كلما اقترب أكثر كلما اتضحت معالم الصورة أمامه . جذب إنتباهه إلى أن سرعة تحركه كانت سريعة للغاية ليفتح صفحته الشخصية و يفاجيء بأن مستواه لازال في الثالث و الثمانين . هل يمكنه الإبقاء على مستواه خارج ريونيد ؟ كانت مفاجأة سارة للغاية له . لم تمض نصف ساعة حتى وجد نفسه قبالة معسكر هائل يحده سور عال يمتد لإرتفاع ثلاثين مترا على أقل تقدير . مقارنة بسور مدينة شونتي كان هذا السور قزما , لكن في هذا العالم الخالي من أي تهديدات قوية فيمكن إعتباره سورا مثاليا . توجه إبرو نحو بوابة المعسكر ليجد مجموعة من الفرق التي تقوم
بحراسته و بعض منها يبدأ في الخروج لتمشيط المنطقة حولهم . جذب إنتباهه الزي الذي يرتديه من أمامه من الحرس و الذي كان مماثلا للزي الذي رآه من قبل في حديقة قصر روليف . جاء ظهوره ليجذب إنتباه الجميع ليتحركوا في تناغم و سرعة محيطين به موجهين أسلحتهم تجاهه . بحركة غريزية رفع إبرو يداه للأعلى في إستسلام لهم و هو يقول :
-مهلا يا رفاق فأنا معكم في نفس المعسكر .
-لم نرك من قبل و لا ترتدي شارة شونتي , من أنت ؟
-اسمي إبرو . يمكنكم التيقن من هويتي حين ترسلون للحاكم .
لم يكن يعرف بوجود الحاكم في هذا المعسكر أو لا , لكن لو صح تخمينه بأن من قدم من شونتي يعرف الكثير عن هذا العالم فلابد أن يكون الحاكم هنا . فهذه المدينة هي أثمن المدن الثلاث في عالم ريلانت . لاحظ تبدل ملامح الرجال من حوله ليخفضوا أسلحتهم في سرعة ثم يقول قائدهم بصوت حذر :
-معذرة سيد إبرو . لم نعرف أنك ستحضر إلى هنا . الحاكم بالفعل في إنتظارك بالداخل .
-لتقود الطريق من فضلك .
لم يهتم إبرو بتلك الحادثة الصغيرة من قبل الحراس . على العكس كان يشعر بالرضا التام من حذرهم . فعالم ريلانت يخلو من مخاطر كثيرة لكن لا يعني ذلك عدم وجود خطر على الإطلاق . في الماضي تعرضت بعض من المعسكرات التي أسستها الدول العظمى في ريلانت للخراب التام دون أن يبقى أحد على وجه الحياة سواء في اللعبة أو خارجها ليذكر سبب ما حدث . كانت تلك الحوادث رغم ندرتها إلا أنها تسببت في ذعر بالغ آنذاك . اليوم هو يعرف من قام بتدمير تلك المعسكرات و قتل كل من فيها , فوحوش نرو تقدر على قتل اللاعب باللعبة و في الواقع كذلك . لكنه
استنتج من ندرة تلك الحوادث أن عدد الوحوش قليل للغاية . كذلك هو بصحبة خيرة جنود شونتي و بالتالي لا يخشى على حياته من قبل أولئك الوحوش . عبر سور المعسكر برفقة قائده الذي التزم الصمت التام و إن كان يختلس بعض من النظرات إليه على فترات . على ما يبدو أنه كان يخشى من غضب إبرو تجاه ما فعله لتوه . كان المعسكر نموذجا مصغرا للمدينة و إن اشتمل على خواء كبير لازال العمال القادمين من شونتي يحاولون ملئه بالمباني المختلفة . لم يغب إبرو عنهم سوى يومين في عالمه أي عشرة أيام بتوقيتهم لكن مهمة بناء معسكر كبير كهذا ربما
تستغرق شهرا على أقل تقدير . وصل بصحبة قائد الحرس نحو مبنى كبير أشبه بفندق منه لمنزل خمن إبرو أن روليف كان بالداخل . لم يكن بحاجة لمزيد من الصحبة لذا استدار و قال موقفا خطوات القائد قائلا :
-هذا يكفي فسأدخل للحاكم بنفسي . عليك العودة لمواصلة عملك .
بدا التوتر و التردد جليا على وجه القائد الذي قال في قلق :
-أعتذر بشدة عما حدث من قبل لك سيد إبرو , فتعليم..
قاطعه إبرو بإشارة من يده ثم قال محاولا طمأنة ذعر القائد :
-لا تقلق نفسك , فأنا أشعر بالرضا التام من حذركم . استمر في حراستنا فأمننا يعتمد عليك .
بدأ القلق و الخوف داخل القائد بالذبول فور سماعه لكلمات إبرو التي طمأنته فقال في إمتنان و تقدير بالغ :
-شكرا لك سيد إبرو . سأعود أدراجي الآن . لو احتجت مني شيء فابحث عني , أدعى برانت .
اكتفى إبرو بإيماءة من رأسه ثم تحرك داخلا المبنى الكبير تاركا قائد الحرس يبدأ رحلته للعودة لبوابة المعسكر . ما إن دخل إبرو للمكان حتى ذكره بقصر روليف في شونتي . كان المكان فسيحا و خاويا للغاية عدا منضدة اجتماعات خشبية بسيطة في منتصفه يجلس حولها عدد من قادة شونتي و على رأسهم روليف نفسه . على ما يبدو أن روليف قد اعتاد قصره في شونتي فقرر استنتساخه في ريلانت . تردد صوت خطاه في المكان الفسيح ليجذب إنتباه الجالسين على المنضدة . ما إن رأوه حتى وقفوا جميعا له . شعر بهيبة كبيرة من نظراتهم نحوه , و هو متفهم لما
يشعرون به من غضب تجاهه . فلقد وعدهم أن يغيب يوما أو يومين لكنه قد اختفى قرابة عشرة أيام كاملة .
-أخيرا قد جئت يا إبرو .
-أعتذر فلقد كانت هناك مشكلة كبيرة في عالمي أخذت مني وقتا طويلا حتى حللتها .
-هل كل شيء على ما يرام ؟
نظر إبرو لروليف نظرة إمتنان فعلى ما يبدو أنه ليس بغاضب منه كما تخيل بل قلق عليه .
-بلى , الآن ما الوضع في ريلانت ؟
-لقد قمنا بتأسيس ثلاث قواعد في هذا العالم .
كان قد جلس على مقعد شاغر بالمنضدة و من حوله عادوا للجلوس من جديد محدقين إليه بثبات . تجاهلهم و قال لروليف :
-هل تملكون أي معلومات بشأن هذا العالم ؟
نظر روليف نحو مودري الذي كان مسئول المكتبة في شونتي , فقال بصوته الضعيف :
-لقد بحثت طويلا في المكتبة بشونتي و بعدما وجدت الكثير من المعلومات المفيدة جئت لتوي لأخبر حاكم المدينة بها . سأقص من جديد كل المعلومات المتعلقة بهذا العالم . هذا العالم يُدعى بعالم ريلانت . ظهر ريلانت في تاريخ ريونيد منذ قرابة خمسمئة ألف عام تقريبا . لا توجد أي سجلات
خاصة بهذا العالم و لا عن سبب دماره لكن المذكور بشأنه أن حادثة غريبة أفضت بحياة كل من على سطح العالم . ما هو مذكور بوضوح في السجلات أنه بعد تقصي قادة ريونيد حينها عن السبب في دمار هذا العالم و هو إجراء روتيني من قبلنا لم نجد أن سبب دخول وحوش نرو إلى هذا العالم كما اعتدنا دوما و ذلك عبر مقتل أحد لاعبي ريلانت عشر مرات . لكن السبب لازال مجهولا و تم وضع الحادثة تحت إطار الحوادث الغامضة التي لا نعرف لها تبريرا بعد . ككل العوالم التي يغزوها نرو فمع الوقت تتعرض للتأكل . لذا بعد مرور كل هذه الفترة الطويلة فقد ريلانت قرابة
ثمانون بالمئة من مساحته و ما تبقى سيتعرض للتآكل على مدار القرون القادمة . تقبع وحوش نرو الخطرة في ريلانت حاليا لسبات عميق لكن لا يوجد ضمانة من إستيقاظهم من جديد . رغم أن قوتنا الحالية كافية لحماية المعسكرات الثلاث لكن إن استيقظت تلك الوحوش فأنصح بتركيز جهودنا في معسكر واحد . ما تبقى من مدن في هذا العالم هم ثلاثة فقط و هم الذين أخبرتنا بشأنهم سيد إبرو . أهم مدينة أو أنقاض مدينة فيهم هي التي نحن على أعتاب سورها المهدم . كان رونات المدينة المقدسة في عالم ريلانت أي أنها تقبع في مركز هذا العالم و ستكون آخر مكان يتم
تدميره فيه . كعادة أعتى وحوش نرو فإنها توجد دوما بالقرب من المدينة المقدسة لذا فيجب علينا دوما توخي الحذر في التنقيب حتى لا نوقظ أي وحش دون قصد .
-شكرا لك مودري . هل أحضرت خريطة ريلانت معك ؟
أخرج مودري بلفافة قام بوضعها على المنضدة ثم قال مشيرا لها :
-هذا ما تبقى من عالم ريلانت حين استخدمت بلورة تقصي شونتي . هذه الخريطة تقديرية ولا تحتوي على أي تفاصيل خاصة سوى بمناطق مدن العالم الثلاث و تضاريسه المهمة . تلك التي في الأعلى بالقرب من النتوء الصخري الهائل هي مدينة روبيف . أما تلك التي تقع وسط الجبال
المرتفعة هي إكناظ . أما رونات فهي تقع في هذا السهل الفسيح الذي يحده الجبال من كل مكان .
نظر إبرو نحو الخريطة في دهشة . كان قد تخيل أن ما تبقى من عالم ريلانت كان على هيئة دائرة عملاقة لكن الخريطة التي أمامه بدت له أشبه بورقة قضمتها الفئران حتى تبقى منها أجزاء متباعدة متفرقة لا يصل بينها سوى شريط رفيع من الورق . كان هذا حال الخريطة التي أمامه الآن . حاول فهم الخريطة دون جدوى فاستعان بخاصية التصوير التي تأتي مع الكبسولات ليأخذ صورا عادية و فيديو قصير بشأن الخريطة . يمكنه أن يدرسها فيما بعد لكن الآن عليه أن يفهم وضع العالم بشكل أكثر وضوح . لم تخب توقعات إبرو حين سمع روليف يقول :
-هذا رائع . هل حالفك الحظ يا دوزير في اكتشاف أي شيء مفيد حول المعسكرات الثلاثة ؟
كان دوزير من يتولى مهمة حراسة المعسكرات الثلاثة و من ضمنها استكشاف طبيعة المكان حولهم .
-لم نقم بعملية تقصي و اسكتشاف كبيرة في هذا العالم فكما أخبرنا سيد إبرو من قبل أنه يعرف أماكن تواجد المناجم و غيرها من الموارد الهامة . أما المناطق حول المعسكرات الثلاث فقد أرسلت فرق تأمين و دوريات كثيرة فيها حتى أعرف جيدا طبيعة المخاطر التي تحيق بنا .
ثم قام من مكانه بجسده الضخم و أشار نحو البقعة التي تشغلها مدينة روبيف قائلا :
-دوريات الحراسة في هذه المنطقة قامت بتمشيط قرابة مئة كيلومتر حول معسكر روبيف . هذه المنطقة جبلية وعرة و لذلك واجهنا مشاكل كثيرة لكن تم حلها بشكل تام حين قمنا بالتقصي في المنطقة حول المعسكر . اكتشفنا وجود مجموعة من السلاسل الجبلية التي تتميز بأن قممها لونها أحمر بشكل غريب . كذلك توجد سلسلة أخرى تتميز بجبل عملاق يبدو متفردا و مميزا . أما السلسلة الأخيرة التي اكتشفناها هي التي تتميز بنتوء غريب في جوانب تلك الجبال . أما معسكر إكناظ فطبيعته مثيلة تماما لطبيعة معسكر روبيف , لكن نظرا لوجود مستنقعات في كثير من المناطق
المحيطة بها فقد استطعنا استكشاف مساحة تقدر بمئتي كيلو متر تقريبا . اكتشفنا مجموعتين مختلفتين من الجبال هناك , إحداها يقع في الشمال و هو يكاد يكون متصلا بأنقاض المدينة و لا يوجد بها أي شيء مميز , و مجموعة أخرى تتميز بوجود قمتين لكل جبل فيها و هي تقع نحو الجهة الشرقية من المعسكر . أما عن معسكر رونات فنظرا لأنه يقع في وسط منطقة سهول شاسعة فقد استطعنا استكشاف قرابة ثلاثمئة و خمسين كيلومترا فيها . هذه المنطقة كلها سهول و على ما يبدو أنها كانت موطنا للوحوش قبل تدمير العالم . لكن شيء مميز لاحظناه أثناء بحثنا .