استمر في ترحاله السريع و عقله قد يئس من تفسير أي شيء في هذا المكان . ما كان يعلق عليه آماله كلها أن يجد شيئا ما يمنحه إجابات على أسئلته في تلك المنطقة التي يتجه صوبها . بعدما استغرق ساعات طويلة وصل أخيرا إلى مقربة من هذا المكان الذي كان يطارده . ما إن وصل إليه حتى فهم لماذا لم يقدر على الوصول إليه في وقت قصير , فذلك المكان يتحرك و ليس ثابت ! إنه كان يطارده ! أخذ إبرو وقتا حتى استطاع أن يستوعب المنظر الذي أمامه . كانت المنطقة التي كان يتحرك نحوها عبارة عن تضخما غريبا مكونا من نفس ما تتكون منه الأرض التي يسير

عليها . كتلة من الكيان الرخو تنبض بضوء أبيض مشوب بحمرة خفيفة و إن بدت أكثر إحمرارا عن المنطقة حولها . أما سبب ملاحظة إبرو لها منذ البداية فكان بسبب أن شيء ما بقمة هذا التل الصغير كان يمتص الضوء المنعكس من قبل سطح التجويف الذي هو فيه الآن . رغم أنه لم يجد أي إجابة بعد لكنه شعر بالترقب إزاء ما سيجده بالأعلى . قبل أن يخطو خطوة واحدة على هذا التل قام بالدوران حوله ليتيقن من عدم وجود أي مصدر خطر له . بعدما تيقن من ذلك بدأ يتحرك صاعدا التل في بطء . ما إن صعد خطوات بسيطة حتى شعر بتغير حاد في الجاذبية . ذكره هذا التغير بالجاذبية التي شعر بها في الهوة المحيطة ببقايا البوابة . رغم تردده إلا أنه لم يكن أمامه مفر سوى أن يتابع صعوده نحو قمة التل . فقط لم يقم بالتحرك بسرعة كبيرة بل كان يسير بتؤدة كما كان يسير في الهوة . كان يتوخى الحذر في كل خطوة يخطيها و عيناه و أذناه تحاولان

إلتقاط أدنى شيء قد يهدد حياته . ظل هكذا و أعصابه مشدودة على آخرها حتى وصل في النهاية إلى قمة التل ليجد أن هناك تابوتا غريب الشكل موضوع في منتصف القمة و كل الضوء الغامر الذي بالمكان ينجذب بطاقة ما إليه . رغم ذلك كان التابوت ذي لون أخضر لا يبدي أي لمحة من لمحات الضوء الأبيض الذي يمتصه . جال ببصره في المكان ليجد أنه يخلو من أي شيء سوا التابوت و لوحا من حجر أشبه بالرخام منصوب بالقرب من التابوت . بدا من مكانه البعيد عنه أنه كشاهد قبر . لم يجد تفسيرا أقرب مما يراه إلا أنه الآن أمام قبر . لكن لماذا يتحرك هذا القبر ؟ ولماذا يمتص الضوء ؟ و ما علاقته بتلك التجاويف و التعرجات الطويلة ؟ ظن أنه حين يصل إلى قمة التل فسيجد أجوبة على أسئلته لكن ما حدث أنه اكتسب أسئلة جديدة تُضاف إلى ما في جعبته . شعر بالإحباط لكن على الرغم من ذلك قرر أن يزور القبر , فهذا التل يتحرك بإستمرار .

يمكنه الإستراحة عليه حتى يجد شيئا مغايرا . أثناء ذلك و بما أنه لا يمتلك أي شيء لتمضية وقته قرر أن يزور القبر . ما إن اقترب منه حتى اكتشف ان الحجر المنصوب كان ضخما للغاية . ما أدهشه أن هذا الحجر كان منقوش فوقه كتابات بخط صغير للغاية . تحرك في بطء و روح خالية من أي حماس صوب الحجر ليقف أمامه مباشرة . كان بالفعل حجرا هائلا للغاية يصل إرتفاعه إلى خمسين مترا تقريبا . لم يعرف كيف لحجر مثله أن يظل واقفا ثابتا هكذا دون أن يسقط أو يهتز , لكن ما إن وقع بصره على الكتابات المنقوشة عليه حتى تسمر في مكانه و بدأ يقرأ في صمت و تركيز تام ما هو مكتوب عليه .

" لا تنساني

ربما آن الأوان أن أخبرك أنني أشعر أن تلك المسافة الكبيرة بيننا فيزيائيا لم تعد موجودة , و كأننا نعيش في المكان ذاته رغم فارق العوالم بيننا . ربما كان صوتي و أنا أناديك و أغني لك صنع جسرا بيننا قلص تلك المسافة .

لقد كنت أنتظر خلف باب داري و أنا على أمل أنني سأجدك عندما أفتحه , منذ ذلك الحين و مع كل باب فتحته و مررت خلاله كنت أنتظر أن أجدك خلفه . بعد كل عائق أمر به أنتظر أن أجدك خلفه . مع كل معركة خضتها كنت أنتظرك بعدها .. لكنك لم تكن موجودا خلف كل تلك الأبواب و خلف كل العوائق و خلف كل المعارك .

انتظرتك مع نهاية كل يوم و مع غروب كل شمس . ظننت أنك ستأتي مع المساء , ربما يدفعك الشوق ليلا لتأتي إلي , و لكن ماذا حدث بعد ذلك ؟ لا شيء .

لم تأتيني في كل تلك الليالي فأردت أن أستحضر روحك بالكتابة على شاهد قبري . أحضرت أحجاري و أقلامي و بدأت أكتب عن عذابي و عن ألمي , عن حزني و عن شوقي و شبقي و عشقي و روحي المزروعة فيك .

رجوتك كثيرا في خطاباتي أن إهمالك لي يقتلني فلا تفعل .. وكأن وطني أصبح منفى .. مليء بالأغراب , و أن في الغربة قريب وحيد لي أنتظره , و هو أنت . كيف أصبح ذلك الحضر غابة موحشة في غيابك , كيف أصبحت ساحة الرقص خاصتي مخيفة كأننها مملوءة بالأشواك . لم أعد أجرؤ على الخطو عليها في غيابك . هل تذكرها ؟ هل تذكرني ؟

هل لا تريد فعلا أن تكون معي ؟

هل فعلا لم تعد تتذكرني ؟

هل تحرمني الآن من وجودك ؟

فقط

ابعت لي رسول من عندك لألملم شتات نفسي

ربما صوتك

ربما أنفاسك

ربما نظرة عينك

ربما رسمة شفتاك

ربما أي شيء من أثرك سيكفيني للنجاة .

لم أعد أطيق الحياة من دونك

لم أعد أطيق إهمالك لي

وتناسيك ذكراي

تصدق علي .. بوجودك

الصداقات للضعفاء و المساكين , و أنت جعلتني في غيابك منهم

تصلح للخائفين و الضعفاء و الغرباء في أوطانهم ..

أنا الآن بدونك غريبة ضعيفة مسكينة فقيرة ..

وخائفة .

أرسل لك كتاباتي من أرض الخوف و أرض الوحشة و أرض المساكين

هل هان عليك عمري هكذا ؟

هل هانت عليك أيامي هكذا ؟

هل هنت عليك لتظلمني بغيابك و إهمالك لي هكذا ؟

ان كنت تنوي الإدعاء بإنشغالك .. على الاقل لا تتركني للموت ببطء هكذا .. حافظ على نية عودتك لي و ابقي عينيك على صورتي و في إتجاهي .. ابقي جسدك لأشعر خلاله بالدفء و الحياة .

عدني ..

أنا مازلت على وعدي لك , هل تدرك ذلك ؟

انا مازلت على وعدي

هنا أنتظرك و قلبي ينتظرك

لكني أتذكر الآن أنك بالفعل

نسيتني

كما اعتدت منك دوما نسياني

كما اعتدت منك دوما نسيان سقاية زهورك

فأنا زهرة مثلهم .. ذبلت !

بإهمالك

ونسيانك لي

يدك نستني

عينيك نستني

قلبك نساني

إذا يوم أردت أن تحن لوطن

مازال قلبي وطنك ينتظر عودة غائبه .. ينتظر حبيبه ..

أحبك و أكرهك و أشتاق لك و لا أريد رؤيتك ..

لكني أحبك .

"

تسمر إبرو في مكانه لا يدري ما الذي حدث له . ما إن قرأ تلك الكلمات حتى شعر برجفة تجتاح جده مصحوبة بدمعات بدأت في التدفق من مقلتيه . شعر بالدموع الحارة تحرق وجهه لكن على الرغم من ذلك لم يتحرك قيد أنملة و هو لازال محدقا صوب ذلك الشاهد المنصوب أمامه . لم يدر ما

أصابه , لكن شيء ما في داخله بدأ في التكسر فور ما وقعت عيناه على الكلمات . بعد فترة من الوقت لا يعلمها شعر أنه عاد للواقع من جديد . لم يعرف كم مرة عاود قراءة تلك الكلمات حتى أنه كاد يحفظها . استشعر هبوط سيل من الدموع بصمت على وجنتيه فمسحها في بطء و هو لا يدري لماذا تأثر بتلك الكلمات هكذا . هو لا يعلم اسم من كتبها لكنه يشعر كما لو كان يعرفها حق المعرفة . نظر من جديد نحو تلك الكلمات كما لو كان يلقي عليها نظرة وداع . تحرك بعدها جسده ببطء مبتعدا عن الحجر متجها صوب التابوت . كان يريد الآن فوق أي شيء آخر أن يعرف

هوية من هو مدفون فيه . قبل أن تتجاوز قدماه الشاهد لاحظ وجود كتابات أخرى خلفه . فتحرك في سرعة متجها صوب الجانب الآخر من الشاهد . كان يلوم نفسه , كيف نسى أن هذا الحجر العملاق له جانبين ؟ ساقته قدماه في خفة ليقف من جديد متسمرا أمام الجانب الخلفي للشاهد و عيناه تتنقلان بين الكلمات المكتوبة بخط رفيع صغير عليه .

"

هذا تذكار من زهرتك التي ذبلت

حتى لا تعتقد أنني في يوم ما قد نسيت كلمتك لي

ووعدي لك

هذا سجل مني لأهم ما حدث لي .. لتعرف أنني لم أنساك يوما

حتى و أنا أعاني

حتى و أنا أموت

لازلت بإنتظار عودتك لي

لقد رحلنا من عالم بونيل سويا . لم تدم رحلتنا سويا طويلا لنفترق

فراق كان بداية العذاب

لا أعرف إن جئت على بالك يوما

هل تذكرتني ؟

هل تذكرت فتاتك ؟ زهرتك ؟ لعبتك الصغيرة ؟

حتى لو لم تتذكرني فأنت لم تغب يوما عن بالي

حين تركتك كان ذلك هو الملاذ الأخير لنا

أخبرتني أننا سنلتقي مجددا

ولم تفعل

حين افترقنا منحتني خطة

خريطة

مكانا آمنا في نظرك لهروبي و هروبك

لكن ما لا تعلمه أن هذا المكان لم يكن ملاذا

بل كان كابوسا

لقد وجدت أن المكان الذي أخبرتني بشأنه تم غزوه من قبل جيوش موليس

عانيت و حاربت و قمت بكل شيء يمكنني فعله حتى أنني استخدمت آخر قطرة موندز منحتها لي حتى أقدر على التغلب عليهم

لكني فشلت

لهذا قمت بكل ما يمكنني فعله لخطتي الثانية

إن لم أقدر على تطهير المكان من موليس

فحينها يجب أن أمنح لك الفرصة لتعيش فيه حين تعود

تعيش فيه خاليا من أي مخاطر

حتى ولو كان الثمن هو حياتي

ربما لوهلة شعرت بالإمتنان لأنك لم تحضر معي إلى هنا

حينها ربما لن أقدر على حمايتك

أما الآن فأنا مطمئنة

أنت لي

حتى و إن لم يعد بمقدوري رؤيتك

سأموت مطمئنة عليك

خذ وقتك

ولا تعد إلى هنا حتى تنتهي خطتي و أتخلص من كل وحوش موليس

حتى تعود أتمنى أن تكون دوما بخير

حبيبتك و لعبتك و زهرتك

نرو

أفتقدك بشدة ريونيد

"

2020/02/11 · 513 مشاهدة · 1563 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024