفصل رايدن عن التلال التي بقربها ...

فهذا المشهد الغني بالمظاهر الطبيعية من بحيرة كبيرة يصب فيها نهر بريستين والطيور المتنوعة التي تحوم حولها من بط وإوز وغيرها من الطيور وأيضا حجم الغطاء النباتي التي تجري في حقوله مجموعة من الخيول البرية وبدون أن ننسى رعاة الأغنام الذي يبدون مشهدا رائعا من الأعلى ...كل هذا سيجعل من أي شخص مبتهجا بكل تأكيد وخصوصا لو كانت آنا فهي ترى كل هذا لأول مرة لها بحياتها وهي فتاة صغير على أي حال ...

ومن ثم بعد هذا ظلت آنا تتكلم عن أي شيء تراه لتاكاشي حتى قالت لها شيسا بأن هناك شيئا أجمل ستراه حين تصل إلى المكان الذي سيجدون فيه الدواء لتسألها آنا مجددا قائلة:"وماهو هذا المكان التي تقصدينه ياشيسا؟؟.."

فقالت شيسا لها وقد حملتها فوق حجرها:...إنه مكان كبير جدا ...مهما أبصرت فيه لن تشبعي منه...جميل جدا جدا ...فيه الكثير من الورود والأرانب والحيوانات إنه جميل جدا جدا يا آنا لا أكاد أصفه لك لكن حتما سيعجبك يا عزيزتي..."

وبينما كانت ترفع يديها وهي تفسر لآنا المكان إهتمت آنا بيدها المبتورة لتسألها قائلة:"...ماخطب ذراعك ياشيسا؟؟..لما لاتملكين يدا؟؟..."

تفاجئ تاكاشي مما قالتها لذا حملها بسرعة إليه وبدا يلاعبها قليلا وفي نفس الوقت شعر ريو بالذنب بسبب ماحصل لها بعد سماعهما لما قالتها آنا وليقول تاكاشي لآنا:"اهاهاها إنها شيء فريد يا آنا...."

وقبل أن يكمل كذبته لآنا إستوقفته شيسا مبتسمة وهي تقول:"لاعليك ياتاكاشي...تعالي إلي هنا يا آنا وسأخبرك..."

ومن بعدما ما أتت آنا إليها قالت لها وهي تضحك وتمثل لها:"...بينما كنت أمشي في أحد المرات في الغابة ظهر وحش غريب الشكل ومخيف هاجمني ولم أعلم ما أفعل وقد أمسك بيدي لم أجد طريقة للنجاة إلا عن طريق بتر يدي وقتل ذلك الوحش...هذه هي الحكاية..."

فقالت آنا وهي متفاخرة:"واااااااااه شيسا أنت قوية وااااااااه..."

ومن ثم بدأت تضرب بيدها كأنها تحمل سيفا وتقول:"لو كنت أنا كنت سأقتله بفعل هذا وهذا وهذا وأقول له خذ هذا ااااعخ..."

وبحركات طفيفة من آنا رسمت على محيا الجميع ضحكات جميلة يتمنى كل منهم لو تدوم لهم دائما هذا اللحظات لكن شخصا واحدا منهم لم يضحك لكنه إبتسم إلا أنه يعلم السبب وراء قطع يد شيسا وجلس يلوم نفسه في نفسه طيلة الرحلة ويقول:"لو كنت قويا فقط ...لو كنت قويا لما حدث ذلك لك يا شيسا.."

ومن ثم بعد وقت ليس بالطويل وصلو إلى المحطة التي يريدونها وهبطو جميعا منها ليتفاجئ جميعهم أن المنطقة التي هم بها منطقة ريفية قليلة السكان ذات جبال رائعة ورائها ولتتحرك شيسا بكرسيها للأمام ثم تستدير ناحيتهم وتقول:"أهلا بكم في في هيفن ... المكان الأجمل حول العالم ..."

وبعدها مباشرة إذ تسقط خلفها اللوحة الخشبية للإسم في مشهد ضاحك والتي يبدو أن سكانه لم يغيرو اللوحة منذ عقود طويلة ..

كان الجميع مبتسمون بإستهزاء إلا شيسا وآنا فهما متحمستين جدا لما سيلقيانه اليوم وبما أن هذه أول مرة لآنا في أحد القرى فهي تستكشف كل صغيرة وكبيرة في القرية وهاهي تجري في الأنحاء وتقول بحماس:"وااااه حصان ...واااااه أغنام ... وااااااااه ماهذا الحيوان الصغير هنا...واااااااه وااااااااااااه الكثير من الأشياء الرائعة..."

ليجعل ذلك ريو يقول ويشير لتاكاشي بطريقة ساخرة وخائفة من وضع آنا:"...ااحهم أعذرني ياتاكاشي أليس من الأحسن أن تراقب آنا ااهااه؟؟..."

ليقول له تاكاشي بنفس الطريقة:"...اااحهم أليس من الأحسن لك أن تراقب شيسا أيضا ياريو اااهاااه..."

ليتفاجئ ريو ويقول:"شيسا؟؟.."

لينظر بعد ذلك للكرسي الذي كانت فيه ويجدها قد وقفت منه وذهب تستكشف هي وآنا في تلك القرية في كل شيء أراد فعله ويقول بعد ذلك وهو يصرخ:"بحقكمااااااا ماذا يحدث لكمااااااااا؟؟؟..."

ومن ثم مباشرة إنطلق خلفهما وهو يحاول إيقافهما وإرجاع شيسا إلى كرسيها بسبب إصاباتها لكنهما لم يستمعا له وأكمل طريقيهما إلى الأمام ليجعل هذا المشهد تاكاشي يضع يده على رأسه ويقول بتعب:"يا إلهي ...سيكون يوما صعبا بحق ااااه"

وبعد مدة مما حدث ...واجه كل من شيسا وآنا الكثير من الناس الذين قد رحبو بهما بأحر الترحيبات والكلام الجميل لهما وإكتشفا الكثير من الأشياء المثيرة والجميلة والمخيفة والمرعبة أيضا ... المأكولات من شتى أصنافها حيث ذاق كلاهما الكثير منها وأيضا الحليب ومشتقاته بسبب أن المكان به كثير من الأبقار وكرم الناس فيها لاينتهي حيث أنهم قد دعوهما لأجل مأدوبة طعام ولولا تدخل ريو لكانو قد قبلو بجميع الدعوات لحد الأن ويضيعو لهم مزيدا من الوقت ...لكن هذه المرة قالت شيسا:"نحن لن نرفض هذه الدعوة أبدا ياريو ...إنه عسل لايمكنني رفضه أبدا ..."

ثم سألت آنا عنه قائلة:"وماهو هذا ياشيسا؟؟.."

فقالت شيسا:"إنه شيئ أصفر ذهبي حلو المذاق جدا لن نضيع فرصة تجريبه يا آنا..."

فقالت آنا:"أريد تجربته أنا أيضا.."

فقالت شيسا:"لاعليك لن يمنعنا أي أحد من تجربته..."

قدم شخص غريب هو وعائلته إلى شيسا ويبدو أنه يعرف جيدا من تكون شيسا وقدّم لها بعض من العسل والكعك ومن ثم قال لها:"...هااااااهاااااااا لقد مرّ وقت طويل ياشيسا ...وقد أصبحتي مرأة بالغة لديها إبنة صغيرة...كم هذا رائع..."

ليتفاجئ الأخر برد فعل غريب منها وهي ترمي الأكل من فمها مصدومة لما قاله وليجعله ذلك متسائلا ويقول مجددا:"اااه؟ ماذا هناك؟...هل أخطأت في شيء ما؟؟..."

لتجيبه شيسا بمجموعة من المشاعر المختلطة:"...اهاهاتاتاااااااا عذرا أنا لست أمها فوالدها يقف هناك خلفنا اهاهاهااااا..."

ليقول ذلك الشخص ضاحكا:"اهاهاها...هكذا إذا يبدو أنني مخطئ ظننت أنك قد كونتي عائلة مع فورستر ...ااااه بذكر ذلك أين هو فورستر أنا لا أراه معكم ...ألم يأتي معكم؟؟...سيسعد الجد كثيرا لو رآه اليوم..."

هبطت كلماته كالساعقة على قلب شيسا لتتوقف عن البهجة التي كانت فيها و تدخل ريو ليواسي الوضع ولكنه يبدو أنه تأزم بسبب إحياء ذكرى تعيسة جدا قد مر عليها وقت ليس بالطويل وليجعل شيسا تسقط الطبق الذي بين يديها وكأنه إعلان لما فعلته كلمات ذلك الشخص على قلبها فقد كانت كالسهم ولم تكن متوقعة لها أبدا مما جعلها تقول بنبرة حزينة جدا وشهقة ومخفضة لرأسها و مفسدة بذلك الوضع المبهج الذي هم فيه:"...فورستر...قد مات ..."

صدم جميع الناس ممن كان حولها بذلك الخبر وبدأ بتحدثون فيما بينهم عما سيقولون للجد بهذا الخبر الفاجع ...ليقترب ذلك الشخص من شيسا قائلا بحزن وغضب:"ماذا تقصدين بأن فورستر مات هاه؟؟...كيف ذلك؟؟...ألم يتوعد ذلك الغبي آرثر بأنه سيرعاه؟؟ هاااه؟؟؟ أين هو آرثر ؟؟ هااه أين هو ؟؟ أخبريني ياشيسا؟؟؟..."

جن جنونه وهو ممسك بشيسا من كتفيها حتى تدخل ريو ليبعده عن شيسا قائلا:"...كلنا لاقينا من الحزن مادب قلوبنا لذا لاتلقي باللوم على شيسا ففورستر ماكان ليفعل ذلك على أي حال..."

ثم صفع ذلك الشخص وجه ريو بقوة قائلا:"...ماذا تعرف عن إبن قريتنا فورستر حتى تقول هذا الكلام؟؟ ماذا يعرف غر مثلك عن فورستر أنت لاتعرف شيئا عنه..."

ثم إستدار للخلف ومشى خطوتين ونظر خلفه ناحية شيسا التي هي جالسة على كرسيها وقال ودموعه نازلة على خديه:"...شيسا...الجد لن يتساهل مع أمر مثل هذا..."

فقالت شيسا له:"...أعرف ذلك ...لذا جئت إليه بنفسي لأخبره قبل أن تصل إليه الأخبار..."

فقال لها:"...إفعلي ماشئتي لاترني وجهكِ مجددا ولاتقربي مني.."

فقالت شيسا ومشاعر الحزن والمسكنة ظاهرة عليها من شدة إخفاضها لرأسها:"...لاتقلق لن تروني مجددا ولن أزعجكم ابدا..."

فقال لها ريو وهو يمشي ناحيتها:"ااااي شيسا مالذي تقولينه؟؟..."

ومائن وصل إليها وأنزل نفسه لينظر إلى وجهها إلا وقد وجد دموعها قد بللت صدرها في مشهد مؤلم لقلبها لم تستطع تمالك دموعها أبدا ... لم يحتمل ريو مارآه من حزن على وجهها فإندفع تلقائيا وهو يضرب بقبضته ذلك الشخص ويقول بغضب:"هل تعلم مقدار الألم الذي تشعر به وهي تحاول إخباركم بما حدث؟؟ هااع...أكيد لاتعلم...هل تعلم مقدار الدموع التي ذرفتها ذلك اليوم؟؟ هاااع؟؟..أكيد لاتعلم...مالذي يعلمه فلاح مثلك على أي حال؟؟هاااع أنت لاتعلم شيئا عما فعلته هذه المرأة التي أمامك ...لاتعلم مقدار شيئ مما قدمته في سبيل فورستر...أيها العامي القذر..."

قبل أن يكمل كلامه شدته شيسا من قميصه وقالت له وهي مبتسمة إبتسامة المنكسر وبقايا الدموع على وجهها من أثر البكاء:"توقف عن هذا...هيا نذهب أرجوك ياريو..."

ومن ثم نظر ريو بشفقة ناحية شيسا وغضب ناحية ذلك الشخص الذي قال ذلك الكلام لشيسا ومضى في طريقه بينما أبنائه ملتمون حوله ويشتمون في شيسا التي يقودها الأن ريو وهي تمسح في دموعها وتبكي بشهقة جراء إحياء ذكرى لم تكن يجب أن تظهر في هذا الوقت أبدا ...

شعرت آنا ببعض الأسى على حال شيسا فقفزت من حظن والدها وهي تجري ناحية شيسا المنهارة وقدمت لها بعض الحلوى وقالت مواسية لها:"شيسا...لاتبكي...تفضلي خذي هذه الحلى لاتبكي أرجوك..."

فقالت شيسا بإبتسامة مصطنعة:"...حسنا يا آنا لاتقلقي..."

ومن ثم صعدت آنا إلى حظنها بينما يقوم ريو بدفع كرسيها وهي تمسح دموعها مع ظمها إليها قائلة:"عديني أن لاتبكي ياشيسا ... ألم تقولي لي بأنك قوية ؟؟ لاتبكي إذا ياشيسا..."

فقالت شيسا وهي ممسكة بقوة لآنا:"...أحيانا بعض الأشياء تفوق التحمل يا آنا.."

فقالت لها آنا:"وماهي هذه الأشياء؟؟..."

فقالت لها شيسا:"...ستكبرين وتعرفين الكثير ياعزيزتي لذا لاتهتمي الأن لما أقوله..."

وإستمر هذا الوضع هكذا حتى وصلو إلى بيت نائي في أخر القرية شكله ليس بالجميل ولا بالقبيح لكنه قديم جدا بالنسبة للبيوت التي وجدوها قبلا وبه حديقة عادية لمجموعة من الخضروات التي يبدو أن سيدها لم يسقها منذ مدة مضت .. مع بعض الشجر الطويل الذي يحيط بالمكان مانعا النظر عما يوجد بعده..

وصل الجميع إلى بابه وقال تاكاشي:"هل هذا هو المكان الذي قلتي لنا عنه ياشيسا؟؟..."

فأجابته شيسا:"نعم هذا هو..."

فقال تاكاشي:"حسنا دعونا ندخل إليه..."

ومن ثم أقبل تاكاشي فدق الباب وإنتظر قليلا ولم يجبه أحد ..ومن ثم أعاد الكرة فلم يجده أحد مجددا فنادى على الجد بصوته فلم يجبه أحد مجددا ومن ثم دفع الباب قليلا حتى به يجد الباب مفتوحا ويبدو أنه غير مقفل أبدا ليفتح بعد ذلك الباب ويجد شيئا صادما لم يكن يتصوره أبدا... داخل بيت ذلك الجد كأنه ضربت فيه زوبعة بعثرت كل شيئ تماما...

الكبسولات والقوارير التي يبدو أنها لبعض المحاليل والمحاليل الزجاجية المكسورة لعدة أشياء غير معروفة قدرتها وأيضا نوع من الحشرات المحبوسة داخل كبسولات زجاجية مع كرات ملونة غريبة تطفو داخل الكثير من الزجاجات التي في أعلى رفوف مع أزهار ذابلة فوق الطاولة التي كراسيها مبعثرة على الأرض والكتب الممزقة والأواني المكسورة والكثير من الأشياء الأخرى كأن عملية سرقة قد حدثت هنا ...

دخل الجميع مصدومين من الأمر وخصوصا شيسا فهي لم تشهد ولا مرة أن هذا المكان سيكون مبعثرا هكذا بعد هذه المدة الكاملة وخصوصا أنه لا أحد سيبعثر للجد المكان غيرها وفورستر حين كان صغيرين في السن قبل رحيلهما عنه...

ومائن باشر الجميع بخطواتهم نحو الداخل وأغلقو الباب خلفهم وهم يمشون ويصدرون أصوات بسبب الزجاج المحطم تحتهم إقتربت شيسا من الطاولة وهي تلمسها وتقول:"...هذا يعيد إلي الحنين..." لتستعيد ذكرياتها الجميلة وهي مع الجد وفورستر وهم يلعبون هنا والذي كانو بمثابة عائلتها الحقيقية وقد عوضها ذلك الجد عن حنان الوالدين الذي فقدته في سن صغيرة جدا ... ومن ثم مشو قليلا لترى شيءا أكثر صدمة وهو صورة مقلوبة الوجه إذ أمسكتها مباشرة بلهفة وأحضرتها إليها وهي ممعنة النظر إليها لتسألها آنا بعد ذلك عمن يكون هؤلاء الأشخاص في الصورة ولتخبرها شيسا بأن:"هؤلاء هم أنا والجد وفورستر...في هذه اللحظة قد إصطدت لأول مرة سمكة كبيرة مع الجد وقد إحتفلنا بذلك كثيرا..."

ثم قالت آنا:"ماذا عن ذاك الشخص الأخر الذي لايظهر وجهه معكم؟..."

فقالت شيسا في حيرة من أمرها:"...لا أعلم...لا أذكر أن هذا الشخص قد كان معنا...وأيضا يبدو أن وجهه تم تغطيته ببعض الدماء..."

أرهق مشهد ذلك الشخص ذاكرة شيسا حتى قال لها ريو:"لاترهقي نفسك ياشيسا دعكي منها..."

أحيت تلك الصورة عديد المشاعر في قلب شيسا إلى أن إستمر بهم الوضع قرب باب أخر زجاجي يفصلهم عما داخل البيت وخلفه فتقول شيسا:"أعتقد أن الجد هناك في الحديقة خلف ذلك الباب..."

ليتفاجئ تاكاشي قائلا:"حديقة؟ ...هذا أمر غريب فكل شيء مبعثرر...هل يمكن أن يكون قد حدث شيئ ما للجد؟؟ لأن الأمر مريب هنا..."

فقالت شيسا:"لا أعلم...هو لم يترك أيا من أدواته مبعثرة هكذا أبدا..."

فإنطلق تاكاشي إلى ذلك الباب الذي يظهر خلفه نور ساطع يدخل مضويا كل تلك الغرفة التي هم فيها ومن ثم أقبل ممسكا لمقبض الباب قائلا:"أرجو أن يكون كل شيء على مايرام..."

ومائن فتحه إذ يلتقي بمكان لم يشهد له مثيل ...جميل... هذه أولى الكلمات التي بادرت أذهان كل شخص منهم لكن من شدة جمال ذلك لم يكن للفظ كلمة جميل أي معنى بأن يجمع كل صفاته في الكلمة نفسها لأن المكان قد كان فوق مايتصوره أعين البشر من ألوان ... إنه يشبه تلك الروايات التي تروى لنا عن النعيم ...

أطلق تاكاشي رجله بأول خطوة خارج الغرفة وتبعه الأخرون وهم شاردين في تلك المناظر التي سحرت وأبهرت عيونهم ...

المنظر لايكاد يفارق الأعين ...التعقيم البصري وذلك الشعور الذي يتسلل إلى أنفسهم ليزرع لهم الراحة والطمأنينة المثلى ...

يمشي الجميع على هوادة منهم متمعنين في كل تلك الأنواع من الأزهار والأشجار والطيور والفراشات والحيوانات من شتاها غزلان وأرانب قرب النهر في ذلك السهل وكل شيء أخر ...

لكن تلك الراحة لم تستمر طويلا كما ظن الجميع أزهار النرجس البيضاء التي أمام شيسا إكتسحت حلة حمراء على غير عادتها ورائحتها هي الأخرى ليست كما كانت في سابق عهدها مما أدى إلى توترها من نشوب شيء ما في ظل المدة الطويلة التي غابت فيها عن هذا المكان ...

إقتربت شيسا من النرجس لتقطف إحداها وهي تتمعن بها جيدا بتركيز عالي ودقات قلب متتالية وفي نفس الوقت تنفس شديد ليطرح في رأسها فرضيات عديدة وليجعل توترها في أوج قمته فتقول لريو وهي ترتجف خوفا ومسقطة الوردة التي كانت بين يديها معلنة صحة حكمها:"...إن هذه دماء..."

دماء ... دماء إمتزجت مع أزهار النرجس معطية بريقا ليلكيا جميلا محمرا بلون جوهري على غير عادة أي شيء سابق... إنها جميلة لكن في نفس الوقت نشرت الرعب في قلب شيسا التي تحوم هنا وهناك ناظرة في كل الإتجاهات لعلها تجد جدها الذي رباها وحماها لطول فترة من حياتها ...

2024/10/23 · 11 مشاهدة · 2823 كلمة
TADAKUNI
نادي الروايات - 2025