رغم كثر كلماتها التي كانت ثرثرة بالفعل إلا أن إبرو كان مشدودا لكل كلمة فيها . رغم أن كثير منها حملت أجوبة على أسئلته لكن هناك أسئلة أكثر قد انفجرت في وجهه . نحى كل هذا جانبا فلا وقت لتفكيره في تلك الأسئلة ثم ألقى بسؤاله الأهم على الإطلاق قائلا :

-هذا يعني أن وحش جوجناق قد مات , أليس كذلك ؟

-أنت نسيت أنني أخبرتك أن كل من يقتل هذا الوحش يفقد حياته على الفور . حياة مقابل حياة هذا هو قانون جوجناق . لهذا فجوجناق لازال حيا . في الواقع أنت الآن داخل جمجمته الهائلة و تقف فوق عقله الذي أسيطر عليه بأداة تقنية أخرى أملكها .

جاءت تلك المعلومات بمثابة الصدمة لإبرو . هو داخل جمجمة جوجناق ؟ هذا إحتمال مستحيل ان يخطر على عقله قط . لكن بعدما تجاوز صدمته بدأ يفكر في ما يعنيه ذلك .

-أنتِ سيدتي كنتِ في إنتظار شخص يقابلكِ هنا ؟

-أنت ذكي يا إبرو . بالفعل فإن مت لن أقدر على نقل كل الكلمات التي لم أقلها يوما لريونيد . أما الآن و قد وجدتك فيمكنني الموت و أنا مطمئنة .

تردد إبرو في إخبارها أن وقت طويل قد مر على فراقها لريونيد و بكل تأكيد هو ميت الآن لكنه تراجع عن ذلك , فهي في لحظاتها الأخيرة و يكفيه أن تختفي للأبد و هي سعيدة و مطمئنة .

-ألا توجد طريقة لإنقاذك سيدتي ؟

-أنت رجل طيب يا إبرو . الآن سأقوم بنقلك من هنا و بعدها سأتخلص من هذا الجوجناقي . تذكر أن قناة إنتقال موليس لازالت تعمل و كل فترة ستقوم بنقل عدد كبير من الوحوش لعالمك . لا تستهن بتلك الوحوش يا إبرو فإنها تفوقك دهاءا و شراسة و خبرة و قوة . تحلى بالصبر و لا تحاول قط الخروج من ريونيد إلا بعدما تكون قوتك قد تطورت .

-إلى أي مستوى يمكنني أن أنتقل بعدها خارج عالم ريونيد ؟

-إلى ما فوق المستوى الأربعمئة . داخل أداة ريونيد مقياسا لقوة كل شخص . حينما تصل إلى تلك النقطة سيتم إخبارك تلقائيا فلا تقلق بذلك . تذكر فقط أنه إن عاد ريونيد إلى هنا أن تخبره بكل شيء . أما إن خرجت من هنا فلو قابلته بالصدفة أخبره و إن لم تقابله فلا تبحث عنه . الآن قلت كل ما لدي و سأقوم بنقلك من هنا .

قبل أن يقول أي شيء شعر بضربة قوية لا قبل له بها ترتطم بجسده . كانت قوتها مماثلة تماما للضربة التي أحضرته إلى هنا . شعر بإندفاع جسده و قبل أن يختفي من المكان سمع السيدة تقول :

-شكرا لك على إستماعك لي . حين تعود و تصبح أكثر قوة ستمنحك ريونيد هدية مني لك . كن مثابرا و قويا و أتمنى أن تظل حيا في النهاية يا إبرو .

بعدها اختفى من المكان بغتة مصحوبا بصوت عال للهواء يصدح في أذنيه في قوة . لم يستغرق وقتا طويلا حتى شعر بجسده يرتطم بالأرض في عنف و معها سرى في جسده آلام هائلة ليفقد بعدها الوعي من جديد .

لم يعرف كم مر عليه فاقدا للوعي لكن ما إن إستيقظ و شعر بما حوله حتى قفز من مكانه بغتة . جاءت حركته لتجذب إنتباه كل من حوله ليتحركوا نحوه بنظرات قلقة جلية على ملامحهم . تلفت إبرو حوله محاولا إستيعاب المكان المكان الذي هو فيه الآن . في غضون لحظات كان محاطا بعدد

كبير من الوجوه المألوفة . لفت نظره وجود وجه لم يكن يتوقع وجوده إلى جواره خاصة حين أدرك أنه يقبع في الردهة الأساسية لمبنى حاكم المدينة في معسكر رونات .

-ما الذي أتى بكِ إلى هنا يا آية ؟

-هل تمزح ؟ لقد فقدت وعيك لأسبوع كامل يا إبرو . أخبرني هل أنت بخير ؟

-أسبوع كامل ؟

تمتم في ذهول محدقا نحو وجوه من حوله ليجدهم لم يعلقوا على كلمات آية كما لو كانت حقيقة . لم يتمالك نفسه عن الشعور بالذعر , فهو لم يبقَ في ذلك المكان سوى ليوم واحد على أقصى تقدير , لكن سبعة أيام كاملة فقد فيها وعيه كانت مفاجأة له . حين فكر في كلمات آية شعر بوجود خطب ما فقال متسائلا بحذر :

-هل فقدت وعيي أثناء وجودي في تلك الهوة ؟

تدخل هذه المرة روليف ليقول موضحا :

-بلى , كنا على وشك العودة للمعسكر لكنك توقفت مكانك دون حراك . حينما عدنا لك وجدناك تسقط على الأرض فاقدا لوعيك . منذ تلك اللحظة و أنت فاقد للوعي و لم تفق إلا الآن .

-في الواقع استيقظت ووجدتك تلعب في اللعبة . بعد فترة قررت الدخول إليها و لقائك لكني وجدتك لا تجيب علي . حينها اتجهت صوب قصر الحاكم في شونتي و هناك أرسلوا رسالة للحاكم بوجودي , فأرسل لي لفافة إنتقال إلى هنا . لقد أصبتني بالذعر يا إبرو . ما الذي حدث ؟

تمتم إبرو في ذهول مصعوقا مما سمعه للتو :

-لا أدري . أنتِ أخبريني ماذا حدث أثناء فقداني للوعي ؟

تدخل روليف ليقول :

-لم يحدث شيء سوى أنني امرت بإحضار كافة المعالجين من شونتي دون جدوى . لو لم تستيقظ اليوم لحزمت أمري و ذهبت إلى أبيدون بنفسي لأجد معالجا لك .

-هل لم تذهب بعد إلى أبيدون سيدي الحاكم ؟

-بلى , فكيف أذهب و أتركك هكذا يا إبرو ؟

شعر إبرو بالإمتنان مجددا له . كلما تعامل مع هذا العجوز شعر بالتقدير أكثر نحوه . لكن ما لا يعرفه الآن هل ما مر به كان حقيقة أم حلم ؟ استرجع الكثير مما عاصره فأيقن بحقيقة كل ما حدث . كيف يكون كل ذلك حلما ؟ تلك المعلومات و هذه المشاعر و تلك السيدة . مُحال ! مؤكد أن لها طريقة لأخذ وعيه عن جسده و إعادته من جديد . تذكر كلماتها الأخيرة و أنها ستقوم بقتل جوجناق فاندفع إبرو متسائلا :

-هل حدث أي شيء لجوجناق ؟

-أتعني جوجناق الوحشي ؟ لا , فنحن لم نقترب منه قط . لقد اتفقنا قبل فقدانك للوعي ألا نقترب منه قيد أنملة .

-تعالي معي .

أمسك إبرو بيد آية ثم لم يتوقف بعدها لثانية و تحرك في سرعة خارجا من المكان . أدهش ما فعله كل من بالمبنى ليجدوا أنفسهم يحدقون إلى بعضهم البعض . كانت الحيرة جلية على ملامحهم لكن سرعان ما قال روليف للجميع :

-لنتبعه . طريقة حديثه لا تبشر بخير . أتمنى ألا يقترب من وحش جوجناق .

-يقترب منه ؟ إن حاول الإقتراب منه علينا منعه فورا .

ما إن أدركوا الإحتمال الأكثر خطورة تحركوا على الفور متبعين خطوات إبرو . كان الفارق في المستوى هوة شاسعة بين الطرفين خاصة أن إبرو يتحرك في سرعة حاملا آية بين ذراعيه و هذا ما كان يبطئه . رغم انه كان يتحرك صوب منطقة البوابة و جوجناق إلا أن روليف كان يأمل أن يكون تخمينه مخطئا . مع مرور الوقت أيقن روليف أن حدسه كان صائبا و أن إبرو يرغب في الدخول إلى منطقة البوابة لمقابلة جوجناق . رغم أنه لا يعرف ما الذي دفع إبرو لفعل ذلك لكن عليه أن يمنعه فورا , فهم لا قبل لهم بمجابهة وحش مثله . حينما اقترب إبرو و آية للغاية من

أطراف الهوة تحرك روليف ليقف أمامهما قاطعا الطريق عليهما . لم يكن بمفرده بل بصحبة كل قادة شونتي . نظر إبرو لهم جميعا و قال محاولا التوضيح قدر الإمكان دون أن يكشف عن أي من المعلومات التي يعرفها أو يكشف أمر تلك السيدة :

-لا تقفوا في طريقي هكذا . إن جوجناق قد مات و الآن هي فرصة لأخذ كل ما يمكن أخذه من جسده .

-من أين عرفت تلك المعلومة يا إبرو ؟ لقد كنت فاقدا للوعي لأسبوع كامل و لم تستيقظ سوى الآن !

تردد إبرو , فهو لن يخبر الحاكم ولا من حوله بتفاصيل لقائه بتلك السيدة . لاحظ الجميع تردده لذا لم يتحركوا من مكانهم قيد أنملة . فكر إبرو في محاولة إجتيازهم و الهرب منهم لكنه تخلى عن تلك الفكرة , ففارق المستوى شاسع للغاية بينهما . قبل أن يجد حلا لتلك المعضلة حدث زلزال

ضخم في عالم ريلانت كان مركزه هو المنطقة التي فيها البوابة . كان الجميع قريب للغاية من الهوة لذا استطاعوا تحديد منبع الزلزال ليهمس روليف في ذهول و ذعر :

-لقد استيقظ جوجناق ! ماذا عل..

قبل أن يكمل عبارته قاطعه صوت صراخ عالي للغاية و معه استمر الزلزال و زاد في حدته . في ثوان

كان الكون كله حولهم عبارة عن زلزلة عظيمة و صراخ هائل . بعد لحظات هدأت الأرض مجددا و اختفى الصراخ راحما آذانهم . كان الجميع على الأرض بلا إستثناء . بعدما انتهى كل

شيء وقفوا و أرجلهم ترتعش من فرط الذعر . لم يكن إبرو مهتما سوى بآية التي حملها من جديد و كان مستعدا للدخول إلى الهوة , لكن باغته ظهور طيف عملاق لأنثى في غاية الجمال لم يقابل إبرو فتاة في مثل جمالها . نظرت الفتاة للجميع ثم ركزت بصرها على إبرو و قامت بعدها بالتلويح له . لم يكن إبرو بحاجة لتخمين هويتها , فهي بالتأكيد نرو . بعدها بدأ طيفها يخفت حتى اختفى تماما .

2020/02/11 · 513 مشاهدة · 1426 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024