الفصل 31: يا ويلكم... يا ويلكم

تردد صدى صوت "جيمس" في أرجاء القارة بأسرها، لم يكن مجرد صراخ، بل كان خرقًا لقوانين الطبيعة.

تسمر الجميع في أماكنهم، وشخصت الأبصار نحو السماء بذهول؛ حتى الأباطرة، بتجبرهم وقوتهم، لم يمتلكوا يومًا تلك السطوة التي تجعل الصوت يطرق مسامع كل كائن في القارة في آنٍ واحد.

في الأرض المقدسة، رفعت "يونان"، القديسة الأولى، رأسها ببطء نحو السماء، وعيناها مثبتتان على ذلك الوجه الطاغي الذي ارتسم في الأفق.

همست بصوت مشوب بالرهبة: "إذًا... هذا هو الكيان الذي أيقظته حماقة إمبراطورية المياه الزرقاء."

بجانبها، وقف أحد الشيوخ، وعلى الرغم من الهالة الإمبراطورية المهيبة التي تحيط به، إلا أن القلق كان ينهش ملامحه. سأل بصوت مرتعش: "سيدتي، ما العمل؟ كيف سنتصرف إزاء هذا؟"

استدارت يونان ببرود، وكأنها حسمت أمرها، وقالت بنبرة حازمة لا تقبل الجدال: "لن نفعل شيئًا. الزموا أماكنكم وتصرفوا كالمعتاد. إياكم والتدخل في شؤون هذا الشخص... إلا إذا كنتم تسعون لفناء الأرض المقدسة عن بكرة أبيها." قالت كلماتها تلك، ثم تلاشت من الأنظار تاركة وراءها صمتًا ثقيلاً.

بقي الشيخ وحيدًا، يعاود النظر إلى السماء بحسرة وغضب مكبوت، محدثًا نفسه: "تبًا لكم يا طغاة المياه الزرقاء... كنت أعلم أن يوم فنائكم آتٍ لا محالة، وها هو قد جاء على يد كيان جعل حتى القديسة ترتعد خوفًا. من؟ من الذي أغضبتموه هذه المرة ليحل عليكم هذا الجحيم؟"

فجأة، عاد صوت جيمس ليشطر سماء القارة، لكنه هذه المرة لم يطرق الآذان فحسب، بل اقتحم العقول بلا استئذان: "اسمعوني جيدًا... أي قوة، كائنة من كانت، تجرؤ على مد يد العون للمياه الزرقاء ضدي، فسيتم محوها من الوجود، ومحو سكانها من خارطة الكون."

نزلت الكلمات كالصاعقة على سكان إمبراطورية المياه الزرقاء.

دب الذعر في القلوب، وتحولت الشوارع إلى ساحات من الفوضى العارمة؛ العائلات تفر بجلدها، والبعض يبحث عن جحور يختبئ فيها. أما في ساحة المعركة، فقد تجمد الجنود، وجفت الدماء في عروقهم وهم يحدقون في ذلك الكيان المرعب الذي يظللهم بالموت.

عاد جيمس ليتحدث، ولكن بنبرة تغيرت من التهديد إلى جنون خالص، نبرة جعلت الأطراف ترتجف: "أووه... اهربوا... اختبئوا... أو أسدوا لأنفسكم معروفًا واقتلوا أنفسكم الآن... لا تجعلوني أمسك بكم... إياكم أن تقعوا في قبضتي."

انخفض صوته لبرهة وكأنه يهمس في أذن كل واحد منهم، قبل أن ينفجر مجددًا: "فوالله لو تدركون أي جحيم يستعر في قلبي الآن... يا ويلكم... يا ويلكم ويا ويل من ناصركم... يا ويلكم!"

ثم صرخ بصوت هستيري مزق نياط القلوب: "اهربوا... سواء كنتم بشرًا، وحوشًا، دوابًا، أطفالًا، نساءً أو شيوخًا... اهربوا! اهربوا! اهربوا! هيا اهربوووووووووووو!"

دوت ضحكات هستيرية مجنونة من فمه، ملأت الآفاق رعبًا، بينما وقف سكان القارة في صدمة شلت ألسنتهم... من؟

من الذي جنى على نفسه وأغضب هذا الكيان؟ ولماذا؟

لماذا دفعوا المياه الزرقاء نحو هذا المصير الأسود؟

ولكن الإجابة الوحيدة كانت تلك الضحكات التي توعدت بجعل الموت أمنية بعيدة المنال.

ببطء، تلاشى وجه جيمس المهيب من كبد السماء، وعادت زرقتها الطبيعية لتظهـر من جديد، لكن السكينة لم تعرف طريقها إلى القلوب.

دبّ الرعب كالنار في الهشيم بين صفوف جنود إمبراطورية المياه الزرقاء، الذين كانوا يخوضون قتالاً ضارياً ضد جيوش إمبراطورية "مينغ" في الشرق. انقلبت الموازين، وتحولت الشجاعة إلى ذعر خالص.

وسط هذه الفوضى، رمق الإمبراطور "شوان" خصمه بنظرة شامتة، وانفجر ضاحكاً بصوت زلزل الأرجاء: "هاهاهاها! إنه فناؤكم المحتوم! ألم أقل لك يا كايروس؟ ألم أحذرك مما جنيته على نفسك؟"

كان كايروس يرتجف، ليس من شوان، بل من ذلك الكيان الذي اختفى للتو.

أدرك بحدسه أن ذلك الشخص لا يمكن أن يكون مجرد إمبراطور أو حتى قديس..

تلك الهالة لا يمتلكها إلا "كائن سماوي" متعالٍ. دارت الأفكار في رأسه كالإعصار: "من؟ من الذي أغضبته؟ أنا لم أفعل شيئاً سوى مهاجمة إمبراطورية مينغ من الشرق... والشمال... لحظة!"

اجتاحت موجة من الإدراك المرعب عقل كايروس، وتوسعت حدقتاه وهو يهمس في داخله بصدمة: "الشمال... كازمان! ماذا فعلت أيها الأحمق؟ ماذا فعلت؟ يا إلهي!"

لم يكن هناك وقت للندم، صرخ كايروس محاولاً تدارك الموقف وتثبيت صوته المرتعش: "أيها الجنود! انسحاب! انسحبوا جميعاً وبأقصى سرعة!"

بدأ الجنود بالفرار بالفعل، ولكن شوان لم يكن ليضيع هذه الفرصة. تحرك بسرعة خاطفة وباغت كايروس بضربة مدمرة موجهة إلى صدره مباشرة.

"بووووم!"

دوى صوت الاصطدام، وتراجع كايروس عدة خطوات في الهواء وهو يمسك صدره بألم، ثم صرخ بغضب:

"أنت... شوان! شواااااااااااان!"

لم يكترث شوان لصراخه، بل وجه أوامره لجيشه بصوت جهوري: "يا قوات إمبراطورية مينغ! لا تدعوهم يهربون! أمسكوا بهؤلاء الجنود، سنقدمهم قرابين لاسترضاء السيد السماوي!"

ما إن صدر الأمر، حتى اندفعت قوات مينغ كالسيل الجارف، يفتكون ويأسرون جنود المياه الزرقاء المذعورين. بدا النصر حليف شوان بلا منازع.

ولكن فجأة...

"هاهاهاها!" "هاهاهاهاهاها!"

توقف الزمن للحظة. كان كايروس يضحك.. لم تكن ضحكة هزيمة، بل ضحكة هستيرية مجنونة. وضع يده على نصف وجهه، بينما كانت عينه الظاهرة تلمع ببريق الجنون وهو يحدق في شوان.

عقد شوان حاجبيه باستغراب وسأل بحذر: "ما المضحك في موتك؟"

أجاب كايروس وصوته يقطر سخرية وثقة مرعبة: "هاهاها... المضحك هو سذاجتك يا شوان... أنت تثق في جنودك وتدفعهم نحو الموت بتهور!"

في تلك اللحظة، أدرك شوان أن هناك فخاً، وشعر بقشعريرة تسري في عموده الفقري.

"تراجعوا! تراجعوا بسرعة!" صرخ شوان بكل قوته، لكن صوته ابتلعه مشهد مرعب بدأ يتشكل في الأسفل.

تقدم أحد جنرالات المياه الزرقاء، وصرخ بصوت يشبه هدير الأمواج: "تشكيل المحيط الأزرق: الطوفان الأغريقي!"

في حركة موحدة، التف جنود المياه الزرقاء بسرعة مذهلة، وشكلوا بأيديهم أختاماً معقدة انطلقت منها طاقة زرقاء ساطعة. ما إن اكتمل الختم، حتى انشق البحر من العدم.

مياه هائجة، أمواج بارتفاع آلاف الأمتار، طاقة مائية مرعبة لا تبقي ولا تذر، اندفعت كوحش جائع لتبتلع جنود إمبراطورية مينغ المتقدمين، محولة ساحة النصر إلى مقبرة مائية في رمشة عين.

2025/12/07 · 172 مشاهدة · 874 كلمة
Moncef_
نادي الروايات - 2025