تمتم إبرو معلقا على كلمات أولي :

-ما الذي يرغبون فيه بشدة من العوالم حتى يضحون بكل تلك التضحيات ؟

هزت أولي رأسها في نفي قائلة :

-لا أحد يعلم , فلم تطيء قدما أي شخص من ريونيد أرض عالم نرو الحقيقي لذا فنحن نجهل السبب وراء غزوهم لنا و محاولة غزوهم المضنية لكل عالم يجدونه من عوالمنا .

حاول التفكير في السبب الذي يدفع عالم بمحاولة غزو عالم آخر بتلك الصورة , لكن دون أن يجد حلا لتساؤلاته شعر أن فهمه و فهم جميع من في ريونيد عن عالم نرو ضحل للغاية . تذكر تلك البقعة السوداء في منتصف عالم ريونيد , هل هي أيضا بوابة إنتقال من عالم نرو لعالم ريونيد ؟ ولماذا لم يقدر أحد على تدميرها إذن ؟ فأمامه تقبع شواهد مؤكدة على تدمير لبوابة نرو . رغم أنها الحادثة الأولى في تاريخ ريونيد لكنها حدثت في عالم ناشيء و ليس في ريونيد نفسه .

-هل أنت متيقن من أنها البوابة الإضافية يا دوزير ؟

-بلى سيدي الحاكم .

-إن كان بهذا العالم قوة تقدر على تدمير البوابة الإضافية فمؤكد أنها قد دمرت البوابة الأساسية كذلك . البوابة الإضافية لا تستمر سوى ليوم واحد فقط , أي أن من قام بتدميرها كان يمتلك طريقة لتدمير تلك البوابات .

كان روليف يتحدث بنبرة خفيضة متمتما لنفسه كما لو كان يفكر مع ذاته . ظل بعدها واقفا في صمت منغمسا في تفكير عميق . نظر له الجميع في ترقب منتظرين ما سيجده من أفكار قد تعينهم على تدبر طريقهم القادم . بعد برهة رفع رأسه و نظر لهم ثم قال بنبرة آمرة :

-يجب أن نحافظ على سرية هذا العالم ولا يعرف عنه أحد على الأخص الفورازيين . علينا أن نقوم بالبحث بشكل مكثف في منطقة تدمير تلك البوابة كذلك يجب أن نبحث في محيط المعسكرات الثلاث حتى نقدر على إيجاد بقايا البوابة الأساسية . نحن يا سادة أمام لحظة قد تغير من مصير

ريونيد و مصير كل من فيه .

-لكن سيدي الحاكم هناك وحش نرو قابع في المكان الذي تدمرت فيه البوابة .

-أعرف ذلك . هذا الوحش هو العقبة الوحيدة التي تقف في طريقنا . إنه يحاول حماية سر تدمير البوابة لاريب . يجب أن ندمره في أسرع وقت ممكن .

-إنه وحش جوجناق الوحشي سيدي الحاكم .

-ماذا تقول ؟

-إنه وحش جوجناق الوحشي و يتجاوز مستواه حاجز الثلاثمئة و خمسين .

-مستحيل , إن جوجناق وحش عملاق لو كان هناك لكنا استطعنا رؤيته من مكاننا الآن !

-ليس مستحيل سيد مودري , فهذا الوحش يحيط بالبوابة و الموضوعة على جسده نفسه .

صمت الجميع مفكرين في كلمات دوزير لتظهر في عقولهم صورة مخيفة . قال روليف محاولا التيقن من مخاوفه :

-هل تقول أن هذا الوحش يضع بقايا البوابة على جسده ؟ هل تعني أن جسد هذا الوحش هو الأرض المحيطة بالبوابة ؟

-بلى سيدي الحاكم , لذا لم تقدر الفرقة التي وجدت البوابة أن تكتشف وجوده . إنه نائم الآن لكن لو حاولنا تحريك البوابة سيستيقظ .

-وحش جوجناق وحش نادر للغاية لم يظهر سوى مرات نادرة في تاريخ ريونيد و كل مرة ظهر فيها كان مصحوبا بمجزرة بشعة و خسارة عظيمة لجيوشنا . نحن نعتبره قائد قوات وحوش نرو . وجود وحش مثله في هذا العالم القاحل و يحمي بوابة مدمرة لنرو شيء لم يسبق أن حدث من

قبل في تاريخ ريونيد . ما الذي حدث في هذا العالم ؟

صمت روليف كما لو كان يحاول إستيعاب الموقف برمته ثم قال بلهجة آمرة :

-لا يجب أن نسمح لوحش جوجناق بالإستيقاظ . فهذا وحش يمتلك قدرة على إصدار أوامر لبقية وحوش نرو . لو إستيقظ و تركنا له الفرصة سيقوم بإيقاظ كل الوحوش الموجودة في ريلانت .

-ماذا علينا أن نفعل إذن سيدي الحاكم ؟

-احضر مجموعة من الحرس ليحيطوا بهذه الهوة من الخارج . لا يجب السماح لأي شخص مهما كان أن يدخل في هذا المكان .

-سأفعل . وماذا بعد ذلك ؟

-سأعود إلى ريونيد و أذهب إلى أبيدون . هذه المرة نحن على أعتاب إكتشاف هائل سيغير من وجه الحرب كلها . حان الوقت لتجميع جيوش ريونيد من جديد و بدء حرب جديدة .

حملت كلماته ثقلا هائلا على الجميع . آخر مرة تم تجميع جيوش لريونيد فيها تم تدميرها و لم يقدروا على تحرير أي قرى في ريونيد . لكن أمامهم الآن فرصة ثمينة لو استطاعوا التغلب على وحوش نرو في هذا العالم سيمتلكون سلاحا فتاكا سيغير دفة الحرب المائلة عليهم . شعر إبرو أنه

سيشهد معركة ملحمية ربما لم يشهد مثيلا لها من قبل . كان متحمسا للعودة نحو معسكر رونات لينتظر مجيء جيوش أبيدون إلى ريلانت . بعدما فهم الجميع ملامح الخطة التي وضعها روليف لتوه حتى بدءوا في التحرك عائدين أدراجهم نحو الهوة . هذه المرة تحركوا في سرعة بالغة فهم لا يودون إيقاظ الوحش النائم . لم يسيروا سوى ثانية قبل أن يتوقفوا جميعهم دون استثناء . التفتوا للنظر للخلف حيث المكان الذي كانوا فيه لتوهم و تسائل روليف في دهشة :

-لماذا لم تتحرك معنا يا إبرو ؟

كان الجميع يحدق بثبات نحو إبرو الذي بدا متيبسا في مكانه دون حراك . كان ذلك أمرا غريبا , فجميعهم تحرك عداه . أما إبرو فكان لا يدري بكل ما يحدث الآن , فحين أخذ أول خطوة للعودة للخلف شعر بجسده يتخشب بغتة و فقد السيطرة عليه . شعر بالذعر يجتاجه خاصة أن الشعور الذي تولد حين تحرك من المعسكر قد عاد مجددا بشكل أكثر ضراوة . حاول أن يتحرك بكل قوته دون جدوى ليجد نفسه بغتة بعد معاناة استمرت دهرا في نظرا قد تعرض لضربة قوية لا يعلم من أين أتت ليطير جسده في الهواء و يختفي المكان كله من حوله . كان صوت الهواء حوله يكاد

يصم آذانه ليجد نفسه بعد فترة قد توقف عن الطيران . حملت آذانه صوت ارتطام مدوي مصحوبا بصوت تمزق أشياء أيقن أنها من جسده قبل أن يغفو عليه فاقدا وعيه من فرط الألم .

لم يعلم كم مر عليه من الوقت فاقدا للوعي لكنه ما إن استيقظ حتى شعر بأن كل جزء في جسده يئن من فرط الألم . فتح عينيه ليجد ضوءا ساطعا قد غمره ليغلقها على الفور . حاول تحريك يداه لحماية عينيه لكنه شعر بشيء ما يمنعها من التحرك . حاول تحريك يده الأخرى ليجد نفس

الوضع تقريبا . حاول تحريك جسده كله دون جدوى . غمره شعور طاغي بالخوف , فربما هو مربوط بشيء ما يمنعه عن الحركة . هذا يعني أن هناك من قام بأسره و مؤكد أنه ينتظره حتى يستعيد وعيه ليقوم بإستجوابه و بعدها التخلص منه . لم يجد بدا سوى أن يقوم بفتح عينيه ببطء محاولا أن يعتاد على هذا الضوء الباهر . أثناء ذلك حاول الإنصات قدر الإمكان لما حوله عله يقدر على الخروج بأي معلومة قد تفيده . على الرغم من إنصاته قدر الإمكان إلا أنه لم يسمع أي صوت على الإطلاق كما لو كان المكان حوله خاويا . أين إذن من قام بأسره ؟ لم يهتم و بدأ يحاول

التكيف على الضوء الساطع حتى قدر أخيرا على فتح عينيه بشكل كامل و بدأ ينظر للمكان الذي هو فيه . شعر بالذهول التام و هو يكاد لا يستوعب ما يراه أمامه . بدا المكان الذي هو فيه الآن عبارة عن كهف ضخم له سقف عملاق . كان السقف أملس السطح لامعه بدرجة مريبة ليعكس ضوءا لا يعرف مصدره ليبدو المكان بأكمله كهالة عملاقة من الضوء . أما الأرض التي هو فوقها فكانت مليئة بالتعرجات العملاقة و جسده الآن محشور في أحد التجاويف الخاصة بتلك التعرجات . لم يكن هناك من قام بربطه بل كان جسده مغروسا بإحكام في ذلك التجويف الغريب . نظر

لجوانب التجويف الذي غاص جسده فيه لمسافة بسيطة ليشعر أن به نبض غريب يلمع بغتة ثم يخفت تدريجيا ثم يعود للمعان و الخفوت من جديد . حاول تحريك يده ببطء هذه المرة مستغلا معرفته بالموقف الغريب الذي هو فيه الآن ليقدر بصعوبة على إخراج يمناه من براثن هذا التجويف الغريب . ما إن خرجت يداه حتى شعر أن المكان الذي كانت تشغله يداه قد اختفى بغتة كما لو لم يكن موجودا قط . لمس بحذر هذا التجويف ليشعر بملمس رخو مريب . لم يفهم طبيعة المكان الذي هو فيه الآن لكن ما يشغله الآن أن يخرج من داخل هذا التجويف و يستعيد حريته . كانت

الخطوة الأولى دوما هي الأصعب , فبعدما حرر يمناه بدأ في تحرير يسراه ثم ساقيه و بعدها بدأ يخرج تدريجيا من داخل هذا التجويف ليقدر في النهاية على تحرير نفسه . ما إن وقف على سطح الأرض المتآخمة للتجويف ليجده قد تغير شكله ليبدو مثله مثل تجاويف أخرى على مقربة منه . كان كل تجويف يمتد بشكل متعرج نحو الأفق . لا يعرف من أين بدأ و لا إلى أين إنتهي , لكن كل المنطقة من حوله كانت مليئة بتلك التجاويف و التعرجات الغريبة . بدأ يفحص جسده ليجد بعض من الكدمات بالأخص في ساقيه و ظهره لكن خلاف ذلك لا يوجد شيء خطير . بدأ يتذكر كيف

أتى إلى هذا المكان , فآخر ما يتذكره أنه كان برفقة روليف و من معه من قادة شونتي و كانوا على وشك العودة لمعسكر رونات . تذكر بصعوبة ما حدث لجسده مصحوبا بتلك الضربة العاتية التي لحقت به ليشعر بقشعريرة باردة . رغم أنه لم يرَ من وجه له هذه الضربة لكن من قوتها أمكنه تخيل أنه شخص فائق القوة لاريب . لكن كيف يظهر شخص مثله في هذا العالم دون أن يشعر بوجوده روليف و من معه . لم يعرف إن كان هذا الشخص قد رحل و تركه أم لازال يراقبه . بالنظر إلى مستواه الضعيف و قوته الهشة قرر ألا يشغل نفسه بتلك النقطة , فلو أراد شخص قوي

مثله أن يتخلص منه فلن يحتاج سوى لضربة كالتي وجهها له فيموت على الفور . بدأ ينظر للمكان من حوله في فضول , فأين هو الآن ؟ هل لازال في هوة بوابة نرو أم انتقل لمكان آخر بعيد ؟ رغم أن المكان من حوله كان يشع بإضاءة براقة إلا أنه لم يقدر على فهم طبيعة المكان الذي هو فيه . بدأ يسير ببطء و حذر محاولا تجنب السقوط في تلك التجاويف . بعد فترة من السير بلا نتيجة توقف و بدأ ينظر لتلك الأخاديد الطويلة التي كان محبوسا في إحداها . كان كل منها عبارة عن تجويفا عميقا ينتهي بظلام دامس . رغم أن عرض كل تجويف منهم لا يتجاوز المتر و يمكنه

القفز بسهولة فوقه و إجتيازه إلا أن إمتداد هذا التجويف على مد الأفق جعله يشعر بالخوف منه . أما الأرض الطرية التي يسير فوقها الآن و التي تنبض بضوء أبيض مشوب بالحمرة الخفيفة كانت أشبه بالجزر المتقاربة وسط محيط هائل . بعدما لم يجد شيء يفيده عاود سيره من جديد بلا هدف , بلا هداية . بعدما اطمأن قليلا من عدم هجوم هذا الشخص الغامض قام بالتحرك بأقصى سرعة لديه . مر وقت طويل لم يعرف مقداره و هو تائه وسط ذلك المكان الغريب . بعدما أوشك على فقدان الأمل في إيجاد مخرج من مأزقه شعر بوجود تغير في الضوء ببقعة ما صغيرة للغاية في

الأفق . لم يتوان عن التحرك بأقصى طاقته مقتربا منها . في غضون دقائق كان قد قطع مسافة كبيرة لكن البقعة لازالت بعيدة عنه لم تقترب منه قيد أنملة . تذكر شعورا بالسراب قرأ عنه ذات مرة , فهل ما يراه الآن سرابا ؟ لم يكن في صحراء حتى يرى سراب ! واصل التحرك لقرابة ساعة كاملة حتى شعر أنه يقترب رويدا رويدا من تلك البقعة . كلما اقترب منها أكثر كلما شعر أن الضوء الغامر فيها يخفت كثيرا إلى حد أصبح رؤية تفاصيل تلك البقعة من مكانه البعيد معدوما .

2020/02/11 · 479 مشاهدة · 1840 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024