35 - ولي العهد تشون، وهيبة ملك القتل

الفصل 35: ولي العهد تشون، وهيبة ملك القتل

"توقف يا هيون.. لماذا تهدر وقتك؟ ماذا تتوقع من ابن تلك الفلاحة القذرة سوى النباح؟"

جاء الصوت من الخلف، بارداً، متعجرفاً، ومشبّعاً بسلطة لم يكتسبها بل ورثها. اخترقت تلك الكلمات طبلة أذن هوا كخنجر مسموم، ليس بسبب معناها، بل بسبب صاحبها.

تجمد هوا في مكانه. تلاشى العالم من حوله، ولم يبقَ سوى ذلك الصوت. ارتفعت هالة قتالية سوداء وذهبية من جسده بشكل لا إرادي، تلتف حوله كأفعى جائعة. التفت ببطء شديد، وعيناه المحتقنتان بالدم تقعان على الشخص الذي وصل للتو.

ولي العهد، تشون. الشخص الذي كرهه أكثر من أي كائن في الوجود. قاتل أمه. الهدف الذي عاش وتدرب من أجل الوصول إليه.

كان تشون يقف هناك، يرتدي درعاً ذهبياً لامعاً، وينظر إلى هوا بنظرة اشمئزاز كأنه ينظر لصرصور، غير مدرك أن الصرصور قد تحول إلى تنين.

حاول الأمير هيون، الذي كان لا يزال واقفاً، استغلال وصول أخيه الأكبر ليزيد من الطين بلة، فابتسم بخبث وفتح فمه ليكمل السخرية: "أنت محق يا أخي.. دم تلك العا..."

لم يكمل جملته.

اختفى هوا من مكانه تاركاً خلفه صورة خيالية. وفي جزء من الثانية..

طرااااااااااااااااخ!

دوى صوت صفعة مرعب، صوت يشبه ارتطام صخرة بقطعة لحم نيئة. انفجر الهواء حول رأس هيون. التوى عنقه بزاوية مستحيلة، وتطايرت دماء وأسنان بيضاء في الهواء ببطء مؤلم. دار جسد هيون في الهواء دورتين كاملتين من قوة الدفع، قبل أن يرتطم بالأرض الصلبة بقوة مدمرة.

بــوووم!

اهتزت الأرض تحت أقدامهم، وتناثر الغبار. حين انقشع، كان رأس الأمير هيون مغروساً حرفياً داخل الصخر، وجسده يرتعش بتشنجات لا إرادية.

ساد الصمت، و فتح تشون فمه بذهول. السرعة كانت خيالية.. قوة جسدية خالصة دون حتى استخدام الهالة!

تقدم هوا بهدوء مخيف، ورفع قدمه، ثم وضعها ببطء وثقل فوق رأس أخيه المحطم والمغروس في الأرض. ضغط بقوة حتى سُمع صوت طقطقة الجمجمة.

"تكلم مرة أخرى.." همس هوا بصوت قادم من الجحيم، نبرة خالية من أي مشاعر بشرية: "وسأدفنك، وأدفن أمك، وأنبش قبر أم أمك لأدفن عظامها معك في هذه الحفرة القذرة."

ارتجف جسد هيون تحت قدمه، لكنه لم يجرؤ -أو لم يستطع- الرد.

رفع تشون بصره عن أخيه المسحوق، ونظر إلى هوا. اختفت نظرة الاحتقار وحلت محلها نظرة حذر شديد.

"هذا.. جيد. جيد جداً يا أخي الصغير. أحسنت صنعاً في تعلم بعض الحيل."

رفع هوا رأسه ببطء لينظر إلى تشون.

تلاقت النظرات.

لم يكن هناك غضب في عيني هوا.. بل كان هناك شيء أكثر رعباً.

"تشون.. تشون.. تشون.."

بدأ هوا يتمتم بالاسم كأنه يتذوق طعاماً شهياً انتظره لسنوات. اهتزت كتفاه، وبدأ صدره يعلو ويهبط.

"هاهاهاهاهاهاهاهاها!"

انفجر هوا في ضحكة هستيرية، ضحكة مجنونة كسرت هدوء السماء. لم تكن ضحكة فرح، بل ضحكة وحش وجد فريسته أخيراً. أمسك وجهه بيده، وأظافره تغرس في جلده، بينما عيناه مثبتتان على تشون بجنون مطلق.

"يا إلهي.. إنه تشون! بشحمه ولحمه وعظامه!" صرخ هوا وهو يفتح ذراعيه كأنه يستقبل صديقاً قديماً، والدموع تنزل من عينيه من فرط الضحك: "هل هذا حقيقي؟ هل أنت واقف أمامي حقاً؟ هل تعلم كم مرة قتلتك في أحلامي؟ هل تعلم كم مرة مزقت حنجرتك بأسناني في خيالي؟"

توقف عن الضحك فجأة، وتحول وجهه إلى قناع بارد خالٍ من أي تعبير، وانخفض صوته لهمس مرعب: "وأخيراً.. الكابوس أصبح حقيقة. اليوم، سأجعلك تتمنى لو أن أمك أجهضتك قبل أن ترى النور."

في الخلفية، كان جيمس يراقب المشهد، وابتسامة فخر ملتوية ترتسم على شفتيه، متمتماً لنفسه: "نعم.. أخرج كل هذا الجنون يا بني. العقل مجرد عائق في طريق القوة."

بوم!

انفجر الهواء. لم يكن هناك وقت للرمش، ولا حتى للتنفس.

في جزء من الألف من الثانية، اختفى العالم من أمام عيني هوا. لم يرَ تحرك تشون، لم يرَ انطلاقته، لم يرَ حتى خياله. كان الأمر أشبه بالانتقال الآني.

فجأة، شعر بضغط هائل من الفولاذ البارد يطبق على حنجرته.

اختنقت أنفاسه، وارتفعت قدماه عن الأرض. وجد هوا نفسه معلقاً في الهواء، ووجه تشون المتعجرف على بعد بوصات منه، وعيناه تشعان بنية قتل باردة ومحتقرة.

"صرصور في مرحلة 'الحاكم' ينظر إلى شخص في مرحلة 'الملك' ويقول علناً أنه يريد قتله؟"

ابتسم تشون بسخرية، وشد أصابعه أكثر على عنق هوا، مستمتعاً بصوت حشرجة الموت التي بدأت تخرج من حلق أخيه الأصغر.

"هل جننت أخيراً يا هوا؟ هل تظن أن القفز فوق الرتب مجرد لعبة أطفال؟"

"صدم هوا من سرعة تشون، إذ لم يستطع حتى سحب سيفه لبدء القتال.

أدرك حينها أن التقنيات ليست وحدها ما يحدد النصر في المعركة، بل مستوى الصقل أيضاً.

شعر بعجزٍ كبير في أعماق قلبه؛ لقد تدرب وفعل كل شيء، ولكن في النهايةلم يتمكن حتى من سحب سيفه.

'هاهاها... تباً'، ضحك هوا في نفسه باشمئزاز."

أراد تشون إنهاء الأمر بإذلال. قرر أن يسحب رأس هوا نحوه ليهمس بكلماته الأخيرة، أو ربما ليهشم جمجمته بضربة رأسية واحدة.

"تعال إلى هنا أيها ال..."

شد تشون ذراعه ليجذب هوا.. ولكن..

هوا لم يتحرك.

وتشون لم يشعر بثقل جسد أخيه.

ساد سكون غريب لثانية واحدة.. ثم..

طرااااااااااااااخ!

صوت مرعب يشبه صوت سحق ثمرة بطيخ بمطرقة حديدية عملاقة دوى في المكان.

لم تُقطع يد تشون.. ولم تُبتر..

بل انفجرت.

من المعصم وحتى أطراف الأصابع التي كانت تمسك بعنق هوا، تحولت يد ولي العهد إلى سحابة حمراء.

العضلات، الجلد، الأوتار، والعظام القوية لمتدرب في مرحلة الملك.. كلها تحولت في لحظة واحدة إلى عجينة من اللحم المفروم وشظايا العظام البيضاء الدقيقة.

بــوف!

تناثرت الدماء الساخنة واللزجة كالمطر الغزير، غطت وجه هوا بالكامل، ولطخت الدرع الذهبي لتشون باللون القرمزي.

سقط هوا على الأرض وهو يسعل بعنف، يمسح الدم واللحم المتناثر عن وجهه.

بينما ظل تشون واقفاً مكانه، وعيناه مفتوحتان على وسعهما، ينظر إلى المكان الذي كانت توجد فيه يده اليمنى.

لم يتبقَ سوى جذع مدمى عند المعصم، تنبض منه الدماء بغزارة مع كل دقة قلب.

"يـ... يدي؟"

همس تشون بصوت مرتجف، وعقله يرفض تصديق ما تراه عيناه. الألم لم يصله بعد، فالصدمة كانت أسرع من الأعصاب.

تجمد الزمن في تلك البقعة من التلة.

لم يستوعب العقل البشري ما حدث للتو. لم يكن هناك وميض سيف، لم يكن هناك تموج في المانا، لم تكن هناك حتى نية قتل محسوسة سبقت الضربة.

كان الأمر أشبه بسحر شعوذة أسود؛ يد كانت موجودة، وفي اللحظة التالية.. أصبحت عدماً.

تسمر السلف يانهوي في مكانه، وهو الذي عاش لقرون وخاض حروباً لا تحصى.

قبضته على عصاه اشتدت حتى كاد الخشب العتيق يتحطم بين أصابعه.

عيناه، اللتان اعتادتا رؤية مسارات الطاقة وتحركات الخصوم بوضوح الكريستال، كانتا الآن ترتجفان بـ رعب بدائي.

"كيف..؟"

صرخ السؤال في عقله دون أن يجرؤ لسانه على نطقه.

بصفته خبيراً في مستوى متقدم، كان يثق في حواسه ثقة عمياء. لكنه لم يرَ شيئاً. لم يشعر بشيء.

لا حركة، لا هالة، لا صوت.

مجرد محو.

لقد مُحيت يد حفيده الأقوى من الوجود كأنها لم تكن يوماً جزءاً من جسده، ولم يتبقَ سوى رذاذ اللحم الأحمر الذي يلطخ الهواء.

بجانبه، كان الإمبراطور شوان يبدو وكأن روحه قد سُحبت من جسده. شحب وجهه حتى صار بلون الرماد، وفكّه السفلي يرتجف دون سيطرة. كان ينظر إلى الجذع المقطوع في ذراع ابنه المفضل، "أمل الإمبراطورية"، والدم يتدفق منه بغزارة مرعبة. تحطم كبرياء الإمبراطور في ثانية. كل خططهم، قوتهم، جيشهم.. بدت نكتة سخيفة أمام هذا الكيان المجهول الذي يستطيع تفجير أطراف البشر بمجرد التفكير.

أما هيون، الذي كان لا يزال يحاول استجماع شتات نفسه من الأرض، فقد تملكه ذعر هستيري. زحف للخلف تلقائياً، دافعاً جسده بقدميه وكأنه يحاول الهروب من وحش غير مرئي. عيناه جحظت وهو يرى ما حدث لأخيه الأكبر "الذي لا يقهر". إذا كان تشون، الذي في مرحلة "الملك"، قد فقد يده دون أن يدرك، فماذا سيحدث له هو؟ شعر ببرودة الموت تتسلل إلى عظامه، وصوت دقات قلبه يصم آذانه.

لم يجرؤ أحد على التنفس. لم يجرؤ أحد على الرمش. كان الخوف من المجهول يسيطر على المكان، ورائحة الدم الحديدية كانت الشيء الوحيد الحقيقي في هذا الكابوس.

"آآآآآه!" أطلق تشون صرخة أخيرة قبل أن ينهار جسده على الأرض، غارقاً في عرقه، وقد استنزفت الصدمة كل ذرة من طاقته.

بوووم!

لم يكد يلتقط أنفاسه حتى باغته ركلة ساحقة وُجهت مباشرة إلى وجهه، قذفت به ليتقلب في الهواء كدمية خرقة قبل أن يرتطم بالأرض بعنف.

تجمدت الدماء في عروق تشون والجميع، لكن ذهوله لم يكتمل، إذ وجد جسده يُنتزع من الأرض بقوة خفية، ليبقى معلقاً في السماء بلا حول ولا قوة.

صدح صوت بارد كالموت، ملأ المكان هيبةً ورعباً: "هل تملك الجرأة لتدنيس ابني بيدك القذرة في حضرتي؟ هل أنت مستعجل على الموت؟!" قالها جيمس وهو يرمق تشون المعلق بنظرات حادة كالسيوف.

اتسعت عينا تشون رعباً، وتمتم بصوت مرتجف غير مصدق:"ابـ... ابنك؟!"

تجاهل جيمس الجميع، والتفت ببرود نحو هوا سائلاً: "هوا... هل تريد إنهاء حياته بيدك؟ أم أتولى أنا قتله نيابة عنك؟"

خيم صمت ثقيل ومرعب على الساحة. أدرك السلف يانهوي فوراً أن جيمس لا يمزح، وأن الكارثة قد حلت. دون تردد، اندفع السلف ورمى بنفسه على الأرض ساجداً، يضرب جبهته بالتراب توسلاً: "أرجوك يا سيدي! أرجوك.. ارحمه، إنه جاهل لا يفقه شيئاً!"

وما إن أدرك شوان خطورة الموقف حتى تبع والده مسرعاً، ساجداً بنفس الطريقة المذلة.

بووووم!

فجأة، هبطت قدم جيمس المغلفة بطاقة تشي ذهبية مرعبة فوق رأس السلف يانهوي، دافنةً رأسه في باطن الأرض. صُعق السلف من هذا الجبروت؛ فرغم كونه في مرحلة الإمبراطور، كاد أن يفقد وعيه من ثقل الضغط الهائل لتلك الركلة.

وفي الجانب الآخر، لم يكن حال شوان أفضل، فقد قذفته موجة الطاقة بعيداً ليطير إلى الوراء ممسكاً بصدره.

"بُففف!"

تقيأ شوان دماءً غزيرة، ثم رفع رأسه ناظراً إلى جيمس بمزيج من الغضب والألم صائحاً: "ما معنى هذا يا سيدي؟! نرجو أن تمنحنا بعض الوجه، فنحن في النهاية أباطرة عشيرة ميـ..."

ماتت الكلمات في حلقه قبل أن يكمل جملته.

تراجع شوان إلى الخلف زاحفاً، وقد تملكته صدمة مرعبة ألجمت لسانه، حينما تراءى له خلف ظهـر جيمس أربعة أشخاص بهالات لا توصف…

"من ذا الذي يمتلك الجرأة ليرفع صوته في حضرة 'السيد'، واصفاً ذاته الحقيرة بمالك هذا المكان؟ يبدو أنني كنت متساهلاً أكثر من اللازم..."

دوى هذا الصوت من السماء ، حيث ظهر شخص يطفو بمهابة، متربعاً فوق عرش مخيف شيد من العظام، بينما انبعثت منه هالة مرعبة كتمت أنفاس الموجودين وجعلت الجو ثقيلاً كالموت.

2025/12/10 · 137 مشاهدة · 1574 كلمة
Moncef_
نادي الروايات - 2025