39 - العاهل السماوي و النطاق الأبيض

الفصل 39: العاهل السماوي و النطاق الأبيض

بووووووووووووووووم!

في لحظة تلاقي السهام البيضاء مع "الجدار الحديدي"، تحول ساحة المعركة إلى جحيم أبيض.

الدروع المستطيلة السميكة، التي تفاخرت الإمبراطورية بصلابتها، انصهرت وتبخرت كما يتبخر الثلج تحت فوهة بركان.

"ماذا؟!... مستحيل!"صرخ جنرالات الإمبراطورية في آن واحد، وقد شحبت وجوههم كالأموات.

لم يصدقوا أعينهم؛ عشرات الآلاف من جنود النخبة لم يُقتلوا فحسب، بل تطايرت أشلاؤهم في السماء كأوراق الخريف في مهب إعصار.

القوة الكامنة في تلك السهام لم تكن عادية؛ لقد حمل كل سهم قوة تدميرية تعادل هجوم شخص في مستوى الملك.

سُحقت فرق الدروع بالكامل في ثوانٍ، مخلفة وراءها فجوات دموية هائلة في قلب الجيش.

لم يمهلهم "جوان" لاستيعاب الصدمة. وبينما كانت النظرات المرعبة معلقة به، رفع يده مرة أخرى ببرود تام، ثم فتح قبضته.

بووووووووووووووووم!

انشق الهواء مرة أخرى، وانهمرت موجة ثانية من "مطر الموت".

اهتزت الأرض بعنف تحت وطأة عشرات الآلاف من القذائف الضوئية. تطايرت عشرات الآلاف من الجثث الأخرى في الهواء، واختلط صراخ الأحياء بأنين المحتضرين.

تشتتت التشكيلات، وفقد الضباط السيطرة على جنودهم الذين وقفوا متسمرين، ينظرون إلى السماء برعب يخلع القلوب، بانتظار الحكم النهائي بإعدامهم.

وبالفعل، لم يتوقف الجحيم.

رفع جوان يده للمرة الثالثة. وما إن فُتحت، حتى انطلقت السهام بسرعة الصوت نحو ما تبقى من الجنود المرتعبين.

ولكن... في منتصف المسافة، حدث ما خرق قوانين الطبيعة.

تجمدت السهام في الهواء!

توقفت عشرات الآلاف من سهام الطاقة الهادرة فجأة وكأنها اصطدمت بجدار غير مرئي، معلقة بين السماء والأرض وهي تئز بطاقة مكبوتة.

"أخخخخ... يا لها من مجموعة طيور مزعجة."دوى صوت نسائي مفعم بالغطرسة والملل. كانت "أسترا"، تقف وسط الفوضى، ترفع يدها بكسل وهي تحرك أصابعها لتغيير مسار السهام.

انعكست الآية، واستدارت السهام البيضاء لتواجه أسيادها.

"طيور؟!"

اتسعت عيون جنود "كتيبة السماء والأرض" ذهولاً وهم يرون أسلحتهم الفتاكة ترتد نحوهم بسرعة جنونية.

"طيور؟ هاهاهاها! هههههه!"جاءت ضحكة مجنونة من السماء بجانب جوان. كان "لوسين" قد ظهر فجأة، يمسك بطنه من الضحك، مستمتعاً بالإهانة التي وجهت لحليفه.

لكن جوان لم يعر لوسين أدنى اهتمام. لأول مرة منذ بدء المعركة، اختفت ابتسامته الساخرة وحل محلها غضب بارد ومظلم.

لم يهرب، ولم يختبئ. نزل من على ظهر الغريفين بخطوة واحدة في الهواء، ورفع يده أمام السهام المرتدة.

انبثقت منه هالة بيضاء طاغية، اجتاحت السماء كالموجة الصادمة.

بوووووووووم!

فجر جوان سهامه الخاصة وهي لا تزال في الجو قبل أن تلامس جنوده، محولاً السماء إلى كتلة من اللهب الأبيض والدخان.

ومن وسط الدخان، انطلق صوته كالهادر:

"هييه، أيتها العجوز الشمطاء... في جميع العوالم والحروب التي خضتها، كانت الأمم تركع وتنادي باسمي 'عاهل السماء جوان'... وأنتِ تجرئين على مناداتي بالطائر؟"

لم تكن مجرد كلمات، بل إعلان موت.

"ستموتين."

ما إن نطق الكلمة الأخيرة، حتى اختفى جسده.

لم تلتقط العين حركته. في جزء من الثانية، كان جوان قد اخترق المسافة، وظهر مباشرة أمام "أسترا" التي اتسعت عيناها في صدمة لم تتوقعها.

قبل أن تتمكن من تحريك إصبعها، كانت ساقه قد انغرست في أحشائها.

ركلة مدمرة حملت كل غضبه وكبرياءه.

"كححح!"انبعج بطن أسترا، وانطلق جسدها كالصاروخ البشري نحو الخلف، تخترق صفوف جيشها.

كان تأثير الضربة قوياً لدرجة أنها لم تتوقف إلا بعد أن حطمت وسحقت آلاف الجنود الذين كانوا يقفون خلفها، تاركة خطاً مستقيماً من الدمار والدماء يشق جيش الإمبراطورية إلى نصفين.

تحت أنظار مئات الآلاف المتسمرة، تحول المشهد إلى لوحة من الترقب القاتل. توجهت العيون أولا إلى كومة الجثث حيث سقطت "أسترا"، ثم انتقلت برعب إلى "جوان"، الذي كان جسده يفيض بطاقة بيضاء نقية، لكنها تحمل ثقلا مرعبا يكتم الأنفاس.

"كحح... كحح!"بينما كان الغبار ينجلي، نهضت أسترا ببطء شديد، تسعل دما قانياً لوث ملابسها الفاخرة. رفعت رأسها بترنح، لتجد الكابوس الأبيض يتجه نحوها.

لم يرفع جندي واحد من جنود الإمبراطورية سيفه. انشق البحر البشري أمامه تلقائيا؛ الخوف الذي بثته طاقته جعل أقدامهم تتجمد، تاركين "سلفهم" تواجه مصيرها وحدها.

بدأ جوان خطواته بمشي هادئ، واثق، كأنه يتنزه في حديقة منزله وليس في ساحة معركة. ثم، تسارعت خطواته تدريجيا... ركض بطيء... هرولة... وفجأة، تلاشى!

لم يترك وراءه غبارا ولا أثرا، ببساطة محي من الوجود المرئي.

"أين؟... ماذا؟!"توسعت حدقتا أسترا، والتفتت بجنون يمينا ويسارا، ثم إلى الخلف. لا شيء سوى الهواء.

استشعر غريزتها الخطر المحدق، فصرخت مفعلة تقنيتها الدفاعية القصوى. اندفعت التيارات المائية لتشكل قبة زرقاء سميكة حولها، درعا مائيا دوارا بضغط هائل قادر على طحن الفولاذ.

لكن الدفاع لم يعن شيئا للوحش القادم.ظهر جوان فجأة، ليس أمامها ولا خلفها، بل فوقها تماما، معلقا في الهواء كحكم الإعدام.

قبض يده التي توهجت بضوء أبيض ساطع، وهوى بها لأسفل.

تششششش!

اخترقت يده المتوهجة الحاجز المائي الهادر وكأنه ورقة رقيقة. لم يتوقف، بل غاصت يده لتمسك خصلات شعرها الفضي بقسوة، ويسحبها بعنف خارج حصنها المائي المنهار.

رفعها من شعرها حتى تلاقت أعينهم، وقال بنبرة هادئة تخللتها برودة الجليد:

"من أنا؟... هل أنا طائر؟"

نظرت إليه أسترا برعب هز كيانها. هي، إمبراطورة من المستوى المتوسط، واحدة من أسياد القارة العظماء، تتدلى الآن كدمية عاجزة في قبضة شخص يجهل العالم اسمه.

لكن الكبرياء لم يمت بعد. صرخت بصوت مبحوح:

"السيف المائي!"

تجمعت الرطوبة في الجو بسرعة جنونية حول يدها اليمنى، مشكلة نصلا مائيا فائق الضغط، يلمع بحدة قادرة على شق الجبال.

ما إن لاحظ جوان تشكل النصل، حتى أفلت شعرها وقفز برشاقة إلى الخلف تاركا مسافة قاتلة.

هدر صوت جوان كالقانون المطلق:

"العاهل السماوي... النطاق الأبيض!"

انفجرت الطاقة من جسده، محولة المنطقة المحيطة به إلى عالم ناصع البياض. مد كلتا يديه، وشكلت الطاقة البيضاء نصلا طويلا متموجا، يبدو وكأنه قطعة من ضوء النجوم المتصلب.

"مت أيها العاهر!"صرخت أسترا وهي تندفع نحوه بكل ما أوتيت من سرعة، واثقة أن نصلها المائي لا يقهر.

ابتسم جوان، ابتسامة امتزجت بالاستغراب والشفقة، ولوح بيده اليسرى بحركة خاطفة وبسيطة.

سوووووووووووش!

مر صمت ثقيل لجزء من الثانية.

توقف هجوم أسترا في منتصف الطريق.

تلاشى سيفها المائي وتبخر في الهواء كأنه لم يكن. ثم…

شق!

انفصلت ذراع أسترا اليمنى عن جسدها، وسقطت على الأرض بصوت رطب، بينما اندفع الدم من مكان القطع كالنار فورة.

سقطت أسترا على ركبتيها، ثم هوت بوجهها على الأرض، تصرخ صرخة مزقت نياط القلوب من شدة الألم والصدمة.

تجمد جنود إمبراطورية المياه الزرقاء، وعيونهم تكاد تخرج من محاجرها.

سلفهم العظيم... القوة التي لا تقهر... هزمت، أهينت، وبترت ذراعها في حركتين فقط!

لم يكن هذا قتالاً... كان تصحيحا لموازين القوى.

"أجيبي على سؤالي... هل أنا طائر؟"دوى صوت جوان بطغيان لا حدود له، كأنه حاكم غاضب يخاطب حشرة، وهو يرمق أسترا الجاثية عند قدميه بنظرات تزدري الوجود كله.

انحنى نحوها ببطء، بينما العالم من حولهما قد صبغ بالبياض المطلق؛ لقد ابتلع "النطاق الأبيض" ألوان المعركة، محولا الساحة إلى فضاء خانق من الطاقة النقية.

أطبق يده على عنقها بقسوة، وجذب وجهها إليه حتى كادت أنفاسه تحرق بشرتها.

"أجيبي."

نطقها وهو يضغط على حنجرتها بأصابعه الفولاذية، هو في الحقيقة لم يكن ينتظر إجابة، بل كان يستمتع بسحق بقايا كبريائها.

وفجأة...

بصق!

خرجت من فم أسترا بصقة ممزوجة بدمائها ولعابها، ارتطمت بوجنة جوان بوضوح، مخلفة أثرا قذرا على وجهه الذي كان يشع كمالا وغرورا قبل لحظات.

أدار جوان وجهه ببطء شديد ومخيف إلى اليمين، واللعاب الأحمر يسيل على خده، بينما عيناه تحدقان في الفراغ ببرود مرعب.

خيم صمت القبور على الساحة. توقف الزمن، ولم يجرؤ أحد من مئات الآلاف على التنفس.

كانت تلك الإهانة تعني شيئا واحدا فقط: الموت المحتوم.

أفلت جوان قبضته فجأة، فتهاوى جسد أسترا المنهك وارتطم بالأرض كدمية مكسورة.

ودون أن ينطق بكلمة واحدة، ودون ذرة تردد، لوح بيده الأخرى التي كانت تتوهج بطاقة بيضاء حادة كالمقصلة، موجها ضربة قاضية نحو عنقها لفصله عن جسدها.

أطبقت أسترا جفنيها بقوة شديدة، معتصرة الظلام في عينيها، وانتظرت برودة الموت التي ستنهي عذابها.

مرت لحظة... تلتها لحظة أخرى.

انتظرت الألم، لكنه لم يأت. لم يطرا شيء.

فجأة، اهتزت الأرض تحت أقدامهم.

على يمين جوان، انشق الهواء بعنف.

ثارت عاصفة رملية هوجاء حجبت الرؤية لثانية، ومن قلب الغبار المتصاعد بقوة،

تجسد طيفان لشخصين ظهرا بسرعة تتجاوز الخيال، والرمال تتطاير من حولهما بهالة مهيبة، معلنين عن دخول لاعبين جدد إلى ساحة الموت.

2025/12/14 · 76 مشاهدة · 1238 كلمة
Moncef_
نادي الروايات - 2025