نظر الجميع نحو الفتاة التي اختفت ثم نظروا نحو إبرو ليجدوا مقلتيه مغرورقتين بالدموع . شعرت آية بقبضة تعتصر قلبها حين شاهدته هكذا . مسح إبرو دموعه المنسابة على وجهه ثم قال للجميع :

-لقد أخبرتكم أن وحش جوجناق قد مات . أمامنا يوم كامل علينا ألا نضيع ثانية منه . هذا الوحش الهائل يملك الكثير من الأسرار و الموارد التي نحتاجها .

لم يكترث أي ممن حوله بما يقول في حين تسائل دوزير في حذر :

-من كانت تلك الفتاة يا إبرو ؟

هز إبرو كتفيه بلامبالاة و تحرك متجاوزا الجميع حاملا آية . تبادل دوزير و من حوله النظرات في صمت . كانوا يدركون أن تلك الفتاة قامت بالتلويح لإبرو قبل ان تختفي . هذه الفتاة جاءت من مكان البوابة و جوجناق , و إبرو كان يبدو على تمام الثقة من موت الوحش . هذا كله يعني أن إبرو كان يعرف تلك الفتاة , لكن كيف ؟ فهو كان فاقدا لوعيه و طيلة الوقت كان تحت أعينهم . بدا كل شيء لغزا محيرا و سرا عظيما لكن حزم روليف أمره متذكرا كلمات إبرو فقال :

-لنلقي بما حدث خلفنا و لا نتحدث عنه مجددا . إن شعر إبرو بالرغبة في إخبارنا في المستقبل فسيفعل . لا تنسوا أنه من أحضرنا منذ البداية إلى هنا . مؤكد أن لذلك علاقة بتلك الفتاة . أنتم رأيتم دموعه و إحمرار مقلتيه و ملامح وجهه الحزينة . هذه الفتاة كانت تعني له الكثير . لنحترم رغبته في حماية أسراره الشخصية و علينا الآن أن نستغل الموقف و نقوم بإستخلاص أكبر قدر ممكن من الموارد من جسد هذا اللعين . دوزير لتذهب و تحضر عدد كبير من الحراس من المعسكر و لتخبر بقية المعسكرات أن ترسل منقبي المناجم إلى هنا . كذلك أرسل رسالة إلى شونتي ليرسلوا كل من يمكنهم إرساله من عمال الصنع الحياتية المختلفة . أمامنا يوم و هو فترة قصيرة يجب أن نقتنص كل ثانية منها , فتلك الفرصة لن تتكرر من جديد .

على مضض قال دوزير :

-اوامرك سيدي الحاكم .

تحرك بعدها ليختفي في حين توجه روليف لمن حوله قائلا :

-كلنا نمثل أقوى لاعبي شونتي , و جميعنا يمتلك سكلات جمع متعددة . علينا أن نقوم بفعل كل شيء ممكن لإستخراج كل ما هو في باطن هذا الجوجناقي .

-أوامرك سيدي الحاكم .

رغم إمتعاضهم من حماية الحاكم المتكررة و المتحيزة لإبرو إلا أنهم كانوا مدركين لحجم الفرصة النادرة للغاية و التي لن تتكرر قط بعد ذلك متمثلة في كنوز جسد جوجناق . تحركوا بعدها في سرعة كلٌ في إتجاه . كانوا يعرفون مسبقا أن كل الهوة القرمزية هي جسد جوجناق . أي أن تلك الهوة الهائلة كنز ينتظرهم أن يستخرجوه بأنفسهم . شرع كل منهم في عملية تنقيب و تجميع و إستخراج كل ما يمكنهم من هذا الجسد الهائل .

أما ابرو فقد كان في طريقه مهرولا صوب بقايا البوابة . رغم أنه قطع الطريق من قبل في غضون ساعات ثلاث إلا أن ذلك كان بسبب سيره مع قادة شونتي بخطى بطيئة حذرة , أما الآن فهو واثق تمام الثقة من خلو المكان من أي خطر . كانت آية بين ذراعيه تشعر بالغضب و الصدمة و الحزن في آن واحد . تذكرت أنها لا تعرف شيئا على الإطلاق بشأن إبرو و لا حياته الخاصة . إنها تشعر نحوه بمشاعر لا يمكن نفيها أو تجنبها , و كذلك شعرت أنه يكن لها نفس المشاعر . إذن من هي تلك الفتاة التي بكى من أجلها ؟ كانت مترددة في سؤاله بشأنها لكن إبرو كان مبادرا للقول :

-لا تفكري كثيرا بشأن تلك الفتاة فهي ليست فتاتي بل يمكنك القول أنها معلمتي .

لم يكن إبرو جاهلا بمشاعر آية . كان يشعر بالضيق إزاء ما تسبب لها من حزن لكنه في الوقت نفسه كان مترددا في إخبارها بكل شيء . فما يعرفه الآن لا يمكن لأي شخص تقبله مهما كان , حتى هو لازال غير مصدق لما عرفه . لذا هداه تفكيره أن يقول عن نرو أنها معلمته . هو لم يكن يكذب , ففي الواقع حين ينظر إبرو لما حدث يشعر أنها كانت تمنحه إرثا خاصا يمنحه المعلم لتلميذه . صمتت آية كما لو كانت تفكر في تبرير إبرو ثم قالت في تردد محاولة التيقن مما قال :

-هل قلت أنها معلمتك ؟ كيف تعرفت عليها و ماذا علمتك ؟

صمت إبرو محاولا تنظيم كلماته التالية فهو يخشى للغاية فضول الأنثى داخل آية أن تكتشف كذب ما يقول , ثم قال بنبرة هادئة :

-لقد قابلتها في أثناء مهمة خاصة لي , و قد علمتني كثير من أسرار ريونيد . كيف ظننتي أنني أعرف كل هذه الأسرار عن اللعبة إذن ؟

صمتت آية و قد بدأت تقنتع بكلمات إبرو و تبريراته . كانت فكرة صائبة أن يقوم إبرو بالربط بين نرو و بين كم ما يعرفه من أسرار عن اللعبة , فهكذا قد منح لأية تبريرا منطقيا لكل ما كان يعرفه عن اللعبة و في الوقت ذاته استطاع حماية هوية نرو و حصرها في صورة معلمته .

-هل علمتك كثير من أسرار اللعبة ؟

-بلى , أسرار كثيرة أخبرتكِ بها و أسرار أكثر لازلت لم أخبركِ بها .

-أخبرني بكل شيء إذن .

-لا يمكنني ذلك حاليا , فكما وعدت معلمتي ألا أفصح بما عرفته لأحد إلا حين يكون الوقت ضروريا لذلك .

نظرت آية نحوه نظرة غاضبة لكن إبرو كان يعرف أنها تتصنع ذلك . قالت في صوت جاد غاضب :

-أنت و عشقك للأسرار ! لقد سئمت طريقتك تلك يا إبرو .

-لا تقلقي , حين يأتي وقت مناسب لإخبارك بأي أسرار لن أتردد قط . ألم أخبركِ بكثير من الأسرار بالفعل ؟

لم تجبه آية إنما اكتفت بهمهمة صامتة كما لو كانت غاضبة منه . لم يكن هناك مجال لمزيد من النقاش فقد وصلا إلى منطقة البوابة . جاء ظهورها أمامه لينقذه من المأزق الذي هو فيه . نظر بجدية نحو المنطقة أمامه . كانت الخيالات التي رآها من قبل بصحبة روليف و من معه قد صارت واضحة المعالم و هو واقف أمامها الآن . بدا له أنه قزم ضئيل مقارنة بحجم تلك الأجزاء العملاقة الساقطة على الأرض من حوله . أمعن التدقيق في ما تبقى من أجزاء بوابة الإنتقال . كانت الأجزاء في مخيلته حين يتم تجميعها سويا ستشكل قوسا عملاقا يشبه كثيرا في منظره قوس النصر في باريس . امتدت نقوش بلغة غير مفهومة له على كل إنش من أجزاء البوابة . أنزل آية لتقف إلى جواره محدقة فيما حولها بعدم فهم .

-ما كل هذه الأحجار العملاقة يا إبرو ؟

-إنها أجزاء بوابة ضخمة . تلك البوابة هي التي تسمح بوحوش نرو بالدخول إلى هذا العالم .

-لكن يبدو لي أنها محطمة . من حطمها هكذا ؟

تحرك إبرو مقتربا من أحد القطع الضخمة و هو يقول بإيجاز :

-من حطمها هي معلمتي .

شعرت آية بالدهشة حين سمعت ذلك . هل كانت معلمته بالفعل شخص قوي للغاية ؟ و هل هي بالفعل معلمته كما يقول ؟ جذب انتباهها اقتراب إبرو للغاية من أحد الأحجار متفحصا إياه بتمعن . شعرت أنه ليس هنا من سبيل الفضول بل إنه يبحث عن شيء ما .

-عم تبحث ؟ يمكنني مساعدتك إن أخبرتني .

لم يتوقف إبرو عن التدقيق في تلك الرموز عله يجد ما يمكنه أن يفيده في سعيه . تحدث بصوت عميق و نبرة بطيئة و هو يواصل بحثه :

-الحقيقة أنني لا أعرف عم أبحث . كل ما أعرفه أن معلمتي قامت بتدمير تلك البوابة . هذه البوابة هي السلاح الذي يستخدمه وحوش نرو لغزو أي عالم . بالطبع إن استطعنا إيجاد طريقتها في تدمير تلك البوابة فحينها سنقدر على حماية الأرض من غزو نرو .

-أنت تبحث عن شيء لا تعرفه إذن .. هذه سابقة لك يا إبرو . لكن مهلا , ألا يمكن أن تكون معلمتك قد دمرت البوابة بواسطة سكلة خاصة بها ؟ كيف ستجد إذن هذه السكلة ؟

هز إبرو رأسه نفيا و قد فشل في إيجاد أي شيء يفيده في هذه القطعة الحجرية امامه فتحرك صوب قطعة أخرى و هو يقول :

-ما عرفته من طريقة تدمير معلمتي لهذه البوابة أنها استخدمت أداة سحرية في ذلك . علينا أن نبحث عن تلك الأداة علنا نجدها و نقدر على إستغلالها في المستقبل .

-فهمت قصدك , لكن هل تعرف وصفا لتلك الأداة ؟

هز إبرو رأسه مجددا و هو يقول :

-للأسف لا . علينا أن نبحث عن أي شيء غريب في تلك الأحجار , فربما نجد إشارة على مكان تلك الأداة .

تلفتت آية حولها لتحدق صوب كل هذه الأحجار الهائلة . لم تقف في مكانها بعد ذلك للحظة بل تحركت صوب مجموعة مختلفة من الأحجار لتقوم بفحصها . رغم أنه لم يفهم أي شيء من تلك الرموز المنقوشة على أحجار البوابة إلا أنه لم يشعر باليأس قط . استغرقت رحلة البحث خاصتهما ساعات طويلة كانت خلالها آية تسترق النظر نحو إبرو . رأته يفحص الأحجار بتركيز تام كما لو أن فشلهما في إيجاد أي علامة أو دليل حتى الآن لا يؤثر عليه . رغم محاولاتهما المضنية في إيجاد أي شيء لكن بعدما انتهوا من فحص كل الاحجار لم يجد أي منهما ما يمكن أن يدلهما على الأداة التي يبحثان عنها . توقفت آية إلى جوار إبرو الذي كان ينظر في المكان حوله في جدية و تحدي . لم تشعر آية منه أي شعور باليأس أو الإحباط أو الحزن , بل على النقيض بدا لها غير مكترث بفشلهما كما لو أن ذلك كان متوقعا له . أما إبرو فقد وقف في مكانه يتذكر قدر المستطاع

تفاصيل المكان الذي زاره و الأحداث التي مر بها و المعلومات التي تلقاها من نرو . كانت تلك مجموعة ضخمة من الذكريات التي كان عليه تفنيدها و التفكير فيها بروية و تمعن . أثناء ذلك كان يسير ببطء و تؤدة في المنطقة محاولا أن يجد أي شيء يساعده على إيجاد تلك الأداة . كانت تلك الأداة هي السلاح الذي سيوفر حماية قوية لعالمه و إلا فسيظل دوما تحت وطأة تهديد غزو وحوش نرو للأرض . أخذ يعصر عقله محاولا إيجاد إشارة أو دليل ما من كلمات نرو له . حينما رأته آية هكذا حائرا لا يجد أي هدى قالت محاولة طمأنته :

-لا تقلق , فمؤكد إن لم نجد أي دليل هنا فربما يوجد في جسد هذا الوحش . لا تنسى أن حاكم شونتي و من معه يقومون الآن بمحاولة إستخراج كل ما يمكنهم من جسده . ربما نجد شيئا يفيدك هناك .

2020/02/11 · 504 مشاهدة · 1642 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024