الفصل 32: جيلان

انقشع غبار المعركة عن مشهد مروع؛ تراجع من كُتبت له النجاة، وابتلع اليم من كان أجله قد حان.

وقف جنود إمبراطورية "مينغ" مذهولين أمام الجدار المائي الهائج الذي حال بينهم وبين خصومهم، حاجز أزرق هادر يفصل الحياة عن الموت.

وسط هدير الأمواج، نطق كايروس وهو يرمق شوان بابتسامة صفراء مليئة بالثقة: "هل استوعبت الدرس الآن يا شوان؟"

لكن رد فعل شوان كان غير متوقع، انفجر بضحكة هستيرية وكأن عقله قد غادر جسده، متجاهلاً الخسائر الفادحة ومستحضرًا صورة "جيمس" المرعبة:

"دقيقة... ماذا فهمت؟ هاهاها! ما فهمته هو أن إمبراطوريتك قد حُكم عليها بالدفن والمحو! هاهاها... لا تحاول إقناعي بقوتك الزائفة يا كايروس، فأنت تعلم جيدًا أن ذلك 'السيد' الذي نطق من السماء لا قِبل لأحد به. لذا، بدلاً من التباهي، أقنعني كيف ستنجو بجلدك من غضبه!"

ختم شوان كلامه بنظرة استهزاء لاذعة.

لم ينطق كايروس بكلمة، ولم يجادل، بل تلاشى من أمامه بسرعة تفوق سرعة الصوت، تاركًا فراغًا مفاجئًا.

زفر شوان الهواء بارتياح، ماسحًا العرق عن جبينه: "فيوووه... وأخيرًا انتهينا... ولكن بحق الجحيم، من يكون ذلك الشخـ..."

قبل أن يكمل جملته، جاءه همس بارد من خلفه مباشرة، يحمل نبرة الموت والسخرية معًا: "إنه أمُك... وخذ هذه هدية منها!"

تجمدت الدماء في عروق شوان. لم يدرك كيف، ومتى التف كايروس خلفه، وفات أوان المراوغة.

هوى السيف بضربة غادرة قاصمة، شطرت الهواء واصطدمت بظهر شوان بقوة مرعبة.

اندفع شوان للأمام مترنحًا، والدماء تتفجر من ظهره بغزارة كأنها نافورة، صابغة ردائه الإمبراطوري بالقاني.

رغم الألم الذي يكاد يذهب بالعقل، استدار شوان ببطء، والدماء تسيل من زوايا فمه، وصرخ بضحكة مجنونة ممزوجة بالألم: "أمي؟ ههههه... يبدو أن أمي هي من ستنكح أمك وتلقنها درسًا لن تنساه في الأيام القادمة! هاهاها!"

وفي قرارة نفسه، كان شوان يرتجف رعبًا وهو ينظر إلى جسده:

"تبًا... اللعنة! لولا درعي من المستوى الأرضي لانشطرت إلى نصفين الآن!"

تحطمت الهالة الصفراء التي كانت تحيط به، وتناثرت شظايا الدرع الروحية كالغبار في الريح، معلنة عن استنفاد طاقتها بالكامل لإنقاذ حياته.

"سووووش!"

اختفى كايروس مرة أخرى، وعيناه تشتعلان غضبًا لعدم تمكنه من قتل شوان بضربة واحدة، تاركًا خلفه الإمبراطور الجريح.

سارع أحد جنرالات "مينغ" بلهفة، وأمسك بجسد شوان قبل أن يسقط: "جلالة الإمبراطور! هل أنت بخير؟ دماءك..."

********

في مدينة "فيلان"، كان هناك شخص قد انفصل عن واقعه تماماً. لم يعد "جيلان" يسمع ضجيج العالم، ولم يعد يدرك ما يدور حوله؛

لقد تلاشى كل شيء من ناظريه، ولم يبقَ سوى سواد حالك وحزن عميق يبتلعه، وهالة سوداء مرعبة تنبعث من جسده لتعتم المكان.

"جيلان..." حاولت "مي لينغ" أن توقفه، لكن كلمتها بقيت معلقة في الهواء.

لم يلتفت إليها حتى، بل تجاوزها بسرعة خارقة، كأنه شبح غاضب، تاركاً خلفه تياراً هوائياً بارداً.

في رمشة عين، كان جيلان يقف كالموت المحتوم أمام "كازمان" وبقية الجنود.

ساد صمت ثقيل، قبل أن يهمس جيلان بصوت هادئ... هدوء ما قبل العاصفة المدمرة: "من... من الذي لمس أمي؟"

تجمدت الدماء في عروقهم. لم يكن ذلك مجرد سؤال، بل كان حكماً بالإعدام. وتحت ضغط الرعب الذي لا يقاوم، نطقت ألسنتهم بالحقيقة رغماً عنهم: "أنا." "أنا." "أنا." "أنا."

تتابعت اعترافات كازمان، الدريك، إدوارد، وإلياس بسرعة، وكأنهم منومون مغناطيسياً.

لقد رأوا في عيني جيلان جحيماً يفوق الوصف؛ نظرة فارغة وميتة كانت أكثر رعباً حتى من طقطقة أصابع "جيمس" ونظراته المجنونة.

طراااااش!

دون سابق إنذار، دوى صوت تحطم عظام وتمزق أحشاء.

بحركة خاطفة، حطم جيلان "النواة الجوهرية" (الدانتين) لكل واحد منهم، واحداً تلو الآخر.

تحول مصدر قوتهم إلى حطام في ثانية، مما أصابهم بصدمة شلت تفكيرهم. لقد تحولوا من محاربين إلى عاجزين في لحظة.

لكن جيلان لم يمنحهم ترف استيعاب الصدمة. لف طاقته السوداء حول أجسادهم المرتعشة، وحملهم معه محلقاً إلى السماء بسرعة جنونية.

"هاهاهاهاها! تعالوا... تعالوا معي! هيا بنا لكي أغتصبكم! هاهاهاهاها!"

دوى ضحك جيلان في الأفق، لم تكن ضحكة منتصر، بل كانت عويلاً من الألم الشديد، ضحكة شخص فقد عقله من فرط القهر، وهو يجرهم نحو مصير مجهول في السماء.

نظر الجميع إلى الأعلى بذهول، وقد أرعبتهم كلمة "أغتصبكم" التي خرجت منه بنبرة وحشية.

في تلك الأثناء، كان جيمس يراقب المشهد وعيناه تلمعان بتسلية مريضة، قبل أن يضرب جبهته بأسف ويصرخ ضاحكاً: "هاهاهاها! تباً! لماذا لم أفكر في ذلك؟ كان يجب أن أحشر العصي في مؤخراتهم! تباً، يا لها من فرصة ضائعة، اللعنة!"

وقبل أن يختفي جيلان تماماً بين السحب، رفع جيمس يده وأرسل شعاعاً من الطاقة الذهبية لحق بالأربعة المعلقين في السماء.

لم يكن لإنقاذهم، بل لزيادة عذابهم؛ سارت الطاقة في أجسادهم، فشفت جراحهم فوراً، وأعادت إنبات قضبانهم التي ربما تضررت، ورممت أجسادهم لتعود كاملة صحيحة.

ابتسم جيمس بخبث وهو يراهم يُشفون فقط لكي يواجهوا جحيم جيلان وهم في كامل صحتهم، هامساً: "استمتعوا... لا تموتوا بسرعة."

رمق "جيمس" الأسرى المتبقين بنظرة جعلت أرواحهم تتجمد، ثم حول بصره نحو "زيفان" الذي كان يقف بانتظار الأوامر كتمثال من طاعة.

أشار جيمس بيده نحو أولئك التعساء، وقال بنبرة باردة خالية من أي ذرة رحمة، وكأنه يطلب التخلص من نفايات لا قيمة لها: "هي زيفان... سأكلفك بهؤلاء."

تقدم جيمس خطوة، وارتسمت على شفتيه ابتسامة سادية وهو يتابع تعليماته بدقة مرعبة: "دمر نواتهم الجوهرية فوراً، حطم كبرياءهم واجعلهم مجرد أجساد فارغة من القوة. ثم اربطهم بإحكام في الساحات العامة."

توقف قليلاً، واضعاً إصبعه على ذقنه بتفكير مصطنع، وعيناه تلمعان ببريق الجنون وهو يختار طريقة العذاب: "وبعد ذلك... أطلق العنان لمخيلتك. اجلب كلاباً مسعورة لم تذق طعم اللحم منذ دهر لتنهشهم وهم أحياء، أو قم بإذابة الحديد واسكبه مصهوراً في أجوافهم... أو..."

لوح بيده بلا مبالاة، ثم حدق في عيني زيفان مباشرة وأكمل بنبرة آمرة حادة: "المهم، عذبهم لأكبر قدر ممكن من الألم. أريدهم أن يتمنوا الموت في كل ثانية ولا يجدونه. اعتصر أرواحهم حتى آخر قطرة."

انحنى زيفان باحترام عميق، وقد عكست عيناه وحشية لا تقل عن سيده، بينما انهارت قوى الأسرى تماماً، مدركين أنهم مقبلون على جحيم لا نهاية له.

**********

وقفة اضطرارية مع القراء (من خلف الكواليس):

أعرف أن هناك سؤالا يغلي في صدرك منذ مدة، وربما تسبني في سرك الآن وتقول: "يا أيها الكاتب الغبي، أين كايزر؟ لماذا تجاهلته هكذا؟ تبا لك، ذلك الرجل كان عبارة عن كتلة من الكاريزما تمشي على قدمين!"

وأنا أرد عليك بكل حب وأقول: "تبا لك أنت أيضا."

يا عزيزي، افهم القواعد. كايزر كان مجرد "استدعاء" من النظام، يعني بضاعة مستوردة. هل تعرف ماذا يعني ذلك؟ يعني أنه بمجرد انتهاء صلاحيته (موته)، يقوم النظام بتفعيل خدمة "التنظيف الذكي"، فيسحب جسده ويخفيه من الوجود كأنه لم يكن أبدا.

النظام بخيل جدا ولا يترك بضاعته مرمية في الأرض، شفطه شفطا كأنه تطبيق وانحذف نهائيا من الهاتف. لذا توقف عن البكاء، لا توجد جثة لندفنها ولا عزاء لنقيمه، الرجل تبخر تقنيا.

( يعني النظام بعد ما يلاحظ ان الاستدعاء تم قتله، ينتظر مدة من الوقت وياخده مرة أخرى)

+ماشفت تعليقات بالفصل الي قبل هاد والله تبا ضروري الانسان يذكركم والله عيب اخخخخخخ

تحياتي لروكان المعلق الأسطوري .

2025/12/07 · 141 مشاهدة · 1070 كلمة
Moncef_
نادي الروايات - 2025