الفصل الثاني: استيقاظي كجد وأب وزوج
"جيمس~~"
اخترق وعيه صوت أنثويّ جميل، غير أنّه لم يحمل إليه طمأنينة، بل نثر في صدره بذور الحيرة والقلق.
هل مات؟ أهذا هو الجحيم الذي وُعِد به؟ هكذا تمتمت أفكاره المرتبكة قبل أن يعود الصوت ذاته، يهمس من جديد بنبرةٍ تنضح بالحنان.
بدأ جيمس يفتح جفنيه الثقيلين ببطء شديد، وما رآه في اللحظة التالية كان كفيلا بتجميد الدم في عروقه.
فقد كانت هناك امرأة فاتنة الملامح مستلقية بين ذراعيه، بجسد يصعب تجاهله؛ صدرٌ كبير لم يغطه القماش إلا بنسبة لا تتجاوز العشرين بالمئة، في مشهد صدم حواسه وأربك أنفاسه.
كانت في ريعان شبابها، ربما في أواخر العشرينيات أو أوائل الثلاثينات، بجمال وجه آسر للأنظار: عينان دائريتان واسعتان، وشفتان حمراوان ممتلئتان، وبشرة بيضاء ناصعة كالثلج. نظرت إليه بابتسامة خفيفة زادت من حيرته ودهشته في آن واحد.
"حبيبي، هل أجهز لك حماماً كي تستحم؟" نطقت المرأة بكلماتها وهي تنهض برشاقة من بين يدي جيمس.
وفجأة، اجتاح رأسه صداعٌ حاد، كأن مسمارا ساخنا يدقّ داخل جمجمته، فرفع يديه لا إراديا ليقبض بقوة على جانبي رأسه، محاولا السيطرة على الألم الذي تصاعد حتى أفقده توازنه.
وفي اللحظة التالية، بدأت صور غريبة تتوالى أمام عينيه؛ ذكريات لا تخصه، مشاهد لم يعشها يوما، وانطباعات تعود لجسدٍ لم يكن يوما جسده… رؤى متقطعة، مشاعر غامضة، أصوات بعيدة… وكأن ذاكرة هذا الجسد تقتحم وعيه قسراً دون استئذان.
هذا العالم ليس عالمه. لقد وجد نفسه مقذوفا في كون آخر يحكمه القتال؛ عالمٌ تعج أرجاؤه بالخوارق، حيث يصول ويجول المحاربون الأقوياء كالعواصف، وتجوب الوحوش العتيقة الجبال والغابات المترامية، وتتصارع الممالك والإمبراطوريات والنبلاء والعشائر والقبائل من أجل الهيمنة المطلقة.
أما الجسد الذي بات يسكنه الآن، فهو لسالكٍ في درب الفنون القتالية، لكنه يقبع في مرحلة ضعيفة للغاية. قوته لا تتجاوز إلا قليلاً قوة الإنسان الفاني العادي، ويعيش حياته في عزلة تامة بين الجبال الشاهقة والبعيدة عن صخب العالم.
توقف شريط الأفكار عند معلومة صادمة جعلته يفتح عينيه على مصرعيهما: "لديه ثلاث زوجات!"
ثلاث زوجات! وتسعة أبناء سبعة ذكور وفتاتان! ولديه أحفاد أيضا! أي جنون هذا؟
اسمه هنا "جيمس روهان" نفس اسمه بالتمام. زعيم لعائلة روهان يعيش مع زوجاته وأبنائه وأحفاده وإخوته في جبل "تشينغماو" وفي أسفل الجبل تمتد مدينة صغيرة تدعى "تشين يا".
انتظر لحظة... "تشينغماو"، "تشين يا"؟ هذه أسماء صينية!
"يعني أنا الآن في أراضي الصين؟" تدفقت الأسئلة كالسيل الجارف في رأسه محاولا استيعاب هذا التحول الجذري في وجوده.
"جيمس، ماذا بك؟ هل أنت بخير؟"
تحدثت المرأة بصوت مشوب بالقلق وهي تلاحظ نظراته الشاردة والألم الذي يعتصر ملامحه.
"أنا بخير" أجابها جيمس بنبرة جافة ومقتضبة بالكاد رفع عينه عن الأرض. لوح بيده في إشارة واضحة لطلب الخصوصية وأضاف: "فقط... أريد أن أكون وحدي لفترة. أرجوك اخرجي من الغرفة."
كانت كلماته تحمل ثقلا غريبا لم تعتده منه إحساسا بالضياع والارتباك الذي لم يكن قادرا على تفسيره بعد. كانت بحاجة للوقت لجمع شتات نفسه واستيعاب حقيقة هذا الوجود الجديد.
"حسنا" أجابت الفتاة بنبرة هادئة لكنها تحمل الكثير من الحيرة والقلق.
توجهت نحو باب الغرفة الحجرية، فتحته ببطء وخرجت تاركة جيمس وحيدا مع أفكاره الفوضوية. كانت تائهة ولا تعرف ماذا جرى لزوجها فجأة ولا تفهم سر هذا التغير المفاجئ في سلوكه.
بمجرد إغلاق الباب، تنفس جيمس الصعداء. بدأ يمسح وجهه بيديه محاولا طرد الصورة المربكة للمرأة الفاتنة التي تدعوه "حبيبي".
"زوجة؟ أنا؟ وفي عالم آخر؟" تمتم لنفسه بصدمة بينما كان يحاول جاهدا تنظيم سيل الذكريات التي لا تتوقف. كان عليه أن يفهم وضعه الجديد بسرعة.
نهض ببطء متجها نحو مرآة بدائية معلقة على الجدار ربما كانت قطعة معدنية مصقولة أو سطح ماء ليرى انعكاس وجهه الجديد.
وقف جيمس أمام المرآة يمرر يديه ببطء على وجهه الذي انعكس أمامه. شعر أبيض ناصع ينسدل بسلاسة وصولا إلى عنقه.
جسد مثالي يافع يبدو في أوائل العشرينات من عمره. هذا الجسد لا يشبهه أبدا؛ كان غريبا تماما عنه. كان عاريا تماما، كل بوصة منه منحوتة بإتقان مثال للكمال الجسدي الذي لم يمتلكه يوما.
عيون بلون الذهب الصافي تحدق به. مرر أصابعه النحيلة فوق حاجبيه المرسومين بدقة ثم تحسس بشرته البيضاء الناصعة وخده المحدد. لم يجد أي أثر لتجاعيد أو عيوب. كان هذا الجسد شابا قويا وجميلا بجمال كلاسيكي بارد
رجع جيمس للسرير بخطوات بطيئة، يشعر بثقل الحيرة وعدم اليقين لا يعرف أي خطوة تالية يخطوها في هذا العالم الغريب.
وإذ به يسمع صوتا غريبا معدنيا وباردا يتردد صداه داخل جمجمته مباشرة:
[ تم تفعيل نظام تطوير العائلة ]
تسمر "جيمس" في مكانه كتمثال من حجر. "نظام؟ عائلة؟ تطوير؟" تمتم الكلمات لنفسه بذهول مطلق.
لم يكن متأكدا إن كان قد سمع ذلك بحق أم أن عقله بدأ ينسج هلاوسا تحت وطأة الصدمة. ضغط على صدغيه بقوة أكبر، الصوت لم يكن قادما من الخارج بل من داخله هو.
بدأ الخوف الحقيقي يتسلل إلى قلبه خوف من المجهول ومن جنون محتمل: هل فقد عقله أخيراً؟
في تلك اللحظة بينما كان الضوء الخافت في الغرفة ينعكس على عينيه المصدومتين انبعث وهج ذهبي فجأة من العدم مشكلا شاشة شفافة أمامه مباشرة. لم تكن مجرد بيانات مرصوصة، بل كانت نافذة غريبة تطفو في الهواء.
رمش "جيمس" عدة مرات يظن أنه يتوهم لكن الكلمات بقيت واضحة ومقروءة، مرسومة بخطوط متلألئة في الفراغ:
الاسم: جيمس روهان
العمر: 39 سنة
تتبع بعينيه السطر التالي، وشعر ببرودة غريبة تسري في أوصاله عند قراءة البيانات المتعلقة بقدراته:
القوة الجسدية: 23/100 (المستوى الأول)
الفنون القتالية: المستوى الثاني من قوة الجسد
اتسعت عيناه ذهولا. لم يكن مجنونا. ما يحدث حقيقي وغريب ومفصل بشكل مخيف.
تقدم "جيمس" إلى الأمام، مدفوعاً بفضول أقوى من خوفه. مد يده بتردد نحو الشاشة الذهبية المتلألئة، التي لم تكن تشغل حيزاً مادياً في الواقع. لقد تجاوز مرحلة الصدمة الأولية ودخل في حالة من الذهول التام المخلوط بالتقبل.
كان عقله لا يزال يعالج الفوضى العارمة التي انقلبت حياته إليها: أولا انتقاله المفاجئ إلى عالم غريب ومجنون لم يفهم قوانينه بعد.
ثانيا اكتشافه الصادم أن لديه زوجات وأبناء وأحفاد في هذا المكان الجديد، عائلة كاملة ألصقت به قسرا. وفي الأخير هذا "النظام" الغامض الذي يطفو أمامه كدليل إرشادي لألعاب الفيديو.
ومع ذلك، بدلا من الذعر تسلل شعور غريب بالهدوء إلى روحه. ومضت في ذهنه فكرة واحدة: "يبدو أن هذه الحياة ستكون جميلة... أو على الأقل، لن تكون مملة أبدا". ابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيه وهو يركز انتباهه الكامل على الشاشة.
"ولكن ما دور هذه الشاشة؟ هل تكتفي فقط بعرض البيانات الجافة؟" تمتم "جيمس" بصوت مسموع وهو يحك ذقنه بتفكير، موجهاً سؤاله إلى الفراغ الذي تطفو فيه الشاشة.
وكأن الشاشة كانت تنتظر استفساره، دوى الصوت الميكانيكي الهادئ مرة أخرى داخل رأسه مباشرة:
[ نظام تطوير العائلة هو نظام لتجميع النقاط. يمكنك استخدام هذه النقاط لشراء الموارد، القصور، السيوف الإلهية، تقنيات الفنون القتالية... كل شيء متاح مقابل النقاط.]
اتسعت عينا "جيمس". تحولت حياته فجأة إلى لعبة فيديو حقيقية يمكنه فيها "شراء" القوة. سأل في رأسه على الفور بحماس لم يستطع إخفاءه: "كيف أحصل على هذه النقاط؟"
جاء الرد بسرعة:
[ للحصول على النقاط لديك ثلاثة مصادر رئيسية:
العلاقة الزوجية: ممارسة العلاقة الحميمة مع زوجاتك تمنحك نقاطا.
الذرية: ولادة أي طفل جديد في العائلة تعطيك نقاطا إضافية.
الهيبة: كلما كانت هيبة المضيف في المنطقة قوية ومؤثرة حصلت على المزيد من النقاط تلقائيا.]
تجمد "جيمس" في مكانه مرة أخرى لكن هذه المرة ليس من الخوف بل من المفاجأة المطلقة.
كانت القواعد غريبة وجريئة بشكل لا يصدق. نظر إلى الشاشة بذهول ثم لمعت في عينيه نظرة فهم ممزوجة بدهشة بالغة: "حسناً... يبدو أن العمل الجاد ينتظرني في غرف النوم بدلا من ساحات المعارك".
"أيها النظام كم نقطة أملك الآن؟" سأل "جيمس" بلهجة جادة هذه المرة وقد بدأ يتعامل مع الموقف
[ لدى المضيف 100 نقطة حاليا. بالإضافة إلى ذلك، تم منحك مكافأة ترحيبية من النظام: تقنية "الشمس السوداء".]
ظهرت نافذة معلومات جديدة على الشاشة الذهبية على الفور، تعرض تفاصيل التقنية الجديدة:
الاسم : الشمس السوداء
الدرجة : أرضي
قرأ "جيمس" بقية الوصف بعناية شديدة وعيناه تتسعان مع كل سطر:
المستوى الأول: يعطي قوة "الدرع الأسود" الذي يغطي صاحب التقنية بالكامل. لا يمكن اختراق هذا الدرع إلا من قبل شخص أقوى جوهريا من صاحب التقنية نفسه.
المستوى الثاني: يمكن لصاحب التقنية استعمال نار سوداء في يديه. أي شخص يلمسه في نطاق 10 أمتار يموت مباشرة عند التلامس.
المستوى الثالث: زيادة مدى تأثير التقنية من 10 أمتار إلى 50 متراً.
توقفت عينا "جيمس" عند السطر الأخير الذي ظهر فجأة كنص إضافي:
[ نقطة ضعف التقنية: يمكن التغلب على "الشمس السوداء" جزئيا من قبل أي شخص يمتلك تقنية من فئة الماء أو الجليد أو أي فئة أخرى أقوى من المستوى الحالي للتقنية، مما يقلل من فعاليتها ولكنه لا يبطلها تماماً.]
فتح "جيمس" فمه بذهول. أجل التقنية لها عيب، ولكنها تظل قوية بشكل لا يصدق بالنسبة لشخص بقوته الحالية. وبينما كان يستوعب قدراته الجديدة لمح بالصدفة بضع أيقونات إضافية في أسفل شاشة النظام الذهبية:
[ المكافآت ] [ المتجر ] [ تحصيل النقاط ]
لم يتردد طويلا. ضغط "جيمس" بإصبعه على أيقونة [ المتجر ]، فانتقلت الشاشة فورا لتعرض قائمة طويلة من العناصر المبهرة. بدأ يمرر عينه على الخيارات المتاحة بفضول متزايد:
سلاح من الدرجة الأرضية: تنين الأرض
يستطيع السيف التحول على شكل طاقة تنين قوية.
الثمن: 170 نقطة.
حبوب سماوية:
زيادة القدرة على امتصاص الطاقة بنسبة 1000% والقدرة على اختراق ثلاث إلى أربع مستويات قوة.
الثمن: 600 نقطة.
تقنية السيف السماوي:
تقطع كل شيء على الأرض.
الثمن: 5000 نقطة.
مرر "جيمس" الشاشة بسرعة أكبر، مصدوماً من تنوع وقوة التقنيات والأسلحة والحبوب المعروضة. كل شيء كان متاحاً، فقط مقابل النقاط التي يحصل عليها من عائلته الجديدة.
قصر اللؤلؤة البيضاء:
جدران تصل إلى 30 مترا القصر يصل إلى 500 متر مربع بوابة كبيرة، صالة تدريب ضخمة، أكثر من 30 غرفة.
الثمن: 2000 نقطة.
تجمدت عيناه على الأسعار. كانت القائمة ساحقة. "لدي 100 نقطة فقط!" تمتم لنفسه. الفجوة بين نقاطه الحالية وأسعار هذه الكنوز كانت هائلة.
"قصور! أسلحة! تقنيات! عائلة! أبناء! زوجات! هاهاها!"تكلم جيمس والابتسامة تعلو وجهه تعبيرا عن دهشته وسعادته بهذا الاكتشاف الجديد.
لقد تبدد أي شعور بالخوف والقلق وحل محله شعور بالحماس الشديد. كانت الابتسامة واضحة على وجهه بالكامل من الأذن إلى الأذن.
بطاقة الزراعة:
تزيد سرعة الزراعة (امتصاص الطاقة) 10 مرات لمدة 3 ساعات.
الثمن: 10 نقاط.
فكر "جيمس" بسرعة. الحبوب السماوية كانت باهظة الثمن (600 نقطة)، لكن هذه البطاقة كانت رخيصة للغاية ويمكن أن تمنحه دفعة فورية في القوة. كان هذا هو ما يحتاجه بالضبط للبدء.
لم يتردد. ضغط "جيمس" على زر "شراء" دون تفكير طويل.
[ تم خصم 10 نقاط من رصيدك. رصيدك الحالي: 90 نقطة.]
[ هل ترغب في استخدام "بطاقة الزراعة" الآن؟ ]
"بالتأكيد!" أجاب "جيمس" بحماس وعيناه تلمعان بالتصميم. كانت هذه هي الخطوة الأولى في رحلة تطويره وبداية النهاية لحياته العادية السابقة.