بالمناسبة تم تغير غلاف، الرواية رأيكم ايه؟
الفصل 22: الجحيم يتجه شمالا
خيم صمتٌ ثقيل كالقبر على قاعة العرش، حيث فغرت الأفواه واتسعت العيون ذهولاً ورعباً. لم تكن الصدمة مقتصرة على نبأ هجوم إمبراطورية "اللهب"، بل تضاعفت الآن مع وصول أنباء تحرك إمبراطورية "الرياح البنفسجية".
سرى إدراك بارد في أوصال جميع الحاضرين؛ ما يحدث ليس مجرد صدفة أو مناوشات حدودية عابرة.
إن تعرض إمبراطورية "مينغ" للهجوم من قِبل إمبراطوريتين عظيمتين في آن واحد لا يعني سوى شيء واحد: اتفاق مسبق ومؤامرة حيكت بليل.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن فناء إمبراطورية "مينغ" بات مسألة وقت لا أكثر؛ فهي بالكاد تستطيع الصمود أمام قوة واحدة، فكيف لها أن تجابه فكي كماشة من إمبراطوريتين؟
تهالك الإمبراطور على عرشه الذهبي، واضعاً يداً مرتجفة فوق عينيه وكأنه يحاول حجب رؤية الكارثة المحدقة. وبصوت مثقل بالهموم، قال: "أرسلوا تعزيزات عاجلة إلى الجنوب... وعززوا الجبهة الغربية فوراً."
"أمرك مطاع يا مولاي، سننفذ حالاً." جاء الرد حازماً من القائد الأعلى للقوات الإمبراطورية، "تشيان مينغ"، شقيق الإمبراطور. استدار بعباءته العسكرية وتوجه بخطوات واسعة نحو بوابة القاعة للبدء في التحضيرات.
ولكن، ما إن وضع قدمه عند عتبة الباب، حتى تسمر في مكانه. تجمد جسده بالكامل، واستدار بحدة وكأن صاعقة قد ضربته، بينما كاد قلبه يقفز من بين ضلوعه.
صوتٌ جديد... صوتٌ يحمل نذير الشؤم انبعث من بلورة اتصال أخرى كانت تومض بضوء أحمر متقطع.
"جلالة الإمبراطور... جلالة الإمبراطور! الشرق... الشرق يغرق في كارثة!" كان الصوت القادم من البلورة يرتجف رعباً، مشوباً بضوضاء المعارك وصراخ الجنود.
تعثر صوت الإمبراطور وهو يسأل بوجل: "الجنرال فينيكس؟ ما الذي يجري بحق السماء؟"
جاء رد الجنرال "فينيكس" متقطعاً، وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة وسط الجحيم: "إمبراطورية المياه الزرقاء... لقد اجتاحت نصف الشرق يا صاحب الجلالة! سقطت عشر مدن بالكامل تحت سيطرتهم... أرجوك، أرسل النجدة! عائلة سيان أُبيدت عن بكرة أبيها، وعائلة كنيلان لحقت بها، وعشرات العائلات النبيلة سُحقت... نصف جيش الشرق قد فني!"
ساد هرج ومرج مكتوم في القاعة، لكن "فينيكس" لم يتوقف، بل ألقى بالقنبلة التي قصمت ظهر البعير، وصوته يقطر هلعاً سُمع صداه في أرجاء القاعة الصامتة: "سيدي... إنها مصيبة عظمى! إمبراطور المياه الزرقاء بنفسه يقود الهجوم! وليس هذا فحسب، لقد رُصد زاكستر من إمبراطورية الرياح البنفسجية يقاتل بجانبه! سيدي، نحن ننهار... لا طاقة لنا بمواجهة إمبراطور... أغيثونا!"
تك... تك...
سُمع صوت ارتطام أجساد بعض الوزراء بالأرض بعد أن فقدوا وعيهم من هول الصدمة. مشاركة إمبراطور بنفسه في المعركة؟ وجود جنرال من إمبراطورية أخرى يسانده؟ هذا لم يعد غزواً... هذا إعلان إبادة شاملة. اتضح المشهد الآن جلياً: الإمبراطوريات الثلاث اتحدت لدفن إمبراطورية "مينغ" ومحوها من الخارطة والتاريخ.
انتفض الإمبراطور واقفاً من عرشه، وقد تبدلت ملامح الانكسار بقناع من العزم اليائس، وهدر بصوت جهوري: "استدعوا السلف فوراً!"
وجه نظره نحو أخيه الواقف عند الباب وقال بصرامة: "تشيان مينغ، أنت ستتولى قيادة الجبهة الجنوبية."
ثم أخذ نفساً عميقاً وأكمل وعيناه تشتعلان بغضب مكبوت: "أما أنا... فسأتوجه إلى الشرق بنفسي."
سار الإمبراطور خطوات سريعة نحو المخرج وهو يصدر أوامره المتلاحقة التي لا تقبل النقاش: "عندما يستيقظ السلف، اشرحوا له كل تفصيل. أرسلوا أوامر التعبئة العامة لكافة العائلات، والطوائف، وأي قوة قتالية داخل حدود الإمبراطورية. أعلنوا حالة الطوارئ القصوى؛ كل من يستطيع حمل السلاح عليه التوجه لساحات القتال."
توقف لحظة عند الباب، وقال بنبرة قاطعة كالسكين: "ولي العهد والأمير الثاني... ارسلوهما فوراً إلى الجبهة الجنوبية. لا أريد سماع أي اعتراض أو خطأ هناك. المعركة الآن هي معركة وجود!"
سماء مدينة لوين - الجبهة الشرقية لإمبراطورية مينغ
فوق أنقاض المدينة، كان المشهد يبعث على الرهبة. طفا كايروس، إمبراطور المياه الزرقاء، في كبد السماء واضعاً يده على وجهه، وراح يقهقه بجنون، وقد لمعت في عينيه نظرة سادية تستلذ بالدمار وهو يصرخ بصوت مدوٍ:
"هاهاها! إنه اليوم الموعود الذي طال انتظاري له. نعم، السعادة تغمر كياني، فسأقضي على إمبراطورية مينغ قضاءً مبرماً. لطالما تباهوا بعراقتهم، وبأنهم الإمبراطورية الأولى والأساس، ولكن تاريخهم هذا سيندثر اليوم بين راحتي هاتين... هاهاها!"
إلى جانبه، كان يطفو بهدوء وثبات زاكستر، المستشار الشخصي للإمبراطور نيكولاس حاكم إمبراطورية الرياح البنفسجية. وعلى عكس كايروس المنتشي بالنصر، كان صوت زاكستر بارداً ومحسوباً وهو يذكر بالخطة الاستراتيجية قائلاً:
"يا صاحب الجلالة، يجب أن نلتزم بتفاصيل الخطة بدقة. كما تعلم، كل إمبراطورية من التحالف الثلاثي تحاصر مينغ من جهة محددة. فإمبراطورية اللهب تمتلك حدوداً جنوبية مع مينغ، لذا تكفلوا هم بالجبهة الجنوبية. وسيدي الإمبراطور نيكولاس اتخذ إجراءاته اللازمة لإغلاق الجبهة الغربية بجيوش الرياح البنفسجية."
التفت زاكستر بنظرة جادة نحو كايروس المقهقه، وأكمل حديثه بنبرة استفسارية حازمة:
"أما أنت، يا إمبراطور المياه الزرقاء، فحدودك تعانق إمبراطورية مينغ من جهتين، الشرق والشمال. نحن الآن نكتسح الشرق، ولكن سؤالي هو، هل أرسلت جزءاً من قواتك لاجتياح الشمال؟ فأنت تعلم أنها الحلقة الأضعف والأكثر هشاشة بين الجهات الأربع."
أزاح كايروس يده عن وجهه ببطء، وكشف عن ابتسامة مريضة تقشعر لها الأبدان، ثم قال بنبرة تقطر وحشية: "لا تقلق، فقد أرسلتُ رئيس عائلة القروش الدموية، وأنت تعرفهم جيداً، إنهم إحدى الدوقيات الثلاث العظمى في إمبراطورية المياه الزرقاء. الدوق كازمان... أنت تدرك مدى فتك هذا الرجل، سيقضي على أي أثر للبشر هناك. سواء كانوا أطفالاً، عجائز، نساء، أو حتى الدواب، ناهيك عن الصاقلين؛ كل كائن حي في الشمال سيتم التهامه من قبلهم."
رمق كايروس زاكستر بنظرة خبيثة وهو يقهقه بصوت منخفض، ثم أردف قائلاً: "أنت تعرف عن مجزرة البحر الدموي، أليس كذلك؟ ألست أنت المستشار الأول لإمبراطورية الرياح البنفسجية المتخصصة في الاستخبارات وجمع المعلومات؟"
تجمدت الدماء في عروق زاكستر، وابتلع ريقه بصعوبة بالغة قبل أن يتمتم بصوت مهتز: "إذن... لقد كانوا هم الفاعلين! يا إلهي... كانت مجزرة البحر الدموي من أشنع المجازر في التاريخ، ومن شدة فظاعتها، ولأول مرة في تاريخ قارة شينيا، تحركت الأرض المقدسة وتدخلت في شؤون العالم الدنيوي."
شحب وجه زاكستر وهو ينظر إلى كايروس برعب شديد، بينما كانت أفكاره تتسابق في عقله وهو يحدث نفسه قائلاً: "الأرض المقدسة لا تتدخل أبداً، ولكنها فعلت يومها... لقد قُتل عشرة ملايين إنسان، بينهم أطفال ونساء ومزارعون بسطاء، على يد منظمة مجهولة لم يُعرف عنها شيء حينها. لقد محوا جميع الأدلة ببراعة شيطانية، وأذابوا الجثث بطاقتهم الجوهرية وخلطوها بمياه البحر حتى اصطبغ المحيط بالكامل باللون الأحمر القاني، لدرجة أن الأرض المقدسة نفسها عجزت عن كشف الفاعل."
***********
زاوية النقاش مع القراء
نصل هنا إلى نهاية هذا الفصل المليء بالأحداث وأترككم مع هذه التساؤلات:
برأيكم هل سينجح "كازمان" في إعادة مجزرة البحر الدموي والقضاء على الشمال؟
تعليقات للاستمرار.
منصف الوردي