رغم رغبته في معرفة هوية من قام بذلك إلا أنه لم يتحرك وواصل بحثه و إستخراجه لكنوز هذا الجوجناقي . ففي خلال الساعات التي مضت استطاع إكتشاف كما هائلا من الكنوز النادرة و هو ما دفعه للشعور بمزيد من الفضول تجاه ما تبقى من جسد هذا العملاق . أما عن هوية من تسبب بهذا الإعصار فحين يعود إلى معسكر رونات سيقوم بسؤال رفاقه فمؤكد أن أحد منهم قد حالفه حظ جيد ليقدر على التسبب في سكلة كتلك . أما آية فكانت واقفة متسمرة تنظر بذهول نحو ذلك الإعصار العملاق الذي أمامها . دوى صوت الهواء رعدا من جراء عنف الإعصار . شعرت آية بالضئالة أمام إعصار عظيم كهذا و بفضول غريب يجتاحها حين نظرت إلى إبرو . كيف استطاع أن يمتلك سكلة عظيمة كتلك في هذا الوقت القصير ؟ شعرت بضرورة الغوص في أعماق إبرو فور خروجهما من اللعبة , فهي لن ترضى بالرفض إجابة عن أسئلتها الكثيرة . أما إبرو نفسه فكان مندهشا من عنف سكلته . رغم أنه قابل سكلات كثيرة في اللعبة و من قام بها كانوا في مستويات عالية للغاية يفوقون مستواه الآن لكن شدة هذه السكلة فاقت توقعاته بكثير . نظر نحو نافذة السكلة ليجد لدهشته أن وقتها الذي كان عشرين ثانية قد طال ليصبح دقيقة كاملة . أشعره هذا بمزيد من الثقة في مقدرته على إيجاد جمجمة هذا العملاق . كان المكان يضج بصوت الهواء الذي بدا كإنفجار عظيم متوالي لمدة دقيقة كاملة . بعدما مرت الدقيقة بدأت قوة الإعصار في الخفوت لكن لم يختفي دفعة واحدة بل ظل قرابة ثلاثون ثانية أخرى حتى اختفى و هدأ المكان من حوله . بعدما اختفى الإعصار اكتشف إبرو أن محيط تأثيره كان أعظم بكثير عما تخيل , فأمامه تحولت الهوة ذات خمسة أمتار قطرا إلى هوة ذات ثلاثين مترا . أما العمق فقد تجاوز المئة متر بكثير . لم يهتم إبرو بذلك بل نظر نحو نهاية النفق الذي صنعه ليجد لمعانا براقا في نهايته . بدا كضوء يلمع في نهاية ليل طويل مظلم . شعر بالسعادة لأنه أخيرا قد وجد ضالته .

-هيا بنا .

نظر لأية قبل أن يقفز من مكانه هابطا النفق بحرص . كانت طبقات التربة التي أزيحت من قبل الهواء لازالت منتشرة في المنطقة حولهما لكن تركيزها كان عاليا في النفق حتى أنه سعل أكثر من مرة بسببها . تذكر حين دخل عالم ريلانت أول مرة و نوبات السعال الحادة التي أصابته . لم تستغرق رحلة هبوطهما سوى دقائق حتى وصلا إلى أسفل الهوة ليجدا بغرابة أن الإعصار قد أحدث ضررا كبيرا في جمجمة جوجناق . لم تعرف آية طبيعة المكان الذي تقف فوقه لكن العظام اللامعة بلون أبيض ساطع كانت كفيلة بشعورها بالرهبة منها . أما إبرو فكان على النقيض تماما منها يشعر بحماسة بالغة , فهذه هي عظام الجمجمة و أمامه وجد شقوقا غائرة تسمح لشخص بالتحرك عبرها . كانت تلك هي آثار هجوم نرو على جوجناق . تحرك إبرو بلهفة صوب أحد الشقوق ليجدها عميقة نحو الأسفل . كانت الإضاءة تزداد سطوعا كلما نظر لعمقها . لم يتسرع بالهبوط في هذا الشق بينما فحص الشقوق الأخرى المتبقية ليجد في النهاية شقا واحدا كانت أعمق بكثير عن البقية و نهايته كانت ضوء ساطع منعه من رؤية أي تفاصيل . اختار هذا الشق فمؤكد انه يتصل بعقل جوجناق داخل جمجمته . لم يتردد إبرو للحظة و قام بالهبوط بحذر قدر المستطاع . رغم أنه يعرف بوجود نسيج رخو على إمتداد الأرض أسفل الجمجمة , لكنه لا يضمن أن يظل هذا النسيج رخوا بعد موت جوجناق , فهذا النسيج لاريب هو مخه !ما إن اختفى إبرو داخل الشق حتى تبعته آية على الفور . لم تكن بحاجة لأي تعليمات , فما شعرته من لهفة إبرو أنهما قد اقتربا كثيرا من هدفه . كانت رحلة الهبوط سلسلة و إن استغرقا فيها قرابة نص ساعة حتى استطاعا هبوط مسافة تبلغ خمسين مترا ليجد إبرو نفسه يسقط من الفتحة هاويا صوب الأرض الرخوة أسفله . نظرا لأن هذه هي المرة الثانية لتواجده هنا فاستطاع أن يهبط على قدميه دون عناء , لكنه لم يهدأ له بال حتى التقط جسد آية الساقط من الأعلى ليسقطا سويا على الأرض . كما توقع فقد بدأت الأرض أسفله في التجمد لتصبح أكثر صلابة عما اعتدها آنفا . أما الضوء الباهر الذي كان يغمر المكان بدا له هذه المرة شاحبا , لكن بالنسبة لآية كان ضوءا مؤذيا لعينيها فقال لها إبرو :

-أغمضي عينيكي , و لتعتادي تدريجيا على الضوء .

سمعت تعليماته و استغرق قرابة عشر دقائق حتى اعتادت على الضوء و استطاعت فتح عينيها دون أي ضرر . ما إن نظرت حولها حتى لاحظت أن إبرو لازال يحملها بين ذراعيه متحركا في الأرجاء . نما إلى ملاحظاتها أن إبرو كان يتحرك كما لو كان عارفا بالمكان من قبل . تلفتت حولها منبهرة بهذا الكهف العملاق فقالت في تساؤل :

-هل تعلم يا إبرو أين نحن ؟

-بلى أعلم , نحن داخل تجويف جمجمة جوجناق .

نظرت حولها متأملة المنظر المهيب ثم عادت لتنظر له في تساؤل قائلة :

-كيف عرفت ذلك ؟

-لأنني قابلت معلمتي هنا .

-متى حدث ذلك يا إبرو ؟

-لا أقدر على شرح كل شيء لكِ , لكن في وقت ما ستعرفين كل ما حدث .

صمتت غير راغبة في مواصلة بحثها عن أجوبتها , فهي واثقة على مقدرتها في جعل إبرو يخبرها بكل شيء تريده . هبطت من ذراعيه لتقف على الأرض بثبات قبل أن تميل لتلمس الأرض براحتيها و هي تقول متمتمة :

-إن الأرض رخوة إلى حد بعيد . هل هذا مخه ؟

-أعتقد ذلك .

-ماذا علينا أن نفعل إذن ؟ مؤكد أن لهذا المخ فائدة عظيمة لنا خاصة السحرة , فأنت تعرف أن الذكاء هو أهم عملة لدينا .

فهم ما تلمح إليه فقال لها :

-هل تملكين طريقة لجمع هذا المخ ؟

-بالطبع أملك سكلة جمع , هذا المخ لن يعصى علي قط .

نظر نحوها إبرو مستمتعا بحركاتها المسرحية و إعتدادها بنفسها ثم قال :

-حسنا , لدي مهمة طويلة لذا سأترككِ هنا . استخرجي كل ما تقدرين عليه و دعيه على الأرض و حينما أنتهي من مهمتي سأقوم بنقل ما جمعتيه في مخزني الخاص .

-هل مخزنك الخاص كبير بما يكفي لحمل أي كمية ؟

نظر إبرو نحو مخزنه ليحصر عدد الأماكن الشاغرة فيه ثم قال :

-مخزني يقدر على تخزين عدد لا نهائي من القطع المتماثلة . أما عدد الأماكن الفارغة فيه فهي مئتي و خمس و ستين مكان .

-كيف حصلت على كل تلك الأماكن ؟

ابتسم لها إبرو بغموض و هو يقول متحركا بعيدا عنها :

-لا تضيعي الوقت فنحن أضعنا منه الكثير بالأعلى .

جزت على أسنانها غضبة منه و ظلت واقفة تتابعه حتى اختفى بسرعته الهائلة . استسلمت لعادته الغريبة في حماية أسراره ثم بدأت في إستخلاص كل ما تقدر عليه من هذا النسيج الرخو بواسطة سكلتها الخاصة . أما إبرو فكان يبحث عن شيء واحد , ذلك التل الذي قابل فيه نرو من قبل . مؤكد أن التل له علاقة بأداتها السحرية , ناهيك عن التابوت الغريب الموضوع فوقه . ندم إبرو على أنه لم يفتح هذا التابوت فربما استطاع معرفة هوية الأداة حينها . بدأ يبحث عن هذا التل المتحرك شاعرا أنه يبحث عن إبرة في كومة قش !

رغم أنه كان يشعر بالقلق إلا أنه ظل يبحث بتمعن بالغ . كانت سرعة تحركه تصل لسرعته القصوى التي يمكن لمستواه تحملها و رغم أن المنطقة من حوله لم تبدو له وسط سرعته أنها لم تتغير لكنه ظل يلتفت طيلة الوقت باحثا عن هذا التل الصغير . بعد مرور عدة ساعات استطاع أخيرا أن يلمح شيئا جديدا وسط سرعته الهائلة ليقف بغتة محاولا تدقيق النظر نحو ما يراه . على عكس ما كان يتوقع كان ما لفت إنتباهه هو إنخفاضا غائرا في سطح مخ جوجناق . تحرك في سرعة تجاه هذا المنخفض ليجد لدهشته التل الذي كان يبحث عنه داخل هذا المنخفض الغريب . نظر بعدم فهم نحو ذلك المنخفض و التل الذي يقبع فيه ثم بعد عدم عثوره على أي تفسير لما حدث أمامه تجاهل هذا التغير المفاجيء و قفز من مكانه ليهبط فوق قمة التل القريبة مستواها من مستوى أرضية عقل جوجناق . ما إن وطأت قدماه أرض قمة التل حتى اكتشف النقطة الثانية الغريبة في هذا المكان . لقد اختفى التابوت برفقة شاهد القبر الهائل . نظر إبرو حوله ليتيقن من أنه بالفعل قد وجد التل الذي يريده ولم يخطئه . كانت كل الشواهد حوله تشير إلى أنه التل ذاته . ما إن اقترب من المنطقة الوسطى في قمة التل حتى وجد إنخفاضا آخرا عميقا للغاية لا يكاد يرى آخره . لفت نظره إلى أن هذا المنخفض كان شبيها لللغاية في حدوده بحدود الشاهد العملاق . بزغ في عقل إبرو فكرة غريبة , فماذا لو كان الشاهد قد هبط بقوة ما إلى الأسفل ؟ كان هذا التجويف العميق ما تبقى من هذا الفعل , و الذي لو صح تخمينه لجعله يقفز نحو إستنتاج جديد , لقد وجد أخيرا ضالته . فعلى ما يبدو أن هذا الشاهد كان الأداة التي استخدمتها نرو لقتل جوجناق و من ثم تدمير البوابة .

-لكن المشكلة تكمن في أن هذا التجويف عميق للغاية و لا أقدر على القفز مباشرة إلى أسفله .

تردد إبرو , فما أمامه كان تجويفا في غاية العمق . كان متيقنا من أن هذا التجويف يصل مباشرة على مركز مخ جوجناق حيث قام الشاهد بقتله عبر تدمير مركز مخه . المشكلة كانت تكمن في أنه إن قفز فسينتهي به الحال مرتطما بقمة الشاهد الصلدة و حينها سيموت لاريب . تذكر ألا يوجد وقت كثير في جعبته لذا حزم أمره و بدأ في التحرك هبوطا قدر المستطاع ببطء و حذر . على الرغم من ذلك إلا أن الهوة كانت أوسع بكثير من جسده ليجد نفسه بغتة يتحرك هابطا في سرعة هائلة نحو الأسفل . هذه المرة شعر بالفزع و تيقن أنه إن ترك نفسه ليرتطم بما ينتظره بالأسفل فسيموت . تحرك لينظر في خزانته الشخصية و سكلات أدواته في سرعة بالغة . كان يبحث عن أي شيء مهما كان قيمته يقوم بإيقاف هبوطه الحاد نحو الأسفل . بدأ يخرج بدون تفكير كل الأدوات الحادة الطويلة الممكنة من خزانته من حراب و سيوف و حتى تروس طويلة ليمسك بكل منها و يضرب جوانب النفق العميق بكل قوته . لم يكن يستخدم تلك الأدوات كأسلحة بل كان يستخدمها كعصا يهشم بها جدار النفق . مع كل ضربة كانت الأداة السحرية تتدمر تحت وطأة قوته الهائلة و إحتكاكها بسرعة هائلة بجدار النفق , لكن بعدما نفق ما لا يقل عن مئتي أداة سحرية استطاع أن يتنفس إبرو بعدها الصعداء . فلقد استطاع تخفيض سرعة هبوطه بشكل حاد و بدأ النفق ينتهي بلون براق لامع كان يتذكره جيدا , إنه الشاهد الذي يبحث عنه . رغم كل محاولاته في تخفيف سرعته إلا أن وطأة ارتطامه بالشاهد جعلته يشعر أن كل ذرة من كيانه قد تعرضت للتهشم . لولا إرادته لسقط مغشيا عليه من فرط الألم . تحامل إبرو على نفسه و مال جالسا على الشاهد واضعا يمناه فوقه محاولا التيقن من أنه نفسه الشاهد الذي كان بالأعلى من قبل . لم يتخيل أن لمسته للشاهد قد تسببت في رجفة في الشاهد نفسه . رغم ما يمر به من آلام مبرحة إلا أنه قد استشعر تلك الرجفة على الفور . صاحب تلك الرجفة صوت معدني حاد رن في أذنيه يقول :

-مرحبا بك . استشعر بونيل وجود حياة عاقلة . بونيل يقوم بإستقصاء . بونيل وجد الحياة العاقلة مناسبة للربط معها . بونيل يقوم بإستشعار نسبة نجاح الربط . بونيل لا يوجد لديه أي سمة ملكية من قبل أي حياة عاقلة الآن . بونيل استشعر الحياة العاقلة لا ترتبط بأي دوزوريني . بونيل يستنتج نسبة نجاح الربط بنسبة مئة بالمئة توافقا و صفر في المئة نسبة نجاح نهائية . بونيل استشعر استحالة الربط مع الحياة العاقلة . بو..

2020/02/11 · 513 مشاهدة · 1864 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024