توقف إبرو فورا على السير بلا هداية و استدار ليحدق نحو آية ممعنا النظر فيها و هو يقول متسائلا :

-هل يمكنكِ أن تعيدي ما قلته لي الآن ؟

كانت على وشك تعنيفه إلا أنها تذكرت حادثة سابقة بينهما . حينها استطاع إبرو أن يجد حلا لمشكلته من خلال كلماتها لذا سارعت بتكرار ما قالته قائلة :

-قلت لك ألا تقلق , فمؤكد إن لم نجد أي دليل هنا فربما يوجد في جسد هذا الوحش . لا تنسى أن حاكم شونتي و من معه يقومون الآن بمحاولة إستخراج كل ما يمكنهم من جسده . ربما نجد شيئا يفيدك هناك .

كانت الصورة التي أمامها مماثلة تماما للذكرى القديمة في مخيلتها . فإبرو بدأت يتمتم كالمسحور بكلماتها و عيناه تلمعان ببريق غريب . كانت تدرك أنه على وشك إكتشاف حلا هدته إليه كلماتها دون قصد , لكن هذا أشعرها بالرضا التام . فهي ليست مجرد تابعة له بل شريكة , و ها هي الآن تساعده في مشاكله الكثيرة .

-أنتِ عبقرية يا آية !

-لست بحاجة لك كي تخبرني بذلك .

ضحك على تعليقها لكنه كان ممتنا لها تماما . لقد اكتشف بغتة حين سمع كلماتها أنه كان يبحث في المكان الخطأ . لقد قامت نرو بالسيطرة على الوحش و جعله في سبات عميق و ذلك من خلال أداتها . تلك الأداة التي مكنتها من قتل هذا الوحش الخطير , و من ثم فمن الطبيعي أن تكون الأداة في جسد الوحش و ليس خارجه . كذلك ربما تركت خلفها مجموعة أخرى من الأدوات و من بينها قد تكون الأداة التي يبحث عنها . رغم أنه لا يثق تمام الثقة في إيجاد تلك الأداة هناك إلا أنه الآن صار يملك إتجاها ليسير فيه و دليلا يهديه . هذا أفضل بكثير من وضعه الحالي . فكر بعدها في السؤال الأكثر أهمية , أين يوجد رأس ذلك الكائن ؟ تلفت حوله في الهوة الفسيحة ليشعر كم هو ضئيل , و كم كانت نرو قوية . هذه الهوة لا تقل مساحتها عن خمسمئة كيلو متر إن لم تصل لألف . هذه هي المساحة التي يشغرها جسد جوجناق بأكمله . لاحظ بعد فترة من المراقبة و التفكير أن البوابة التي يقف عندها تقع عند مركز هذه الهوة , فهل هذا يعني أن عقل هذا الوحش موجود الآن أسفل قدميه ؟ حين وصل لتلك النقطة نظر أسفل منه على الفور . كانت الأرض أسفله شبيهة كثيرا بأرض الهوة عدا بعض من الإختلافات البسيطة التي لم يعرها إبرو من قبل أي إهتمام . لكن الآن حين عاود النظر بجدية لاحظ أن لون التربة يختلف عما حولها من تربة الهوة , فهي ليست حمراء قرمزية بل كانت حمراء مشوبة بلون أبيض باهت . تذكر الضوء اللامع الذي وجده في عقل هذا الوحش من قبل فأيقن من صحة تخمينه . قال في سرعة لآية :

-لتبحثي عن تربة يخفت فيها اللون الأحمر كثيرا عما حوله .

-هل تريدني أن أبحث في التراب ؟

لم يضحك إبرو على تعليقها بل قال في جدية تامة :

-لا تبحثي في التراب فقط لاحظي درجة لونه . حين تجدي منطقة ذات لون أحمر باهت للغاية أخبريني .

لم تفهم ما كان يعنيه بكلماته تلك لكنها تحركت لتبحث في الأرض أسفل منها . كانت كأي أنثى لها درجة إستشعار عالية للفروق اللونية لذا بعد مرور ساعة كاملة صدح صوتها العالي جاذبا إنتباه إبرو لها :

-لقد وجدت منطقة مماثلة لما تبحث عنه . تعال بسرعة .

توقف إبرو عما يفعله ليتحرك طيرا بسرعة هائلا نحوها . ما إن وصل إليها حتى لاحظ أن البقعة التي تقف عليها بالفعل لونها مغاير لما حولها , كانت أكثر قربا للأبيض عنه للأحمر . كانت البقعة تلك عبارة عن دائرة صغيرة لا يزيد قطرها عن مترين . مقارنة بحجم الرأس الهائل كانت أشبه بنقطة في محيط .

-هذه هي ما تبحث عنه , أليس كذلك ؟

انحنى إبرو متفحصا تلك الدائرة في تمعن و هو يقول بصوت خفيض :

-بلى , إنها تقريبا مشابهة لما كنت أتوقعه .

ما كان يحيره هو حجمها الصغير , فقد كان يظن أنها ستكون بقعة كبيرة للغاية . حينما أطال النظر لها تخيل طريقة دخول نرو لرأس هذا الكائن . مؤكد أنها قامت بإحداث جرح غائر برأسه عبر أداة سحرية أو سكلة خاصة بها ثم بعد ذلك عبرت من ذلك الجرح . إن ما أمامه الآن هو ثغرة دخولها إلى رأس جوجناق , وعليه أن يقوم بالتنقيب فيها حتى يقدر على إيجاد ما يريد . لكن المشكلة التي أمامه الآن هو كيفية إزالة كل تلك الأتربة حتى يصل إلى منطقة رأسه الحقيقية . نظر لآية مستفسرا :

-هل تملكين أي سكلة للتنقيب و إزالة تلك الأتربة في تلك البقعة ؟

نظرت آية نحو الأرض أسفلها ثم قالت بعد تفكير :

-لدي سكلة تقوم بإحداث عاصفة أشبه بإعصار في منطقة معينة . لو ركزت هذه العاصفة على تلك البقعة فربما تقدر على إزالة التراب . لكن لم استخدمها قط في سبيل شيء كهذا لذا لا أعرف هل ستجدي نفعا أم لا .

-لا يهم , لنجرب أولا ثم نرى نتيجتها .

لم تقل آية أي شيء مجددا لكنها أخرجت عصاتها السحرية . كانت عصا قصيرة نوعا ما أشبه لعصا السحرة الشائعين مختلفة كثيرا عن عصي إبرو . كانت إسطوانية ذات طول لا يتجاوز مترا واحدا و ملمسها ناعم و عليه نقوش وردية بسيطة . أما طرفها فكان مدببا كنصل سيف و ليس عصا . وجهت آية عصاتها نحو بقعة الأرض ثم قالت :

-إعصار سكيف .

تولدت طاقة كبيرة تسببت في زوبعة ضخمة من الهواء . كانت الزوبعة واقفة في مكانها لا تتحرك و محيطها الذي يقترب من خمسة أمتار كافيا لتغطية كل البقعة و ما حولها . لم تمر ثلاثين ثانية حتى خفى تأثير السكلة ليحدقا سويا إلى التأثير الذي خلفته ذلك الإعصار الصغير . كانت السكلة مؤثرة إلى حد بعيد , ففي نطاق خمسة أمتار ظهرت هوة عمقها مترين . لكن على الرغم من ذلك لم يلمح إبرو أي دليل على إقترابهم من جمجمة هذا الكائن . نظر لآية التي قالت :

-سكلتي تستهلك طاقة سحرية كبيرة و لن أقدر على تكرارها سوى خمس مرات .

-لا يهم . استمري في استخدامها و سأحاول إيجاد حل آخر .

تركها تواصل تكرار سكلتها في حين فتح هو سكلاته . لم يجد سوى سكلاته المعتادة و التي تخلو من أي شيء قد يفيده . تذكر سكلات عصا و درع مينيور , فهو لم يقم بإختبارهما بعد . فتح نافذة خصائص كل منهما و بدأ في قرائتهما من جديد في تمعن . اكتشف أنه يمتلك سكلة تشبه كثيرا سكلة آية و إن كانت أكثر قوة بالتأكيد . كذلك حين نظر للطاقة المستهلكة فيها شعر بمقدوره على استخدامها دون توقف . المشكلة فقط في أنه لا يمكن استخدام تلك السكلة سوى مرتين في اليوم الواحد . نظر لآية و هي تتابع إطلاق سكلتها للمرة السادسة في صمت . بعدما ينتهي تأثير سكلتها سيتحرك هو لإستخدام سكلته . لو كانت سكلة واحدة لا تكفي فماذا عن اثنين في آن واحد إذن ؟ مؤكد أن تأثيرهما لن يكون عاديا .

-لقد انتهيت يا إبرو لكن الهوة رغم أنها صارت بعمق خمسة عشر مترا إلا أنها تخلو من أي شيء قد يفيدنا .

-لتتحركي مبتعد قليلا عن المكان , فلدي سكلة قوية سأقوم بإستخدامها .

نظرت له آية نظرة طويلة كما لو كانت تؤنبه , فلو كان معه سكلة قوية لماذا لم يستخدمها منذ البداية ؟ لم يقم إبرو بتوضيح اللبس في فهمها لما حدث فقد كان يفكر في شيء آخر , ماذا إن لم يقدر على إزالة كل الأتربة بعد استخدام سكلته ؟ كانت هذه معضلة حقيقية له . هو لا يرغب في الإستعانة بروليف و من معه , رغم أن بمقدورهم مساعدته بشكل فعال إلا أنه كان يرغب في الإحتفاظ بما سيجده داخل عقل هذا الكائن له بمفرده . لقائه بنرو و ما فعلته للوحش يجب أن يظل سرا لا يعرفه أي من أبناء ريونيد . ما إن ابتعدت آية مسافة مناسبة حتى أخرج عصا مينيور . صاحب ظهورها جذب إنتباه آية على الفور و قبل أن تقول أي كلمة قال إبرو في جدية :

-إعصار مينيور .

بدأت طاقة سحرية أضخم بكثير عن الطاقة التي تسببت فيها آية بالتجمع في المكان . لم يتوقف إبرو بل قام بتوجيه عصاته من جديد صوب الهوة العميقة و هو يقول :

-إعصار مينيور .

هذه المرة تسببت الطاقة السحرية الزائدة في إحداث إنفجار كبير تسبب في دفع آية خطوات كثيرة للوراء . حينما توقفت وجدت إبرو لازال واقفا في مكانه و الطاقة السحرية حوله تتحرك بفوران غير إعتيادي على الإطلاق . تسببت تلك الطاقة في إحداث موجات عاتية من الهواء مصحوبة بفرقعة صخبة مجلجلة . استغرقت ثورة الطاقة السحرية قرابة دقيقتين كاملتين بعدها تشكل إعصار عملاق بلغ إرتفاعه عنان السماء ليلمس السحب الموجودة في سماء ريلانت . جاء هذا الإعصار ليجذب إنتباه كل من في نطاق الهوة ليحدقوا بذهول تام نحو المنطقة التي تضربها الإعصار . رغم ذلك لم يتحرك أي منهم في إتجاهه فهم يعرفون ألا يوجد أحد غيرهم في تلك المنطقة و بالتالي هو إعصار تسبب فيه أحد منهم . نظرا لقوة ذلك الإعصار خمن الجميع أنه من قبل مودري , فهو أقواهم سحرا . لم يخطر على بال أحد قط سوى مودري نفسه أن من يقوم بذلك شخص غيره . أما مودري فنظر للإعصار في تمعن و قال متمتما :

-إنه إعصار من سكلة تفوق المستوى الأسطوري . لا أعرف أحد غيري يقدر على فعل ذلك . من يفعل ذلك يا تُرى ؟

2020/02/11 · 474 مشاهدة · 1497 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024