ثم نظر نحو الخريطة بتمعن كما لو كان يحاول ربط ما يعرفه بتلك الورقة أمامه . لم يقاطعه أحد فهم يعرفون جيدا مدى صعوبة ربط ما نقله رجاله له و ما هو موجود أمامه على تلك الخريطة البسيطة . بعد دقائق من التفكير و التركيز قال دوزير بصوته الأجش و لكنته الغريبة :

-هناك في تلك البقعة تقريبا وجدنا بقايا يمكن إعتبارها بوابة . من الوصف الذي قيل لي من رجالي فهذه هي بوابة إنتقال وحوش نرو إلى هذا العالم .

-ماذا تقول ؟

-هل قلت بقايا البوابة ؟

-بلى , و لولا إجتماعنا الحالي لذهبت بنفسي لرؤية تلك البقايا حتى أتيقن من صحة ذلك .

شعر إبرو أن وجود بقايا البوابة أمر غير اعتيادي لذا تدخل مستفسرا :

-معذرة لكني لا أفهم ما الغريب في وجود بوابة إنتقال وحوش إبرو في العالم . ألا يُفترض بالبوابة أن تكون موجودة حتى يتسنى لوحوش نرو تدمير هذا العالم ؟

تولى روليف مهمة الإجابة على سؤاله موضحا :

-وجود بوابة إنتقال وحوش نرو في العالم حتى الآن أمر غير إعتيادي على الإطلاق يا إبرو . البوابة تحتاج لطاقة كبيرة من قبل عالم نرو و لهذا فهي لا تظل موجودة سوى لأربعين يوم فقط و بعدها تختفي من العالم . هذه البقايا التي توجد هنا دلالة على أن البوابة قد تم تدميرها من قبل سكان هذا العالم . و هذه حادثة لم يسمع بها أحد قط من قبل طيلة تاريخ عالم ريونيد و عوالمه الكثيرة . لو صح ما قاله أتباع دوزير فنحن على وشك أن نشهد آثار حادثة تاريخية لم يسبق لها أن وُجدت قط .

بدأ إبرو في إستيعاب تلك المعلومات الخاصة عن قوانين غزو نرو لأي عالم . البوابة على ما يبدو أنها تكلف نرو ثمنا باهظا لكن على الرغم من ذلك فهذا العالم يسعى دوما لوجودها . ما الفائدة التي ستعود عليه من تدمير العوالم إذن حتى يتكبد كل هذا الثمن ؟ فكر في كلمات روليف بشأن إحتمالية تدمير تلك البوابة . لو عرف طريقة لتدمير بوابات إنتقال نرو لما خشى أن تغزو وحوش نرو العالم فحينها سيتدخل ليدمر البوابة . كان إبرو تواقا أكثر ممن أمامه لمعرفة الحقيقة خلف تلك البوابة المدمرة .

-لنتحرك الآن فتلك المعلومة أهم بكثير من أي مكتسبات أخرى قد نحصل عليها في ريلانت .

نظر بعدها روليف نظرة تقدير لإبرو , فلولاه لما انتبهوا لوجود هذا العالم من الأساس . تحرك الجميع خارجين من المنزل الكبير خلف خطوات روليف الذي كان يتزعمهم . جاء ظهورهم ليجذب إنتباه الجنود و عمال البناء و التنقيب في المعسكر لكن لم يجرؤ أحد منهم على الإستفسار و إن حملت أنفسهم كما هائلا من الفضول . في غضون دقائق كانوا قد وصلوا إلى بوابة المعسكر ليتحرك دوزير صوب قائد الحرس برانت . لم يطل حديثه له ليتحرك برانت بعدها داخل المعسكر . بعد مرور عشر دقائق عاد من جديد برفقة مجموعة يتجاوز عددها المئة من الحراس . فهم إبرو و

من حوله أن دوزير قد أرسل برانت ليحضر مجموعة من الحرس لرفقتهم في تلك الرحلة . فعلى الرغم من أنه قد استكشف كل المنطقة المحيطة بالمعسكر إلا أنه لازال حذرا و الحذر أمر طبيعي لرجل مثله . ما إن وصلت فرقة الحراسة حتى أحاطت بروليف و إبرو و من حولهما من قادة شونتي الذي بلغ عددهم خمسة عشر فردا . تحركت المجموعة بخطى سريعة وجد إبرو صعوبة في مواكبة تحركهم نظرا لمستواهم العالي عنه . مرت ساعة كاملة من الترحال السريع و لم يقابل أي منهم أي مخاطر على الإطلاق . رغم أن ذلك كان بداية مبشرة إلا أن إبرو كان يشعر أنه

الهدوء الذي يسبق العاصفة . كان يشعر في داخله بقلق غريب و شعور متنامي بالخطر بدأ يغزوه على حين غرة . نما ذلك الشعور حينما بدؤوا رحلتهم من معسكر رونات صوب أنقاض البوابة , لكن على الرغم من تلفته الدائم حوله و محاولته إكتشاف ماهية الخطر المتربص به إلا أنه لم يجد شيء قط . بعد رحلة ساعة كاملة وصلت المجموعة كلها نحو هوة شاسعة تنخفض بشكل ملحوظ عن مستوى الأرض حولها . كان لون التربة فيها مغاير للون الذي اعتادوه في البرية , فلم يكن ذاك الأصفر الباهت بل كان الأحمر القرمزي . شعر إبرو بقبضة تعتصر قلبه حين شاهد لون

تلك التربة كما لو كان لون دماء لكن سرعان ما اختفى ذلك الشعور بغتة حين قال روليف :

-هذا المكان غريب لكن تلك التربة هي التي تتواجد حول بوابات نرو . بكل تأكيد هناك بوابة في هذا المكان .

تدخلت أولي الساحرة الشابة قائلة :

-هذا معدن موكيز و هو من المستوى الإحفوري . لم أرى يوما قطعة منه ولو حتى ذرة ! هذا المعدن لو قمنا بإستخراجه لإستطعنا صنع لفافات و أسلحة من المستوى الإحفوري .

-لا يمكن أن نقوم بالتنقيب هنا حتى نتيقن من خلو المكان من أي خطر . وجود بوابة طيلة هذه الفترة لا يعد أمرا جيدا على الإطلاق يا أولي .

-لا تكن متشائما هكذا يا دوزير , فلقد تدمر العالم منذ خمسمئة ألف عام . مؤكد أن البوابة قد تعرضت للدمار و بالتالي لا يشكل وجودها أي خطر علينا .

-لنسكتشف المكان أولا و نقيم الخطر فيه قبل أن نقرر أي شيء . هل يعرف أحد من رجالك يا دوزير مكان تلك البوابة ؟

نظر دوزير نحو الحرس الذين أتوا معه ليتحرك واحدا منهم قائلا :

-نعم سيدي الحاكم فلقد كنت في الفرقة التي وجدت تلك البوابة .

-لتدلنا على الطريق إذن يا بني .

تحرك الشاب و بدا على وجهه الشحوب و التوتر , فمن أمامه هم رموز مدينته و من تربى مستمعا لأساطيرهم و تضحياتهم في سبيلها و على رأسهم حاكم المدينة نفسه . هبط الحارس الشاب في بطء متجها صوب الأسفل و خلفه تحرك دوزير برفقة مجموعة أخرى من الحرس لا يتجاوز عددهم العشرة , أما بقية الحرس فواصلوا حراسة حاكم المدينة و من حوله و من ضمنهم إبرو في نطاق دائرة محكمة . ما إن وطأت قدما إبرو التربة القرمزية حتى شعر بجسده يتعرض لجاذبية أقوى من المعتاد . تلفت حوله ليجد الجميع غير مكترث بتغير الجاذبية ففطن أن ذلك سمة من

سمات المنطقة حول البوابة . هبطت سرعة تحرك الجميع بحدة نظرا لخوفهم من وجود أي خطر بالمكان . رغم أن الهوة التي يسيرون فيها كانت مسطحة بإمتداد الأفق ولا يوجد شيء فيها قط , لا شجر ولا حجر و لا حتى بقايا أو رماد , إلا أن اللون القرمزي المخيف الذي بدا كبحر من الدماء حولهم دفعهم للسير في حذر و حيطة و ترقب . حينما فكر إبرو أن مجموعة تحتوي على أقوى رجال شونتي يسيرون بكل تلك الحيطة و الحذر شعر بالإحترام و التقدير للشاب الصغير الذي يسير أمامه و بقية أعضاء فرقته . ربما كانت شجاعة منهم و ربما كان جهل بمدى خطورة المكان الذي هم فيه . أخذوا قرابة ثلاث ساعات في رحلتهم البطيئة حتى لاحظ إبرو وجود شيء ما بالأفق . بدأت خيالات رمادية تلوح في الأفق البعيد ليشعر إبرو بتوتر كل من حوله بشكل مباغت . على ما يبدو أن تلك الخيالات تذكرهم بشيء ما خطير . لم يتوانى عن إخراج عصا مينيور

مستعدا لأي قتال قد ينشب في أي وقت . لم يكونوا بحاجة لإرشاد الحارس فجميعهم قد أدرك مكان البوابة . لاحظ إبرو أن روليف قد تبادل نظرات صامتة مع دوزير الذي هز رأسه كما لو فهم شيء ما . بعدها تحرك دوزير في سرعة مصطحبا مجموعته المكونة من عشرة حراس و الحارس الشاب الذي كان بالمقدمة ليتجهوا صوب الأطلال البعيدة . هذه المرة لم يتحركوا بخطى بطيئة بل كانوا يتقافزون بسرعة عالية ليجد إبرو بعدها صعوبة في رؤيتهم . فهم إبرو أن روليف قد أرسل دوزير للأمام ليستطلع الوضع هناك , فلو وجد شيء خطر بالمكان لسارع بالعودة و تحذيرهم .

بدت حركة حذرة سرعان ما أتت بثمارها حيث بعد قرابة ربع ساعة من السير البطيء مقتربين أكثر و أكثر من أطلال البوابة حتى لاحظ الجميع عودة دوزير برفقة حراسه الأحد عشر إليهم . ما إن وصل إلى المجموعة حتى قال بصوته الأجش :

-لا تتقدموا أكثر فهناك وحش نرو هائل يقبع حول البوابة .

تسببت كلماته في توقف الجميع على الفور . لاحظ إبرو توتر الجميع في حين قال روليف متسائلا :

-ماذا وجدت ؟

-وجدت أطلال لبوابة إنتقال عالم برو . لقد قام أحد سكان هذا العالم فعلا بتدميرها . الغريب أن تلك البوابة ليست بوابة الإنتقال الأساسية بل البوابة الإضافية .

بدت أن كلماته لها مغزى في نفوس الجميع لكن إبرو شعر بالجهل التام فتسائل في حذر :

-ماذا الفرق بين البوابة الأساسية و الإضافية ؟

أجابته أولي هذه المرة قائلة :

-البوابة الأساسية هي البوابة التي يتسبب فيها لاعبي العالم و هي البوابة الأولى التي تُحضر وحوش نرو للعالم لتدميره . كما علمت من قبل أن البوابة لها ثمن يتم دفعه من قبل عالم نرو و هو ثمن باهظ لذا فالبوابة لا تبقى لأكثر من أربعين يوما تقريبا . أما البوابة الإضافية فهي بوابة يفتحها وحوش نرو بأنفسهم في أثناء تدميرهم للعالم . هذه البوابة أكبر بكثير من البوابة الأساسية و تبقى لمدة تصل ليوم كامل فقط , لكن ثمن فتحها يكون بالتضحية بعدد هائل من وحوش نرو .

صمت إبرو مفكرا في تلك المعلومات ثم قال متسائلا :

-إن كان هناك ثمنا باهظا يدفعه وحوش نرو لإنشاء بوابة إضافية فما الفائدة منها إذن ؟ لا أعتقد أن بمقدور أحد في أي عالم أن يجابه وحوش نرو بضراوتهم .

-فائدة تلك البوابة يا إبرو هو طلب تعزيزات من قبل عالم نرو . هذا ما يعني أن العالم الذي يشهد ميلاد بوابة إضافية فيه أنه يحتوي على مقاومة تفوق تصور النرويين . لذلك فهم يتكبدون تلك التضحية في سبيل عدم خسارة هذا العالم .

تمتم إبرو معلقا على كلمات أولي :

-ما الذي يرغبون فيه بشدة من العوالم حتى يضحون بكل تلك التضحيات ؟

2020/02/11 · 516 مشاهدة · 1544 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024