الفصل : ما في الطبع لا يتبدل

اقترب لين فان من الفتاة بخطوات بطيئة، عيناه تتنقلان بين عينيها الباكيتين ووجوه قطاع الطرق التي تفيض بالثقة

. بدا كالأبله في ابتسامته وحركاته، بينما الفتاة تمثّل بمهارة دور الضحية، تتوسل إليه بصوت ناعم وهي ترفع ذراعيها وكأنها تلتمس حمايته

"أيها الأخ الصغير، أنقذني… سأكون ممتنة لك للأبد."

تقدّم منها أكثر، مظهره وكأنه سيدافع عنها بروحه. قطاع الطرق تبادلوا النظرات وضحكوا، مؤمنين أن الفخ قد انطلى عليه.

لكن فجأة، تغير المشهد تمامًا.

قبضته اخترقت الهواء لتسحق بطنها، صرخة مكتومة خرجت من حلقها، وجسدها طار كدمية بلا وزن ليرتطم بالأرض

. الخنجر المسموم انزلق من يدها ليسقط بجانبها، كاشفًا الخيانة التي كانت تخفيها.

ابتسم لين فان بسخرية وهو يرمقهم

"هذا كل ما لديكم؟ تمثيلية رخيصة وخنجر صدئ؟"

ارتجفت الفتاة على الأرض، بينما عقلها يصرخ "كيف؟ ألم يفتن بي ؟ ألم أكن جميلة بما يكفي؟ ما الخطأ الذي ارتكبته؟"

أما قطاع الطرق فقد انفجروا بالضحك حين أدركوا مستوى تدريبه

" هاهاها قلقت لوهلة بسب إنكشافنا إعتقدت أنها النهاية و بدأت في التفكير في كلمات التوسل لكنك مجرد حشرة في عالم التأسيس"

"هاهاها! كنا نظن أنك سيد من عالم التحول الجسدي. لكنك مجرد متدرب من عالم التأسيس؟! إذن انتهى أمرك، سلّم جثث الوحوش وسنمنحك موتًا بلا ألم."

لكن صرخة الفتاة قطعت ضحكاتهم

"حمقى! لا تستخفو به إنه ليس شخصا عادي!"

لم يمهلهم لين فان فرصة للرد. في لحظة، جسده انقض عليهم كالعاصفة.

أولهم لم يرَ سوى ظل قبضته قبل أن تتحطم عظام صدره ويُقذف بعيدًا.

الثاني حاول رفع سيفه، لكن ضربة ركبة اخترقت بطنه وألقت به أرضًا يتقيأ دمًا.

الثالث والرابع تقدما معًا، سيوفهما تلمع، لكن لين فان دار حولهما كالشبح، قبضته تخترق عنق أحدهما، بينما الآخر هوى بسيفه على الفراغ قبل أن تُكسر رقبته بضربة كف خاطفة.

الدماء غطت الأرض، والصرخات تلاشت سريعًا. كان يتحرك بسرعة ودقة، وكأن كل ضربة محسوبة منذ البداية.

كل ضربة كانت بنية قتلهم لا هزيمتهم إستهدف مناطقهم الحيوية بدقة

في غضون لحظات، صارت جثث قطاع الطرق ملقاة حوله كأكوام قش محطمة.

تنفّس ببطء وهو يلتفت نحو الفتاة الوحيدة الباقية، وجهه بارد كالجليد

"لو أنك تركتني وشأني يوم تجسستِ علي، لربما عشتِ يومًا آخر. لكنك اخترتِ الطريق الخطأ، وهذه نتيجته."

انهارت الفتاة على ركبتيها، دموعها تختلط بالتراب جسدها يرتعش وهي تكشف عن جسدها المغري محاولة أخيرة للبقاء

"انتظر! أرجوك… سأكون خادمتك، سأقدّم لك كل ما لدي، خذ جسدي… خذ حياتي…"

عيناه بقيتا فارغتين من أي تعاطف أو شهوة رفع قدمه وسحق وجهها بالأرض

صوت العظام المتكسرة امتزج مع ارتجاج الأرض تحتها.

بينما صرخت باهتزاز

"أنا حبيبة السيد الشاب لمنظمة الصقر الأسود……إن مت سيطاردونك و يقتلونك…"

ضحك لين فان ببرود، ضغط أكثر حتى انحنت الأرض تحتها، ثم قال

"فليجربوا إذن… وسأرسلهم للحاق بك و سيصبح إسم منظمتهم الغراب الميت "

بضربة أخيرة، صمت كل شيء.

جمع الغنائم بهدوء، أصابعه تمرّ على الخواتم وكأنها تعزف على أوتار الماضي

. حين امتلأت حقيبته، وقف صامتًا، نظر إلى الدماء التي لطخت قدميه، ثم ابتسم ابتسامة مُرة بسخرية

"كنتُ يومًا إمبراطورًا تُقدَّم له الكنوز، والآن… عدت لتفتيش جثث الحثالة ... صدق من قال أن ما في الطبع لا يتغير ، و ما خلق في الدم لا يمحى مهما تغيّرت المراتب."

في أعماقه شعر أن القدر يعيد عجلة حياته إلى نقطة البداية، كأنه يسخر منه. ومع ذلك، لم يكن في قلبه ندم…

فقط برودة رجلٍ اعتاد أن يخطو فوق الدماء.

كان لين فان يسير بخطى هادئة، عائداً نحو المدينة، متلهفاً لأيام صقلٍ هادئة بعد أن حقق ما جاء لأجله.

لكن فجأة… ارتجف قلبه ابتسامةً لا إرادية علت شفتيه، إذ أحسّ بشيء مألوف يهمس بداخله. كانت اللؤلؤة…

تعود للنبض من جديد، كأنها تناديه نحو اتجاه معين.

لم يتردد. تبع النبض، كل خطوة تُعمّق اتصاله بها، حتى قادته إلى أعماق الغابة حيث ارتسم أمامه مشهد مثير…

على الأرض، وسط هالة طبيعية كثيفة، نمت عشبة خضراء مهيبة، متلألئة بوميض هادئ كأنها قُطفت من ضوء القمر.

كانت تدعى عشبة الروح الصاعدة.

خصائصها لم تكن عادية؛ إذ مع مزجها ببعض الأعشاب الأخرى يمكن صقلها في حبة، قادرة على دفع ممارس يقف عند قمة عالم التأسيس لاختراق حدود جسده بسهولة، والولوج إلى عالم التحوّل الجسدي.

لكن لين فان لم يكن وحده من لمحها…

عند حافة البقعة، وقف فرع من عائلة باي، يتقدّمهم السيد الشاب "باي يان" محاطاً بعدة أسياد، يقودهم شيخ عجوز ذو لحية بيضاء، هالته تدل على أنه بلغ عالم التحوّل الجسدي.

وفي الجهة المقابلة، مجموعة بملابس موحّدة، يكسوها شعار يشبه النسر الممدود. كانوا تلاميذ طائفة الريشة الحديدية، وهي طائفة من الدرجة الثالثة، يقودهم بدورهم شيخ من عالم التحوّل الجسدي.

تبادل الطرفان الكلمات، لكن الحديث لم يجلب سوى مزيد من العداء. عائلة باي ادّعت أن هذه منطقتها، فيما أصرت الطائفة أنها وجدت العشبة أولاً. وكما هو معروف في مسار فنون القتال… "ما لا يمكن اقتسامه، يُحل بالقوة"

انفجر القتال بين التلاميذ أولاً. صرخات، اصطدام سيوف، أجساد تتساقط، ودماء لوّنت العشب الأخضر. كان صراعاً شرساً لكنه ضئيل أمام ما دار بين الشيخين.

الشيخان، كلاهما في عالم التحوّل الجسدي، أطلقا قواهما، فاهتزّت الغابة.

من جسديهما تدفّق التشي كسيل لا ينضب. لم يكن مقصوراً داخل الجسد كما عند متدرّبي عالم التأسيس، بل انبثق للخارج، متشكّلاً في تقنيات قتالية، اندفعت كأعاصير ورماح طاقية.

قفز الشيخ العجوز من الطائفة بخفة كأن الريح تحمله، بينما رد شيخ عائلة باي – الذي يُدعى باي تشن – بقبضة مشعّة اخترقت جذع شجرة فأسقطتها كعود يابس.

كانت ضرباتهم تتجاوز حدود السرعة التي تدركها العين، والأرض نفسها تصدّعت تحت وطأة هجماتهم.

لين فان وقف بعيداً، يراقب بصمت. عيناه تلمعان ببرود، يوازن بين الفرق الشاسع: عالم التأسيس يمد المتدرب بالطاقة الداخلية التي تقوي عضلاته لحظيا من اجل تنفيد هجمات و حركات…

أما عالم التحوّل، فهو يطور القوة الداخلية الى تشي الذي يمكنه مغادرة الجسد لتشكيل هجمات

بعد جولة دامية، أُنهك شيخ باي، فيما تراجع شيخ الطائفة وهو يتقيأ دماً

نصف التلاميذ من الجانبين لقوا حتفهم، والبقية يترنّحون كالظلال.

رفع باي تشن يده مهدداً

"العشبة لنا… ومن يتجرأ على لمسها، سيجد نهايته هنا!"

لكن قبل أن يُكمل كلماته… ومضة سريعة خاطفت، كبرقٍ مزّق المشهد. اختفت العشبة من مكانها!

ارتسم الصمت

ثم ارتفع صراخ باي يان وهو يشير بذهول

"إنه… إنه ذاك المتسكع! لين فان!!"

كان قد أخبر شيوخ عائلته بالفعل عن الإهانة التي تلقاها و طلب منهم الإنتقام لكنهم لم يهتمو له

بالفعل، على بعد خطوات، كان لين فان قد ظهر وفي يده عشبة الروح الصاعدة، يلوّح بها بخفة كأنها غنيمة لا تقدّر بثمن.

في تلك اللحظة

صرخ باي تشن غاضباً

"أيها الصغير الأحمق! سلّم العشبة، وإلا دفنتك هنا!"

لكن لين فان اكتفى بابتسامة باردة

"حمقى… تتقاتلون حتى الموت، ثم تتركون الغنيمة أمام أعين الغرباء. أنتم لا تستحقونها."

بلمح البصر انطلق هارباً، والجميع وراءه كالأفعى التي قطّع رأسها.

كل من اقترب منه، سقط مصابا يصرخ من الألم غير مقتول

لم يكن لين فان سفّاحاً يجزّ الرقاب لمجرد الرغبة

. كان يؤمن أن القتل له أسبابه… أما هنا، فقد كان هو السارق، ومن حق الآخرين مطاردته.

لكن ابتسامته الباردة لم تفارقه، وهو يهمس في نفسه

"هكذا هو مسار فنون القتال… القوي يأكل الضعيف. واليوم… كنت أنا الذئب بينهم."

..........

الشمس كانت تغرب خلف قمم الجبال، تلقي بخيوطها الأخيرة بلون برتقالي يذيب الأفق، بينما كان لين فان يسرع الخطى بين أشجار الغابة الكثيفة

. كلما ابتعد، كان صدى أصوات المطاردة يخفت، حتى ابتلعته ظلال المساء ولم يعد يطارده شيء سوى صمت الغابة.

توقّف ليلتقط أنفاسه، ابتسامة باهتة ارتسمت على شفتيه، لكن عينيه كانتا تحملان ذلك الوميض المألوف الرغبة في القوة. همس لنفسه

"ما زلت ضعيفاً… و هذا العالم لا يرحم سوى الأقوياء."

عاد أدراجه نحو المدينة الصغيرة، وحين اخترق بوابتها مع حلول الليل، كان كل شيء ساكناً إلا أضواء الفوانيس.

اتجه مباشرة إلى النزل، ومد آخر قطعة فضية يملكها مقابل غرفة وعشاء.

لم يكن يملك خياراً آخر، فقد فشل في بيع جثث الوحوش اليوم، وأجّل ذلك للغد.

بعد عشاء متواضع وحمام ساخن، جلس لين فان في منتصف الغرفة، العشبة الثمينة بين يديه.

كانت أشبه بجوهرة الحياة وهي تشع بضوء أخضر باهت. رفعها بتأمل عميق، غير أن مفاجأة صاعقة حدثت

اللؤلؤة في يده بدأت تخفق ، وكأنها كائن يبتلع الحياة نفسها.

في لحظة، امتصت العشبة حتى صارت مجرد هيكل ذابل جافّ، بلا قيمة.

عيناه اتسعتا بدهشة، لكن سرعان ما اندفع تيار هائل من الطاقة النقية داخل جسده. كان إحساساً منعشاً، صافياً كجدول ماء في جبل مقدّس

. مع ذلك، شعر بنصف تلك الطاقة يختفي، وكأن اللؤلؤة التهمته بدلاً عنه.

ومع أن الخسارة كانت واضحة، إلا أن ما تبقى له كان مختلفاً، طاقة نقية خالية من الشوائب، أنقى من أي حبة دوائية يمكن أن يتناولها.

حتى لين فان لم يرى هذا النوع من الطاقة في حياته السابقة

جلس متربعاً، موجهاً أنفاسه، تاركاً تلك الطاقة تتدفق داخل قنواته. رويداً رويداً، تحطمت قيود مرحلته السابقة، فاندفع جسده إلى الأمام، واخترق بقوة المرحلة السادسة من عالم التأسيس حتى بلغ ذروتها.

لم تكن مجرد خطوة متسرعة ، بل قفزة نقية لا تحمل آثاراً سلبية ولا عوائق مستقبلية.

حين فتح عينيه أخيراً، كان الليل قد انتصف. مسح العرق عن جبينه وابتسم بارتياح

وبينما كان يغ

مض عينيه ليستريح ومن دون أن يدرك، كان هناك شيئ ما يتغير في أعماقه

كانت تركيبة جسده تتبدل ببطء شديد، وسلالته تنقّى تدريجيًا. تغييرات خفية لن يعيها الآن، لكنها ستصنع منه شيئًا مختلفًا عمّا كان عليه سابقًا

مع أول خيوط الصباح، استيقظ، شدّ ثوبه البسيط وغادر نحو قاعة تجارة الوحوش. وما إن دخل حتى اصطدمت عيناه بوجه مألوف من المبنى التجاري…

الإنقطاع السابق كان بسبب مرض و الآن أنا متحمس لإكمال الرواية أكرمونا بتعليقاتكم و أعطونا تقيماتكم و أشيرو لأخطائي لأصححها

شكرا على وقتكم3>

2025/08/29 · 6 مشاهدة · 1506 كلمة
Rudy
نادي الروايات - 2025