الفصل 18: لماذا مات هكذا.

لم يُعر جيمسُ وانغ أي اهتمام، كأنّ توسّله لم يصل حتى إلى سمعه.

تابع خطواته نحو لييان، التي كانت تنظر إليه بعينين يتصارع داخلهما الخوف والذهول.

وقف أمامها مباشرة، ظلّه يغطي نصف جسدها الراكع.

رفع يده ببطء، حركة هادئة لكنها تحمل ثِقَل الجبروت، ثم مدّ أصابعه نحو وجهها.

حين لامس بشرتها، ارتجفت لييان دون إرادة.

كانت جميلة… جمالٌ يصعب تجاهله. تبدو في أوائل الثلاثينات، لكن ملامحها تنضح بشباب يجعلها أقرب لعشرينيات مشرقة.

بشرتها بيضاء ناعمة كأنها منحوتة من الرخام، وعيناها صافيتان بلون الماء عميقتان، لامعتان، تحملان نقاءً غريبًا.

شفاهها حمراء طبيعية، من النوع الذي يجذب النظر دون أي محاولة منها.

كل شيء في وجهها كان متناسقًا بشكل يثير الدهشة… ملاك حيّ، لكن ملاكًا يقف الآن تحت ضغط جاذبيته.

شعرها الأزرق انساب فوق كتفيها وصدرها وظهرها بتموجات ناعمة، خصلات كأنها الضوء يتحرك على سطح بحرٍ هادئ.

وملابسها الفاخرة، بخيوطها اللامعة، أكدت أنها ليست مجرد محاربة… بل جنية جميلة تحمل هيبة جنسها.

مرّر جيمس أصابعه على خدّها ببطء، وكأنه يدقق في كل تفصيلة.

تحركت يده بانسياب رزين، من منحنى فكّها حتى امتداد وجنتها، وكأنه يختبر ملمسها لا لينظر، بل ليحكم.

كانت بشرته دافئة، وملمس يده خفيفًا… لكنه خفيف يحمل معنى، يحمل سيطرة. لم يكن يلمسها بعشوائية، بل بوعي كامل، وبنظرة تفحص كل انحناءة في وجهها، كل خط، كل نعومة.

تنفّس لييان بسرعة، وصدرها يرتفع وينخفض تحت تأثير الخوف من هذا الرجل الذي يستطيع أن يسحقها بإشارة…

وفي نفس الوقت، لم تستطع تجاهل الهدوء القاتل في لمسته وصوته ونظراته.

"جميلة جدًا…" قال جيمس بصوت واضح، والابتسامة ترتسم على شفتيه وهو ينظر مباشرة إلى لييان.

وفي داخله، خطر له: "لو كانت في الأرض… لأصبحت من أشهر الممثلات."

سقط الصمت على الجميع. حتى وانغ، الذي كان قبل لحظات يتوسل راكعًا، رفع رأسه بدهشة كبيرة، غير قادر على فهم طريقة تفكير جيمس.

"هي… بسبب جمالك سأعفو عنك." قال جيمس وهو يسحب يده عن وجه لييان ويتراجع خطوة، قبل أن يعود ويجلس على كرسي الطاولة بثقة مطلقة.

نظر الجميع إليه بذهول… لم يصدق أحد أن كلمة "جميلة" كانت كافية لتغيير مصير شخص كان قبل ثوانٍ مهددًا بالسحق. لكن صدمتهم لم تدم طويلًا.

"من الصبح وأنا أعيد كلامي مرتين." قال جيمس بنبرة ملؤها الضجر والغضب.

"نعتذر يا سيدي!" قالوها جميعًا دفعة واحدة.

جلسوا أمام الطاولة، وأخذ كل منهم مكانه بحذر شديد، ينتظرون ما قد يقوله.

رفع جيمس عينه نحو هوا وقال: "هي… أيها الأمير هوا، ماذا جلبك إلى عائلتي؟"

ابتلع هوا ريقه بقوة، لكن عينيه ظلّتا حازمتين. "سيدي… سأدخل مباشرة في صلب الموضوع."

رفع جيمس حاجبه باستغراب، بينما تابع هوا بنبرة ثابتة: "أريد من السيّد… أن يساعدني على السيطرة على العرش."

لم يرمش جيمس حتى.

أكمل هوا: "إن أصبحتُ الإمبراطور… فعائلة روهان ستستفيد مني أيضًا يا سيدي."

كان يتكلم بسرعة، كأن قلبه هو الذي يدفع الكلمات.

أدار جيمس جسده للخلف على الكرسي، وأسند ظهره، وابتسامة باردة تظهر على وجهه. "وماذا لو… لم أقبل؟"

وقف هوا بقوة مفاجئة، كأن القرار انفجر داخله. قال بصوت ثابت، يحمل شيئًا من الانكسار المخفي: "سيدي… سأكون دميتك. افعل بي ما تشاء… أريد فقط أن أنتقم من قاتل أمي."

تجمّد جيمس.

كلمة “أمي”… وكلمة “انتقام”…

اصطدمتا بقلبه مثل مطرقة. بدأ نبضه يعلو… يعلو… حتى شعر به في أذنيه.

وللحظة، لم يعد يرى هوا… ولا القاعة… ولا أي شيء.

انحنى إلى الأمام ببطء، وأسند رأسه على يديه فوق الطاولة، وعيناه ترتجفان من الداخل بينما يغرق في موجة ذكريات كادت تختفي لكنه دفنها فقط، لم يعالجها.

*********

"جيمس… تعال يا ابني، هيّا… الطعام جاهز!" جاء صوتٌ دافئ، ناعم، يلمع بالحياة.

كانت امرأة شابة، في أواخر العشرينات، ترتدي ثياب المطبخ البسيطة، يديها محمرّتان من كثرة العمل… لكن ابتسامتها كانت كافية لإضاءة الغرفة.

ركض إليها طفلٌ صغير، ضعيف البنية، لا يتجاوز السابعة. "أنا آتٍ يا أمي!" قال ذلك الطفل… طفل لم يعرف يومًا معنى القوة أو الأمن.

جلسا على الأرض، يأكلان حساءً خفيفًا مع قطعة خبز وكوب ماء.

لم تكن الحياة سهلة… كانت أم جيمس تعمل في شركة خياطة، تعمل ساعاتٍ طويلة، ورغم ذلك لم يكن راتبها يكفي حتى لكراء المنزل.

ومع ذلك، كانت تضحك… فقط كي لا يرى ابنها الألم.

ثم—

صوت خطوات ثقلت على الباب.

فتح الباب بعنف خفيف، وظهر رجل يترنّح، جسده تفوح منه رائحة خمر قوية. كان يحمل زجاجة شبه فارغة، ووجهه حادًّا كالشظايا.

تجمّدت ملامح الأم. وتقلّص الطفل في مكانه، يحاول أن يجعل نفسه أصغر… أصغر… حتى لا يراه.

دخل الرجل، رمى نظرة مزعجة على الطعام، ثم على المرأة، ثم على الطفل.

كان الغضب ينفجر منه بلا سبب، بلا عقل. بدأ يصرخ… ويشتم… يلوّح بيده…

تملأ الغرفة توترًا يكاد يُسمَع كالخطر.

لم يكن الضرب واضحًا… لم تكن التفاصيل مهمة. العنف ليس في الدم…

العنف في الخوف الذي يزرع في قلب الطفل. في يدٍ تُرفع بسرعة، في صوتٍ يعلو، في نظرةٍ تُشعره بأنه لا يساوي شيئًا.

وجيمس… طفل صغير لا يستطيع الدفاع عن نفسه ولا عن أمه… كان يشعر أن الأرض تبتلعه.

كل ما رآه… كل ما سمعه… كل ليلةٍ اختبأ فيها خلف أمه وهي تحاول أن تحميه بجسدها… كل صرخة، كل دمعة، كل مرة تمنى لو كان قويًا بما يكفي…

كان والد جيمس كابوسًا لا يرحم. لم يكن يومًا أبًا… بل ظلًّا ثقيلًا يخيّم على البيت.

كل ليلة يعود مخمورًا، وبدل أن يجلب معه الدفء أو الأمان، كان يجلب الصراخ والتهديد.

"كان يتعدّى على أمّ جيمس بلا رحمة… يضربها حين يغضب، يعنّفها بلا سبب، ويُسمعها أقسى الإهانات كأنّه يستمتع بتمزيق قلبها وجسدها.

وجيمس؟كان نصيبه أقسى ما يمكن أن يواجهه طفل… لم تكن نظرات قاسية وكلمات جارحة فقط، بل وصل الأمر إلى ضربٍ مباشر وعنفٍ يكسر الروح قبل الجسد.

وكل مرة كانت الأم تتدخل، تحميه بجسدها، تضع نفسها أمامه كدرع، وتقدّم له المال فقط ليترك ولدها وشأنه.

يومًا بعد يوم… سنة بعد سنة… نفس العذاب يتكرر.

نشأ الطفل وهو ينام على أصوات البكاء… ويستيقظ على الخوف.

وفي داخله كانت تنمو نار صغيرة… نار لم يعرف لها اسمًا في طفولته، لكنها كانت تقول شيئًا واحدًا فقط:

"عندما أكبر… سأنتقم. سأجعله يشعر بكل ما جعلني أشعر به… وكل ما جعل أمي تشعر به."

مرت السنوات، واستمر الكابوس… حتى بلغ جيمس الثانية عشرة. وفي أحد الأيام، مات ذلك الرجل.

لم يمت بعقاب… لم يمت بانتقام… بل بمرض أنهى حياته بهدوء لم يستحقه.

وقف جيمس أمام خبر موته بلا دموع، بلا ارتباك… لا حزن… لا صدمة. بل غضب. غضب عميق، مرير، يشبه طعنة لم تكتمل.

"لماذا مات هكذا؟" هذا ما فكّر به. لماذا لم يقتله هو؟ لماذا لم يعذّب كما عذّبه هو وأمّه طوال تلك السنوات؟ لماذا حصل على نهاية سهلة؟

أما أمه… فكانت مشاعرها ساحة معركة.

كانت تبكي… ليس حبًا بالرجل، بل خوفًا على طفلها الثاني الذي كانت تحمله في بطنها.

كانت خائفة من أن يُولد بلا أب… وفي الوقت نفسه، كانت تشعر براحة خفية، راحة محرّمة، لأنها أخيرًا ستنام ليلة بلا خوف… بلا عنف … بلا تهديد.

كانت تحمل حياة جديدة… وفي اللحظة نفسها، كانت تودّع حياة مليئة بالألم.

***************

رفع جيمس رأسه ببطء. كان وجهه هادئًا… لكن هدوءًا يشبه الهدوء الذي يسبق انفجار بركان.

نظر إلى هوا مباشرة… ولأول مرة، كان في نظرته شيء من الفهم. شيء من الألم المشترك.

ليس تعاطفًا… بل تطابقًا.

********

فصول امبارح خلصوا، الى اللقاء لين المساء

تحياتي لمحمد والاخ تويف والاخ روكان افضل مشجعين

وايضا كل من علق.

2025/11/28 · 93 مشاهدة · 1144 كلمة
Moncef_
نادي الروايات - 2025