الفصل السادس: لين فان
جلس لين فان في ركنٍ هادئ من الطابق الثالث لبرج التجارة، يتأمل قائمة الأعشاب مرة بعد أخرى
الأرقام بدت كوحوش مفترسة، كل فضية فيها كانت تنهش قلبه
"مئة وعشرون فضية فقط للنصف… وقرابة مئتين أخرى للباقي… هل عليّ العودة لصيد الوحوش؟"
زفر ببطء، أصابعه تنقر على الطاولة الخشبية. لم يكن المال في هذا العالم سوى سلاسل مقيدة لمن لا يملكه
وقبل أن يسترسل أكثر في التفكير، اخترق صراخ حاد أجواء القاعة
"أين الطبيب ليو بحق الجحيم؟! ألم يصل بعد؟!"
التفت الجميع. كان شاب في العشرينات من عمره، يرتدي ثوبًا مطرزًا بعناية، وعلى وجهه تعبير تعالٍ لا يفارقه.
بجانبه وقفت فتاة بملامح ناعمة، يغطي نصف وجهها حجاب رقيق، لكن عينيها الواسعتين كانتا كافيتين لجعل القاعة تضطرب
. شعرها الأسود الطويل انساب كالشلال، وجسدها الممشوق دلّ على نسب نبيل.
العامل اقترب بخضوع
"سيدي، الطبيب ليو في طريقه، لكنه تأخر قليلًا…"
ضرب الشاب الطاولة بقبضته
"تأخر؟! هل حياة والدها لعبة؟ والدها هو سيد هذا الفرع للنقابة التجارية، ورجال مدينتكم العجزة لم يجدوا له علاجًا حتى الآن! لو كان السيد ليو هنا لتم حل الأمر منذ أيام!"
خفض صوته قليلًا، ثم التفت للفتاة بابتسامة مصطنعة
"لا تقلقي، أنا هنا. سأفعل كل ما بوسعي من أجلك… يا آنسة."
ارتجفت الفتاة، عيناها الجميلتان امتلأتا بالقلق وهي تهمس
"أرجوك فقط أن ينقذ أحدهم والدي…"
تابع لين فان المشهد بصمت، عينيه كما لو كان يقرأ ما بين السطور. كلمات قليلة كافية ليعرف بعض الحقائق
سيد فرع النقابة التجارية في مدينة الرياح يحتضر مصاب بمرض استعصى على جميع الأطباء في المدينة
الفتاة تلك ابنته، ومن الواضح أن مكانتها عالية
أما ذلك الشاب…
"هكذا إذن… ليس مهتمًا بالمرض بقدر ما هو مهتم بالفتاة نفسها. العيون لا تكذب."
لين فان لم يبتسم، لكنه شعر باهتزاز داخلي. النقابة التجارية… مرض سيدها…
في داخله، تساءل
"هل يمكن أن يكون هذا… مفتاح المال الذي أبحث عنه؟"
كان يخطط للتدخل
اقترب لين فان بهدوء، ثم بصوت منخفض لكن حاد قال
"هل لي أن أسأل عن الأعراض… أيتها الآنسة؟"
استدار الشاب نحوه محتقن الوجه كما لو أنه لمح حشرة ، وصاح بازدراء
"من أنت لتتدخل هنا أيها الوغد؟ أتظن نفسك طبيبًا وأنت بهذا المظهر البائس؟"
لكن قبل أن يزداد صراخ الفتى، التفتت ليو يان إلى لين فان وعيناها تحملان بصيص أمل، أمل زائف لكنه أفضل من لا شيء. قالت
"أعراض والدي… يعاني من ضعف شديد في جسده، وصدره يضيق لدرجة أنه يكاد يختنق أحيانًا…"
ابتسم لين فان بهدوء، وقاطعها وهو يكمل بصوت حاسم
"ويستيقظ ليلاً غارقًا في العرق البارد، يعاني من صداع حاد خلف عينيه، ويشعر وكأن عظامه تحترق من الداخل. أليس كذلك؟"
اندهشت ليو يان، جحظت عيناها من الصدمة، فهي لم تذكر هذه التفاصيل لأحد. تمتمت بصوت منخفض
"كيف… كيف عرفت؟ لقد حدث هذا فعلاً… كل ليلة تقريبًا."
أما الشاب فاحمر وجهه من الغضب، لكنه تراجع خطوة وهو يضغط أسنانه بقوة، إذ لم يرد أن يظهر بمظهر الأحمق أمام ليو يان.
ترددت ليو يان للحظة، لكن لم تستطع منع الكلمات من الانفلات من شفتيها
"أيها السيد الشاب … هل يمكنك علاج والدي؟"
حينها صمت لين فان قليلاً، نظر إلى عينيها المليئتين بالأمل
و الذكريات تتدفق في رأسه لم يكن فقط إمبراطور الفراغ الذي أرعب الحقول النجمية… بل كان أيضًا كيميائيًا منقطع النظير
ذاكرته أخذته بعيدًا… إلى تلك الأيام التي كان فيها مكروهًا ومنبوذًا، حين أعلن إمبراطور السيف عداءه له
لم يجرؤ أحد على بيعه حبة واحدة، ولا حتى أعشابًا بسيطة
خوفًا من سيف ذلك الإمبراطور. عاش أيّامًا من الجحيم، كل باب أغلق في وجهه، وكل طبيب كيميائي تجاهله أو أدار ظهره.
حينها… لم يكن أمامه خيار سوى أن يمشي الطريق بنفسه
ليالٍ طويلة قضّاها أمام النيران، أعشاب تذبل في يديه، محاولات فاشلة لا تُحصى. لكن مع كل فشل تعلم سرًا جديدًا، ومع كل نكسة صنع خطوة أخرى للأمام… حتى غدا اسمه يومًا ما يزلزل العوالم
"إمبراطور الفراغ، وكيميائي السماء الأولى"
عاد إلى واقعه مع تنهيدة ثقيلة، نظر إلى ليو يان بابتسامة هادئة وقال بصوت لا يقبل الشك
"ليس فقط يمكنني تشخيص مرض والدك… بل يمكنني علاجه."
ارتجف قلب ليو يان من كلماته، أما الشاب فارتبك للحظة، قبل أن يحاول تغطية ارتجافه بضحكة ساخرة
"هاهاها! مجرد متسول يتكلم عن علاج سيد فرع النقابة؟ أي هراء هذا؟"
لكن ليو يان لم تنظر إليه، بل كانت عيناها مثبتتين على لين فان، كأنها وجدت الخيط الوحيد وسط ظلام يبتلعها.
سأل لين فان بهدوء
"أيتها الآنسة، هلّا ذكرتِ لي تفاصيل أخرى… متى بدأ مرض والدك، وماذا جُرّب لعلاجه؟"
لكن الشاب المتعجرف قاطعه فورًا بنبرة لاذعة
"كفى هراءً! إن كنت تجرؤ على الادعاء، فأثبت لنا مهارتك بدلًا من إضاعة الوقت بكلمات فارغة."
قبل أن يرد لين فان، فُتح الباب ودخل رجل في منتصف العمر، يرتدي رداءً أبيض مطرّزًا بخيوط خضراء، ملامحه مليئة بالثقة، وخطواته تعكس مكانته
ابتسم الشاب باحترام وقال
"أخيرًا! لقد جئت أيها الطبيب ليو!"
الطبيب ليو فنغ، أحد أشهر أطباء المقاطعة، تقدّم بخطوات ثابتة
" أيها السيد الشاب فانغ خذني للمريض "
كان ذلك الشاب يدعى فانغ تشي و كان تلميذ أحد شيوخ طائفة اللهب العميق الواقعة في المقاطعة
خرج هذا ال فانغ تشي في رحلة خارج الطائفة و صادف ليو يان في مدبنة الرياح اعجب بها سرا و سعى لجسدها لهذا استدعى الطبيب ليو أحد معارف سيده ليكسب إستحسانها و يجعلها ملكاً له
لكن قبل ذلك ذكر له ما حدث ...
ليسخر منه الطبيب ليو
"هذا؟ متشرد يريد أن يتدخل في أمور الطب والكيمياء؟… الطب خبرة تُصقل عبر عشرات السنين، والكيمياء مسارٌ لا يسلكه إلا أكثر العباقرة ندرة. أمثالك لا مكان لهم سوى خارج الأبواب."
طالب فانغ تشي بطرده
تجمد الهواء للحظة، لكن ليو يان لم تطرده. رفعت رأسها وقالت بصوت خافت
"مع ذلك… دعنا نجرب. إن كان لديه بصيص أمل، فلا مانع."
قادهم إلى غرفة والدها سيد فرع النقابة، حيث كان الشيخ مسجّى على الفراش
جسده يرتجف من البرودة، شفاهه مزرقة ووجهه شاحب كالثلج
ابتسم ليو فنغ بسخرية واثقة
"حالته بسيطة… إنّها برودة قاتلة في الجسد. سأعيد له توازن الين واليانغ ببعض أعشاب اليانغ النارية."
لكن قبل أن يشرع، دوّى صوت لين فان الهادئ
"إن فعلت ذلك… سيموت خلال ثلاثة أيام."
التفت الجميع نحوه، بينما ارتفع حاجب ليو فنغ ازدراءً
"هاهاها! ومن تكون لتُصحح كلامي؟! إن لم تفهم حتى أساسيات الطب، لا تنطق هراءً."
ابتسم لين فان ببرود، وكأن كلماته نصل يجرح كرامتهم
"البرودة التي تراها ليست سوى رد فعل جسده، على الحرارة في دمه ونخاعه. أنت ستشعل النار فوق الثلج… لكنه ثلج يغلي من الداخل. أتظن أنه سيذوب؟ لا… سينفجر."
ارتبكت ليو يان للحظة، لكن الشاب ضرب الطاولة غاضبًا
"أيها الغريب! ألا تفهم أنك مجرد مهرج؟ اخرُج فورًا من هنا!"
عبست ليو يان، ثم أغمضت عينيها بيأس
"يكفي… إن لم تستطع إثبات نفسك، فرجاءً غادر."
لم يملك لين فان سوى أن يبتسم بسخرية، وألقى كلمات باردة قبل أن يستدير
"أردتُ مساعدتكم… لكنكم فضلتم الغرور على النجاة."
بدأ بالنزول على الدرج، خطواته بطيئة لكن ثابتة
لكن حين وصل للمخرج فجأة، سُمعت خطوات راكضة خلفه… وصوت مبحوح باكٍ
"انتظر! أرجوك… ساعد والدي! لا يهم ما قالوا… أنا أتوسل إليك!"
كانت ليو يان، دموعها تتساقط على وجنتيها وهي تمسك بيده بشدة
لكن لين فان سحب يده ببرود
"حين أردت المساعدة… طردتموني. لماذا أعود الآن؟"
ارتجفت كلماتها، وصوتها امتزج بالبكاء
"سأفعل أي شيء… أي شيء! فقط لا تدعه يموت!"
صمت لين فان للحظة، ثم ارتسمت على وجهه ابتسامة غامضة
هذا بالضبط ما كان ينتظره.
استدار وعاد بخطوات ثابتة إلى الغرفة، والكل ينظر إليه بعيون متوترة.
الفتى الشاب صرخ بوجهه غاضبًا
"تجرؤ على العودة؟!"
لكن هذه المرة، انفجرت ليو يان بصرخة غاضبة لأول مرة
"اصمُت! إن لم يكن لديك ما ينقذ والدي… فلا تتكلم بعد الآن!"
سقطت هيبة الفتى أرضًا، بينما ارتسمت على شفتي لين فان ابتسامة باردة.
الآن… كان الدور له.
تقدّم الطبيب ليو نحو الفراش بخطوات مرتبكة، يحدّق في المريض بتعجب و كفر
"ماذا يحدث هنا؟ إن أضفت الماء إلى النار… ألن تُطفئها؟"
لكن لين فان لم يلتفت إليه حتى، بل مدّ يده بهدوء، ووضع كفه على صدر الشيخ العجوز
قهقه الطبيب بسخرية، صوته مليء بالاحتقار
"هاها! أنا الذي قضيت عمري أدرس الطب عاجز أمام هذا المرض، فهل تتوهم أنك ستعالجه بلمسة يدك؟ لا بل ستقتله بأسرع مما ظننت!"
ابتسم لين فان بهدوء، ابتسامة شخص عرف الرد قبل أن يُقال، وكأن كلمات ليو كانت مجرد صدى لتوقعاته.
ردّ بصوت ساخر
"سأريك أن الفرق بيننا كالفرق بين طفل يلعب بالنار… ورجل يصهر الحديد في أفران الجحيم."
ثم أغمض عينيه، وأدار فن الجوهر الإلهي داخله.
خيط من الطاقة انساب من كفه وتغلغل في جسد الشيخ. أحسّ بكل ذرة من طاقته، بكل شريان ونقطة دم، حتى وصل إلى جوهر العلّة.
فتح عينيه ببطء وقال
"هذا ليس مرضًا بسيطًا، بل ما يُعرف في العصور القديمة بـ لعنة الين الكاذب."
ارتجف الطبيب ليو، بينما تابع لين فان شرحه بنبرة مليئة بالثقة
"البرودة التي ترونها ليست سوى وهم… خلقها الجسد ليتحكم في هيجان يانغ متوحش يختبئ في أعماق نخاعه. ما تفعلونه بدفع أعشاب اليانغ أشبه بمن يصب الزيت على نارٍ تحت الرماد. لوهلة… تعتقد أنك تضيف الماء على النار لكن في الحقيقة أنت فقط تضيف نار على النار .... بعد إعطاء دواء يانغ للمريض ينهض بعد ساعات من غيبوبته ليغلي جسده بحرارة جحيمية لا تُطاق، ثم يموت في عذاب لا يُحتمل خلال يومين أو ثلاثة."
ساد الصمت في الغرفة. كلمات لين فان سقطت كالمطارق على القلوب
رفع كفه عن صدر الشيخ، وأكمل بنفس الهدوء
"الحل ليس إضافة المزيد من اليانغ، بل العكس تمامًا… يجب تحفيز طاقة الين الضعيفة داخله، تقويتها، وموازنتها مع هذا اليانغ المتوحش. ثم إزالة ما تراكم من اليانغ السام تدريجيًا. ومع بضع حبوب مصنوعة يدويًا… سيعود جسده إلى حالته الطبيعية."
ثم نظر في عيني ليو يان مباشرة
"إن اتبعتِ طريقتي، سيعود والدك إلى الحياة. وإن اتبعتِ هراء هؤلاء… ستكتبين موته بيدك."
تنهد لين فان وقال بنبرة واثقة
"أحتاج فقط إلى حبتين بسيطتين من الدرجة الأولى:
الأولى تُعرف بـ حبة لهب الشمس، وهي مختصة بطاقة اليانغ والثانية تُسمى حبة ندى القمر، وتختص بطاقة الين."
ارتبكت ليو يان للحظة ثم أسرعت كنسيمٍ قلق لتجلب له الحبوب. لم يمضِ وقت طويل حتى عادت وقدمتها بكل احترام
جلس لين فان بجانب فراش المريض، وبدأ أولى خطوات العلاج. وضع كفه على صدر الشيخ وتحكم بالطاقة داخل جسده بدقة
جسد الرجل العجوز بدأ يهتز، وعرق بارد تصبب من جبينه بينما سوائل كريهة اللون اندفعت من مسامه وفمه… بعضها أسود قاتم كالزيت المحروق
"هذا هو سم اليانغ،" تمتم لين فان ببرود، "كل ما فعلوه طوال هذه المدة هو تغذيته وزيادة طغيانه."
بعدها ناول المريض حبة ندى القمر. ومع تحريك طاقته حفّز جسده على امتصاص جوهر الحبة وتحويله إلى طاقة ين نقية
شيئًا فشيئًا، بدأت البرودة الطبيعية بالعودة إلى جسد الشيخ، لتثبت توازنه الداخلي
ثم جاء الدور على حبة لهب الشمس. أطعمها له تاليًا، وأطلق سيلًا جديدًا من طاقته ليتحكم بتدفق اليانغ داخل الجسد
مطهرًا ما تبقى من آثار الطاقة المسمومة. ومع كل نفسٍ يخرجه المريض، تتصاعد غمامات رقيقة من بخار رمادي، وكأن جسده يطرد كل ما تراكم من سموم
أخيرًا، تنهد لين فان وهو يسحب يده
"انتهى دوري هنا… الباقي عليه هو. سيكمل جسده العمل تدريجيًا."
فتح لين فان عينيه تدريجيا فقد كان في حالة تركيز شديدة
كان التعب بادٍ عليه التفت لين فان فرأى أن الشاب المتعجرف والطبيب ليو قد غادرا منذ مدة، ولم يبقَ سوى ليو يان، واقفة، عيناها تلمعان بالأمل وهي تتابع كل حركة
ألقى نظرة عبر النافذة، ليكتشف أن الليل قد حل. كان جسده متصببًا عرقًا، أنفاسه ثقيلة، ولم يُدرك حتى تلك اللحظة مدى استنزاف العملية لقوته.
فجأة، ترنح وسقط على الأرض. هرعت ليو يان نحوه بفزع
"سيدي! هل أنت بخير؟ ماذا عن والدي؟!"
رفع رأسه بصعوبة، صوته مبحوح لكنه هادئ
"والدك بخير… يحتاج فقط إلى الراحة… سيستيقظ حين يهدأ جسده. أما أنا…"
ابتسم بسخرية مريرة، "تبا… هذا الجسد أضعف مما تصورت."
لم يكمل كلماته حتى غلبه الإرهاق وسقط في سبات عميق.
حين استيقظ في اليوم التالي، فوجئ بأنه ليس في القاعة بعد الآن…
بل على سرير نظيف في غرفة مجهولة، والستائر مسدلة، والهدوء يخيّم على المكان.
حين فتح لين فان عينيه، شعر بخطوات متسارعة وصوت خادمة تنادي بخوف
"سيدي! لقد استيقظ! السيد استيقظ!"
لم تمضِ لحظات حتى اندفع باب الغرفة بقوة، ودخل ليو هان سيد القاعة التجارية بنفسه، يتبعه ابنته ليو يان.
بدا العجوز مختلفًا تمامًا عما كان عليه قبل أيام…
وجهه منتعش ، عيناه متألقتان، وخطواته ثابتة. كان الفرق شاسعًا لدرجة أن أي شخص رآه مريضًا قبلها ما كان ليصدق أنه الرجل نفسه.
اقترب ليو هان بسرعة، وانحنى قليلًا أمام سرير لين فان، وقال بصوت عميق مفعم بالامتنان
"أيها السيد الشاب… لا أجد كلمات تكفي لشكر فضلك. حياتي التي حسبتها ضاعت قد أُعيدت إلي، وهذا الدين سأحمله ما حييت. منذ يومين وأنا أفكر… لو لم تكن هنا، لكانت هذه القاعة اليوم قد فقدت قائدها، وابنتي قد فقدت أباها."
رفع لين فان يده بهدوء، قاطعًا سيل العاطفة بابتسامة ضعيفة
"سيد ليو، لا داعي لكل هذا. لم أفعل سوى ما كان علي فعله. في الواقع، لدي صفقة سابقة مع الآنسة الشابة أعالجك… وأحصل على أجري. هكذا نحن متعادلان."
أخفض ليو هان رأسه لحظة ثم ضحك ضحكة خفيفة مليئة بالامتنان
"حتى لو كانت صفقة، فأنت من أوفى بها، بينما غيرك من كبار الأطباء في مدينتي لم يفعل سوى تعميق جراحي. الصفقة شيء… وفضلك عليّ شيء آخر."
سأل لين فان وهو ينهض ببطء من السرير، يتفقد حاله
"بالمناسبة، كم مر من الوقت؟"
أجاب ليو هان
"يومان كاملان منذ أغمي عليك. استيقظت البارحة لبرهة قصيرة ثم غرقت في سبات آخر. أحضرت أفضل أطباء المدينة ليفحصوك، لكنهم جميعًا قالوا إن ما أصابك مجرد إرهاق مفرط، وأنك ستتعافى بالراحة."
ابتسم لين فان بضعف، كأنه سمع شيئًا متوقعًا
"إرهاق، ها… يبدو أن هذا الجسد أوهن بكثير مما اعتقدت."
ثم نظر نحو سيد القاعة وقال
"على أي حال، سيد ليو، أردت سؤالك عن الأعشاب التي طلبتها—"
لم يدعه يكمل، بل لوّح ليو هان بيده، فأخرج خاتمًا صغيرًا فضي اللون، ونقش قديم يلمع عليه. وضعه بوقار على الطاولة أمام لين فان
"لا حاجة لطلبك. لقد سألت عنك العامل، وعلمت بما كنت تبحث عنه. أرسلت فورًا إلى المقر الرئيسي، ووصلت الأعشاب هذا الصباح. كلها هنا."
ارتفعت حاجبا لين فان قليلًا حين رأى الخاتم، ثم مد يده وأمسكه.
عرف على الفور ما هو: خاتم تخزين.
خواتم التخزين لم تكن شيئًا يراه أي شخص يوميًا؛ هي كنوز نادرة، تُحفر عليها مصفوفات قديمة مرتبطة بالفراغ، تسمح لصاحبها بخزن أشياء داخل فضاء صغير مستقل.
مساحة كل خاتم تختلف حسب جودته، وبعضها لا يتسع سوى لقِدر صغير، بينما غيرها قد يحمل جبالًا كاملة.
بهدوء، أرسل لين فان خيطًا من وعيه داخل الخاتم، ليفاجأ بامتلائه بحزم من الأعشاب المتنوعة التي قام بطلبها ، كانت بالضبط ما يبحث عنه.
ابتسم لين فان لأول مرة منذ بدأ الحديث، وقال وهو يعيد نظره لسيد القاعة
"حسنًا… سيد ليو، سأعتبر هذا المقابل أكثر من كافٍ. أشكرك."
انحنى ليو هان مجددًا باحترام، وقال
"بل أنا من يجب أن يشكرك… أيها السيد الشاب المحترم منذ اليوم، فرع عائلة ليو لمدينة الرياح يدين لك بحياته . وكل ما تحتاجه في المدينة ، اعتبره مُنجزًا قبل أن تطلبه."
نهض لين فان من السرير بخطوات ثابتة، وجهه هادئ لكن عينيه تلمعان ببرود
لم يبالِ بكلمات الامتنان ولا بنظرات الفتاة المليئة بالرجاء.
بالنسبة له، كل ما كان يدور في ذهنه شيء واحد فقط الصقل. لقد ضيّع وقتًا ثمينًا، ولم يكن يحتمل المزيد من التأخير.
وقفت ليو يان تراقبه بصمت، وكأنها تتمنى منه كلمة، أو حتى نظرة عابرة… لكنه لم يكلف نفسه عناء الالتفات إليها منذ البداية
حين وصل إلى باب الغرفة وهمّ بالخروج، دوّى صوت هادئ لكن عميق خلفه
"منقذي..… قبل أن ترحل، هل لي أن أعرف اسمك؟"
توقف لين فان في مكانه، جمدت قدماه للحظة.
اسمه… في حياته السابقة، كان يُعرف بـ لين فان، إمبراطور الفراغ الذي أرهب العوالم.
أما في هذا الجسد، فلم يكن له اسم. سوى تلك السيدة العجوز التي تبنته و ربّته، كانت تناديه ببساطة_ لين_
لكن بعد موتها، مات الاسم معها، وترك فراغًا مريرًا في صدره.
امتلأت عيناه بالحزن والحسرة وهو يسترجع ملامحها المتجعدة، صوتها الدافئ، وحنانها الوحيد الذي عرفه
ضغط على قبضته بصمت، ثم رفع رأسه، وعيناه تحملان قرارًا جديدًا.
بصوت هادئ، قال
"لين فان… اسمي لين فان."
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه وهو يكرر في داخله من اليوم… سأعيش بهذا الاسم، في هذا الجسد، وفي هذا العالم.
ترك خلفه السيد ليو و إبنته بينما خطا خارج النزل بخطوات ثقيلة، لكن قلبه كان قد امتلأ بالعزم.
هذه الذكرى البسيطة أيقظت في داخله الحقيقة… ما يحتاجه الآن ليس سوى القوة
خرج من النزل، وعيونه تلمع ببرود حاد، كأنه يعلن بداية فصل جديد.
رأيكم في التعليقات ( و هل هناك أي أخطاء إملائية؟)