جلس خالد ينتظر بعد أن أغلق مذكراته ووضعها في مكانها ، وراح يتأمل الشارع الفارغ في هذا الوقت المتأخر من الليل ، سكون لم يعهده من قبل ، سكون تخلل قلبه وعاد به إلى الوراء ، حيث الذكريات ، تذكر ذلك اليوم الذي هرب فيه من المنزل بعد مشكله أختلقها مع والده ، ظل ذلك اليوم يجلس على أحد الأرصفة البعيده عن أي نوع من أنواع الأمان ، حيث الونيس الوحيد هو السكون، والرفيق الوحيد هم كلاب الشوارع ، والفكره الحاضره هي الندم، جلس تلك الليله حتى غفى ولم يقدر أن يصارع النعاس أكثر ، غفى حتى هل عليه الصباح ، ثم مشى إلى المنزل مقررا الاعتذار لولده عما بدر منه ، لكنه تأخر ، تأخر كثيرا !
بمجرد إقترابه من المنزل لاحظ عربات الشرطه والأسعاف التي تملأ الشارع الضيق ، تسارعت دقات قلبه وزاد حجم خطواته ، ما إن رآه أحد الجيران حتى همس إلى الجميع فصمتوا جميعا واتجهت الأنظار إليه في حزن إمتزج بالشفقه، ووسط الصدمة التي كان يعيشها خالد ، تقدم ذلك الجار إليه بخطوات متردده حتى وصل إليه ، وضع يده على كتفه ، وشد بالأخرى على عضده، ثم حرك شفتاه قائلا : البقاء لله يا خالد ، وله ما أخذ وله ما أعطى ، بلع خالد ريقه وسط دموعه وصمت الجميع ثم قال : من ؟! قالها بصعوبة ولكن الرجل فهم ، أنزل رأسه الر الأرض بعد أن نظر إلى عينيه الدامعتين في صمت ، ثم قال : عندما وصلنا كانت أمك ما زالت على قيد الحياه ، لكن الإسعاف تأخر ، ولم نقدر على فعل شئ .
ما بالك يا بني ؟!
سمعها خالد بعد أن انتبه ان صوت نحيبه قد على ، ثم وجد ذلك العجوز صاحب الصوت الدافئ يجلس بجانبه متعجبا ومشففا على حاله ، نظر إليه خالد بعينين تملؤها الدموع .
- أخبرني ما الأمر ؟
- من انت ؟!
- لا يهم فقط اعتبرني شخصا أرسله الله لك ليهون عنك أمرك ، فقط أخبرني ما الأمر .
بدأ خالد بمسح دموعه بطريقه تدل على ارتياحه لذاك العجوز .
حكى له خالد القصه دون إضافه أي تفاصيل عن المكان والزمان ، كان يتحدث ، والعجوز منصت تماما ويبدو عليه الاهتمام ، وكلما بدأ بالبكاء حاول تهدئته، كان احن من قابله منذ فراقه لوالديه، شعر معه بإرتياح كبير ، أنهى خالد حديثه بعد وقفات بكائية تكررت ، نظر إليه العجوز بعد أن أنهى القصه بعينين واسعتين زال عنهما الشفقه ، فكانا أقرب إلى الفرح والصدمة في موقف لا يتحمل الابتسامه ، لكنه وسع ابتسامته وبدأ في الحديث : صدقني ، مهما فعلت لهم ذلك اليوم ، فأنا متأكد انك كنت آخر من نطقوا بإسمه قبل أن يذهبا وهذا بلا شك ، فالوالدين يا صغيري يفكران في أولادهم في كل لحظه وكل خطوه يخطونها، وكل قرار يتخذونه، لا أقول لك إلا تندم، بد أندم فالندم سيمنعك من الوقوع في الخطأ مره اخرى .
قاطعه خالد قائلا : أي مره اخرى ، لقد خسرتهم، لقد انتهى كل شئ .
- ربما ليس بعد ، من يعلم ماذا تخبئ لنا الحياه .
- ماذا قد تخبئ لنا هذه الحياه البائسه؟! لم أر منها إلى كل شر وحزن .
- من يدري .
نظر العجوز في وجه خالد نظره أخيره تملؤها السعاده والأمل ، أمل زائف لا يعلم كيف اصبح موجودا ، غادر الرجل وترك معه سرا جديدا من أسرار ذلك اليوم الذي لا يريد الانتهاء ، تتبعه خالد بنظره حتى اختفى في الظلام بعد أن ترك خالد في حاله من التعجب فوق ما كان عليه ، أخرج خالد مذكراته وقلمه ثم بدأ بالكتابه : لا أعلم ماذا يخبئ لي هذا اليوم أكثر ، فكلما ظننت انه سينتهي حدث أمر أغرب من سابقه ، جاء هذا الرجل ليأخذ مني كل الحزن الذي غمرني ليتركني في حاله من الرضى والحيره ، ولماذا كانت علامات الفرحهه تملأ وجهه ، هل يعرفني ؟! وهل يعقل أن يكون ما أفكر به ؟ إنه أمر ممكن ، ممكن جدا ، لقد مر الوقت سريعاً وها هي ذي أبواب المترو تفتح لتستقبل من ينتظرها ، أنه انا ، أظن أنني ساراك قريبا عزيزتي .
_________________________________
لا أعلم إن كانت الروايه تستحق وقتكم ؟! رأيكم يهمني للإستمرار