الفصل 25: هلع... حزن... جنون... ألم... موت
كان الفناء الخارجي غارقاً في سكون الظهيرة، حيث تداعب نسمات الهواء العليل أوراق الأشجار، وتتساقط أشعة الشمس الذهبية على رقعة الشطرنج الموضوعة بعناية على الطاولة الحجرية.
"تباً... خسرت مرة أخرى." تمتم جيمس وهو يزفر بهدوء، مستنداً بظهره إلى الكرسي المريح، وعيناه تتنقلان بين الملك المحاصر ووجه فيليب. "أنت شيطان في هذه اللعبة يا فيليب، حقاً تجيدها."
"لا لا، صدقني، الحظ حالفني فقط." حك فيليب مؤخرة رأسه، ضاحكاً بحرج وتواضع، بينما كانت العصافير تزقزق حولهما في الفناء لتكمل لوحة السلام الزائفة.
"إذا كان هذا هو 'القليل' مما تعرفه، فماذا أكون أنا؟ أحمق يحرك الحجارة؟" ضحك جيمس بصوت صافٍ، ومد يده ليعيد ترتيب الجنود لجولة أخرى.
ولكن فجأة... انشق الهواء. دوى صوت تنبيه في رأسه لم يكن كأي صوت سمعه من قبل. كان صوتاً يشبه تحطم العظام.
ظهرت الشاشة الزرقاء أمامه، تحجب نور الشمس، وتتحول الكلمات عليها إلى أنصال سيوف تقطر دماً.
[تنبيه أحمر: تم قتل زوجة المضيف، يو نينغ. السبب: الوفاة بعد تعرضها لاغتصاب جماعي وحشي.]
تجمد الزمن في الفناء. توقفت الرياح، وصمتت العصافير.
سقط بيدق الشطرنج من يد جيمس، تدحرج على الطاولة ثم سقط على الأرض بصوت مكتوم.
قرأ السطر الأول، وشعر بقلبه يتوقف عن النبض تماماً.
لكن الكابوس لم يتوقف، بل انهمرت الرسائل كسيل من الحمم البركانية:
[تنبيه: تم قتل زوجة السيد ياو يانغ. السبب: تم تقطيع جسدها وأكلها حية، وتناوب المعتدون عليها قبل أن تلفظ أنفاسها.]
[تنبيه: مقتل كايزر. السبب: فجر نواته وروحه بنفسه مفضلاً التلاشي.]
[تنبيه: مقتل حفيدة المضيف، يان روهان. السبب: ذُبحت أثناء محاولة يائسة للهرب.]
[تنبيه: مقتل زوجة ابن المضيف. السبب: تصفية جسدية بشعة أثناء الهروب.]
وقف جيمس فجأة، مندفعاً بقوة أسقطت كرسيه خلفه.
جحظت عيناه حتى كادت العروق الحمراء تنفجر منهما.
فتح فمه ليصرخ، لكن صوته اختنق. لم يخرج سوى حشرجة مرعبة، صوت شخص يُذبح من الوريد إلى الوريد.
"أغغ... أغغغغ..."
وضع يديه حول عنقه وكأنه يختنق، وكأن حبلاً غير مرئي يلتف حول رقبته.
بدأ جسده يرتجف بعنف لا يصدق، ارتجاف هدم توازنه، فسقط جيمس في وسط الفناء، ركبتاه ارتطمتا بالأرض الصلبة.
"ههههههه…هههههههه! يبدو أنني أتخيل... نعم، لابد أنني جننت!"
قهقه جيمس بأعلى صوته، ضحكات متقطعة خرجت من جوفه كأنها شظايا زجاج، بينما تحولت عيناه ببطء من لونهما الطبيعي إلى الأحمر القاني المشبع بالدماء.
لم تكن مجرد حمرة غضب، بل كانت الأوعية الدموية تنفجر واحدة تلو الأخرى.
قبضت يداه على الهواء بقوة جعلت أظافره تغوص في راحة يده، تخترق اللحم والعظم، لتبدأ الدماء الغزيرة بالتقاطر على الأرض بإيقاع مرعب.
تق.. تق.. تق..
"سيدي!! ماذا هناك؟!"صرخ فيليب وهو يقفز من كرسيه، وقد تملكته قشعريرة باردة جمدت أطرافه.
المشهد أمامه كان يفوق استيعاب العقل البشري؛ سيده الجبار يضحك كالشيطان، بينما عيناه تذرفان دماءً بدل الدمع، ويداه تعصران دماءهما.
"لا شيء... إنه غير حقيقي... أجل، أنا أتوهم! ههههه... هئ... هئ... آآآآه!"تحولت الضحكة فجأة إلى شهقة مكتومة، ثم انفجر سد الألم.
وضع جيمس يديه الملطختين بالدماء على وجهه، وبدأ يبكي، لكنه لم يكن بكاءً عادياً.
كان عويلاً يحرق الحنجرة. رغم محاولته إنكار الواقع، كان يعلم في قرارة نفسه المظلمة أن "النظام" لا يكذب، وأن الكابوس حقيقة.
"هئ... هئ... هئ... آآآآآآآخ!"سال الدم من عينيه بغزارة، راسماً خطين أحمرين على خديه، واختلط بسوائل أنفه وفمه، ليخلق قناعاً من الرعب على وجهه.
دوى صراخه في أرجاء القصر، صراخ وحش جريح يُنتزع قلبه حياً، صراخ جعل جدران القصر ترتجف.
اهتز المكان، وهرع الجميع نحو مصدر الصوت.
انفتح باب الفناء على مصراعيه. دخل الحراس، ركض "لينغ" أخو جيمس، واندفعت "مي لينغ". تسمروا جميعاً في أماكنهم.
كان المشهد أمامهم لوحة من الجحيم. جيمس جاثٍ على ركبتيه وسط بركة من دمائه، يضرب الأرض برأسه ثم يرفعه للسماء وعيناه تفيضان بالدم كأنهار جارية، فمه مفتوح في صرخة صامتة، وجسده يرتعش كأنه ممسوس بألف شيطان.
"جيمس!! لا!! ماذا يحدث؟!"صرخت مي لينغ صرخة مزقت نياط القلب، لم تبالِ بالدماء، رمت بنفسها على الأرض، وانزلقت في الوحل والدم لترتمي في حضنه.
احتضنته بقوة، ضمت رأسه الدامي إلى صدرها، ودموعها تنهمر على وجهه المشوه بالألم. كانت هذه أول مرة في حياتها ترى الجبل الذي لا يهتز ينهار بهذه الطريقة المريعة.
"مي لينغ...!!"رفع جيمس رأسه إليها، وعيناه الحمراوان الغارقتان في الدم تحدقان في عينيها بضياع تام، ويداه المرتجفتان تلطخان ثيابها بالدماء وهو يتمسك بها كغريق يتعلق بقشة.
"انهم... انهم قتلوهم يا مي لينغ! لقد قتلوا روحي... لقد ذبحوا جزئي الآخر! لماذا؟!!".
دفن وجهه في عنقها، وبدأ ينتحب كطفل يتيم، كلماته تخرج متقطعة، ممزوجة بشهقات الاحتضار: "لقد أخذوا يو نينغ... أخذوا حفيدتي... لقد أكلوا أجسادهم... لقد أخذوا ما كنت أحب... لماذا؟! لماذا السماء تكرهني؟ لماذا دائماً ينتزعون مني ما أملك ويتركوني وحيداً في هذا الجحيم؟!!".
كان صوته يحمل ألماً قديماً وألماً جديداً، ألماً لا تكفيه دموع العالم لغسله، بينما ظل لينغ والحراس واقفين كالتماثيل، يراقبون بصمت مرعب كيف تحول سيدهم إلى حطام إنسان غارق في دمائه وأحزانه.
"قتلوهم... مـ.. من هم؟"همست مي لينغ، وتجمدت الدماء في عروقها وهي تشعر بجسد جيمس يرتجف بين ذراعيها. كانت تعلم أن يان ويو نينغ لم تكونا مجرد عائلة له، بل كانتا وتد خيمته في هذه الحياة.
"من هم؟... أجل... أجل... هذا هو السؤال الصحيح! هاهاهاهاهاها!"
انفجر جيمس بضحكة مكسورة، ضحكة هزت أركان الفناء. انتفض واقفاً بقوة أزاحت مي لينغ عنه برفق ولكن بحزم. في تلك اللحظة، انفجرت هالة ذهبية مهيبة حول جسده، ساطعة كشمس غاضبة. وفي ثانية واحدة، تبخرت الدماء، والتأمت الجروح، واختفت الكدمات. عاد جسده مثالياً، قوياً، ومتعافياً... لكن عينيه بقيتا حمراوين كالجحيم.
وقف جيمس شامخاً وسط بركة من دمائه، وعيناه الحمراوان تحدقان في الأفق بنظرة خاوية، باردة لدرجة جعلت جزيئات الهواء تتجمد وتتساقط كالثلج من حوله. كان وجهه مبللاً بالدماء والدموع، وبدا صوته هادئاً، هدوء ما قبل الفناء، لكنه يحمل نبرة مكسورة تخلع القلوب:
"هذا هو الترتيب يا جيمس... أحسنت... خطة مثالية لعالم قذر."
رفع يده الملطخة بالدماء، وبدأ يعد على أصابعه والجنون يرقص رقصة الموت في حدقتيه المتسعتين:
"أولاً..." همس بصوت يرتجف: "الذين لمسوا شعرة منهم... الموت؟ لا، الموت هدية لن أمنحها لهم. سأجعلهم يتمنون الموت في كل ثانية. سأمزق جلودهم وأشفيها، سأحطم عظامهم وأجبرها، سأجعلهم يأكلون لحم أجسادهم من الجوع. سأبقيهم أحياء لقرون حتى يصبح صراخهم هو الموسيقى الوحيدة التي يسمعونها."
"ثانياً..." ابتسم ابتسامة شوهت وجهه: "سأبيد سلالتهم عن بكرة أبيها. من الجد القابع في قبره سأحرقه، إلى الجنين الذي لم يرَ النور بعد سأنتزعه. سأقطع شجرة عائلتهم من جذورها، سأجعل دماءهم تملأ الشوارع أنهاراً حتى لا يبقى منهم أحد ليتذكر أسماءهم. سأمحو نسلهم من الوجود."
"ثالثاً..." قبض يده بقوة حتى طقطقت عظامه: "الأرض التي أنجبت هؤلاء الوحوش... سأحرقها حتى تصير رماداً. سأقلب مدينتهم سافلها على عاليها، سأجعلها مقبرة منسية، أرضاً ملعونة لا ينبت فيها عشب ولا يسكنها طير."
"رابعاً... وآه من رابعاً..." انفجر في نوبة ضحك ممزوجة ببكاء مرير، وصوته يعلو بجنون يهز الجبال: "أي حثالة... أي كائن كان له طرف في هذا، من قريب أو من بعيد... سأجتثه! لو شاركتم ولو بذرة! لو شاركتم ولو بأنفاسكم التي زفرتموها في ذلك المكان! لو قدمتم لهم خنجراً، أو فتحتم لهم باباً، أو حتى لو مر طيفكم بجانبهم!"
توسعت عيناه كالوحش وهو يصرخ والدماء تتطاير من فمه: "لا يهم إن كنتم الفاعلين أو المخططين أو الخدم... لو كنتم مجرد غبار في المشهد! سأجدكم! سأربط أمعاءكم ببعضها، سأجعلكم تدفعون ثمن كل شهقة هواء تنفستموها أثناء عذاب عائلتي. سأحاسبكم حتى على النوايا! سأجعلكم تصرخون باسمي طالبين الرحمة، ولن تجدوا سوى الشيطان يبتسم في وجوهكم!"
تدحرجت دمعة دموية كثيفة على خده وهو يهمس بصوت مبحوح كأنه يكلم الأشباح: "لقد حولوني إلى وحش... والآن، سأريهم كيف يلتهم الوحش العالم."
فجأة... عند بوابة الفناء. ساد صمت ثقيل، ثم دوى صوت انفجار لحم وعظم. تــــك... تـــك... بـــــــووم!!
تطايرت أشلاء ودماء ولحم متناثر في الهواء. كان "جيلان"، ابن جيمس، يقف هناك، وعيناه جاحظتان من الصدمة. لقد إستوعب كل شيء.
لم يتحمل عقله النبأ، فانفجرت طاقته الداخلية بشكل فوضوي، مما أدى إلى انفجار يده اليمنى بالكامل وتحولها إلى رذاذ دموي.
"ابنتي... تم قتلها؟ هاها... أمي؟ أمي تم اغتصابها وقتلها؟ ماااااااااااذااااااااااا؟!!!"
صرخ جيلان صرخة مزقت السماء، صرخة وحش فقد قطيعه. لم يبالِ بيده المبتورة، ولم يشعر بالألم الجسدي، فالألم في قلبه كان أشد فتكاً. "أميييي!! لا يا أمي!! ابنتي!! عمتي!! زوجتي!! لاااااا!!"
انطلق جيلان محلقاً نحو السماء كالسهم، تاركاً خلفه ذيلاً من الدماء المتناثرة من ذراعه المفتتة. كان يبكي بحرقة، دموعه تختلط بدمائه، وعقله يعيد صور أمه وابنته وهما تصرخان طلباً للمساعدة.
في الأسفل، هدأ جيمس فجأة. اختفى الغضب الظاهري وحل محله سكون الموت. وضع يديه خلف ظهره ببرود شديد، والتفت إلى أفراد عائلته المذهولين وقال بنبرة لا تقبل النقاش:
"جميع أفراد العائلة... اتبعوني فوراً إلى مدينة فيلين. اسمعوا أمري جيداً: أي كائن حي تجدونه هناك، سواء كان إنساناً، حيواناً، أو حشرة... لا تقتلوه. اربطوهم أحياء. أريدهم جميعاً أحياء ليشهدوا الجحيم."
بمجرد انتهائه، انطلق جيمس محلقاً، خارقاً حاجز الصوت. في السماء، كان عقله يدور في دوامة من الذكريات السوداء. "هكذا يحدث دائماً... في حياتي السابقة، بعد موت أمي، كنت ضعيفاً فانتحرت هرباً من الألم. ولكن في هذه الحياة... حتى لو اضطررت لمواجهة الكون بأسره، لن ينجو الفاعل. لن أمنحه رفاهية الموت السريع."
بينما كان يفكر، مر بجانب ابنه "جيلان" الذي كان يسبقه في الطيران. نظر جيمس إلى ابنه، رأى وجهه المحتقن بالبكاء، رأى عينيه اللتين تعكسان الرعب والضياع. عرف جيمس ما يمر به ابنه؛ صورة أمه المغتصبة، وزوجته المقتولة، وابنته المذبوحة... كان الألم فوق احتمال البشر.
لاحظ جيمس ذراع جيلان المبتورة التي تنزف بغزارة. أغمض جيمس عينيه للحظة، وبحركة بسيطة من إصبعه، أرسل تياراً من الطاقة الذهبية أحاط بكتف جيلان. في طرفة عين، نبتت العظام، وتكون اللحم، وتشكل الجلد. عادت ذراع جيلان كما كانت.
لكن جيلان... لم يتوقف. لم ينظر لأبيه. لم يلاحظ حتى أن يده قد عادت. كان غارقاً في دوامة حزنه، عقله مشلول تماماً، وكل ما يفكر فيه هو الوصول إلى مدينة فيلين ليرى إن كان هناك أي أمل، أو لينتقم.
تجاوزه جيمس، وعيناه تلمعان ببريق الدموع والقسوة. "ظننت أنني أصبحت الأقوى... قلت لنفسي لن يتكرر الماضي... ولكن انظر إليّ الآن. أخذوا مني كل شيء مرة أخرى. حسناً إذن... سأريكم وجه الشيطان الحقيقي."
ومع آخر كلمة دارت في خلده، زاد جيمس من سرعته، مخلفاً وراءه دوياً صوتياً هائلاً. وفي طرفة عين... وصل جيمس فوق سماء "مدينة فيلين". وقف هناك في العلياء، كحاكم الموت، ينظر إلى المدينة التي تحتضن قتلة عائلته، والظلام يبدأ في التجمع حوله استعداداً للعاصفة.
______
1600 كلمة يعني فصلين اخخخخ