700 - بداية الملجلد الثامن : مسار الجوكر

لم أكن يومًا ذاك المتفرج الساكن على حافة الأحداث، لكني في الوقت ذاته لم أكن لأنحاز لطرفٍ على حساب آخر، مهما كانت المغريات. انحيازي الوحيد كان لأفكاري وأحلامي ومبادئي الراسخة، تلك التي نحتتها التجارب على مر السنين.

في عالمٍ شاسع الأطراف، حيث الشمس تتوارى خلف الأفق تاركةً مكانها للقمر الباهت، شعرتُ بوهنٍ يستبد بجسدي، يثقل خطواتي ويجعلني أسيرًا لعجزٍ لم آلفه من قبل. منذ نعومة أظفاري، كان القتل والذبح هما الوقود الذي يشعل نيران الشغف في عروقي، يدفعني للمضي قدمًا في دروبٍ لم تكن لتخطر ببال بشرٍ عادي.

لم أكن أعي حينها أنني مجرد دميةٍ يتلاعب بها الآخرون، ألعوبةً في أيديهم يسخرون منها كيفما يشاءون. لكن تجارب الحياة القاسية فتحت عيني على حقيقةٍ مرّة، حقيقةٌ دفعتني لاتخاذ قرارٍ مصيري بالانفصال عن هذا العالم الظالم بكل ما فيه.

لطالما عشتُ تحت رحمة الآخرين، تحت سيطرة والدي أولًا، ثم تحت وطأة ذلك الغريب الأطوار الذي اغتصب إنسانيتي قبل أن يعتدي على جسدي. تلا ذلك عهدٌ من الخضوع للشر المطلق في ذلك العالم الضيق، ثم جاء دور فينوس الذي لعب بي كما يلعب الطفل بدميته البالية. وأخيرًا، ملك الملوك الذي نسج خيوط مؤامرته لخمسة آلاف عام، يحرك الجميع كقطع الشطرنج على رقعةٍ لا نهاية لها.

لكنني كنت كالثعبان الذي تسلل إلى جوف السمكة التي ظنت أنها ابتلعته، لأفرغ أحشاءها من الداخل وأقلب موازين القوى. عندما وقعت بين يدي كتب الأسياد وخضعت لاختباراتهم القاسية، أدركتُ أن هذا العالم الذي نعيش فيه ليس سوى جزءٍ مسلوب الإرادة، مسيطرٌ عليه من قِبل جوو وسيد الفوضى في الماضي البعيد. لقد غيروا قوانينه وشتتوا قواه، وحولوه إلى كواكب متناثرة بعيدة كل البعد عن العالم الحقيقي.

في كتاب الجوو، وجدتُ شرحًا وافيًا لكيفية انفصال هذا العالم عن غيره. عندما رأى الجوو ما يخطط له سيد الفوضى، ارتعدت فرائصه وسرق مجموعةً من الأدوات المقدسة، وعلى رأسها خاتم الفوضى، ليُباعد بين هذا العالم وباقي العوالم. لم يملك الجوو سوى أن يفرض قانونًا واحدًا على هذا العالم الجديد، قانونًا أراد من خلاله أن يضمن تحقيق العدالة المطلقة.

كان ذلك القانون اللعين هو "دائرة الكرمة"، حيث كل فعلٍ، خيرًا كان أو شرًا، يعود على صاحبه في نهاية المطاف. لقد عانيتُ الأمرّين بسبب هذا القانون، لكنني أدركتُ في نهاية المطاف أن القوانين لا تُطبّق إلا على الضعفاء، أما الأقوياء فيتجاوزونها دون أدنى عناء.

استمر بي الحال في ذلك العالم حتى حانت اللحظة التي عرفت فيها كل شيء، حقيقة العالم الحقيقي وكيفية الوصول إليه، ولماذا كان ملك الملوك يسعى جاهدًا لجمع الأدوات المقدسة، وخاصةً خاتم الفوضى. أدركتُ أن كتاب المصير لم يكن سوى أداةٍ يستخدمها سيد الفوضى للتحكم في عالمٍ لا يستطيع دخوله، وأنه كان يتحكم في الجميع، من ملك الملوك إلى فينوس، بشكلٍ أو بآخر.

لكن هيرا، تلك المرأة الغامضة التي لم تكن من هذا العالم، غيرت كل شيء. لقد كشفت لي حقيقة أرض الخالدين وسيد الفوضى، وأخبرتني الكثير عن العالم الآخر، وكيف أن الجوو كان يُلقب هناك بـ"الصانع" نظرًا لقدرته الفائقة على صنع أي أداةٍ يتخيلها. كانت هيرا تسعى هي الأخرى لمغادرة هذا العالم، لكنها لم تكشف لي عن سبب وجودها هنا.

تعلمتُ من هيرا أن العالم الآخر ليس كعالمنا هذا، بل هو قارةٌ واحدة شاسعة الأطراف، مسطحةٌ بشكلٍ لا يمكن للمرء أن يصل إلى نهايتها مهما بلغت قوته. عالمٌ منقسمٌ بين قوىً وأسيادٍ لا حصر لهم، لكن كيانًا واحدًا يسيطر على الجميع.

ولكي أحمي أصدقائي وشعبي، ولأضمن لهم مستقبلًا آمنًا، كان عليّ أن أغادر هذا العالم وأتوجه إلى ذلك العالم الآخر لأصبح قمته، لأمتلك القوة التي تمكنني من سحق كل من يقف في طريقي. لقد سئمتُ من أن أكون ضفدعًا في بئر، وحان الوقت لأكون السماء ذاتها.

خطوتُ بخطواتٍ واثقة نحو ذلك العالم المجهول، وأنا أعي تمامًا أنني قد أخسر كل شيء. وبالفعل، خسرت كل قوتي ومهاراتي، ولم يبق لي سوى أدواتي المقدسة المندمجة مع روحي، وقانون الكرمة الذي لا أعرف مدى أهميته في ذلك العالم. لكنني على يقينٍ من أنني سأجعل سماء ذلك العالم تمطر دماءً لا تتوقف.

"لقد بدأ التجسيد"

"لقد بدأ الانتقال"

فتحتُ عيني لأجد نفسي غارقًا في ظلامٍ دامس، لا أثر للنور في أي مكان.

"اللعنة، أين أنا؟!"

في فضاءٍ بين العوالم، حيث تتراقص الأرواح كنجومٍ في سماءٍ لا نهاية لها، تردد صدى حوارٍ غامضٍ بين كائناتٍ عتيقة.

روح مجهولة: "لم يكن الجوكر وحده من غادر هذا العالم، هيرا أيضًا اختفت، لكنها لم تُبعث من جديد، بل عادت إلى وطنها الأصلي."

روح أخرى، بصوتٍ أجش: "وملك الملوك؟"

الروح المجهولة: "نعم، لقد وُلد من جديد في ذلك العالم، وكذلك علاء ابن مالوم. حتى أثينا عادت إلى منفاها لتنتقم ممن نفى جدها."

روح ثالثة، تتأوه بأسى: "والجنيات أيضًا، لقد عدْنَ إلى موطنهن الأصلي. الكثيرون ممن نعرفهم وممن لا نعرفهم انتقلوا إلى ذلك العالم، بطريقةٍ أو بأخرى."

بينهم، كانت روحٌ أخرى تحوم في صمت، تراقب ما يجري بقلقٍ بالغ. كان المختار، الذي فتح الحاجز بين العالمين ليعطي الناس فرصةً ليصبحوا أقوى. لكن هل سيتمكنون من هزيمة ذلك الكيان الذي عجزوا هم أنفسهم عن مواجهته؟

ابتسمت روحٌ أخرى، روحٌ ظهرت لهم من قبل، كان سيد عشيرة الظلام على كوكب جحيم العوالم. قال بصوتٍ عميق: "الجوكر مختلفٌ عن الجميع. إنه ليس فتىً ساذجًا، ولا شريرًا كاملاً. إنه في منطقةٍ رمادية، لا أعرف إن كان قربه من الشر أقرب من الخير أم العكس."

تجمّعت الأرواح حول ضوءٍ ساطع يشق طريقه من عالمهم إلى العالم الآخر. كانت أعينهم تلمع ببارقة أملٍ ممزوجةٍ بالخوف.

روح قديمة، بصوتٍ حكيم: "مصير هذا العالم يعتمد عليه. نحن من نحمي هذا العالم، وليس أمامنا سوى الانتظار."

في الخلف، وقفت روحٌ أخرى، تشبه روح الجوو، تراقب المشهد بابتسامةٍ خبيثة.

الروح الشبيهة بالجوو: "يجب أن ينجح، وإلا ستنهار كل خططنا. هاهاهاهاهاها!"

صدى ضحكته الشريرة يتردد في الفضاء، يثير القشعريرة في قلوب الأرواح الأخرى. هل سينجح الجوكر في مهمته؟ أم أن هذا العالم محكومٌ عليه بالفناء؟

في أعماق نفسه، اعتقد الجوكر أنه قد فكّ شفرات هذا العالم، وأزاح الستار عن كل أسراره الخفية. لكنه، كغيره من البشر، كان ضحيةً لأوهام العظمة التي تتلاعب بعقول البسطاء.

صحيحٌ أنه كشف بعض الألغاز، وسبر أغوار بعض الحقائق، لكنه لم يكن سوى قطرة في محيطٍ متلاطم الأمواج، عالمٍ زاخر بالأسرار التي تنتظر من يكتشفها. فليس بمقدور أي شخص، مهما بلغت قوته أو ذكاؤه، أن يحيط بكل شيء، أو أن يحل كل الألغاز. هذه حقيقةٌ لا مفر منها، حقيقةٌ يتجاهلها أولئك الذين يسعون للسيطرة المطلقة.

الجوكر، بشخصيته الفريدة وطريقته الملتوية، اختار لنفسه مسارًا خاصًا، مسارًا يختلف عن كل المسارات الأخرى. في هذا العالم المترامي الأطراف، تتشعب الطرق وتتداخل، وكل اختيارٍ يترك بصمته على مجرى الأحداث. لكن لكل منا مساره الخاص، المسار الذي يقوده إلى مصيره المحتوم.

وراء الجوكر، تمتد سلسلة لا تنتهي من الأساطير والألغاز التي لم تُحل بعد، أسرارٌ دفينة تنتظر من يكشف النقاب عنها. فاختيار الجوكر لمساره الخاص لم يكن نهاية المطاف، بل كان بدايةً لرحلةٍ جديدة، رحلةٍ ستحدد مصيره ومصير العالم من حوله.

كل خطوة يخطوها الجوكر، كل قرار يتخذه، كل فعلٍ يقوم به، سيترك أثره على لوحة القدر. فالمسار الذي اختاره ليس مجرد طريقٍ يسلكه، بل هو خيطٌ رفيع يربطه بالكون، خيطٌ سيحدد مصيره ومصير كل من يحيط به.

**********************

أخيرا أنتهيت من المجلد السابع أطول مجلد أخذ منى وقت بسبب الجيش وبعد ذلك الأستقرار فى العمل

سوف نرى ماذا سوف يحدث فى ذلك العالم

أتمنى أن تعجبكم الرحلة فى القاره السحيقة

تأليف : محمد قمر (الجوكر )

2024/06/18 · 43 مشاهدة · 1144 كلمة
joker
نادي الروايات - 2024