الفصل الثالث – وسم القدر
كانت كلمات لين فان الأخيرة تتردد في صدره كأصداء من معدن حاد، لا تهدأ ولا تضعف.
لكن فجأة… تسلل إلى روحه شعور غريب، برودة غاشمة، كأن جليدًا أزليًّا انسكب في أعماقه، يخترق كل خلية فيه.
أراد أن يقاوم، أن يصرخ، لكن هذه البرودة كانت ممزوجة بدفء خفي… دفء يشبه حضنًا قديمًا نسيه منذ آلاف السنين، دفء لم يؤذِه بل احتواه، ثم… سحب روحه بقوة لا تُقاوَم.
في لحظة، تجمد جسده في مكانه، وانطفأ كل صوت في العالم. حتى نبض قلبه… توقف.
اختفى الضوء، وغرق في فراغ حالك السواد.
كان الفراغ بسيطًا ومعقدًا في آن، صامتًا، بلا زمن ولا اتجاه.
سقط لين فان في ظلام بلا قرار…
لم يكن ظلامًا عاديًا، بل سوادًا مطلقًا، أعمق من ليل بلا نجوم، أوسع من أي أفق رآه في حياته.
لا صوت، لا رائحة، لا إحساس بالجسد… حتى فكرة الزمن نفسها ذابت، وكأن الأبدية قد التهمت كل لحظة.
في البداية، شعر بالتيه… ثم شيئًا فشيئًا بدأ يتذكر.
ذكرى بعد ذكرى….
شيئًا ما بدأ يعود.
ببطء… كأن الزمن يعيد نسج ماضيه خيطًا بعد خيط.
صرخات الحروب، لمعان السيوف، جثث الأعداء وهي تتساقط كالأمطار…
هتاف الجيوش وهو يقف بينهم، راياته ترفرف في السماء… والمجرات ترتجف عند ذكر اسمه: إمبراطور الفراغ العظيم.
وفي قلب هذا الظلام، لم يكن مجرد متذكر… كان هو.
الشعور بالقوة كان مختلفًا عن أي وقت مضى… قوة لا حدود لها، لا تحتاج ليد تمسك بسيف، ولا لقدم تخطو للأمام.
شعر أنه يستطيع بكلمة واحدة أن يمحو الحقول النجمية، وأن بإيماءة واحدة يخلقها من جديد.
وفي نفس الوقت، كان أضعف من نسمة ريح… عاجز عن الحركة، عاجز حتى عن فتح فمه ليصرخ.
كان شعورًا متناقضًا… مزيج من الخلود والفناء، من العظمة والعدم.
في داخله شعر بأنه كل شيء… ولا شيء. شعور متناقض وكأنه يملك قوة لتمزيق السماوات، وفي الوقت نفسه عاجز حتى عن رفع إصبعه.
ثم… وسط هذا السكون الأزلي، لمعت نقطة ضوء بعيدة.
كانت صغيرة… لكنها كانت كل ما وُجد
ومع كل نبضة ضوء، بدأ الفراغ يتبدد، وظهر أمامه مشهد يلتهم الأبصار ساحة معركة قارية، أرض لا نهاية لها، وجبابرة بحجم الأساطير يتقاتلون
قوى تمحو الجبال وتبخر البحار، وصرخات تهز الفضاء، وحركات تمزق الحقل النجمي كما لو كان ورقة رقيقة.
مقارنة بالأباطرة كانو مثل الدود الذي لا يستحق النظر
ثم، ومن بين العاصفة، ظهر كيان غامض
لم يكن معروفا حليف من كان و أي جانب معه
ملامحه كانت ضبابية، لكن وجوده كان واضحًا أكثر من أي شيء آخر. لم يرفع سلاحا لم يقل كلمة بل أنه لم يتحرك… كثيرا بضع خطوات ومع ذلك، ركع الجميع بغض النظر عن الحلفاء او الأعداء
الأسياد، الشياطين، الملوك، القديسون كلهم ركعو
حتى الزمن، بدا وكأنه انحنى أمامه
كان لين فان يعرف ان هذه ذكرى سبق و مضت مرتبطة باللؤلؤة و مدرك لذلك جيدا
لكن حدث شيئ غريب
التفتت عينا هذا الكيان أو ما بدا كعينيه نحو لين فان تجاوزت نظرته الزمن و كل شيئ ، انهار جسده الروحي
تلك النظرة… كانت كافية ليشعر بأن روحه تمزقت.
أنفاسه انقطعت، وكل خلية في جسده صارت تصرخ مطالبةً بالموت
لم يعد يعرف… هل هذا حلم؟ وهم؟ أم أن الحقيقة كانت دائمًا بهذا الرعب؟
وفي اللحظة التي ظن فيها أن كيانه سيُمحى، انطفأت المشاهد، واستيقظ فجأة، جسده مبلل بالعرق البارد.
اللؤلؤة… اختفت.
لكن… على قلبه، كانت هناك علامة غامضة، وسم أسود ساخن ينبض بهالة قديمة، كأنها تردد قسمًا مكتومًا منذ عصور
قبل أن يدرك معناها… اختفت العلامة، وتلاشى كل شيء كما لو لم يكن، تاركة وراءها شعورًا ثقيلًا في صدره
شعور بأن القدر قد وضعه على طريق لا عودة منه
لين فان ظل يتلمس جسده، محاولًا الشعور باللؤلؤة التي رآها قبل قليل… لكنها بدت وكأنها تبخرت
لم يكن هناك أي أثر لها، لا وميض، لا طاقة واضحة، ومع ذلك، كان متأكدًا أنها الآن جزء منه، مزروعة في أعماق روحه
لم يفهم تمامًا ما جرى، لكن إحساسًا غريبًا خيم على جسده… الجوع الذي كان ينهشه اختفى، والعطش الذي كان يحرق حلقه تبخر، وحتى ضعف جسده أصبح أخف قليلًا. كان الأمر وكأنه ربح عشر سنوات من عمره في لحظة
ابتسم ابتسامة صغيرة، ثم ضحك بصوت عالٍ، سعيدًا بالفوائد غير المتوقعة
لكنه ما لبث أن توقف فجأة، قبل أن تنفجر ضحكة أخرى من صدره… ضحكة تحمل مزيجًا من السخرية والمرارة.
"كم أنا أحمق… كنت أظن أنني في ذروة القوة ذات يوم… والآن بعد أن رأيت تلك الأرض الحربية… أدركت أنني لم أكن سوى حشرة صغيرة."
تابع السير في الغابة، متجهًا نحو مخرجها، لكن خطواته تباطأت عندما لاحظ شيئًا غريبًا…
رائحة الدم
توقف، عيناه الأرجوانيتان تلمعان بحدة. كان الدم حديثًا، لا يزال دافئًا في الهواء، يمتزج مع رائحة عفن الأوراق الميتة
اقترب ببطء، مراقبًا آثار أقدام ثقيلة وخدوشًا على الأشجار… بدا وكأن معركة وقعت هنا مؤخرًا
بينما كان يفكر في الأمر، اخترق صمت الغابة صوت هدير عميق، تلاه حركة سريعة بين الأشجار
ظهر أمامه وحش ضخم منخفض الرتبة—خنزير بري بحجم عربة، عيناه حمراوان يملؤهما الجنون. كانت هائجًا، ورغوة بيضاء تتساقط من فمه، يبحث بوضوح عن أي هدف ليفرغ غضبه فيه.
لكن لين فان لم يتحرك.
كانت نظراته هادئة، باردة، وكأنه أمام مشهد مألوف.
"مجرد حيوان…" تمتم، قبل أن ينحني قليلًا، يراقب تحركاته
انطلق الوحش نحوه بقوة، لكن لين فان لم يعتمد على القوة البدنية، بل على خبرته الهائلة.
تراجع نصف خطوة، مما جعل هجوم الوحش ينحرف، ثم دفع بحجر صغير أسفل قدمه ليتعثر
استغل اللحظة، قفز على جانب الوحش، وطعن بإحدى العصي الحادة التي التقطها في الطريق في نقطة رخوة قرب عنقه
صرخ الوحش، يهتز جسده بعنف، لكن لين فان كان قد تحرك بالفعل خلفه، موجهًا ضربة أخرى أنهت مقاومته
وبينما كان يلتقط أنفاسه، شعر فجأة بحرارة غريبة في يده اليمنى
نظر إليها… فإذا بها تحمل علامة وشم داكنة، غريبة المظهر، وكأنها منقوشة من الضوء والظل معًا
قبل أن يفهم ما هي، بدأت العلامة تمتص شيئًا من جثة الوحش… ليس دمًا، بل طاقة باهتة، دافئة، نقية على نحو غير مألوف
تدفقت الطاقة في جسده، تغسل داخله، تزيل منه شوائب تراكمت عبر السنين. شعر براحه عميقة، وكأن رئتيه أصبحتا أوسع، ودمه أكثر نقاءً
لم تكن قوة قتالية هائلة، لكنها كانت تغييرًا جوهريًا في الأساس الذي بُني عليه جسده.
جلس قليلًا بجانب الجثة، يراقب الوشم الذي بدأ يخبو حتى اختفى
أغلق عينيه، وشرد للحظة…
"إذا نحن لسنا منفصلين بعد .."
ثم وقف، نظر إلى أعماق الغابة بعينين ثابتتين، وكأنهما تنظران إلى ما وراء الجبال والبحار.
"هذه… هي البداية فقط."
واصل لين فان طريقه في الغابة هذه المرة أخفى هالته مستدرجا الوحوش كان بنوي الصيد
كانت أشعة الشمس تتسرب من بين أوراق الأشجار الكثيفة، تلطخ الأرض ببقع ذهبية، فيما كان صدى خطواته يمتزج بأصوات الطيور البعيدة
أول وحش اعترض طريقه كان ذئب الغابة الرمادي
عينيه اللامعتين تابعتا لين فان بحذر ، شعر بأنه هناك شيئ خاطئ إلا أنه بطبيعته الوحشية لم يبالي
و بدأ اللعاب يتساقط من فمه، لكنه لم يكن أكثر من همجي تحركه الغريزة
تراجع لين فان بخطوة، منح الذئب فرصة للانقضاض، وفي اللحظة التي قفز فيها، انحرف لين فان بخفة إلى جانب جذع شجرة، ثم وجه ضربة قوية بحجر ثقيل إلى مؤخرة رأسه.
سقط الذئب ميتًا، وتوهج الوشم الغامض على يده لثوانٍ، يمتص كل طاقة الجسد
هذه المرة لم يشعر بالقوة الجارفة كما في المرة الأولى… فقط دفء بسيط جرى في عروقه، وكأن شوائب جديدة قد أُزيحت من جسده.
ابتسم بخفة، مدركًا أن اللؤلؤة لم تكن كريمة كما بدا أول مرة.
بعد ساعات من السير، واجه ثعبان المستنقع الأخضر.
طوله يتجاوز المترين، جلده اللامع يقطر سمًّا، ولسانه يتراقص في الهواء
تراجع لين فان للخلف، يبحث بعينيه عن أية فرصة، قبل أن يلمح حجارة حادة على الضفة
التقط أحدها، وانتظر الثعبان حتى اقترب، ثم ألقاها بقوة نحو عينه
صرخة الثعبان الحادة كانت كافية لفتح الثغرة التي أرادها…
قفز إلى جانبه وطعنه بغصن خشبي حاد في عنقه.
ومرة أخرى، امتص الوشم الطاقة، تاركًا أثر دفء ضعيف في جسده، في حين كان معظمها يختفي في مكان ما… في جوف اللؤلؤة.
مرت الأيام على هذا النحو
ينام عند الغروب، ويستيقظ قبل الفجر، يقضي ساعة في التأمل حتى تشرق الشمس، ثم يبدأ صيد الوحوش منخفضة الرتبة
لحمها كان يمده بالقليل من الفائدة الجسدية، رغم أن الجوع لم يعد يطاله منذ ظهور اللؤلؤة
احتفظ بالجلود واللحوم الزائدة في حزمة بسيطة، واضعًا في ذهنه بيعها قريبًا
ومع كل يوم، كانت موهبته تتحسن قليلًا… لا تزال أقل من موهبة الشخص العادي، لكنها مقارنة بما كان عليه هذا الجسد قبل أسبوع، كانت فرقًا شاسعًا
في نهاية الأسبوع، قرر تنظيف نفسه من بقايا الشوائب العالقة به
وقف تحت شلال صغير في أعماق الغابة، تاركًا المياه الباردة تغسل جسده
شعره الأسود الطويل تخلله الماء، وعينيه الأرجوانيتين بدا بريقهما أكثر وضوحًا من أي وقت مضى
اختفت عظامه البارزة، لكنه ظل هزيل البنية، كما لو أن جسده ينتظر بداية التحول الحقيقي
ارتدى ثيابه الرثة، وحمل حزمته على كتفه، ثم بدأ السير نحو ما وراء الجبل
وبعد نصف يوم من المشي، انكشفت أمامه مدينة فخمة
بوابات حجرية شاهقة، جدران صلبة، ومحلات مصفوفة بشكل منظم
ضجيج السوق كان يملأ الأجواء، ورائحة الطعام تتسلل من الأزقة
اقترب من البوابة، مستعدًا لبيع صيده والبدء في خطوته التالية…
لكن ما لم يكن يعرفه، أن دخوله هذه المدينة سيعرضه لمشاكل لا حصر لها
---بات حجرية شاهقة، جدران صلبة، ومحلات مصفوفة بشكل منظم
ضجيج السوق كان يملأ الأجواء، ورائحة الطعام تتسلل من الأزقة
اقترب من البوابة، مستعدًا لبيع صيده والبدء في خطوته التالية…
لكن ما لم يكن يعرفه، أن دخوله هذه المدينة سيكون بداية لسلسلة متاعب لا تنتهي..
اتركو لنا تعليقاتكم و رأيكم ،و اقتراحكم للوصف هل اختصر او احاول نقل المشاعر لكم؟
كما أن بداية لين فان الفعلية ستكون في الفصول القادمة هذه الفصول لم تكن سوى محاولة مني لجعلي لكم تشعرون بمرارة الخيانة و رغبة البطل في الانتقام و مشاعره
و أيضا وسيم شكرا على تعليقك