من الآن فصاعدا سيكون هناك فصل كل يوم... قراءة ممتعة و لا تنسو أن تتركو لنا تقييمك و توجيهاتكم في العليقات تحفيزا لنا على الاستمرار
الفصل 9 : قطرة النسب الخالد
حينما دخل لين فان قاعة الوحوش، توقفت عيناه عند وجه مألوف. كان ذلك العامل الشاب الذي استقبله في المبنى التجاري من قبل.
ما إن رآه حتى أشرق وجهه فرحاً وهرع نحوه قائلاً
"السيد الشاب لين! كنت أعلم أنك ستعود!"
ارتسمت على ملامح لين فان دهشة ممزوجة بالتحفظ. رفع حاجبه وسأله
"تعلم أني سأعود؟ من الذي كنت تقصده؟ وما غرضك مني؟"
أجاب العامل بسرعة، نبرة صوته تحمل خليطاً من الاحترام والتلهف
"لقد سألت عنك حراس المدينة… بمظهرك الفريد تعرفوا عليك بسهولة. شاب ذو شعر أسود براق، عينين أرجوانيتين، وملابس زرقاء أنيقة. قالوا إنك غادرت قبل أيام متجهاً نحو الغابة، لذلك كنت واثقاً أنك ستظهر هنا مجدداً، في أشهر قاعة لبيع الغنائم بالمدينة. أما عن السبب… فقد أرسلني سيد الفرع نفسه للبحث عنك، إنه يحتاج إليك."
انعقدت ملامح لين فان في عبوس خفيف.
لم يكن بينه وبين المبنى التجاري علاقة عميقة، ولا مصالح طويلة الأمد. في هذه المرحلة، كان سعيه منصباً على القوة وحدها، لا على تضييع وقته في أمور جانبية.
مع ذلك، لم يجد سبباً حقيقياً لرفض طلبهم؛ وإن كانت لهم حاجة، فستكون هذه المرة الأخيرة.
سرعان ما باع غنائمه، عدا جسد الوحش من المرتبة الثانية المتقدمة الذي احتفظ به لغاية في نفسه.
بعدها تبع العامل إلى المبنى التجاري، الذي كان يعلو وسط المدينة كصرح شامخ متعدد الطوابق.
عبروا ممرات مزخرفة وسلالم عريضة، حتى بلغوا غرفة فخمة تنبعث منها رائحة البخور. في داخلها جلس رجل في منتصف العمر على مقعد أمامه طاولة، وجهه كان شاحباً قبل أيام، على شفا الموت، أما الآن فقد استعاد بعض ألوانه.
بجانبه وقفت ابنته، عيناها تلمعان بقلق وامتنان.
ما إن رأى الرجل لين فان، حتى ارتسمت على ملامحه ابتسامة صادقة، ورفع جسده بتكلف ليستقبله قائلاً
"السيد الشاب لين… شكراً على قدومك."
ثم أشار له بيده ليتفضل بالجلوس أمامه، كدليل احترام لم يكن يتهاون فيه؛ فقد كان هذا الشاب هو منقذ حياته، والرجل لم يكن ناكراً للجميل.
تقدمت الفتاة خطوتين وسألت بابتسامة
"كيف كانت أحوالك في الأيام الماضية؟"
أجاب لين فان بهدوء،
"بخير."
جلس لين فان بهدوء على المقعد الوثير، عيناه تتفحصان الغرفة الفخمة دون أن يظهر على ملامحه أي انبهار. كان الذي نجا بفضله منذ أيام قليلة، يجلس مقابله مبتسمًا بامتنان.
قال ليو هان بصوت مفعم بالاحترام
"السيد الشاب لين، دعوتك اليوم ليس من أجل طلب آخر، بل لأقدّم لك شيئًا أراه مناسبًا لمقامك."
رفع لين فان حاجبًا بخفة ثم سأل
"وما هو هذا الشيء؟"
ابتسم الرجل، ثم مال قليلًا للأمام قائلاً
"أردت أن أمنحك تذكرة المشاركة في تصفيات بطولة تنين اللهب السماوي ، التي ستقام بعد عامين."
لمعت عينا لين فان للحظة ثم خبتا سريعًا، قبل أن ينهض كأنه ينوي المغادرة
"بطولة؟ لست مهتمًا بمثل هذه التسلية. على كل حال، أشكرك على نيتك الطيبة."
اتسعت عينا ليو هان دهشةً، قبل أن يسارع قائلاً
"انتظر يا سيد لين، هذه التذكرة لم تكن شيئًا عاديًا… فرعنا حصل على تذكرتين فقط؛ واحدة خصصتها لابنتي، أما الأخرى فكانت لابن أحد شيوخنا. لكن…"
تنهد الرجل بحسرة ثم واصل
"لكن اتضح أن ذلك الشيخ وابنه متورطان في الخيانة، ولم يعد أحد يستحقها. أردت أن أقدّمها لك كعربون شكر. أعلم أن الفوز بالمركز الأول أمر بعيد المنال… لكن حتى بمجرد المشاركة، سيُعرف اسمك في المقاطعة بأسرها."
ظل لين فان صامتًا، عيناه نصف مغمضتين.
الرجل ابتلع ريقه من هذا من الجيل الشاب الذي لم يكن يحلم بالمشاركة؟ هل هو فعلا غير مهتم أم أنه لم يسمع عنها من قبل، ثم أضاف مع التردد
"كما أن….."
انعقد حاجبا لين فان قليلاً، وظهر الفضول في عينيه
"كما أن… ماذا؟"
أجاب رئيس الفرع
"جائزة المركز الأول… هي قطرة النسب الخالد، كنز لا يُقدر بثمن. يقال إنه قادر على أن يزيد قوة مستعملها لأكثر من مستوى في لحظة واحدة وهي بالفعل أحد كنوز الإمبراطورية التي احتفظت بها لأكثر من 3 آلاف سنة، وهي شيء سمع عنه في الأساطير فقط ولم يُعرف حتى إن كان امتلاكه من طرف الإمبراطورية صحيحًا أم محض إشاعة، لكنه ظهر الآن كجائزة لمسابقة الإمبراطورية التي تقام كل مئة سنة كما أنها…"
قبل أن يكمل الرجل كلامه، قاطعه لين فان بابتسامة مفاجئة لم تُرسم على شفتيه منذ زمن، وفي صوته نبرة حماس واضحة
"أوَحقًا ما تقول؟ قطرة النسب الخالد…؟! أخبرني، ما الشروط؟ ما القيود؟"
كأن الرجل توقّع هذا الانقلاب، فأجاب بسرعة بينما اعتلت على وجهه ابتسامة فخورة
"الشروط بسيطة: أن يكون العمر أقل من خمسٍ وعشرين سنة، وأن يكون المشارك قد اخترق عالم التحول الجسدي على الأقل. التصفيات تُجرى داخل كل مقاطعة، ومن يدخل ضمن أفضل خمسين متأهل للمسابقة الإمبراطورية. الفائزون هناك سيحصلون على ثروة وشهرة لا حصر لها، والخاسرون… يكفي أنهم سيخرجون بأسماء لامعة وموارد لا بأس بها كتعويض."
تنهد لين فان للحظة ثم ارتسمت على محياه تعابير الشك، لكن بريق عينيه لم يختفِ. هذه المرة لم يكن الحافز مجرّد بطولة، بل فرصة نادرة قد تحطم القيود التي تكبّله منذ ولادته.
كانت قطرة النسب الخالد كنزًا سيحل أكبر مشكلة ستواجهه في طريقه وهي الموهبة.
في العوالم القادمة للتدريب هناك مراحل مهما بذلت من جهد ومهما صرفت من موارد فهي تتعلق بالموهبة الخالصة.
وفي تاريخ الحقل النجمي كله هناك كنوز بعدد أقل من عدد الأصابع فقط من يمكنها زيادة الموهبة، وقطرة النسب الخالد إحداها رغم أنها أدناهم.
في حياة لين فان كلها حصل على قطرتين فقط عندما كان إمبراطورا وأعطاهما لتلميذه الوحيد.
تقوم قطرة النسب الخالد بتطهير العظام والدم، صقل الجسد، ورفع الموهبة الطبيعية لمستويات لا يمكن أن تمنحها أي عشبة أو حبة.
كما أنها تُطيل العمر عشرات السنين، وتفتح الطريق أمام اختراق المراحل التي يعتمد عبورها على الموهبة الفطرية فقط، مثل المرحلة الخامسة من عالم التجلي الجسدي وما بعدها.
"قطرة النَسَب الخالد… إذا حصلت عليها، قد أُحطم القيود التي وضعها جسدي البشري الرديء، وإلا فحتى لو عملت بجد، فلن أتجاوز حدود المرحلة الرابعة من عالم التجلي الجسدي! خلاف ذلك سيكون الوصول لعالم الإمبراطور صعبًا كالصعود للسماء، ناهيك عن ذروات أعلى."
ابتسم لين فان ابتسامة صادقة هذه المرة، نادرة الظهور على محياه، ثم انحنى قليلًا شاكرًا
"سيد ليو هان، أنا مدين لكم. لقد أعدتم إليّ ما لم أكن أتوقعه قط."
مدّ ليو هان بيده قطعة من اليشم اللامع، منقوش عليها شعار تنين شامخ إلى جانب شعار مقاطعة "السهول الشرقية". تناولها لين فان ببطء، يمرر أنامله على النقوش كأنه يستشعر ثقلها ومعناها، قبل أن يسأل بهدوء
"ومتى موعد البطولة؟"
أجاب ليو هان بابتسامة واثقة
"بعد شهر وثلاثة أيام بالضبط."
في تلك اللحظة قبض لين فان يديه بحزم، وبريقٌ جاد لمع في عينيه. لم يكن الأمر مجرد منافسة بعد الآن، بل مسار لا بد أن يخطو فيه بخطوات ثابتة. وبينما كان يسير خارج القاعة، كان ذهنه ينسج خطة تدريب دقيقة قائمة على موارد يحتاجها، جولات صقل متتابعة، وتجهيزات لم يكن ينوي تركها للصدفة.
عاد أدراجه إلى ليو هان، هذه المرة دون تحفظ، وطلب منه بعض الأعشاب النادرة، دماء وحوش غريبة من المستوى الأول، وسأل كذلك إن كان في الفرع كيميائي موثوق يتعاملون معه.
ابتسم ليو هان بعرضٍ أكبر وهو يجيب
"كل ما تحتاجه سيكون تحت تصرفك… وإن شئت، فلن أدعك تدفع شيئًا."
لكن لين فان هز رأسه بعناد صلب
"لا. لقد حصلت على غنائم كافية من قطاع الطرق والوحوش. لا أحب أن أستدين بالجميل أكثر مما ينبغي."
أخرج من حقيبته حقيبة نقود ثقيلة، وضعها أمامه بثقة. كان قد ربح ما لا يقل عن ثلاثمئة عملة ذهبية، وكل واحدة منها تساوي مئة فضية.
مبلغ لم يكن سهل المنال حتى لأبناء العائلات الكبيرة. دفع الثمن كاملًا، ثم طلب موعدًا مع سيد الحبوب التابع للفرع بعد خمسة عشر يومًا.
خلال حديثهما، خطر ببال ليو هان أن يسأله عن عمره، ولما أجابه لين فان ببساطة
"أربعة عشر عامًا."
كانت هذه هي الحقيقة: عمر هذا الجسد أربعة عشر عامًا بينما روحه روح إمبراطور تجاوزت 500 سنة.
تجمد الرجل في مكانه، وكأن الأرض قد سُحبت من تحت قدميه. أربعة عشر فقط؟
شخص بهذا العمر، يملك مهارات طبية عجيبة لم يرَ لها مثيل، إضافةً إلى مستوى صقلٍ يفوق أقرانه… كان ذلك ضربًا من المعجزات.
في نظره، لم يكن إهداء التذكرة له مجازفة، بل استثمارًا ذهبيًا. بعد بضع سنوات، من يدري؟
ربما يصبح هذا الفتى قديس الطب، أو أحد جبابرة الإمبراطورية!
لذلك لم يتوانَ ليو هان عن تقديم المزيد من الدعم. خصص له غرفة صقل خاصة في أعمق أجنحة القاعة التجارية، مكان اعتادوا تخصيصه لكبار الضيوف فقط.
لم يرفض لين فان هذا العرض هذه المرة، بل قبله بهدوء، وجلس متربعًا على بساط التدريب. عيونه أُغمضت
، ونفسه غاص في دورة أخرى من الصقل، بينما تيارات التشي تتراقص حوله، كأنها تعلن أن فتى الأربعة عشر عامًا يسير بخطى واثقة نحو قمة لم يتخيلها أحد من قبل.