رفعت هذا الفصل لأعلن عن روايتي الجديدة "أنا مريض نفسي ولكن عائلتي ستكون الأعظم". الرواية جميلة جدا وممتعة، وقد وصلت للفصل التاسع عشر. أدعوكم جميعا لقراءتها.

*****

الفصل 38: جيش السماء

من فوق التل المشرف على ساحة المعركة، وقف الجنرال "أشفورد" شامخاً بزهو، يمسح بنظراته الأفق الممتد.

كانت الأرض تميد تحت ثقل جيوش "إمبراطورية المياه الزرقاء" الجرارة؛ محيطٌ هادرٌ من الملايين، دروعهم تلمع تحت الشمس كأمواج لا نهاية لها.

وفي المقابل، بدت قوات "جيمس" التي بالكاد تلامس عتبة الخمسمائة ألف – كنقطة حبر ضئيلة في بحر هائج.

أطلق أشفورد ضحكة مجلجلة مفعمة بالاستخفاف، وقال بصوت جهوري سمعه قادة فيالقه: "بماذا يفكر هؤلاء الحمقى؟ هل يعتقدون حقاً أن شرذمة لا تتجاوز الخمسمائة ألف قادرة على مجابهة طوفان الملايين؟ هاهاها!"

هز رأسه بسخرية، ولمع بريق الغطرسة في عينيه وهو يضيف: "يالهم من أغبياء، إنهم يسوقون أنفسهم إلى المذ..."

لم تكتمل الكلمة. بل لم يدرك أحد متى انقطع الصوت.

في جزء من الثانية، تجسد خيالٌ أسود خلف الجنرال مباشرة. لم يكن سوى "لوسين"، الذي ظهر كالطيف المنبعث من الجحيم.

وبحركة خاطفة لا تكاد تراها العين المجردة، لمع نصل سيفه وهو يشق الهواء.

انفصل رأس أشفورد عن جسده، بينما ظلت تعابير السخرية متجمدة على وجهه الطائر في الهواء، قبل أن يسقط الجسد الضخم على الأرض محدثاً صوتاً مكتوماً.

"بففف... ماذ.." كانت تلك آخر حشرجة خرجت من عنق الجنرال المقطوع، بينما وقف لوسين فوق الجثة، ينظر إليها بازدراء.

"تف.. أخخ."بصق لوسين على جثة القائد الأعلى لجيوش الإمبراطورية، غير عابئ بآلاف الأعين التي كانت تراقبه بذهول.

ساد صمت مطبق لثوانٍ، وكأن الزمن قد توقف. الصدمة ألجمت ألسنة جنود وضباط إمبراطورية المياه الزرقاء.

فجأة، مزق صراخ أحد الضباط جدار الصمت بعد أن استوعب الكارثة: "الجنرال قُتل! اقتلوه!، اقتلووووه!"

دبت الفوضى في صفوف القيادة، وصرخ ضابط آخر وقد احتقن وجهه بالدماء: "أمسكوا بهذا الوغد! لا تدعوه يهرب!"

تحركت الجموع الغفيرة كالسيل الهادر نحو لوسين، متخليين عن تشكيلاتهم الدفاعية، دافعهم الغضب والرغبة العمياء في الانتقام.

تراجع لوسين إلى الخلف بخطوات متعثرة مصطنعة، ورفع يديه ملوحاً بابتسامة ماكرة تراقصت على شفتيه، بينما صرخ بصوت متهكم سمعه المهاجمون:"ماذا؟ ماذا فعلت يا أبناء العاهرة؟ أقسم أنني لم أفعل شيئا! توقفوا أرجوكم!"

كانت كلماته كالزيت على النار، فازداد الجنود هيجاناً.

"اقتلوووووووه!"

اندفع الضباط والجنود خلفه بطريقة فوضوية، متخليين عن أي انضباط عسكري، وكسروا صفوفهم في سباق محموم للظفر برأسه.

استدرجهم لوسين ببراعة، يركض أمامهم بمسافة قصيرة، يغريهم بالاقتراب، حتى وصلوا إلى نقطة اللاعودة.

فجأة، توقف لوسين. غرس قدميه في الأرض، واستدار ليواجه الطوفان القادم نحوه. اختفت ملامح الخوف المصطنع، وحلت محلها نظرة باردة كالموت.

قال بصوت هادئ، ولكنه مرعب:"كنتم رجالاً صالحين."

لم يبالِ الجنود المندفعون بكلماته، واستمروا في هجومهم الأعمى، لكن... حدث ما لم يكن في الحسبان.

في لمح البصر، ومن دون سابق إنذار، بدأت الرؤوس تتطاير.

لم يكن هناك أعداء مرئيون. فقط صوت "شيششش" خافت، صوت شفرات تقطع اللحم والعظم بسرعة خيالية.

بدأت رؤوس الجنود في الصفوف الأمامية تسقط على الأرض وتتدحرج كالثمار الفاسدة، بينما ظلت أجسادهم تركض لخطوة أو اثنتين قبل أن تنهار.

"ماذا يحدث؟!"تسمر الجنود في الصفوف الخلفية، واتسعت حدقات أعينهم رعباً وهم يرون رفاقهم يموتون بالعشرات، ثم بالمئات، ثم بالآلاف.

رؤوس تنفصل، أطراف تبتر، ودماء تنفجر كنوافير حمراء، والقاتل... مجهول!

لا أحد. لا شيء سوى الهواء والموت. كانت كتيبة القتل السماوي تحصد الأرواح بصمت مرعب. تحولت الساحة إلى مسلخ بشري.

الرعب الذي دب في قلوب جنود الإمبراطورية كان أشد فتكاً من السيوف؛ فهم يواجهون أشباحاً لا يمكن رؤيتها ولا صدها.

في دقائق معدودة، تمت تصفية جميع من تبع لوسين. تكدست الجثث فوق بعضها البعض مشكلة تلاً من اللحم والحديد.

وقف لوسين وسط بركة الدماء التي غطت كاحليه. كان جسده مخضباً بالأحمر القاني من رأسه حتى أخمص قدميه. رفع رأسه ونظر إلى ما تبقى من جيش الإمبراطورية البعيد، وضحك.

لم تكن ضحكة بشرية، بل ضحكة شيطان يستمتع بالجحيم الذي صنعه.

خيّم صمت المقابر على ملايين الجنود من الإمبراطورية. المنظر أمامهم – لوسين الضاحك وسط آلاف الجثث المقطوعة الرؤوس – حفر الرعب في عظامهم. لقد أدركوا للتو أنهم لا يواجهون جيشاً عادياً... بل يواجهون كابوساً.

لم يكد جنود الإمبراطورية يلتقطون أنفاسهم من هول المذبحة الأرضية، حتى أظلمت السماء فوق رؤوسهم. تلاشت أشعة الشمس، لا بسبب الغيوم، بل بسبب رفرفة آلاف الأجنحة العملاقة.

ارتفعت الأعناق نحو الأعلى، وهناك، خلف لوسين الملطخ بالدماء، ظهر المشهد الذي خلع القلوب: عشرات الآلاف من الفرسان يمتطون "غريفينات" ناصعة البياض، تملأ الأفق كجيش من الملائكة الغاضبة.

كانت الغريفينات تزفر الهواء بضراوة، وعلى ظهورها جنود يشدون أوتار أقواسهم، موجهين سهاماً بيضاء تشع بوميض مرعب نحو الأسفل.

سرعان ما نفض جنرالات الإمبراطورية غبار الذهول عن عقولهم؛ فبرغم أن مصرع القائد الأعلى "أشفورد" قد هز المعنويات، إلا أنهم أدركوا حقيقة مرعبة لا يمكن تجاهلها: قوتهم العسكرية لا تزال جبارة.

تحركت آلة الحرب الإمبراطورية بانتظام مخيف بعد أن استعاد قادتها رباطة جأشهم، فجيش "المياه الزرقاء" وحش كاسر متعدد الرؤوس، ينقسم إلى عشرين كتيبة، قوام الواحدة منها مائة ألف مقاتل، وعلى رأس كل كتيبة يقف جنرال بمرتبة "ملك"، أطلقت هالاتهم العنان للقوة والغطرسة لتمحو أي أثر للخوف من قلوب جنودهم.

دوى صوت الجنرالات في وقت واحد، كأنه رعد شق السماء: "فرقة الدرووووووووووع... تقدموا إلى الأماااام!"

استجابت الأرض لأقدامهم. تقدمت جحافل المشاة الثقيلة. كانوا مغطين بالكامل بفولاذ سميك لا يظهر منه شبر من بشراتهم، يحملون تروساً مستطيلة ضخمة تشكل عند التحامها جداراً فولاذياً لا يمكن اختراقه.

اصطفت الدروع وتلاحمت، مشكلة سقفاً حديدياً حصيناً يغطي الجيش، مستعدين لصد أي وابل من السهام التقليدية.

في الأعلى، على بعد مائة متر فقط، حلقت "كتيبة الأرض والسماء".

نظر الجنرال "جوان" من علياء غريفينه الأبيض نحو "الجدار الحديدي" في الأسفل.

رمش بعينيه مرتين، ثم انفجر في نوبة ضحك هيستيرية.

مال بجسده إلى الأمام، ووضع رأسه على ريش الغريفين، وجسده ينتفض من شدة القهقهة وكأنه يشاهد عرضاً كوميدياً لا ساحة حرب.

اقترب منه نائبه "لوكاس"، وعلامات الذهول والاستنكار تعلو وجهه، ونظر إلى الأسفل بغير تصديق: "أيها الجنرال... ماذا يفعل هؤلاء الحمقى؟"

أشار لوكاس بيده نحو الدروع الحديدية السميكة وأكمل بصوت يملؤه الاستخفاف: "انتظر... هل يعتقدون حقاً أن صفائح الخردة تلك ستصد سهامنا؟ سيدي، هل هم يلعبون معنا أم أنهم يجهلون من نكون؟"

أمسك لوكاس رأسه، عاجزاً عن استيعاب سذاجة العدو. كيف يجرؤون على مجابهة قوة سماوية بقطع من الحديد البدائي؟

فجأة، توقف جوان عن الضحك. انتفض واقفاً على ظهر الغريفين بتوازن مثالي، وهالة من القوة المرعبة تحيط به. رفع يده اليمنى عالياً، وكانت قبضته مضمومة بقوة.

ساد الصمت لثانية واحدة. حبس الجميع أنفاسهم؛ جنود كتيبة السماء والأرض الذين ينتظرون الإشارة، وجنرالات المياه الزرقاء في الأسفل الذين يراقبون الحركة بترقب.

وفجأة... فُتِحت القبضة.

ما إن بسط جوان أصابعه، حتى انطلقت آلاف الأصوات التي تشبه فحيح الأفاعي. أفلت جنود السماء أوتار أقواسهم في لحظة واحدة.

لم تكن سهاماً عادية، بل كانت خطوطاً من الضوء الأبيض المكثف، مشبعة بطاقة مدمرة، انهمرت كالمطر النيزكي.

في الأسفل، نظر جنرالات الإمبراطورية إلى السهام القادمة بابتسامات واثقة، معتقدين أن النصر حليف التكتيك التقليدي.

صرخوا بصوت واحد، وهم يرمقون جوان بنظرات تحدٍ: "إلى جميع الفرق... ارفعوا الدرووووع بالكامـــل!"

لم يعلموا أن ابتساماتهم تلك... ستكون الأخيرة.

2025/12/12 · 114 مشاهدة · 1098 كلمة
Moncef_
نادي الروايات - 2025