الفصل 21: بلورة الاتصال
صرخ فلينغ، مستخدمًا كل طاقته ليستقر في مكانه وسط السماء:
"ماذا تعتقد أنك تفعل؟! هل تريد اختراق القواعد؟!"
وصل صوته إلى كل الجنود الذين كانوا يطفون في السماء على مسافات مختلفة من ساحة القتال.
تحركت الهمسات في صفوفهم كتيار بارد.
"هل… القائد الأعلى اخترق قواعد الحرب؟" قال حاكم منخفض المستوى صوته يرتج بخوف.
رد عليه احد الجنرالات من إمبراطورية اللهب، وهو عائم على سيف طائر، بعينين مليئتين بالغضب:
"إياك أن تتفوّه بهذا! إمبراطورية اللهب لا تنتهك القواعد!"
وانتشرت التعليقات بين الطرفين، خليط من الدهشة والارتباك، والسماء تمتلئ بنظرات لا تعرف كيف تدرك ما حدث قبل لحظات.
لكن ذلك لم يدم طويلًا.
"اصمتوا!"
دوّى صوت بيونكا، ترافقه موجة هالة مرعبة جعلت الجنود يرتجفون رغم أنهم يقفون بعيدًا.
حتى الهواء اهتز من صوته.
تابع بصوت أكثر قسوة:
"أنا لم أخترق أي قاعدة. وإن سمعت شخصًا يكرر هذا الكلام مرة أخرى… فسوف—"
لم يكمل تهديده، لكن الجميع فهم.
ثم نظر إلى فلينغ نظرة حادة كالسيف:
"أنت… أيها الحشرة. ستعيش يومًا آخر فقط. وعندما يبدأ الهجوم… سنعرف القواعد جيدًا."
استدار بيونكا، مدّ يده وأمسك كلاين من ذراعه غير المقطوعة، ثم طار به إلى الوراء، ساحبًا إيّاه مثل حجر لا وزن له.
ولكن في لحظة واحدة، ترك بيونكا كلاين واستدار بسرعة خاطفة. في جزء من الثانية فقط، كان قد ظهر خلف فلينغ.
تجمّد فلينغ للحظة، عيناه تتسعان حين شعر باختفاء بيونكا من أمامه. وفي نفس اللحظة، وقف بيونكا خلفه مباشرة، وارتفعت من يده اليسرى طاقة حمراء تتجسّد على شكل سيف حادّ يلمع بوحشية.
"انتبه!" صرخ فليان بأعلى صوته، وهو يحدّق في سيف التشي الأحمر الذي ظهر بيد بيونكا، عاجزًا عن فعل أي شيء.
وبمجرد أن سمع فلينغ كلمة انتبه واختفاء بيونكا، فهم فورًا… بيونكا خلفه!
"خطوات الفراغ..." تمتم فلينغ قبل أن ينطلق إلى الأمام بسرعة قصوى، محاولًا الابتعاد. كان متأكدًا أن بيونكا لن يجرؤ على اختراق القوانين… ولكنه اخترقها. وهذا ما جعله يشعر بصدمة هائلة تهزّ صدره.
"تريد الهرب؟" قال بيونكا بصوت بارد، قبل أن يندفع بسرعة سحقت الهواء نفسه، متجها إلى فلينغ وسط دهشة كلّ من يشاهد.
سوووش!
قطع السيف الأحمر ذراع فلينغ اليمنى، فاندفعت الدماء بقوة من موضع البتر.
"آاااااااه!" صرخ فلينغ بكل ما في صدره من ألم، عيناه ترجفان وهو يحدّق بالرعب في مكان ذراعه المقطوعة، وكأن عقله يرفض تصديق ما حدث.
اقترب بيونكا خطوة، ونظر إليه بازدراء بارد قبل أن يقول:
"سأكتفي بذراعك اليوم… لكن جهّز نفسك للغد. حينها سأقطعك إلى قطع."
ثم أخفى طاقته الحمراء، وتراجع إلى الخلف.
وتلاشى صوته وهو يرتفع في السماء مبتعدًا، تاركًا الجنود تحت وقع صدمة لم تهدأ بعد…
داخل قاعة ضخمة في قلب المدينة، جلس فلينغ على إحدى الطاولات، ذراعه المبتورة ملتفة بغطاء أحمر يغطي مكان الجرح. كان صمته ثقيلًا، كل نفس يخرجه يبدو مثقلاً بالألم والحنق.
"تبا… إنه قوي للغاية." قال كين وهو يحدق في الطاولة بعينين متقدتين بالغضب والحزن معًا، لا يعرف من أين يبدأ أو كيف يعالج شعوره بالمهانة.
"إنه إمبراطور." تمتم فلييان، وعرقه يتصبب على وجهه، جسده يهتز من مزيج الخوف والرهبة.
"إمبراطور؟!!!!!!!!!!!""إمبراطور؟!!!!!!!!!!!" انفجر شيفلو وكين في آن واحد، عاجزين عن تصديق أن هناك في إمبراطورية اللهب إمبراطورًا آخر.
تنهد فلينغ أخيرًا، صوته منخفض لكنه مشبع بالحقائق: "نعم… هناك شائعات تقول إنه على مستوى الإمبراطور."
ابتلع فلييان ريقه، وقال بقلق: "تبا… ماذا سنفعل الآن؟"
ابتسم فلينغ ابتسامة مُرّة، يمزج فيها الحزن بالغضب وبريق من الأمل، وهو يحدّق في المكان أمامه وكأن عقله يحاول رسم خارطة لكل الاحتمالات:
"بالطبع، سننتظر… ننتظر رد الإمبراطور، وننتظر معونته أيضًا. فالضابط فين يعرف كل شيء، يعرف عن بيونكا أيضًا. سننتظر حتى يطلع الإمبراطور على الوضع. يبدو أن إمبراطورية اللهب نفسها غير متسرعة في الهجوم… ينتظرون شيئًا ما، بالتأكيد."
جلس فلينغ صامتًا للحظة، عينيه متقدتان بالغضب والحنق، قلبه مثقل بالمسؤولية، لكنه لا يزال يحاول التمسك ببصيص الأمل، بخطوة قد تنقذ ما يمكن إنقاذه من جنوده ورفاقه.
بعد يومين من انطلاقه من مدينة زينان، وصل فين أخيرًا إلى المدينة الإمبراطورية نانجينغ.
في داخل القاعة الإمبراطورية الضخمة، كان الإمبراطور جالسًا على عرشه، بينما كان العديد من الوزراء والنبلاء يناقشون شؤون الدولة في مختلف مواضعها.
"أنا أقول بخصوص مدين..." لم يكمل الوزير تشينغ كلامه، إذا بشخص يقتحم القاعة الإمبراطورية بقوة هائلة، بلا أي احترام أو وقار، كان يلهث بشدة، وكأنه ركض لأشهر.
"من أنت أيها الأحمق؟ ألا تعرف أن هذه هي القاعة الإمبراطورية؟" صرخ الوزير تشينغ بغضب، وهو ينظر إلى الشخص الواقع على الأرض.
"إمبراطورية... اللهب... سيدي أمبرا..." قال الجندي وهو يلهث بشدة، غير قادر على الاستمرار بالكلام.
لكن الجميع التقط كلمتي "إمبراطورية" و"لهب"، وفهموا فورًا أن هناك شيئًا مروعًا قد حدث.
"تكلم بسرعة!" أمر الوزير تشينغ وهو يوجه نظره إلى الجندي.
"أعطوه بعض الماء ودعه يرتاح، بهذه الحالة لن يستطيع الكلام"، قال شخص من الخلف بهدوء.
"حاضر، أيها الإمبراطور"، قال الوزير تشينغ وهو ينحني احترامًا.
بعد أن شرب الجندي الماء واستعاد قدرته على الكلام، نهض وقال:
"فين، يحيي الإمبراطور ويسلّم على السادة"، قال وهو يركع على ركبتيه أمام العرش.
لوح الإمبراطور بإشارة ليفتح فمه.
"سيدي، إمبراطورية اللهب هاجمت من الجنوب"، قال فين وهو يتصبب عرقًا.
"أكمل"، أمر الإمبراطور وهو يشد قبضته على مسند العرش بقوة.
"كم عددهم ومن قائد الجيش؟" سأل الإمبراطور.
"عددهم، يا سيدي، يقارب الثلاثمائة ألف جندي، ولديهم شخصان في مستوى الملك، وثمانية أشخاص آخرين في مستوى الحكمة "، قال فين، وهو يبلع ريقه وينزل رأسه خجلًا.
"همم... من قائد الجيش؟" سأل الإمبراطور بقلق.
"سيدي، إنه..." قال فين بتردد.
"تكلم!" صرخ الإمبراطور بغضب، وهو ينهض من على العرش.
"إنه بيونكا"، قال فين، واضعًا رأسه على الأرض احترامًا وخوفًا.
توقفت القاعة عن الكلام، وحدق الجميع في فين والإمبراطور بصمت.
بيونكا هو القائد الأعلى لجيش إمبراطورية اللهب، ولا يخرج إلى أي معركة إلا إذا كان الجيش الكامل للإمبراطورية معه.
حضوره في المعركة كان يعني أن كل قوة الإمبراطورية جاهزة للتحرك تحت قيادته.
لقد أضاف للإمبراطورية خلال حياته نحو عشرين بالمئة من أراضيها الحالية، وكانت سلطته على الجيش تفوق حتى صلاحيات ولي العهد نفسه، إذ كان الأقوى مباشرة بعد الإمبراطور.
لم يكن بيونكا مجرد قائد شجاع، بل استراتيجي عبقري؛ لم يدخل أي حرب قبل أن يخطط لها ألف حساب، وكان الإمبراطور دائمًا يستشيره في كل ما يتعلق بأمور الدولة العسكرية.
وجوده على ساحة المعركة كان يكفي لزرع الرهبة في قلوب أعداء الإمبراطورية، واثقًا بأنه، مهما كانت قوة الخصم، كل خطوة محسوبة بدقة، وكل تحرك مدروس بعناية، كما لو أن الحرب كلها كانت تُدبر بعقله وحده.
ومن ناحية الصقل. بيونكا ليس صاقلاً عاديًا، بل وصل إلى المستوى التاسع من الملكية ، وعاش أكثر من ألفي عام دون أن يموت.
عادةً ما يعيش الملوك مدة 500 إلى 600 عام، لكن هناك شائعات تقول إن بيونكا في مرحلة الإمبراطور، وليس مرحلة الملك، وهو المتحكم في معظم جيوش إمبراطورية اللهب، وكل حرب يدخلها يخرج منها منتصرًا.
والمثير أن بيونكا هو ابن فلينكسان، تلميذة خارجية في الأرض المقدسة، ما يضفي على قوته الغموض والخطورة.
"بيونكا… اللعنة! هذا هو الوقت الذي كنا نخشاه!" صرخ الإمبراطور بغضب شديد، وهو يشد على سنانه كمن يواجه ألمًا داخليًا عميقًا.
ثم همس في نفسه، مرتبكًا: "تبا… كنت أعلم أن إمبراطورية اللهب ستهاجم عاجلًا أم آجلًا، لكني كنت أظن أنها ستكتفي بالاستفزاز، أو أخذ مدينة، أو حرق ونهب بعض الأراضي… لم أتوقع أبدًا أنها ستسعى لأخذ الأراضي كلها. لن أسمح بذلك، ولو كان ذلك يعني فناء الإمبراطورية في جيلي."
كان الجميع في القاعة يدركون تمامًا قوة إمبراطورية اللهب، فهي تتفوق عليهم في كل جانب.
قيل إن سلف إمبراطورية اللهب وصل إلى مرحلة إمبراطور متقدم المستوى، بينما تنقسم مراحل الإمبراطور إلى أربع درجات: منخفض، متوسط، متقدم، وأسطوري، على عكس المراحل الدنيا للملوك. بالمقابل، كان سلف إمبراطورية مينغ معروفًا بضعف مستواه الإمبراطوري.
وفرضية القواعد العسكرية تقول إن الأباطرة لا يشاركون في المعارك، فالهجوم من شخص في مرحلة الإمبراطور يعني فناء الجيش المعادي بالكامل. لكن من يضمن أن الإمبراطورية ستلتزم بهذه القواعد؟ لا أحد…
فجأة، تردد صوت قوي في القاعة: "هل تسمعني، أيها الإمبراطور!"
"ما هذا؟!" صرخ الوزير تشينغ بدهشة، وهو يرى بلورة الاتصال من الغرب تتوهج أمامه.
كانت بلورات الاتصال محظور استعمالها حتى على الإمبراطور نفسه.
في الإمبراطورية بالكامل توجد بلورتان فقط: واحدة في الغرب وأخرى في الشرق، وظيفتها إيصال الرسائل بين مناطق الإمبراطورية المختلفة، مثل الحدود بين إمبراطورية الرياح البنفسجية وإمبراطورية المياه الزرقاء.
طريقة عمل البلورة بسيطة لكنها في غاية القوة: يضع الشخص طاقته فيها، فيتولى ساحر توصيلها بالقاعة الإمبراطورية، ليتمكن بذلك من إيصال صوته إلى هناك، حتى لو كان على بعد أميال عديدة.
قال الإمبراطور، مذهولًا: "ماذا هناك، جيامن؟"
أجاب القائد الأعلى للقوات في الجنوب، وهو ملك من المستوى السابع، بقلق ظاهر: "جلالتك… إنها إمبراطورية الرياح البنفسجية! تهاجم بكامل قوتها، لا نستطيع الصمود… نرجو تعزيزات!"
ارتفعت الصيحات في القاعة جميعها بصوت واحد: "ماذا؟!"